fbpx

الحدود العراقية- الإيرانية الملغمة: طرف البلاد المبتور!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تقدّر الألغام المنتشرة بين الحدود العراقية والإيرانية بما بين 25 و27 مليون لغم أرضي، اعتماداً على ما تم استيراده وتصنيعه خلال حقبة الثمانينات من القرن المنصرم. 8 ملايين منها في إقليم كردستان شمال العراق.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تأبى ذاكرة الحاجّة صبرية جواد راضي، نسيان الحادث الذي تعرض له ابنها الوحيد عدنان ربيع عام 1993. كان في العاشرة من عمره، يرعى قطيع ماشيةٍ في أطراف قرية “الطعان” المحاذية للحدود العراقية- الايرانية، حين ارتفعت نافورة الموت النارية بجواره لتتحول حياته إلى مأساة.

تصف أمهُ بأسى المشهد الناجم عن انفجار لغم أرضيٍ من مخلفات الحرب العراقية الايرانية (1980 – 1988)، حين “بتر الانفجارُ قدمهُ اليمنى وجزءاً من ساقه. وخلّف جراحاً في أنحاء أخرى من جسده وبقي لأسابيع في المستشفى بين الحياة والموت”.

من ضحايا الالغام في العراق

لم يخسر عدنان قدمه اليمنى فحسب، بل أيضاً فرصة مواصلة تعليمه لعدم وجود مدرسة قريبة من قريته الطعان، فالمنطقة مملوءة بالألغام، ما يحول دون شمولها بالخدمات الأساسية والبدهية كبناء المدارس وشقّ الطرق على رغم الحاجة الماسة إليها.  

مئات القرى والتجمعات السكانية الممتدة من “بنجوين وجوارته” أقصى شمال العراق وصولاً إلى “رأس البيشة”- محافظة البصرة في أقصى الجنوب، يهددها نحو 25 مليون لغم مزروع منذ ثمانينات القرن الماضي. حصدت هذه الألغام حتى الآن آلاف الأشخاص، فقتلت كثيرين وبترت أطراف آخرين، حتى بات يطلق على قرى حدودية بأكملها ومن بينها قرية الطعان “قرى العرجان”.

تقدر المساحات المزروعة بالألغام بنحو 6 آلاف كيلومتر مربع، تضم حقولاً زراعية ومراعي خصبة لا يمكن استغلالها بسبب الخطر، إلى جانب تعطّل فرص إنشاء مشاريع صناعية واستثمارية فيها، فضلاً عن توقّف تقديم الخدمات من طرق ومدارس ومراكز صحية ما يدفع الى هجرة سكانها عنها.

زرباطية محميّة أممية… ولكن!

كل بضعة اشهر يتفقد السبعيني حسن علي، من بعيد حقله في شرق الزرباطية، الذي كان عامراً بالأشجار قبل الحرب التي حولته حقل للألغام. يقول وهو يشير إلى مجموعة أشجار تبعد 50 متراً من الطريق الذي لا يمكن تجاوزه، “هناك في السبعينات كنت أنا وأبي نمضي ساعات النهار… أحياناً تراودني تلك الأيام في احلامي”.

يلتفت علي يميناً ويهمس بصوت مخنوق “تلك الأشجار كانت آخر ما زرعناه… تبددت أعمارنا ونحن ننتظر أن نعود اليها”.

يقول مدير الناحية صالح يحيى الزرباطي، إن قرى المنطقة فقدت جراء الألغام 25 شخصاً وتسببت بإعاقات جسدية لـ26 آخرين، إلى جانب خسارة أراض زراعية واسعة تعرف بخصوبتها، فلا أحد من أصحابها يجرؤ على الاقتراب منها واستثمارها.

بسبب حقول الألغام التي تطوق القرى، تراجعت الخدمات البلدية والعمرانية في البلدة الحدودية بشكل ملحوظ، وهي تعاني نقصاً حاداً في المدارس وشبكات الطرق التي تربطها بالقرى المحاذية وهو ما يدفع سكانها للهجرة عنها، حتى تناقصت أعدادهم إلى 1500 نسمة فقط، من أصل 11 ألفاً.

رعاة الأغنام هم من أكثر الضحايا

ويضيف الزرباطي: “عام 2012 كلفت الحكومة فريقاً متخصصاً من الهندسة العسكرية العراقية لبدء رفع الألغام على أمل أن تكون زرباطية محمية طبيعية بدعم أممي، وعمل الفريق لمدة عام كامل، غادر بعدها بسبب الأحداث التي عصفت بالمناطق الغربية من العراق آنذاك، حيث اندلعت تظاهرات واعتصامات انتهت بسيطرة داعش على مناطق واسعة، ما أضاع فرصة ثمينة على المدينة لتكون محمية طبيعية”.

ويشير مدير الناحية أيضاً إلى أنها “خسرت أكبر مشروع لإنتاج الإسمنت تقدمت به شركة أجنبية عام 2012، إلا أنها فوجئت بكثرة الألغام في المنطقة والحاجة إلى مبالغ طائلة لرفعها، فتراجعت لأن كلفة ذلك تفوق طاقتها… كان المشروع سيوفر مئات فرص العمل للأهالي”.

السيول تجرف الألغام

وفي ناحية قزانيه التابعة لمحافظة ديالى شرق بغداد والتي تقع بمحاذاة الحدود العراقية- الإيرانية تمتد حقول الألغام لمسافة تصل إلى نحو 90 كيلومتراً. واستطاعت السلطات المحلية وضع علامات تحذيرية لبيان حدود حقول الألغام في الناحية، فيما ظل القسم الآخر منها مجهولاً وهو الأكثر خطراً”، بحسب تصريح لمدير الناحية مازن أكرم.

ويوضح أن الألغام تنتشر بكثافة على الشريط الجبلي، مشيراً إلى أن “رعاة الأغنام الذين يجدون في سفوح الجبال أمكنة مناسبة للرعي، هم من أكثر الضحايا”.

ويبدي المسؤول الحكومي قلقه من سيول الأمطار الشتوية، فهي تجرف معها الألغام إلى الوديان لتخترق مناطق الناحية والقرى التابعة لها وأهمها وادي حزام الذي يشكل مصدر قلق للأهالي لكثرة الألغام فيه.

إعاقة قطاع التعدين واختلالات في التربة

بحسب بيانات رسمية، تمتد حقول الألغام لنحو 1200 كيلومتر من أصل 1370 كيلومتراً تشكل الحدود بين العراق وايران. ومناطق كثيرة من التي تحيطها حقول الألغام هي ذات طبيعة جبلية صخرية غنية بالمعادن والخامات الكلسية الداخلة في الصناعات الإنشائية المختلفة، وهو ما يشكل “تحدياً كبيراً أمام الاستثمار في قطاع التعدين الذي يعد واحداً من أهم القطاعات المدنية الجاذبة لرؤوس الأموال”، كما يقول مدير المكتب الإقليمي في الهيئة العامة للمسح الجيولوجي في وزارة الصناعة ضياء خرباط.

ويشير خرباط إلى وجود خامات معدنية كثيرة تدخل في صناعات إنشائية عدة كصناعة الإسمنت والجبس والطابوق، تمثل فرص استثمارية “لكن البلاد لم تستفد منها بسبب حقول الألغام”.

وينبه الخبير البيئي والأكاديمي في جامعة البصرة، الدكتور شكري الحسن، إلى “جانب آخر من الخسائر التي تتسبب بها حقول الألغام، والتي تتمثل في الاختلالات البيئية مع ما تحدثه من انعكاسات سلبية على العناصر البيولوجية داخل بنية التربة وتعكير النظام البيئي لها ولسلسلة الحياة البيئية والتقليل من طبقاتها السطحية وفرص الاستفادة منها في الرعي والزراعة”.

ويشدد الحسن على أن تأثير حقول الألغام شرقي العراق لا يقتصر على حياة الانسان فحسب، بل يشمل الحياة البرية بنحو عام “هي تهدد التنوع الاحيائي من خلال قتل وإهلاك الحيوانات البرية ما يتسبب بفقدان أنواع فريدة منها في المنطقة”. 

البصرة تستغيث

يقول مدير المركز الإقليمي الجنوبي للألغام في البصرة نبراس التميمي إن “إجمالي المساحات الملوثة بالألغام والذخائر الحربية جنوب العراق يبلغ أكثر من 1570 كلم مربع، وقد أثرت سلباً في القطاعات الزراعية والنفطية والصناعية والاستثمارية، إضافة إلى تأثيرها المباشر في السكان، فقد تسببت بحوادث ومشكلات أوقعت آلاف الضحايا”.

ويوضح أن “محافظة البصرة هي المحافظة الأولى من حيث التلوث مقارنة بالمحافظات الأخرى وبمساحة تلوث تصل إلى 1271 كلم مربع”.

ويقدر التميمي عدد ضحايا الألغام في البصرة وحدها بأكثر من خمسة آلاف شخص، وفق إحصاء أنجزه المركز عام 2014″ متوقعاً أن العدد حالياً “أكثر من ذلك بكثير”.

1570 كلم2

إجمالي المساحات الملوثة بالألغام والذخائر الحربية جنوب العراق

ويكشف التميمي أن المركز، في إحدى حملات إزالة الألغام التي أشرف عليها “رفع أكثر من 8 آلاف قطعة من الذخائر الحربية المتنوعة في محافظتي البصرة والمثنى”.

خطرها يمتد لـ100 عام

يقول الضابط السابق في الجيش العراقي، حبيب شاكر العبادي، إن “وجود الألغام في بعض المحافظات العراقية مشكلة قد يمتد تأثيرها لمئة سنة مقبلة، وهذا يعني أن الخطر قائم في تلك المناطق وأنها ستظل بعيدة من الخدمات في ظل صعوبة معالجتها”.

ويعزو ذلك إلى “زراعة الألغام بطريقة عشوائية بعيدة من السياقات العسكرية الصحيحة التي تعتمد الإحداثيات ومناطق التربيع ومن ثم تسييج الحقول بأسلاك شائكة لتسهيل عملية رفعها بعد انتهاء المعارك”.

ويضيف الضابط المتقاعد في صنف الهندسة العسكرية التي تقوم بزراعة وتفكيك الألغام، “معظم الألغام المزروعة هي ذات منشأ روسي أو إيطالي مثل لغم (Pmzo2) الذي يتميز بقوة تدميرية كبيرة إضافة إلى لغم البالمارا الذي يحدث انشطاراً واسعاً لإيقاع أكبر قدر ممكن من الإصابات بين الأشخاص”.

ويصنف العبادي المخلفات الحربية الموجودة في الأراضي العراقية بأنها “الألغام التي تستهدف الاشخاص (Personnel mine Anti) والمضادة للدروع والآليات الحربية (Tank mine Anti) والقنابر (Bomb) والقنابر العنقودية (Cluster and dispenser) والذخائر غير المنفلقة (Uxo)”.

ويؤكد أن المناطق الشرقية من الأراضي العراقية “مكتظة في الغالب بالصنفين الأول والثاني وأن المشكلة الحقيقية التي تزيد خسائر المدنيين وتعيق عمل فرق إزالة الألغام، تتمثل بعدم وجود خرائط عسكرية للحقول”.

ويتوقع العبادي أن يستمر تهديد حقول الألغام للبشر لعقود، موضحاً أن “التقادم لا يؤثر في فعالية الألغام فخطرها يستمر، واذا كان لذلك تأثير فلن يتعدى الـ10 أو 20 في المئة”، مذكراً بتكرار حالات انفجار الألغام في منطقة العلميين بين ليبيا ومصر، وهي من مخلفات الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام 1945.

برامج حكومية لم تنفذ

يعبر مدير التخطيط والمتابعة في دائرة شؤون الألغام في وزارة الصحة والبيئة أحمد عبد الرزاق العبودي عن أسفه لعدم تمكن الحكومة العراقية من تنفيذ البرنامج الحكومي لنزع الألغام، بسبب “قلة التخصيصات المالية وحاجة الألغام إلى جهد دولي وبرامج ذات أغراض إنسانية بحتة”.

ويعدد العبودي المحاور المفترضة للبرنامج المعطل: “أعمال الإزالة، التوعية بمخاطر الالغام، مساعدة الضحايا، المناصرة وتدمير المخزون”.

جهات مختصة تعتقد بوجود ما بين 25 و27 مليون لغم

ووفقاً للمسؤول الحكومي فلا إحصاء دقيقاً لأعداد الألغام المنتشرة في البلاد، لكن جهات مختصة تعتقد بوجود ما بين 25 و27 مليون لغم أرضي، اعتماداً على ما تم استيراده وتصنيعه خلال حقبة الثمانينات من القرن المنصرم. 8 ملايين منها في إقليم كردستان شمال العراق، ولذلك يكون الحديث دائماً عن مساحات وليس عن أعداد”.

وكان العراق وقع على اتفاقية أوتاوا عام 2007 الخاصة بمخاطر استعمال الألغام والتي حتمت عليه تنظيف البلاد من الألغام المزروعة مع نهاية عام 2018، ووقعت هذه الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ عام 1999 أكثر من 155 دولة عضوة في الأمم المتحدة. لكن عدم قدرة العراق على التخلّص من الألغام دفعه إلى تمديد الفترة إلى عام 2028. 

في كردستان المساحة الملغمة تقلصت

مدير التوعية ومساعدة ضحايا الألغام في المؤسسة العامة لشؤون الألغام في إقليم كردستان، آكو عزيز، يتحدث عن “وجود 3378 حقلاً للألغام معظمها في المناطق الحدودية مشكلةً شريطاً ممتداً من أقصى الجنوب الشرقي إلى أقصى الشمال الغربي للإقليم”، منبهاً إلى أنها تشكل خطراً مستمراً على حياة المدنيين.

يقول عزيز إن “المساحة الملوَّثة بالألغام والمخلفات الحربية تقلصت الى 265 كلم2 بعدما كانت 776 كلم2، وذلك بعد تطهير 511 كلم2 من طريق المسح والإزالة، لكن ذلك لا يعني زوال الخطر”. 

المساحة الملوَّثة بالألغام والمخلفات الحربية

776 كلم2

المساحة الأساسية

511 كلم2

المساحة المزالة

265 كلم2

المساحة الحالية

ويقدر عزيز عدد ضحايا الألغام في كردستان بـ13436 مواطناً بين متوفين ومصابين، تترواح أعمارهم بين 12 و50 سنة بينهم “نسبة كبيرة من النساء اللواتي أصبن أثناء قيامهن بأعمال الرعي والزراعة”.

ويشكو عزيز قلة المبالغ المخصصة للمشاريع المتعلقة بالألغام للأعوام الممتدة بين 2005 و2013 والتي بلغت 127 مليار دينار عراقي، مؤكداً أنها لا تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات، “ولا تغطي تكاليف تنظيف المساحات الشاسعة الملوثة في الإقليم، وهو ما أدى إلى توقف عمل الشركات المحلية العاملة في مجال إزالة الألغام، كما هو الحال في بقية مناطق العراق”.

يقول العم أحمد، الذي ترك منذ سنوات قريته الحدودية شرق السليمانية، بعد إصابة اثنين من أطفاله بانفجار لغم أرضي: “حقولنا الزراعية تحولت منذ عقود إلى حقول للألغام. لا نفكر في العودة إليها أبداً… لا نريد أن نخسر أبناءنا… إذا فقدت ساقك فلن يعينك أحد في حياتك ولن يعوضك شيء”.

 *أُنجز التقرير بدعم من مؤسسة “نيريج” للتحقيقات الاستقصائية

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.