fbpx

درعا:”جيش خالد” يفرض الجلد وغرامات الذهب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ساهمت جميع الأطراف المشاركة في الحرب السورية في ارتكاب تجاوزات وانتهاكات ظن العالم للحظة أنها قد انتهت منذ مئات السنين، وما استخدام “جيش خالد بن الوليد” في محافظة درعا، الجلد كعقاب في مناطق سيطرته، إلا مثالاً فقط.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

محمد حسان، سائق حافلة لنقل الركاب في منطقة حوض اليرموك، كان يعمل على إيصال الركاب ذهاباً وإياباً بين المناطق الخاضعة لسيطرة “جيش خالد” وفصائل المعارضة السورية في ريف درعا الغربي، حتى تم إيقافه من قبل ما يُسمى بـ “الحسبة” ضمن “جيش خالد”، بعد اكتشافهم حيازته كميات من السجائر أثناء محاولته إدخالها إلى بلدات حوض اليرموك.

ويصف حسان لـ”درج” ملابسات الحادثة بالقول: “بيع السجائر داخل حوض اليرموك ممنوع تماماً وأنا كنت أعمل على إدخالها وبيعها بشكل سري، وأثناء تفتيش الحافلة قبل أشهر عدة تم العثور عليها”، وبعد اعتقال محمد واقتياده إلى مبنى الحسبة في بلدة سحم الجولان، سُجن مدة أسبوع قبل أن يصدر بحقه قرار بالجلد 79 مرة، إضافة إلى دفع 3 غرامات ذهب كعقوبة إضافية، ويضيف: “لم أُعط أي فرصة للدفاع عن النفس وبالكاد تم التحقيق معي، وتم تبليغي بالقرار دون أي مقدمات أو شرح له، كما تم اشتراط دفع الغرامة بالذهب وليس نقوداً، علماً أنها تساوي تقريباً 45 ألف ليرة، لكنهم اشترطوا الحصول على الذهب فقط”، وبعد تبليغ محمد بالقرار تم اقتياده إلى ساحة بلدة الشجرة، ليقوم شخص من “الحسبة” بضربه على ظهره بواسطة حبل، وتكرار الأمر 79 مرة، ويشرح محمد: “القصد من العقوبة ليس الإيذاء، لأن الضرب لم يكن عنيفاً، بل القصد هو الإهانة عندما يتم إيقافك بين الناس وأنت بوضعية ذليلة وتحمل ورقة على هذا الشكل ويتم ضربك من فتى في عمر أولادك”، غادر محمد منطقة حوض اليرموك بعد الإفراج عنه بشهر تقريباً، وقرر عدم العودة إلى المنطقة مجدداً في ظل سيطرة “جيش خالد”.

أبو أسامة، صاحب أحد المحال التجارية في بلدة تسيل، يتحدث لـ”درج” عن عمليات الجلد التي يفرضها “جيش خالد” في المنطقة، وتقاطع في وصفه مع ما قاله محمد حسان، بأن عمليات الجلد لا تهدف إلى الأذية الجسدية بقدر ما تهدف إلى الأذية النفسية، ويقول: “شاهدت بعض هذه العمليات وكان واضحاً على من يضرب وعلى الشخص الذي يتلقى الضربة أنها ليست عنيفة، والهدف منها إهانة الشخص وإثارة الرعب بين صفوف الأهالي”، ويلفت أبو أسامة إلى الحالات المتنوعة التي يتم تنفيذ عقوبات الجلد بسببها، موضحاً: “هم يجلدون بائعي السجائر وشاربيها بشكل دائم وكل أسبوع تقريباً، وفي شهر رمضان كان يتم جلد من يكتشفون إفطاره خلال النهار، وفي إحدى المرات تم جلد شاب بتهمة الزنا”، ويختار “جيش خالد” الأوقات التي تنفذ فيها هذه الأحكام بعناية شديدة، وتتركز هذه الأوقات في يوم الجمعة بعد انتهاء الأهالي من صلاة الجمعة، وفي أيام الأسبوع بعد صلاة الظهر مباشرة، يضيف أبو أسامة: “يتم إحضار من يريدون جلده بعد انتهاء الصلاة مباشرة، وأمام المسجد، حتى يشاهده أكبر عدد ممكن من الأهالي”.

يشرح محمد: “القصد من العقوبة ليس الإيذاء، لأن الضرب لم يكن عنيفاً، بل القصد هو الإهانة عندما يتم إيقافك بين الناس وأنت بوضعية ذليلة وتحمل ورقة على هذا الشكل ويتم ضربك من فتى في عمر أولادك”

منذ اندلاع النزاع في سوريا بين النظام والمعارضة عام 2011، ظهرت أطراف وفصائل مسلحة تحمل أفكاراً وأيديولوجيا مختلفة ضمن صفوف المعارضة، سواء تلك الفصائل التي نادت بالديموقراطية والعلمانية، وبين من رفع الراية الإسلامية بشكلها السلفي أو الجهادي أو تيار الإخوان المسلمين، وغيرهم.

هذا “التباين الفكري”، بين صفوف فصائل المعارضة، لم يقتصر على الخطاب الإعلامي فقط، بل انعكس على أرض الواقع، وشهد تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الماضية، بدأ بتصادم الخطاب الإعلامي واختلاف الرايات والمشاريع المستقبلية، وصولاً إلى الصدامات العسكرية المباشرة، التي قُتل فيها مئات المقاتلين، الذين يُفترض أنهم مجتمعون على هدف واحد، هو إسقاط النظام.

في محافظة درعا، تباينت إيديولوجيا الفصائل بشكل حاد، بين فصائل المعارضة المدعومة إقليمياً والعاملة تحت مسمى “الجبهة الجنوبية” أو “الجيش السوري الحر” والتي تتبنى شعارات الديموقراطية والقوانين الدولية، وبين الحركات الإسلامية التي تبنت الخطاب “الإسلامي الجهادي” على غرار “جبهة النصرة” التي تدرجت في التسميات والانتماءات حتى وصلت إلى مسمى “هيئة تحرير الشام”، وأخرى كـ”حركة أحرار الشام” التي شهدت هي الأخرى تغيرات وتطورات لم تخرجها من عباءة “الإخوان المسلمين”.

إلى جانب هؤلاء، ظهرت فصائل تبنت الفكر الذي انبثق من تنظيم “الدولة الإسلامية”، كما هي الحال في “جيش خالد بن الوليد”، الذي تشكل من اندماج فصائل إسلامية هي “حركة المثنى الإسلامية” و”لواء شهداء اليرموك”، ليتمركز هذا “الجيش” في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، ويخوض مواجهات دامية مستمرة منذ سنوات عدة ضد فصائل المعارضة، قُتل فيها مئات من الطرفين. هذه المعارك أفضت إلى سيطرة “جيش خالد” على بلدات صغيرة يقطنها ما يُقارب 70 ألف نسمة، يدّعي “جيش خالد” أنه يحكمهم بالشريعة الإسلامية.

هذه القوانين والأحكام التي فرضها “جيش خالد”، بدأت من إلزام النساء بزي معين، وإلزام الرجال بشكل محدد لحلاقة الرأس والذقن، وفرض القوانين على المحال التجارية والأراضي الزراعية، إضافةً إلى تنفيذ عمليات الإعدام الميداني بالرصاص وقطع الرؤوس في الساحات العامة، وبين هذا وذاك، نفذ “الجيش” عمليات جلد ممنهجة في الساحات العامة وأمام المارة، كما فرض غرامات تُدفع بالذهب، تحت ذرائع وأحكام مختلفة.

شهدت المحافظات السورية خلال السنوات القليلة الماضية، “إعادة إحياء” عادات وأحكام قديمة، مرت عليها عصور وحضارات كثيرة، لعل تنظيم “الدولة الإسلامية” كان الأبرز في هذا المجال، فساهمت جميع الأطراف المشاركة في الحرب السورية في ارتكاب تجاوزات وانتهاكات ظن العالم للحظة أنها قد انتهت منذ مئات السنين، وما استخدام “جيش خالد بن الوليد” في محافظة درعا، الجلد كعقاب في مناطق سيطرته، إلا مثالاً فقط.