fbpx

بقوّة الدين ويد الشرطي انتزع فارس من أمه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“خليني طمنه .. أنا بطمنه”، تكرر نداء ميسا منصور عدّة مرات، فيما كان رجال الشرطة يقودون ولدها فارس عنوة. كان الصبي يصرخ ويبكي في لحظة عجز قاتلة. كيف للصغير أن يفهم أنه يجب أن ينتزع من أمه على هذا النحو باسم الدين والقانون.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“خليني طمنه .. أنا بطمنه”، تكرر نداء ميسا منصور عدّة مرات، فيما كان رجال الشرطة يقودون ولدها فارس عنوة. كان الصبي يصرخ ويبكي في لحظة عجز قاتلة. كيف للصغير أن يفهم أنه يجب أن ينتزع من أمه على هذا النحو باسم الدين والقانون. اختبأ معها في المنزل بعد أن رفضت تسليمه، لكن عناصر الشرطة خلعوا أبواب المنزل ودخلوا ومعهم الزوج يشاهد كيف يقفز ابنه مذعوراً من اقتحام ١٢ عسكرياً أتوا ليقتادوه لتنفيذ قرار المحكمة الشرعية السنية بتسليمه لوالده.

حاولت الأم استمهال القوى الأمنية لطمأنة وحيدها، لكن يد الشرطي كانت حاسمة بإبعاد ميسا وردعها عن ابنها فارس الذي كان غارقاً في الصدمة والحيرة، فلم يسمح لها سوى بثوان حاولت فيها تهدئة الطفل.

لم يكن أمام ميسا وسيلة دفاع سوى أن تحاول توثيق لحظات انتزاع فارس منها وفعلت ذلك بهاتفها وشرعت تصوّر ما يحصل معها وعرضته أمام الإعلام.

الفيديو انتشر في لبنان أول أيام عيد الفطر، وكان من الطبيعي أن يثير حملة سخط واسعة حيال قرارات محاكم الأحوال الشخصية في لبنان وكيف تنفذ تلك الأحكام.

أغلب من تفاعلوا مع المشاهد المؤثرة للصبي فارس كرروا طرح سؤال، كيف تصدر المحكمة قراراً يخالف قوانينها التي تمنح الحضانة للأم في هذا العمر، وكيف تقبل المحكمة باجراء يعرض الصحة النفسية للطفل لأذى بالغ وكيف قبل الوالد أن يقتحم هو شخصياً مع رجال الشرطة باب منزل طليقته ويخضع ابنه لهذه التجربة القاسية التي ستلازمه طويلا. وقالها فارس لأبيه وهو يبكي ويسير مجبراً مع الشرطي،”ليش عم تاخدني مع العسكر”، لكن لا جواب..

ظهر بوضوح أن القضاء والأمن ليسا معنيين بالصحة النفسية للولد، فمجرّد الإصرار على استقدام رجال الشرطة وخلعهم أبواب المنزل الواحد تلو الآخر يظهر ما تتعرض له نساء وأسر من مختلف الطوائف في لبنان.

القصة بواقعيتها الصادمة شكّلت صورة حقيقية بلا رتوش لطبيعة قوانين الأحوال الشخصية في بلدنا وكيف تتخذ وكيف تنفذ. فما هي أسباب إسقاط حضانة الأم، ولماذا تم رفض تأجيل الحكم لحين انتهاء العام الدراسي ولماذا تم تسليم الصبي الذي كان يرفض الذهاب علماً أن القانون ينص على أن لا يتم تسليمه إن كان غير راغب في ذلك، ولماذا تم تجاهل حجج الأم الواردة في قرار المحكمة عن عنف الأب وتقاعسه المادي. ثم أن عنف المشهد أقوى من صواب أي قانون ذاك أن القانون يعني الحقّ، فما هو الحقّ الذي يمكن أن يشطب وجه طفل على نحو ما شاهدنا في الشريط.

ظهر بوضوح أن القضاء والأمن ليسا معنيين بالصحة النفسية للولد، فمجرّد الإصرار على استقدام رجال الشرطة وخلعهم أبواب المنزل الواحد تلو الآخر يظهر ما تتعرض له نساء وأسر من مختلف الطوائف في لبنان.

في الفيديو بدا أن يد الأمن أو الدولة التي تنفذ قرارات محاكم الأحوال الشخصية الدينية هي يد فرض الجور وليس الأمن والعدالة، وكم من نساء مررن بما مرت به ميساء وأفدح والفيديو كشف مفارقة أشد قسوة، فيد الشرطي كانت أقوى من وجهه كانت اليد تنتزع الطفل ووجه الشرطي بدا متردداً للحظة، لكنه فعلها وانتزع الصبي..

حين عملتُ العام الماضي على فيلم “ضدي” عن قوانين الأحوال الشخصية الجائرة في لبنان بالتعاون مع منظمة “كفى”، التقيت بنساء من مختلف الطوائف وحضرتُ جلسات محاكم واستمعتُ الى حكايات ووقائع مخزية، فعالم المحاكم الروحية الخاصة بالطائف يبدو وكأنه دولة موازية وحياة كاملة تتحكم بمصائر النساء والأسر. والدولة التي تتذرع بلعبة التوازنات بين الطوائف وبأنها تطبق قوانينها هي جزء من العنف الممارس ضد النساء، بحيث تتقاعس عن تعديل القوانين مانحة الرجال سلطة باسم الدين.

انتصار الدركي في الفيديو للأب هو الترجمة المباشرة لقبول الدولة بأن لا مساواة بين الرجال والنساء وأنها راعية لسلطة الرجل عبر المحاكم الشرعية الدينية..