fbpx

لقاح “كورونا” الروسي بقيادة الكرملين؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ليس من قبيل المصادفة ألا يكون الشخص الذي يتصدّر المشهدَ الإعلاميّ للترويج للقاح، عالِماً، بل الخبير الماليّ المدعوم من الكرملين…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هل لديكم لقاح ضدّ فايروس “كورونا” المستجدّ، أثبت فعاليته بنسبة 90 في المئة؟ حسناً، روسيا لديها أيضاً. هكذا أعلن أحد المسؤولين في وزارة الصحّة الروسيّة بعد ساعاتٍ فقطّ من إعلان شركة “فايزر” نتائج المرحلة الثالثة من التجارب السريريّة للقاحها. علاوةً على ذلك، كانت روسيا الدولة الأولى التي تُعلن عن إقرارها أوّل لقاح ضدّ المرض الفايروسيّ “كوفيد-19″، وسمّته “سبوتنيك 5″، وحصل على موافقة الجهات التنظيميّة في آب/ أغسطس الماضي. (حظِي “سبوتنيك 5” بثقة كبيرة من أعضاء من النخبة السياسيّة الروسيّة لدرجة أنّهم اختبروا اللقاح على أنفسهم في وقت مبكّر من شهر نيسان/ أبريل، مع بداية تفشّي الوباء في بلادهم. حتّى أنّ ابنة الرئيس الروسيّ، فلاديمير بوتن، تلقّت جرعة من اللقاح). وفي تشرين الأوّل/ أكتوبر حصل العلماء الروس -المتّسِمون بالعجَلة- على الموافقة على إنتاج لقاح ثانٍ.

يُعَدّ فتح حساب على “تويتر” قبل الانتهاء تماماً من تجربة اللقاح تعبيراً مجازيّاً مناسباً للجهود العلميّة التي تبذلها روسيا عموماً، فقد تجاوز السعيُ إلى تحقيق سبق إعلاميّ، البياناتِ والتجاربَ العلميّة.

الواقع أنّ الجهود التي تبذلها روسيا في مجال تطوير اللقاحات وإنتاجها، قليلة جداً، قياساً بالجهود التي تبذلها في مجال الصحّة العامّة. وفي حين بدت ابنة بوتين في حالة صحّيّة جيدة، حسبما نعلم، تأثّرت النخبة السياسيّة في روسيا تأثّراً شديداً بسبب الفايروس. إذْ أصيب رئيس الوزراء، ميخائيل ميشوستين، بفايروس “كورونا” هذا الربيع. وأُصيبَ أيضاً ديمتري بيسكوف، المتحدّث باسم الرئاسة الروسيّة، إضافة إلى وزيرَي الثقافة والطاقة. فضلاً عن أنّ 19 من حكام المقاطعات الروسيّة ثبتت إصابتهم بالفايروس.

اللقاح الروسي

علاوةً على ذلك، يبدو أنّ مجلس الدوما الروسيّ كان موقعاً رئيساً لتفشّي الفايروس على نطاق واسع بين أعضائه. فقد صرّح رئيس مجلس الدوما أنّ 20 في المئة من أعضاء المجلس أصيبوا بـ”كورونا” في وقت ما خلال الوباء. وقال إنّه بدايةً من أواخر تشرين الأول، تلقّى 38 عضواً في مجلس الدوما -أيْ 8 في المئة من مجموع أعضاء المجلس- العلاج في المستشفى. مضيفاً أنّه ربّما كان أكثر أماناً إذا ما حضر حفل ترشيح القاضية آمي كوني باريت لعضويّة المحكمة العليا الأميركيّة (مع ما حدث في الحفل من انتشار الفايروس بين العديد من الجمهوريّين*، منه إذا حضر جلسة استماع في مجلس النواب الروسيّ. أمّا الجانب الإيجابيّ الوحيد في الأمر فهو أنّه بافتراض أنّ مجلس الدوما مُنِي بإصابة عدد لا بأس به من أعضائه، من دون أعراض واضحة، يُحتمل أنْ يكون الهيئة التشريعيّة الوحيدة في العالم التي اكتسب أعضاؤها مناعة القطيع.

خارج مجلس النواب، لا تزال روسيا بعيدة كلَّ البعد من اكتساب مناعة القطيع، فقد تعرّضت البلاد لموجة ثانية من تفشّي “كورونا”، لا تقلّ كارثيّة عن مثيلاتها في أوروبا. وتسجّل موسكو وحدها يوميّاً آلاف حالات الإصابة. ومع أنّ المناطق الأخرى تفتقر إلى وجود أنظمة موثوقة لإجراء الاختبارات وتسجيل الحالات، فثمّة أدلّة تبرهن على حدوث جائحة شديدة مماثلة في هذه المناطق. وقد أغلقت موسكو المطاعم والنوادي الليليّة من الحادية عشرة مساءً إلى السادسة صباحاً، ما ترك للسكّان 17 ساعة فقطّ يوميّاً للإصابة بالفايروس في أماكنهم المفضّلة للاجتماع لتمضية وقت ممتع. ومن الصعب تصوّر كيف يمكن أنْ تؤدّي مثل هذه التدابير إلى إبطاء انتشار الفايروس. وكما هي الحال في بلدان كثيرة، زادت المعارضة لإجراءات التباعد الاجتماعيّ وزادت حالات عدم الالتزام بقواعدها. وكلّ هذا يُعدّ بمثابة تذكير بأنّ العالم يحتاج إلى تطوير لقاحات على وجه السرعة.

بَيد أنّ روسيا لديها لقاح بالفعل، ربما تمّت الموافقة عليه من الناحية النظريّة، ولكن من المستحيل الحصول عليه.

يبدو أنّ الخيار الوحيد المتاح للروس الذين لا ينتمون للنخبة السياسيّة من أجل الحصول على اللقاح، هو الانضمام إلى التجارب التي ما زالت قيد الإعداد والدراسة، على رغم حصول اللقاح على الموافقة في السابق. في الحقيقة، شارك على الأقلّ أحد النواب المصابين بفايروس “كورونا”، وهو النائب فاليري هارتونغ، في تجارب لقاح “سبوتنيك 5” ثمّ أصيب بالمرض بعد ذلك. وعلّق قائلاً: “الآن أثبتت الاختبارات أنّني أُصِبت بفايروس كورونا، ما يعني بوضوح أنّني حصلت على الدواء الوهميّ خلال التجارب”. غير أنّ تجربة اللقاح تواجه عقبات كبيرة. فوفقاً لما ذكره رئيس المعهد الذي طوّر اللقاح، تلقّى 16 ألف شخص، اعتباراً من 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، جرعتَي اللقاح الروسيّ كجزء من التجربة التي تُجرَى عليه. وفي المقابل، تلقّى نحو 39 ألف شخص جرعتَي اللقاح التي أعلنَت عن نتائج تجاربه شركة “فايزر”. بينما لا تتخلّف شركات مثل “موديرنا”، و”أسترازينكا”، و”جونسون آند جونسون”، كثيراً عن هذا المستوى. وقد ألقى بوتين باللائمة على نقص المعدّات في التأخير في إنتاج لقاح “سبوتنيك 5” على نطاق واسع.

ليس من قبيل المصادفة ألا يكون الشخص الذي يتصدّر المشهدَ الإعلاميّ للترويج للقاح، عالِماً، بل الخبير الماليّ المدعوم من الكرملين، كيريل ديميترييف، وهو رئيس “صندوق الاستثمار المباشر الروسيّ” الذي يموّل مشروع تطوير لقاح “سبوتنيك 5”. ولعلّ هذا يفسّر سبب تفوّق النجاحات التي حقّقتها البيانات الصحافيّة حول “سبوتنيك” كثيراً على الأدلّة العلميّة التي نشرها العلماء الروس حتّى الآن.

تدريجاً، سيتلقّى 30 ألف مشارك في التجربة لقاح “سبوتنيك 5″، مع إعطاء 10 آلاف آخرين الدواء الوهميّ. بَيد أنّ البيانات الأخيرة تشير إلى أنّ التسجيل الكامل لن يتمّ إلّا بعد أسابيع على الأقلّ. وفي الوقت الراهن، لا معلومات موثوقة عما إذا كان اللقاح آمناً أو فعّالاً. وخلافاً لجهود تطوير اللقاحات التي تبذلها شركات الأدوية الغربيّة، التي حرصت على مشاركة آلاف الأشخاص في اختبارات شفّافة، فإنّ عمليّة تطوير اللقاحات في روسيا لا تزال في المراحل المبكرة من دراسات المرحلة الثالثة (وهي المرحلة التي يتمّ عندها إعطاء اللقاحات لكثير من الناس بُغيةَ تقييم آثارها الجانبيّة وفعاليّتها مقارنةً بالبدائل)، فضلاً عن أنّ البروتوكولات المتّبعة أثارت العديد من المخاوف. فقد وقّع عشرات العلماء البارزين على رسالة مفتوحة أشاروا فيها إلى الأنماط المريبة في البيانات المبكّرة للقاح الروسيّ، فضلاً عن التناقضات الأخرى في وصف خطوات التجربة. ويوضّح هذا الافتقار إلى الشفافية السببَ الذي يجعل 59 في المئة من الروس، في استطلاعات الرأي، يعربون عن عدم رغبتهم في تلقّي اللقاح. بَيد أنّ هذا التسييس لم يمنع الدول من البرازيل إلى الهند إلى المملكة العربيّة السعوديّة من عقد صفقات لشراء لقاح “سبوتنيك 5”.

في نهاية المطاف، من المحتمل أنْ ينجح اللقاح الروسيّ، لأنّه على رغم تسميته باسم “سبوتنيك” (تيَّمناً باسم أوّل قمر صناعيّ في العالم أطلقه الاتّحاد السوفياتي)، فإنّ عمليّة تطوير لقاح وإنتاجه ليست بهذا التعقيد مثل علم الصواريخ. إذ تتمتّع شركات الأدوية بعقود من الخبرة في إنتاج اللقاحات، ولدى روسيا صناعة دوائيّة متطوّرة، ولا أسباب قد تمنع أيَّ مختبر روسيّ من تطوير لقاح مضادّ لـ”كورونا”.

وخلافاً للقمر الصناعيّ الذي سُمِّي اللقاح تيَّمناً به، لن يكون “سبوتنيك 5” في واقع الأمر أوّل لقاح على مستوى العالم ضدّ “كورونا”. وقد بات من الواضح الآن أنّه على رغم حصول اللقاح على الموافقة قبل أشهر من كلّ المنافسين، فإنّ روسيا لن تكون الدولة الأولى التي يستطيع فيها شخص ما الدخول إلى إحدى الصيدليّات ليحصل على جرعة من اللقاح. إلّا أنّ “سبوتنيك 5” هو بالفعل اللقاح الأول في العالم الذي لديه حسابه الخاصّ على “تويتر”، كجزء من حملة أوسع نطاقاً للترويج لنجاحاته من قِبَل ممّوليه، من بينهم “صندوق الاستثمار المباشر الروسيّ” الذي تدعمه الحكومة. وكذلك لدى اللقاح حسابات خاصّة على منصّات التواصل الاجتماعيّ الأخرى، مثل “فايسبوك” و”إنستغرام” و”يوتيوب”.

يُعَدّ فتح حساب على “تويتر” قبل الانتهاء تماماً من تجربة اللقاح تعبيراً مجازيّاً مناسباً للجهود العلميّة التي تبذلها روسيا عموماً، فقد تجاوز السعيُ إلى تحقيق سبق إعلاميّ، البياناتِ والتجاربَ العلميّة. وليس من قبيل المصادفة ألا يكون الشخص الذي يتصدّر المشهدَ الإعلاميّ للترويج للقاح، عالِماً، بل الخبير الماليّ المدعوم من الكرملين، كيريل ديميترييف، وهو رئيس “صندوق الاستثمار المباشر الروسيّ” الذي يموّل مشروع تطوير لقاح “سبوتنيك 5”. ولعلّ هذا يفسّر سبب تفوّق النجاحات التي حقّقتها البيانات الصحافيّة حول “سبوتنيك” كثيراً على الأدلّة العلميّة التي نشرها العلماء الروس حتّى الآن.

ولا شكّ في أنّ إيلاء الأولويّة للتأثير السياسيّ في الفعاليّة الطبّيّة ليس أسلوباً جيّداً لإدارة النظام الصحّيّ. بَيد أنّ الصحّة والعلوم لم تكن من أولويّات الكرملين لسنوات، فقد شهد تمويل تلك القطاعات انخفاضاً كبيراً، وهاجَر كبار العلماء والأطبّاء إلى الخارج. بَيد أنّ كبار القادة الروس ما زالوا يقدِّرون خبراء العلاقات العامّة تقديراً كبيراً. فقد صُمِّمت عمليّة “الموافقة” على اللقاح التي قادها الكرملين بالكامل لكي تتصدّر العناوين الرئيسيّة، تماماً بقدر ما كانت تهدف إلى اختبار مستويات الأجسام المضادّة. وبوسعنا أنْ نقول بثقة تصل إلى 95 في المئة إنّها نجحت في واحدة على الأقلّ من هذه المقاييس.

  • هذا المقال مترجم عن foreignpolicy.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.
حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!