fbpx

10 سنوات من الخيبة
التونسيون ينفجرون في وجه ساستهم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو أن المراوغة والوعود الزائفة والأكاذيب التي سوقتها الأحزاب السياسية لسنوات لم تعد تنطلي على شعب تحسس جيداً عدم اكتراث هذه الطبقة الحاكمة لمطالبه بقدر سعيها وراء مصالحها وهرولتها ولهفتها الكبيرة من أجل البقاء في الحكم لا غير.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تأتي الذكرى العاشرة لاندلاع الثورة التونسية، التي قامت من أجل مقاومة الفقر وصون الكرامة وحرية التعبير، على وقع أحداث تنذر بشتاء ساخن يشبه سابقيه منذ عام 2011. وإن دأب الشباب التونسي طيلة هذا العقد على الاحتجاج سنوياً للضغط على الحكومات المتعاقبة، للمطالبة بالتنمية وفرص العمل، فإن أشكال المطالبة اختلفت هذه المرة وتجاوزت حدود التظاهر في الشارع والمواجهات مع عناصر الأمن، ووصلت إلى غلق مراكز الإنتاج في مختلف المحافظات، ولا سيما المناطق المهمشة، لدفع السلطات إلى التفاوض مع المحتجين والإنصات والاستجابة رغماً عنها لمطالبهم. ويأتي ذلك بالتزامن مع أزمة اقتصادية خانقة تواجهها البلاد منذ فترة، وزادها وباء “كورونا” حدّةً.

وتشهد البلاد تحركات احتجاجية تنتشر بسرعة بين المحافظات يقوم خلالها شباب بغلق مراكز الإنتاج الحيوية في كل جهة، في محاكاة لما أقدم عليه معتصمو الكامور في محافظة تطاوين (جنوب غربي البلاد) الذين توصلوا بعد أشهر من تعطيلهم إنتاج النفط في الصحراء، إلى اتفاق مع الحكومة التي تعهدت في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر بتوفير فرص عمل ورصد مبالغ مالية مهمة لتمويل مشاريع في هذه المحافظة.

شمل الاتفاق بحسب “تنسيقية اعتصام الكامور” على صفحتها في “فايسبوك” تمويل الدولة بشكل سنوي صندوق الاستثمار بـ80 مليون دينار (نحو 29 مليون دولار) وتوظيف ألف شخص بحلول نهاية 2020، ومنح ألف قرض لإنشاء مشاريع في المنطقة. علماً أن نسبة البطالة في تطاوين تتجاوز الـ30 المئة، وهي من المعدلات الأعلى في البلاد. 

وكان المحتجون الذين عطلوا الإنتاج في المواقع النفطية في محافظة تطاوين للمطالبة بتطبيق وعود حكومية تعود إلى عام 2017، استنكروا ضعف التنمية في جهتهم، على رغم أنها تنتج النسبة الأهم من النفط، ذلك أن تونس تنتج نحو 40 ألف برميل نفط يومياً، 55 في المئة منها تستخرج من حقول تطاوين.

وحفز اتفاق الكامور الكثير من الجهات المهمشة في تونس للنسج على  منوالهم والخروج في تظاهرات ثم بالتوجه إلى مناطق الإنتاج والاعتصام أمامها وتعطيلها. تعاطي المشيشي المخيب للآمال مع ملف “اعتصام الكامور” وخضوعه للتفاوض مع تنسيقية المعتصمين، الذين أوقفوا إنتاج النفط، بدل الجهات الرسمية والاستجابة لمطالبهم، شجّعا بقية الجهات على تشكيل تنسيقيات تمثل شباب كل جهة والخروج والاحتجاج للمطالبة بنصيبهم من التنمية، ليس عبر النزول إلى الشارع وحسب، بل أيضاً بوقف نشاط مناطق الإنتاج الحيوية التي من شأنها أن تربك الحكومة وتدفعها إلى التفاوض.

ويدرك شباب الجهات أن الحكومة لن يكون في وسعها اللجوء إلى الخيار الأمني خوفاً من انفجار الوضع الاجتماعي أكثر واندلاع ثورة ستعصف بالجميع. 

كانت البداية من محافظة القصرين (وسط غربي)، حيث اعتصم عشرات أمام حقل الدولاب النفطي، وتمكنوا من وقف الإنتاج في الحقل وغلق مضخات النفظ، وأكدوا أن الإقفال سيتواصل حتى تستجيب السلطات لمطالبهم. ويبرر هؤلاء تحركهم بعدم الاستجابة لمطالب الجهة في التنمية، علماً أن أعلى نسب الفقر سُجِّلت في هذه المحافظة. وتدريجاً اتسعت رقعة التحركات لتشمل جملة من المحافظات على غرار قابس وقفصة والقيروان وباجة والكاف وجندوبة وقبلي وغيرها.

ولعل أبرز هذه التحركات، في محافظة قابس (جنوب شرقي) حيث يتواصل اعتصام الصمود 2، وأغلقت بسببه وحدات تعبئة الغاز في المنطقة الصناعية في المحافظة. وهذا الاعتصام كانت له تبعات وخيمة، إذ حرم محافظات كثيرة، الغاز المنزلي، بخاصة محافظة صفاقس. ونتيجة ذلك تشهد المحافظات التي تعاني من أزمة غاز، اضطرابات وتوترات منددة بهذا النقص الكبير الذي يتزامن مع فصل الشتاء، فاضطر الأهالي إلى استخدام الخشب مثلاً من أجل الطبخ وأشياء أخرى.

ويقف مواطنون في طوابير طويلة للحصول على قوارير غاز في مشهد وصفه تونسيون بأنه يحاكي وضع الدول التي تواجه حروباً.

وفي بعض المحافظات، تمّ استغلال نقض الغاز للضغط على المعتصمين ودفعهم إلى إنهاء تحرّكهم. وأقدم شباب منطقة الصخيرة (تابعة لمحافظة صفاقس) على إغلاق مستودعات توزيع المحروقات المتمركزة في الجهة، ما سبّب اضطراباً كبيراً على مستوى توزيع المحروقات في ولايات الجنوب لا سيما محافظة قابس. 

ويبدو أن معتصمي الصمود قد تحسسوا الوقع الخطير لتحركهم على المواطنين الذين أرهقهم انقطاع الغاز، حتى أن أشخاصاً اضطروا إلى إغلاق مطاعمهم والتوقف عن العمل، ولهذا أعلن المحتجون كسر قرار الإغلاق لمدة 24 ساعة حتى يتزود المواطنون بالغاز.   

وفي تعليقه على هذه التطورات يقول عضو تنسيقية اعتصام الصمود 2 سامي الذوادي لـ”درج”، “صحيح أن الاحتجاج كانت له تأثيرات سلبية مباشرة في المواطن في محافظات عدة، ولهذا أوقفنا غلق الوحدات لـ24 ساعة حتى لا نتسبب بأضرار لأبناء وطننا. ولكن هذا لا يعني أننا أوقفنا تحركنا، فنحن بصدد دراسة أشكال الاحتجاج المقبلة، والتي ستتحدد على ضوء جلسات التفاوض التمهيدية مع الحكومة. ستتضح الأمور بالنسبة إلينا مع بداية التفاوض الرسمي المقرر في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2020، فإذا ما لمسنا تجاوباً جدياً من السلطات مع مطالبنا المتعلقة بالتنمية والتشغيل، سنوقف اعتصامنا”. 

يدرك شباب الجهات أن الحكومة لن يكون في وسعها اللجوء إلى الخيار الأمني خوفاً من انفجار الوضع الاجتماعي أكثر واندلاع ثورة ستعصف بالجميع. 

في محافظة قفصة، أدت احتجاجات طالبي العمل في مناطق عدة إلى وقف معظم أنشطة قطاع الفسفاط الفنية منها والإدارية في كل من المتلوي والمظيلة والرديف وأم العرائس بما في ذلك إنتاج الفسفاط التجاري وتسويقه نحو الحرفاء. وتجدر الإشارة إلى أن الشركة لم تنتج منذ بداية عام 2020، حتى 22 تشرين الثاني سوى 3.1 مليون طن من الفسفاط التجاري، مقابل توقعات كانت تشير إلى 5.5 مليون طن، أي بنقص نسبته 40 في المئة.

وفي محافظتي جندوبة والكاف، قطع متظاهرون الطرق المؤدية إلى مركزي المدينتين، بتكديس الحجارة وإشعال العجلات المطاطية، للمطالبة بالتنمية والتشغيل وتحسين البنية التحتية.

وأغلقت متاجر وشركات ومؤسسات عامة أبوابها (الأربعاء 28 تشرين الثاني) في محافظة باجة (شمال غربي) تنفيذاً لإضراب دعت إليه منظمات مدنية للتنديد بالتهميش. وهي المرة الأولى منذ الاستقلال عام 1956 التي تنفذ فيه هذه المنطقة المصنفة من الأفقر في البلاد إضراباً عاماً. 

وفي خضم هذه التحركات التي تنتشر بقوة بين المحافظات التي تعد جيوباً للفقر والتهميش منذ عقود وتأخذ أشكالاً جديدة تستهدف قطاعات حيوية، تجد حكومة هشام المشيشي نفسها عاجزة عن احتواء ما يحصل، بل وتتفاقم متاعبها وهي التي تكابد للخروج من أسوأ مأزق تشهده البلاد منذ ثورة كانون الثاني/ يناير 2011.

البطالة ترتفع

تشهد نسبة البطالة ارتفاعاً إلى حدود 18 في المئة، خلال الثلاثي الثاني من عام 2020 مقارنة بالثلاثي الأول، إذ كانت في حدود 15.1 في المئة بحسب ما ورد في نتائج المسح الوطني حول السكان والتشغيل للثلاثي الثاني من عام 2020 للمعهد الوطني للإحصاء.

وفيما نزل أبناء المحافظات المهمّشة وفقراء تونس والمتعبون من سوء الأحوال للتعبير عن غضبهم، تتزايد المخاوف من أن تتسع دائرة الاحتجاجات وتتجاوز حدود التحركات الاعتيادية التي دأبت البلاد عليها سنوياً منذ الثورة، وأن تصل حد الرغبة في إسقاط الحكم مجدداً، في ظل فقدان الثقة في النخبة السياسية الحاكمة التي أثبتت عجزها عن تلبية مطالب الشعب وعمقت أزماته وفقره وبطالته على مدار سنوات العشر الماضية. 

ويبدو أن المراوغة والوعود الزائفة والأكاذيب التي سوقتها الأحزاب السياسية لسنوات لم تعد تنطلي على شعب تحسس جيداً عدم اكتراث هذه الطبقة الحاكمة لمطالبه بقدر سعيها وراء مصالحها وهرولتها ولهفتها الكبيرة من أجل البقاء في الحكم لا غير، حتى وإن لم تتمثل الحلول والبرامج الكفيلة بتحقيق أهداف التنمية والتشغيل.

 ويبدو أن تضخيم الجانب السياسي الذي اتبع لمحاولة ذر الرماد على العيون عبر تنظيم الانتخابات في مناسبات متتالية، والمبالغة في الإعلاء من شأنها والإيهام ببناء مؤسسات حكم قوية، لم يعد يلقى المباركة التي حظي بها في السنوات السابقة، مع نهاية حقبة الانبهار بالوهم وعجز السياسيين عن تحقيق الاستقرار السياسي أولاً، ثم الفشل في إدارة الشأن العام ومكافحة الفساد وتمثل تصورات وبرامج اقتصادية واجتماعية ناجحة. هذا فضلاً عن إدراك التونسيين أن الأحزاب المشاركة في البرلمان اليوم لا تلتفت إلى واقع الأوضاع المتأزمة، بقدر تفكيرها في الانتخابات المقبلة، ما عمّق الهوة بين الجانبين لتصل إلى مرحلة قرر فيها الشاب الذي حلم بالشغل والكرامة، إلى انتزاع هذه الحقوق بالقوة.

أحصى المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية في تشرين الأول/ أكتوبر 871 تحركاً احتجاجياً و18 حالة انتحار ومحاولة انتحار وأكثر من 6500 احتجاج منذ بداية السنة.  

وهذا ما يؤكده الناطق الرسمي باسم “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” رمضان بن عمر الذي يعتبر أن حجم القطيعة بين النخب الحاكمة والمجتمع وعجز المؤسسات عن تمثيل مطالب التونسيين والتونسيات وإشراكهم في برامج الانقاذ العاجلة والإصلاح المتوسط المدى، قد يفجّر أزمة حادة لا يمكن التنبؤ بمدى خطورتها وارتداداتها.

ويقول لـ”درج”: “الحكومة مرتبكة في ظل وضع دقيق حتى أنها لم تجد بعد السبيل لتوفير تمويل ميزانية 2021، ولا يزال البنك المركزي يرفض سد العجز خوفاً من آثاره التضخمية. أما المؤسسة البرلمانية ففقدت صدقيتها في نظر المجتمع وتعيش حالة فوضى واصطفافات مصلحية وصراعات داخلية حزبية وفئوية يغذيها خطاب كراهية وإقصاء يزيد عزلة المنتخبين عن المجتمع، ولا تبدو حتى الآن رئاسة الجمهورية كرمز لوحدة الجمهورية في طريق واضح من أجل تنظيم حوار وطني يضع خطة عاجلة للإنقاذ”.

ويضيف: “كما أن تعطل مسار العدالة الانتقالية وتأخر تركيز المحكمة الدستورية وتقرير دائرة المحاسبات المتعلق بانتخابات 2019 حول شبهات فساد لقوائم ومرشحين وغياب إرادة فعلية للتصدي للفساد عموماً، كلها مؤشرات إضافية للمخاطر التي قد تعصف بالتجربة الديموقراطية التونسية الناشئة”.

وأحصى المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية في تشرين الأول/ أكتوبر 871 تحركاً احتجاجياً و18 حالة انتحار ومحاولة انتحار وأكثر من 6500 احتجاج منذ بداية السنة، ووصول 12500 تونسي وتونسية إلى السواحل الإيطالية منذ بداية العام. وهي أرقام تقدم أدلة واضحة على اتساع نطاق المطالبين بحقوقهم وتنوع أشكال احتجاجهم وارتفاع درجات اليأس والغضب التي تعتمل داخل أوسع طبقات المجتمع التونسي، من فئات هشة ووسطى وحتى ميسورة، لم تعد تثق تماماً في نزاهة غالبية النخب الحاكمة الحالية، وفي قدرتها على قيادة البلاد والنجاح في التصدي للفساد والقضاء على الظلم الاجتماعي وحماية مكاسب الانتقال الديموقراطي والدفاع الجدي عن مصالح تونس الوطنية في الخارج.

70%

من الشباب يعتبرون أن صوتهم غير مسموع

فوفق دراسة أنجزها المنتدى و”منظمة محامون بلا حدود” وشملت أحياء المنزه والمروج والكبارية وسيدي حسين (أربعة أحياء في العاصمة تختلف من حيث المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية)، فإن حوالى 70 في المئة من الشباب يعتبرون أن صوتهم غير مسموع، وحوالى 51 في المئة من المستجوبين يعتقدون أنهم مضطهدون في بلادهم، وأكثر من 54 في المئة منهم يعتقدون أنهم معرضون للتمييز في بلادهم.

وأفادت الدراسة بأن حوالى 74 في المئة من هؤلاء الشباب يعتقدون أن صوتهم غير مسموع، في حين يرى 55 في المئة أنهم لا يحظون بالاحترام. ويعتقد 82.4 في المئة من المستجوبين اعتقاداً راسخاً في عدم المساواة أمام القانون، إذ تسود الزبائنية والمحاباة وسلطة الأقوى، ويرى 82.6 في المئة أنهم يعيشون في مجتمع غير منصف، لا تطبق فيه القوانين على الجميع على نحو عادل وأن الديموقراطية الناشئة ليست سوى ديموقراطية واجهة.

ويعتبر 55.2 في المئة أنه ليس لهم اعتبار، بينما يشير 60.5 في المئة إلى أنهم مهمشون و51.6 إلى أنهم مضطهدون وقرابة 54 في المئة يعتقدون أنهم عرضة للتمييز، فيما 62 في المئة عرضة للحرمان، ويرى أكثر من 70.49 في المئة أنهم لا يتمتعون بنصيبهم، وأكثر من 60.15 في المئة عرضة للظلم.