fbpx

قانون الأمن العام في فرنسا: باريس ملك لمتظاهريها لا شرطتها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هذا القانون يقدم للشرطة سلطات استثنائيّة، ويعمق الهيمنة على الناس، والحجج المناصرة له تشابه كلام اليمين واليمين المتطرف.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أحرق المتظاهرون في باريس بعض المقاهي المحيطة بساحة الباستيل، وبعضها تطايرت طاولاته وكراسيه، كحالة “مقهى الفلسفة”، الذي اشتهر مطلع التسعينات، بسبب الحوارات العلنيّة ونقاشات روّاده ظهر كل أحد. المقهى أيضاً علامة فارقة كونه أول مكان متاح للجلوس حين يصل أحدهم إلى الساحة الشهيرة عبر الميترو.

لا نذكر المقاهي المحترقة أو المحطمة حَسرةً أو حزناً، بل للتأكيد أن ساحة الباستيل بمكانتها الرمزيّة، مازالت مُلهمة للعالم بأكمله، لا فقط للفرنسين، هي مساحة المواجهة بين المواطنين و”السلطة”، وتحطيم كل الكراسي والطاولات -المؤمّن عليها طبعاً- مباح حين تلقى بوجه “الشرطة”، خصوصاً “عناصر مكافحة الشغب” المدرعين والمسلحين للوقوف بوجه المتظاهرين، لا لاحتوائهم أو ضبط مسارهم، بل لتفريقهم ومنعهم من التجمهر.

هذه الحميّة “الثورّة” حاضرة حين متابعة الاحتجاجات التي اشتعلت في فرنسا بسبب الفيديو المسرب للمنتج الموسيقي الأسود ميشيل زيكلر، والذي تعرض للضرب لمدة 15 دقيقة متواصلة، من قبل أربعة عناصر شرطة حشروه في زاوية الاستديو الخاص به، بعد  أن تتبعوه، ودخلوا وراءه الاستديو بصورة غير قانونية، وضربوه بشدّة وشتموا أصله ولونه، والسبب، أنه لم يكن يرتدي قناع الوجه الخاص به، علماً أنه كان عائداً للاستديو ليحضر القناع.

لا يمكن تعداد التصرفات المشينة التي قامت بها الشرطة في هذا التسجيل القصير الذي وصفه إيمانويل ماكرون بأنه “صور العار”، لكن السخرية، وكما في كل حالات عنف الشرطة، تم إيقاف العناصر الأربعة عن العمل “حتى تتضح الحقائق”، لكن الفيديو يعيد إلى الذاكرة صورة جورج فلويد في الولايات المتحدة، الذي فقد حياته بسبب عنف الشرطة، بصورة أدق، عنفها الاعتباطي والوحشي، ذاك الذي يظهر بصورة دائمة في فرنسا لا فقط الآن، إذ نشاهده حين يقوم عناصر الشرطة بطرد اللاجئين والمهاجرين والمحرومين من الأوراق من الشارع ثم وتمزيق خيامهم.

 ظهر هذا الوجه القبيح للشرطة أثناء مظاهرات السترات الصفراء سابقاً، إذ تم استهداف المتظاهرين والصحفيين على حد سواء، واستخدم الغاز المسيل للدموع والعنف المفرط الذي ترك الكثيرين من المحتجين معطوبين، وفاقدين لواحدة من عينيهم، ما أطلق حملة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعيّ للتضامن معهم، بل وصلت تهديدات للشرطة بعنوان “العين بالعين”.

تشمل التظاهرات الآن الجميع، حوالي 50 ألف شخص في باريس (130 ألف في فرنسا) أغلبهم من الصحفيين والناشطين  والمواطنين  العاديين اجتمعوا في الساحات، احتجاجاً على مُقترح قانون “الأمن الشامل” الذي لا يشكل فقط تهديداً لحرية التعبير، بل هو الخطوة الأهم نحو الديكتاتوريّة، إذ تجرّم المادة 24 منه تصوير الشرطة بأسلوب يمكن التعرف عبره عليهم أثناء ممارستهم لعملهم، وذلك لحمايتهم وأسرهم خارج أوقات العمل من التهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو تلك الشخصيّة التي تلقاها بعضهم عبر رسائل وصلت إلى منازلهم. 

ماذا يعني أن يخفي الشرطي وجهه؟

الوضع الطبيعي لشرطة مكافحة الشغب هو إخفاء الوجه، لا يمكن أن نعرف عن الشرطي سوى رقمه الموضوع على بزته الرسميّة، والذي عمد البعض على إخفاءه أثناء مظاهرات السترات الصفراء منعا للتعرف عليهم، لكن، هذه الدعوة لتجريم تبادل صور  عناصر الشرطة، خصوصاً في ظل حالة الطوارئ الصحيّة، تعني أن يخفي الشرطي وجهه كلياً، وبصورة ما منع الصحافة من الاقتراب من الشرطة أو التقاط صورهم أثناء “عملهم”، خوفاً من التجريم والمخالفة التي قد تصل إلى 45 ألف يورو.

 الأهم، حين ننظر صور وتسجيلات المظاهرات في فرنسا، نرى أن المتظاهرين يحتمون بالصحفيين، الذين لا يفترض أن تمسهم الشرطة كونهم معروفين بسبب لباسهم وحملهم للكاميرات، هم أشبه بجدار أمان، لكن مع هذا القانون، كل من يحمل كاميرا مهدد، صحفي كان أو مدني وإن كان الفرق بينهما الآن شديد الميوعة.

إخفاء الشرطة لهوياتهم إشكالية في فرنسا، ولا يمكن إثبات المخالفات المرتكبة إلا عبر التصوير الذي يمكن الناس من التعرف على الشرطي أو ضابط الأمن، وهذا ما حصل حين التقطت عدسات الكاميرا منذ عامين صورة الكسندر بينبيلا، أحد العاملين في القصر الرئاسي والمسؤول عن أمن ماكرون، إذ نراه يساعد الشرطة في اعتقال المتظاهرين في الشارع، دون أن يكون أي دور رسمي له في ذلك،  وقام ذلك بـ”حسن نية” و خارج مهامه الوظيفية بتطبيق العنف على المواطنين، وكانت النتيجة حينها، فصله لمدة 15 عشر يومياً من عمله، وتحويله إلى عمل إداري بوصف هذا “أقسى أشكال العقوبة”.

نركز في نقاشنا على مفهوم الاختفاء، سواء هوية الشرطيّ أو منع تصويره لأنه يهدد لا فقط حرية التعبير، بل يعطل عمل الصحافة، ويجعل الشرطة أشبه بكتلة لا يمكن مسّها، خصوصاً أن المخالفات المقدمة بحق الشرطة يتم تجاهلها من قبل وزارة الداخليّة. كما أن هذا ” الاختفاء” الذي تسهله المادة 24 من القانون سيء السمعة بحجة حماية الحياة الشخصيّة لرجال الشرطة، يتعارض بوضوح مع القوانين التي تضمن حرية الصحافة والتي تعود إلى القرن التاسع عشر، لكن المدافعين عنه، يرون أن الشرطة كالأطباء، يجب أن تتم حمايتهم كونهم يعملون بالفضاء العام، وهنا التلاعب اللغوي، الشرطة لا تعمل في الفضاء العام، الشرطة مسؤولة عن ضبط النظام العام لمصلحة السلطة.

روح القانون- روح الديكتاتوريّة

قانون “الأمن العام” يتجاوز شرطة مكافحة الشغب ويقدم الحماية لشرطة المدينة، موسعاً صلاحياتها التي تمتد من مخالفات السير إلى فض النزاعات، لكن هذ القانون يراهن على سوء النيّة، وكأنّه امتداد لقانون مكافحة الإرهاب الذي يستبيح الحياة الخاصة للأفراد لحماية الكتلة البشريّة المسمّاة بالشرطة، ما يتركنا أمام معضلة قانونيّة، فأفراد الشرطة أيضاً مواطنون، ويجب على الدولة حمايتهم، لكنهم أيضاً يمتلكون الحق بممارسة العنف بناء على التقدير الشخصي في بعض الأحيان،  ولن نتحدث هنا عن تعمد قتل الإرهابيين أثناء هربهم لعدم محاكمتهم، بل نقصد العنف الذي يمكن أن يظهر بصورة مرتجلة، كحالة منتج الموسيقى السابق، بالتالي من يحمينا من الشرطة ؟

مُقترح قانون “الأمن الشامل” لا يشكل فقط تهديداً لحرية التعبير، بل هو الخطوة الأهم نحو الديكتاتوريّة

يقال أن القانون بعيداً عن المادة 24 جزء من الاستعدادات لحماية الناس أثناء أولمبياد 2024 ، وذلك لتنظيم وزيادة عدد عناصر الشرطة التي يجب أن تنتشر في المدن لحماية الناس ، إذ يشمل أيضا العناصر التي تعمل لشركات الخاصة، ويبيح المراقبة عبر الدرونات كما في المادة 22، التي يمكن عبرها  مُشاهدة داخل المنازل عبر الشبابيك والحدائق، علماً أن القانون يؤكد على عدم إظهار “الداخل”، لكنه ينتصر لاستخدام الدرون في المدينة، بحجة الحماية من “الأعمال الإرهابيّة”، لكنه يبيح استخدامه أيضاً في التجمعات والمظاهرات ، لنقف أمام سؤال، يحق للشرطة أن تتعرف على الناس لكن لا يحق للناس التعرف عليهم ؟.

هذا القانون يقدم للشرطة سلطات استثنائيّة، ويعمق الهيمنة على الناس، والحجج المناصرة له تشابه كلام اليمين واليمين المتطرف، كضرورة مراقبة الشوارع لرصد الجرائم إن وقعت، أي بصورة ما يفترض أن الجميع مذنبون، ويستحقون المراقبة خوفاً من شيء ما قد يحصل، وفي حال تجمعوا يمكن ضربهم وفض تجمعهم حفاظاً على “الأمن العام”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.