ليست بلا دلالة الهزيمة الساحقة التي منيت بها أحزاب السلطة في الانتخابات الجامعية في لبنان، وفوز طلاب النوادي العلمانية في الجامعات الخاصة الثلاث الرئيسة، وهي الجامعة الأميركية والجامعة اليسوعية والجامعة اللبنانية الأميركية. وبدءاً من اليوم سيصبح القول بأن قوى السلطة ما زالت تحتفظ بصفتها التمثيلية على رغم ثورة 17 تشرين، محتاجاً إلى تدقيق. فطلاب الجامعات مؤشر جوهري على وجهة الرأي العام، وإذا صح قول إنهم عينة غير ممثلة بدقة لوجهة الرأي العام، إلا أنهم عينة بالغة التأثير فيه، ذاك أنهم الشريحة الأكثر حيوية لجهة نشر قناعاتها، وصاحبة الصوت الأعلى في وجه الفساد والاختلالات التي تمثلها السلطة، التي بلغت وقاحتها مستويات غير مسبوقة.
والحال أن نتائج الانتخابات في الجامعات والتي توجت راهناً بفوز كاسح للنادي العلماني في الجامعة اليسوعية، مثلت جواباً على خطاب السلطة المستجد الذي يقول إن الثورة تم إخمادها و”الناس عادوا إلى رشدهم”، والتقطت هذه الأحزاب أنفاسها في ظل خمود الشارع، على رغم تعاظم الفضائح، وصولاً إلى الفضيحة الأكبر المتمثلة في انفجار المرفأ، والتواطؤ المفضوح بين مافيات الفساد ومافيات الطوائف والمذاهب المنتشرة على مساحة الجمهورية.
بالأمس حقق طلاب الجامعات نصراً جديداً للثورة، وأتاحوا لنا التقاط بعض الأنفاس في ظل الاختناق الكبير الذي أصابتنا به جمهورية ميشال عون و”حزب الله” وشركائهما. هذه الأنفاس لن تكون الأخيرة التي سيمدنا بها جيل ما بعد الانهيار. فها هم وعشية انتصارهم في اليسوعية يتعقبون أثر عدنان القصار، صاحب “فرنسبنك”، إلى أحد المقاهي حيث كان ينفث دخان سيجاره في وجه صغار المودعين الذين حرمهم من مدخراتهم. ها هم يخرجونه ذليلاً من المقهى. إنهم شبيبة الثورة غير المستكينة الذين، وفي غفلة من السلطة وأحزابها، تولوا هزم قوى الفساد في جامعاتهم.
الأمر يستحق أن نشعر في ظله باستعادة الثورة المبادرة بعدما باشر النظام التعامل معنا على أساس أنه سحقها وسحقنا. طلاب اليسوعية وقبلهم طلاب الأميركية قالوا لا للجميع، لا لشريك الفساد سعد الحريري، ولا لحزب الفساد والسلاح، ولا لصهر جمهورية الموز العونية جبران باسيل، وشملت الـ”لا” القوات اللبنانية التي شعرت في معركة اليسوعية بأن التغيير سيطيحها فوقفت في وجه مد النادي العلماني وخسرت المعركة.
نتائج انتخابات الجامعات يُبنى عليها، فهي مؤشر على حجم التغير في اتجاهات الشارع. ليس بلا دلالة أن يخسر حزب مثل “حزب الله” هذه الانتخابات، وأن يختفي أثر تيار المستقبل في المنافسات، وان يختبئ التيار العوني وراء خطوة الانسحاب من الانتخابات. فالأحزاب التقطت مؤشرات هزيمتها، وستباشر بناء عليها خطوات التفافية. من المرجح أن المواجهة تقتضي رفض أي فكرة عن انتخابات نيابية مبكرة، فإذا كانت قاعدة “حزب الله” أقل تصدعاً من غيرها، فإن حلفاء الحزب سيفقدون القدرة على مده بغطائهم، وخصومه أيضاً من أحزاب النظام سيعجزون عن إجراء التسويات مع سلطته.
طلاب لبنان قالوا كلمتهم في السلطة وأحزابها وجمهوريتها. قالوا، اغربوا عن وجهنا أيها الفاسدون.
ما حصل بالأمس في الجامعة اليسوعية يكشف حقيقة أن النظام وأحزابه ورجاله خسروا مساحات ليست صغيرة من نفوذهم ومن تأثيرهم، ويكشف أن الشرائح الحية والشابة من المجتمع اللبناني فقدت ثقتها بهم. خسروا انتخابات الجامعة اللبنانية الأميركية، هناك حيث كان لـ”تيار المستقبل” و”حركة أمل” و”الحزب الاشتراكي” نفوذ تقليدي، وقرروا في الجامعة الأميركية أن ينسحبوا من الانتخابات حفظاً لماء الوجه بعدما كان للتيار العوني ولحزب الله تمثيل “تاريخي” في عدد من كلياتها. أما في الجامعة اليسوعية فالهزيمة الأكبر كانت لحزب “القوات اللبنانية” الذي جند لهذه المعركة محطة تلفزيونية وعشرات المتطوعين.
معظم الطلاب الفائزين هم من النوادي العلمانية. هذا يقول الكثير عن جيل الجامعات وعن خياراته. ويقول أيضاً إن أحداً لن يتمكن من وأد الثورة. الظروف القاهرة المتمثلة بالوباء وبانفجار بحجم المدينة، أخرت وثبة الناس على الطبقة الفاسدة، لكن الفضيحة لن تذوي، وطلاب لبنان قالوا كلمتهم في السلطة وأحزابها وجمهوريتها. قالوا، اغربوا عن وجهنا أيها الفاسدون. وكرروا عبارة الثورة: “كلن يعني كلن”.