fbpx

دميرتاش الذي يسجنه أردوغان… يغني من هناك لزوجته وللمناضلين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قام دميرتاش بتأليف 16 أغنية داخل السجن، ويود لو كان بمقدوره تسجيلها في الزنزانة. الرجل ما زال يغني لزوجته.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ملف السجناء السياسيين في تركيا يعود بقوة مع تصاعد المطالبات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالإفراج عن الزعيم السابق لـ”حزب الشعوب الديموقراطي الكردي” صلاح الدين ديمرتاش وسجناء آخرين؟

هنا سيرة واحد من أبرز السياسيين الأكراد المعارضين في تركيا.

في 10 تموز/ يوليو 1991، غصّ شارع غازي في قلب مدينة ديار بكر، بآلاف الغاضبين خلال تشييع المحامي ودات آيدن. فقد خطف رجال أمن الحقوقي الكردي من منزله، وبعد يومين عثر على جثته تحت جسر، بركبتين مكسورتين، وجمجمة مهشّمة، و15 رصاصة اخترقت جسده. قبل بضعة شهور، تحدّث ودات في اجتماع لجمعية حقوق الإنسان التركية في ديار بكر، التي كان رئيسها، باللغة الكردية. في ذلك الوقت كان التحدث بالكردية محظوراً في قانون يعود إلى منتصف ثلاثينات القرن العشرين، حين اعتقد مصطفى كمال وعصمت إينونو ورفاقهما أن “الجمهورية” هي نهاية التاريخ، وأن “التركي” هو الإنسان الأخير”.

ما فعله وادت آيدن، كان ضمن سلسلة من عمليات المقاومة عبر اللغة. مجرد التحدث باللغة الكردية كان فعلاً مقاوِماً، ولأن العصابات التابعة للدولة، والتي لا تعلن عن نفسها رسمياً، لأغراض التصفية من دون حساب، تدرك ما يعنيه ذلك، أن يتحدث محامٍ بالكردية في ديار بكر، فإن أسلوب التعامل بالطريقة التي حدثت مع آيدن كان شائعاً، وسيتسع أكثر في السنوات اللاحقة لأن الدولة وفّرت حماية للقتلة، عبر تنسيب هذه الجرائم التي تستهدف شخصيات كردية إلى قاتل يعرفه الكرد جيداً، في كل مدنهم، وهو “القاتل المجهول”.

في ذلك التشييع الكبير، كان الغضب انفجر بين قطاع واسع من السكان، خصوصاً فئة الشباب، في تلك الشهور إذ إن الصور والمشاهد الواردة من “كردستان الجنوبية” (كردستان العراق) مهّدت لمثل هذا الغضب خلال التشييع.

فبعد قمع النظام البعثي العراقي انتفاضتين، شيعية وكردية، تحول سكان كردستان إلى لاجئين في تركيا وإيران، ولم تكن الصور الصحافية حول واقع هؤلاء اللاجئين سوى حفر في جرح لم يندمل لدى أكراد المنطقة جميعاً، وظهرت أغانٍ أكثر تعبيراً عن الحزن جراء وقائع هذا اللجوء الكارثي على الوجدان القومي الكردي الذي لا يجد ما يبرر به ما يحدث له سوى تحميل المسؤولية لتفرق الكرد وعدم وحدتهم.

والمأساة تلعب دورها على صيغتين، إما أن تعمّق الاستسلام أو أن تحرر من الخوف. فتكاملت مجموعة حوادث أجّجت غضب هذا الحشد الشعبي الكبير في قلب مدينة ديار بكر، وزادها أيضاً أن عناصر الأمن فتحوا النار على المشيّعين، وقتل وأصيب عدد من الأشخاص، لكن الشارع بقي ممتلئاً، وبقي يهتف بالكردية في شارع غازي أمام الجامع الكبير.


صلاح الدين دميرتاش

من هذا الحشد القومي، ومن هذا الصدام الاجتماعي السياسي، بين الدولة والشعب، تشكّل الوعي السياسي لمجموعة جديدة من الشبان الذين يقودون حالياً المشهد السياسي الكردي في تركيا، على رأس هؤلاء كان الشاب الغاضب، صلاح الدين دميرتاش. كان في الـ18 من عمره، ومشاركاً للمرة الأولى في حياته في احتجاج من هذا النوع بعد فترة قصيرة فقط من انتقال عائلته إلى ديار بكر، آتية من مدينة أصغر وأكثر هدوءاً، هي ألازيغ، التي تعرف تاريخياً بـ”خربوط”.

خارج ديار بكر كان القتل أسهل بكثير بالنسبة إلى تنظيم “الفاعل المجهول”، لذلك درجة الإذعان لأيديولوجيا الدولة، أكبر بما لا يقاس في مناطق شمال ديار بكر، ومن بينها ألازيغ، وهي منطقة يعيش فيها أكراد من فرعين كبيرين، هما الكرمانج والظاظا. تنتمي عائلة دميرتاش إلى الفرع الثاني، وقد تحولت العائلة، الأب والأم، إلى ناقل بشري لأيديولوجية الدولة، وهو الإنجاز الأعمق الذي تعمل لأجله النخبة القومية التركية منذ تأسيس الجمهورية، وهو تحول العائلة إلى جهاز ينقل تربية الدولة للأطفال. كان هذا التحدي في السنوات الأولى يواجه فشلاً كلياً، بسبب انتشار الأمية بين الكرد، فلا يعرفون غير الكردية، لكن في السنوات اللاحقة، مع توسع التعليم ودورات محو الأمية، إلى جانب الغرامات الباهظة على التحدث بالكردية بين الفلاحين والعمال الفقراء، وعمليات القتل في الشوارع للشخصيات التي تتحدى الدولة في الضواحي والأرياف، هذه العوامل أنتجت شريحة من العائلات المستسلمة، التي باتت تنقل لأطفالها رسائل الدولة، من بينها عائلة دميرتاش التي كانت رسالتها: “نحن أتراك”.

في ذلك الحشد في ديار بكر، تحرر صلاح الدين من أيديولوجيا الدولة، ومن عائلته، وانضم إلى “الأقلية المقاوِمة” ضمن أغلبية كردية تم ترويعها على مدى عقود بأعنف جهاز قتل منظم في الشرق الأوسط، جهاز قتل يركّز في اختيار على النوع غالباً، لا على الكم. فقتل ودادت آيدن، وبعده بعامين المثقف الكردي البارز، موسى عنتر، كان بمثابة قتل 100 شخص في الشارع. لكن حين يحتاج الأمر إلى القتل الجماعي، فإن القرى الخالية في ريف كردستان، حتى اليوم، شاهد عيان على آلية العمل.

هو مغنٍ، ومحامٍ، وشاعر، وكاتب، ورسام، ومندفع، وقوي الإرادة

كان دميرتاش في السابعة عشرة من عمره، حين انتقلت عائلته إلى ديار بكر. هنا في المدينة الكردية الأكبر، فرص نمو الأعمال أفضل من الرتابة المعهودة في المدن الصغيرة. وكانت ديار بكر مدينة تتسع باطراد بوافدين جدد هم القرويون الذين يأمرهم الجيش وتنظيم “القاتل المجهول” بإخلاء قراهم خلال حقبة “الحرب الريفية” بين الدولة و”حزب العمال الكردستاني”. كانت العائلة تريد تحسين دخلها مع اختيار دميرتاش دراسة التجارة البحرية وإدارة الأعمال في جامعة تقع في إزمير، لكنه لم يكمل دراسته بسبب مضايقات سياسية، إذ لم يكن في تلك السنوات سهلاً الحصول على تصريح بالهوية الكردية للشخص في مدن الأناضول وإيجة. في المناطق الكردية لم يكن الوضع مختلفاً، لكن مع فارق أن الملاحقات والمضايقات تكون من جانب الأمن، أما خارج المناطق الكردية، فهناك مجتمع هو جزء من الجهاز الأمني للدولة، وينفذ عقوبات على من يهدد “وحدة البلاد” بشكل مدني، أي ضربه وركله والتنمر عليه، وربما قتله. حوادث مشابهة ما زالت تتكرر حتى هذه الأيام، ومنها حادثة قتل الشاب باريش جاكان، في أنقرة، في حزيران/ يونيو 2020، على أيدي ثلاثة “مدنيين” احتجوا على استماعه لأغان كردية في حيّهم.

عاد دميرتاش من إزمير إلى ديار بكر، وقرر تغيير اختصاصه. فتقدم لامتحان القبول كمحامٍ، وتسجّل في جامعة أنقرة.

خلال إجازاته في ديار بكر، كان يعمل في مخبز تملكه عائلته بشكل تشاركي، يديره أفراد من العائلة الكبيرة، وكان صلاح الدين، بما أنه شاب جامعي، يعمل، خلال مساعدته فريق العائلة، على نافذة توزيع الخبز، وهذا أرقى جزء من العمل في المخبز.

ذات يوم تتقدم فتاة جميلة، ذات عينين خضرواين، في الـ16 من عمرها، من نافذة المخبز. تلتقي أعينهما، فتطلب رغيفاً من الخبز. كان هذا اللقاء الأول بين صلاح الدين، الوافد الجديد إلى المدينة، وبين زوجته باشاك، الفتاة المنتمية إلى عائلة تقطن الجزء الأعرق من المدينة، وهو حي السور التاريخي، المحافظ على مسمى “آمد” حتى اليوم.

على عكس صلاح الدين، أمضت باشاك كل حياتها في المدينة، منذ ولادتها وحتى بعد تخرجها من الجامعة. كفاحها الحقوقي، من حيث مهنتها كمحامية، ونضالها الاجتماعي، من حيث هي زوجة دميرتاش، متصلان نفسياً بحدث في طفولتها حين اقتحم الأمن التركي منزل عائلتها واعتقلوا والدها بطريقة عنيفة ومهينة أمام أطفاله، وهم بناته الأربعة وابنه.

تقول باشاك في فيلم وثائقي عن حياتها، كان زوجها صلاح الدين، أول من نشره على حسابه في “تويتر”، إن هذا المشهد الذي ساهم في تكوينها العاطفي، لاحقاً، تكرر مع ابنتيها، خلال اعتقال والدهما، دميرتاش.

بعد تخرجه من الجامعة، يعود المحامي صلاح الدين دميرتاش، إلى ديار بكر، وينتمي إلى جمعية حقوق الإنسان، وكان رئيسها في ذلك الحين، شاب يكبره بعامين، هو عثمان بايدمير، الرفيق الأقدم لدميرتاش في المجال السياسي، ورئيس بلدية ديار بكر بين 2004 – 2012. كان بايدمير خلال مسيرته كسياسي كردي عريق، يفتح الطريق أمام دميرتاش ليتقدم في السلك السياسي، ذلك أنّ صفات كثيرة تؤهل صلاح الدين لإحداث التفاف أكبر حول المشروع السياسي الديمقراطي لـ”حزب الشعوب الديموقراطي”، الذي تزعّمه منذ تأسيسه في 2014. فهو يمثل اتحاداً بين فرعين يشكلان القاعدة الاجتماعية للقومية الكردية، ينحدر من الظاظا في وسط من الكرمانج، وعازف على الطنبور، وهو مغنٍ، ومحامٍ، وشاعر، وكاتب، ورسام، ومندفع، وقوي الإرادة، وله شقيق هو القيادي الكبير في “حزب العمال الكردستاتي”، نور الدين دميرتاش.

في مقابلة صحافية من داخل السجن، في آذار/ مارس 2019، أرسل سلامه لكل المناضلين، وتوقع أن تتم معاقبة تحالف “حزب العدالة والحركة القومية” في الانتخابات البلدية، شعبياً، بشدة، وهو ما حدث حين خسر حزب أردوغان بلديتي أنقرة واسطنبول. 

دميرتاش أكد أن السجن أتاح له الوقت لمزيد من القراءات، لكن شخصيته لم تتغير. القناعات التي سجن وعوقب من أجلها لم تتغير. نشر من السجن مجموعتين قصصيتين، ورواية. وترجمت إحدى مجموعاته إلى اللغة الإنجليزية.

قام بتأليف 16 أغنية داخل السجن، ويود لو كان بمقدوره تسجيلها في الزنزانة. الشخص الوحيد الذي يستمع لأغانيه، رفيقه في الزنزانة، عبدالله زيدان، الذي تمنى له العافية والصبر، وأحياناً يطلع زوجته على الأغاني الجديدة، بالكلمات واللحن. 

الرجل ما زال يغني لزوجته. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.