fbpx

مارون بغدادي على “نتفلكس”
عَينٌ على تحوّلات بيروت

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الذاكرة التي أنقذها مارون، ليست زماناً فحسب، بل تتضمّن أيضاً المكان. وهذا بالتحديد سبب اختيار 5 من أفلامه لعرضها على شبكة “نتفلكس”، ضمن 20 فيلماً لبنانيّاً اختارها الموقع كتحيّةٍ لبيروت بعد تفجير المرفأ في 4 آب/ أغسطس.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في تقديم كتابه “الحلم المعلّق”، يكتب ابراهيم العريس: “كان أبطال مارون بغدادي يركضون دائماً. لكن ما من واحد منهم كان يركض لاعباً، أو لفرط سعادته، أو تلقّفاً لنبأ طيّب يصله، أو وصولاً إلى برّ أمان يسعى إليه. إنّهم يركضون نحو مصيرهم، نحو ذلك الهبوط إلى الجحيم الذي ينتهون إليه“. 

و”البطل”، في التعريف، هو من يقوم بعملٍ بطولي. إنّما البطولات في أفلام مارون، لم تكن تلك المكتوبة في السيناريو، بل كان الفيلم بذاته البطولة، وكان المخرج، بذلك، هو البطل. كان مارون بغدادي بطلاً لأنّه لم يصوّر فيلماً فحسب، بل أنقذ مدينة. طبعاً، “أنقذها” بالمعنى المجازي، أو بالأحرى أنقذ المشهدية، أنقذ الذاكرة. وكان كمثل شخصيات فيلمه يركض، إنّما ليوثّق تحوّلات بيروت، هي التي كانت بدورها “تركض نحو مصيرها، نحو ذلك الهبوط إلى الجحيم الذي انتهت إليه”.

فالذاكرة التي أنقذها مارون، ليست زماناً فحسب، وهو في حالتنا زمن الحرب، بل تتضمّن أيضاً المكان، وهو في حالتنا العاصمة بيروت. وهذا بالتحديد سبب اختيار 5 من أفلامه لعرضها على شبكة “نتفلكس”، ضمن 20 فيلماً لبنانيّاً اختارها الموقع كتحيّةٍ لبيروت بعد تفجير المرفأ في 4 آب/ أغسطس.

إلّا أن القصّة لم تبدأ مع “نتفلكس”، ففي حديثٍ مع “درج” يروي نجا الأشقر (مدير “نادي لكل الناس”) تفاصيل العملية: “كنّا نفضّل دائماً، في “نادي لكل الناس”، أن يكون عرض الأفلام تفاعليّاً، أن يتبعه نقاش مع الجمهور وبحضور المخرج نفسه إن أمكن. لهذا السبب كنا نبتعد من نشر الأفلام عبر شبكة الإنترنت، واعتدنا أن نجول بها في الدور والمراكز الثقافية ومهرجانات السينما. بالمناسبة لمارون وجيله الحصّة الأكبر من التكريمات فيها، مثلاً، راهناً كُرّمَ لبنان في مهرجان الاسكندرية من خلال فيلم “بيروت يا بيروت”، وصادف أن تضمّن المهرجان أيضاً تكريماً خاصاً لبطل الفيلم، عزّت العلايلي. وبمقابل العروض، كنّا نعمل على رَقمَنَة أرشيفنا وتحسينه (من حيث نظافة الصورة أو الصوت أو الترجمة…)”.

“إنّما طرأت 3 مستجدّات على أسلوبنا في العرض منذ عامٍ حتى اليوم”، يضيف نَجا. “أوّلاً، خلال انتفاضة 17 تشرين، افتتحنا العروض في “البيضة” (سينما السيتي-سنتر قديماً في وسط بيروت) مع فيلمَين لمارون (“كلّنا للوطن” و”أجمل الأمّهات”)، وكان الإقبال كثيفاً وازدادت المطالبة بعرض أفلامه. ثانياً، أتت مسألة كورونا، وعرقَلَت الصيغة التفاعلية المعتمدة سابقاً، ما دفعنا إلى دخول معترك الأونلاين، وكانت لنا عروض لاقت رواجاً جيّداً. ثالثاً، وهو السبب المباشر، تفجير المرفأ في 4 آب. بالمناسبة، تضرّر مكتب النادي أيضاً حينها، ونبحث اليوم عن مكانٍ جديد لنحتفظ فيه بأرشيفنا بأمان. المهم، بعد 4 آب، طلبت منّا مؤسسة الفيلم الفلسطيني فيلماً لعرضه كتحية لبيروت يعود رَيعه للمتضرّرين، واقترحنا “حروب صغيرة”. على ضوء العرض، اتّصل بنا صديقٌ واقترح التنسيق مع نتفلكس حول الموضوع. استمرّت المفاوضات شهراً تقريباً، إلى أن كانت نتيجتها عرض 5 أفلام لمارون بغدادي على الشبكة وهي: حروب صغيرة، كلنا للوطن، بيروت يا بيروت، خارج الحياة، همسات”.

بالعودة إلى المضمون، وبعيداً من سيناريو كل فيلم على حدة، لعبت الأفلام جميعها دور الشاهد الدائم على تمرحل المدينة ودمارها. مارون نفسه يعي هذا التفصيل، بل يركّز عليه في كل “كادر” أو زاوية أو مشهد. ففيما كان أبطاله يتحركون في الحقل الأوّل، كانت عين المخرج على الخلفية، واضعاً إيّاها في متن المشهد، وناقلاً المتحرّك فيه إلى الهامش منه. هنا بالتحديد، لمعة مارون بغدادي. في إقامة النقل الفريد بين المتحرك والثابت من المشهد، وفي الاستفادة من الإنسان للإضاءة على أهمية العمران (وهذا ظهر مثلاً في تكرار مشاهد الشخصيات التي تقف وسط القنطرة التقليدية)، وفي إعادة ترتيب الأولويّة بين حقول المشهد، بين المتن والهامش، بين ما اصطُلحَ على استعماله كديكور (المدينة)، وما جعله مارون أساساً، لا بل جعله موقفاً سياسيّاً رافضاً الدمار والحرب العبثية، إنّما يبحث دوماً عن حلمٍ ما، حلمٍ بقيَ معلّقاً – كما وصفه ابراهيم العريس. 

إنّما، يقابل رفض المخرج عبثية الحرب، تلك التي أظهرها لدرجة الاستفزاز في “حروب صغيرة”، تأييداً أميناً لحربٍ هادفة، كما في “كلنا للوطن”. وإن كان هذا الفيلم الوحيد (بين الخمسة المعروضة) الذي تدور أحداثه بعيداً من بيروت، إلّا أنّ منهاج توثيق المكان بقيَ عينه. من مدقّة الكبّة النَيّة إلى حقل التبغ، يوثّق بغدادي يوميّات الجنوب – مع مقابلاتٍ عفويّة، تبيّن أنّ المقاومة كانت ثابتة من ثوابت الجنوبيين بغض النظر عن الأحزاب الموجودة، وأنّ لشيوخ المقاومة -سابقاً- فضل واجتهاد في إظهار البعد الطبقي للصراع، والربط الضروري بين قضايا الداخل والخارج، مثل الموقف الرافض للاحتلال الاسرائيلي ولاحتكار “الرِيجي” (إدارة حصر التبغ والتنباك)، هذا الموقف المنحاز دوماً إلى أهل الأرض ضد أشكال الاستغلال والاحتلال.

لعبت الأفلام جميعها دور الشاهد الدائم على تمرحل المدينة ودمارها

في هذا السياق، يعلّق نَجا الأشقر بأنّ “أهمية الأفلام نفسها في أنّ مارون قد صوّر بيروت في 3 محطّات: قبل الحرب الأهلية في لبنان (بيروت يا بيروت)، خلال الحرب (حروب صغيرة)، وبعدها (خارج الحياة) – علماً أن بعض مشاهده صُوّرَ فعلياً في إيطاليا، في مدينة تشبه بيروت، وهذا ما لا يعرفه كثيرون. كان مارون والممثلّون هناك، وعاونه من لبنان المصوّر حسن النعماني. هو نفسه المصوّر الذي عاونه في تصوير جيوش الاحتلال عن كثب في فيلم “كلنا للوطن”. بالمناسبة أرى أن هذا الأخير، إضافةً إلى فيلم “همسات”، هما فعليّاً أشبه بوثيقة.

فـ”كلنا للوطن” كان تحيّةً لأهل الجنوب وللمقاومين في الحركة الوطنية (أساساً، الفيلم من إنتاج الحركة الوطنية). وهو يفضح همجية الاحتلال الإسرائيلي ووقاحة جيش سعد حدّاد. ويسلّط الضوء أيضاً على نضالاتٍ سابقة للجنوبيّين وعلى تراثٍ مضاد للإقطاعية وحكم الأسعدية”.

و”همسات” أيضاً أعتبره وثيقة، يقول نَجا، “بمعنى أنّ مارون أراد من خلاله، توجيه تحية لجيله (عبر مقابلات أجراها مع كتاب وفنانين)، مثل ناديا تويني وزياد الرحباني وغيرهما، على امتداد القرى اللبنانية من بيروت إلى الجنوب فالبقاع، ومن جهة ثانية، أراد أن يدلّل على التفاوتات الاجتماعية الموجودة في بيروت، من بائع الصحف إلى فؤاد السنيورة في المصرف المركزي. هذه بيروت، هكذا كانت وما زالت”.

فعلاً، هذا شيء من ثوابت بيروت، بيروت دائمة التحرّك والتغيّر، بيروت الدمار المتكرّر والذاكرة الضائعة. من هنا، هي فرحة للعمارة ولمتابعي شؤون المدينة، قبل السينفيليين (مدمني السينما)، أن تصبح أفلام مارون بغدادي في متناول اليد. هي الصورة التي لم يستطيعوا أن يتخايلوها قط، أو أن يمسكوا بها إذا ما تخايلوها، صارت أمامهم على الشاشة. إنّما الفرحة هذه يقابلها حزن، حزن في أنّ متابعة هذه الأفلام يأتي في سياق تحيةٍ لمدينة صارت اليوم منكوبة، كما كانت في حقبة تصوير الأفلام. ربّما من الأفضل في هذا السياق إذاً، درءاً للحزن، ألّا نعتبر أن هذه الأفلام تحيّة من عالم السينما إلى بيروت، بل العكس، تحيّة من بيروت نفسها وعربون شكرٍ وامتنان، منها، إلى مارون بغدادي.

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.