fbpx

لبنان “أونلاين”: كهرباء مقطوعة وحصة المعلم 1.5 دولار

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

التعليم من بعد خلق حلولاً بلا شك في ظل الوباء، لكنه أيضاً فرض عزلة وعطّل التواصل البشري، فدفع الطلاب والاساتذة ثمناً باهظاً له…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“تعطّلت خدمة الانترنت لمدّة أسبوع كامل، وكان عليّ أن أتغيّب عن الدروس أونلاين. حين عدت، سمعت أكثر من توبيخ من أساتذتي، ولم يقبلوا إعادة الشروح لي. الآن أحاول أن أطلب المساعدة من رفاقي في الصفّ”، تشرح تيا (15 سنة، الصف التاسع، أي صف الشهادة الرسمية المتوسّطة). معاناة تيا هي معاناة آلاف الطلاب في لبنان الذين يعانون الأمرّين بسبب عدم جهوزية النظام التعليمي اللبناني للتأقلم مع التعليم المعاصر الذي فرضه فايروس “كورونا”، وإجراءات الوقاية التي منعت التلامذة من الذهاب بشكل منتظم إلى المدارس. 

كارين (12 سنة) تشكو مثلاً من الانقطاع المتواصل للكهرباء، تقول لـ”درج”: “كلما تنقطع الكهربا، بيطردني الإستاذ من الصف وما بيعود يخليني فوت. طب أنا شو ذنبي؟”.

بعض المدارس ما زال حتى الآن، أي منذ شباط/ فبراير 2019، يكتفي بالتعليم عبر تطبيقات إلكترونية منها “زوم” و”تيم”، فيما تعتمد مدارس أخرى نظام المداورة في حضور التلاميذ إلى الصفوف وفي دروس “الأونلاين”.

قصص كثيرة يمكن التقاطها لمجرّد الجلوس مع طلاب أو مدرّسين أو حتى قيّمين على المدارس والمعاهد التعليمية الرسمية والخاصة، فالفوضى وعدم القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة يخيّمان على هذا العام أيضاً، بعدما مضى عام 2019 أونلاين وانتهى بإلغاء الشهادتين الرسميتين، واستبدالهما بإفادات، من دون إجراء امتحانات، لتفادي التجمعات والاختلاط. كما يعاني جزء كبير من المعلّمين من مشكلات مادية كبيرة، فكثيرون خسروا أعمالهم أو خفّضت رواتبهم، فيما يصرخ المعلّمون المستعان بهم في التعليم الرسمي بعدما أصبحت حصة المعلّم لا تساوي أكثر من دولار ونصف الدولار. فيما راتب الأستاذ في التعليم الرسمي شهرياً، قد لا يتجاوز الـ150 دولاراً، وهو مبلغ لا يكفي لتأمين الحاجات الأساسية.

سيف ذو حدّين

“التعليم أونلاين سيف ذو حدين، إذ لا شك في أنه سهّل بعض الأمور وجعل التلامذة يتحمّلون مسؤولية أكبر، وباتوا يبذلون المزيد من الجهود للتركيز وبناء علاقات مع المدرّس والزملاء. لكنّ الخوف أن تكون طريقة التعليم هذه طريقاً نحو عزل المدرّس وعزل التلميذ بسبب غياب التواصل البشري المباشر، والعلاقة الإنسانية الحقيقية التي تتطلب الحضور الجسدي، وهذا ضروري في عملية التدريس”، تقول سناء الحاموش وهي مدرّسة في إحدى مدارس بيروت الخاصة.

“الأساتذة قاموا بعمل جبار في هذه الفترة، لا سيما أن عدداً كبيراً منهم لم يكونوا مدرّبين أو مستعدّين لهذا التغيير الكبير في طرائق التدريس. لكن المشكلة التي نواجهها الآن تكمن في التقويم، أو التأكد من وصول المعلومات إلى التلاميذ، وهذا الأمر تعانيه معظم المدارس”، يوضح مؤسس موقع “تواصل” للتعليم الافتراضي وأستاذ اللغة العربية باتريك رزق الله. ثم يضيف لـ”درج”: “نحن بدأنا منذ عام 2012 بتأسيس الموقع لتعليم اللغة العربية من الصف الأساسي السابع حتى المرحلة الثانوية. والآن نعمل على إطلاق منصة للروضات والحلقة الأولى والحلقة الثانية.

في المحصّلة، كانت المناهج التعليمية تحتاج إلى إعادة نظر عميقة، قبل وصول “كورونا” وتداعياته وفرضه شروطاً صعبة على المعلّم والطالب وإدارات المدارس. أما حقوق المعلّمين فكان يمكن ألا تهدر بهذه الطريقة المجانية، فيدفعوا ثمن عدم جهوزية النظام التعليمي وتخلّفه.

لا شكّ في أن المعلمين استفادوا في هذه الفترة من وجود منصتنا وغيرها من المنصات التي أنشئت راهناً، لتعليم المواد، لأن المعلم بحاجة إلى موارد جاهزة لاستخدامها في التعليم من بعد. ونحن نحاول تطوير ذلك بشكل متواصل. إذ لا يمكن الاستمرار في الاعتماد على موارد التعليم العادي، في التعليم من بعد”. ويؤكد الحاجة إلى إنشاء منصات لجميع المواد، حتى يستفيد منها الأساتذة لإيصال المعلومات بطريقة حديثة ومبتكرة.

هذا فيما يعاني معلّمون من صعوبات تقنية حقيقية، لا سيما كبار السن منهم، الذين قد لا تكون علاقتهم مع الأجهزة الإلكترونية قوية بما يكفي، لاستخدامها في نقل المعلومات والتفاعل مع الطلاب. تخبر تيا عن أستاذها الذي يجبر التلاميذ على فتح الكاميرا طوال الوقت أثناء الحصصن وتقول: “أنا لا أحبّ ذلك وأحياناً أتعرّ للتنمّر من أصدقائي بسبب شكلي أو ملابسي. نحن لدينا مجموعة على واتساب أتواصل عبرها مع تلاميذ صفي، لكنّ الأمر يتحوّل إلى حفلة سخرية مني أو من أحد الأصدقاء. في النهاية نحن في البيت ومن الطبيعي أن تظهر أمور لا يجب أن تظهر في الكاميرا. مرة مثلاً نسيت أن أدوس على زر صامت أو mute، وقد سمع الجميع أمي تتشاجر مع أخي الصغير. ما زلت إلى اليوم أسمع تعليقات حول الأمر”.

حقوق مهدورة

في التعليم الرسمي، تتشعّب المعاناة وتتنوّع. 

يشكو المعلّمون من ضعف المدخول في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، بخاصة المعلّمون المستعان بهم وعددهم بالآلاف. هؤلاء هم غالباً من أساتذة الملاك أو المتعاقدين، استعين بهم في السنوات الأخيرة من أجل تعليم الطلاب السوريين بعد الظهر.

اللافت في قضيتهم أن أجرتهم تدفعها الأمم المتحدة لوحدة التعليم الشامل في وزارة التربية والتعليم العالي، إلا أن ما يصلهم منها هو الفتات.

أحد منسقي احتجاجات المستعان بهم والذي فضل عدم ذكر اسمه، يشرح لـ”درج”: “كما نعرف، حصة المعلّم هي مقابل 20 دولاراً أي 30 ألف ليرة لبنانية إذا احتسبنا ذلك وفق السعر الرسمي للدولار أي 1500 ليرة، تدفعها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى وزارة التعليم، التي بدورها تدفعها لنا. إنما في الواقع يصلنا المبلغ ناقصاً ولا نفهم من المسؤول عن ذلك ولماذا. في البداية كان الناظر يتقاضى 12 ألف ليرة، المدير 15 ألفاً، المرشد الصحي أو التربوي 15 ألفاً، والمدرّس 18 ألفاً. راهناً تم تعديل ذلك بسبب احتجاجاتنا المتواصلة، وأصبح المديرون يتقاضون 20 ألف ليرة (أقل من دولارين) مقابل الحصة، و20 ألفاً للمدرّس فيما تمت زياردة 1500 ليرة على حصة الناظر الذي بات الحلقة الأضعف”. 

يقول المنسّق: “نحن لا نطالب بالمستحيل، لكن على الأقل فليعاملونا بسعر المنصة الذي وضعه مصرف لبنان (3900 ليرة للدولار الواحد). فحتى عدد الحصص تم خفضه، كنا سابقاً نعطي 15 حصة أسبوعياً، والآن باتت 18 حصة، ونسمع حديثاً عن تخفيضها إلى 15 حصة، مع العلم أننا نقبض مستحقاتنا مرتين في العام، أي فصلياً، وننتظر كل مرة نحو 6 أو 7 أشهر لنحصل على أجورنا”. علماً أنه حتى الآن لم يتقاضَ المعلّمون المستعان بهم مستحقات الفصل الثاني من العام الدراسي الماضي، ولا أحد يردّ عليهم. 

يضحك أحد النظّار عند سؤاله عن هذه القضية ويقول: “كل 100 طالب لديهم ناظر واحد، لكن تعرفين أن غياب طلاب يعني حسم جزء من حصص الناظر؟”.

إقرأوا أيضاً:

أما طلاب التعليم الرسمي، فيمكن اختصار بعض معاناتهم بما قاله طوني (13 سنة، الصف الأساسيّ السابع) لـ”درج”، إذ يحار كل يوم أحد إن كان سيذهب إلى المدرسة في اليوم التالي أو إن كان التعليم أونلاين، يقول: “نحن لا نفهم شيئاً حقاً، ولا نعرف البرنامج الذي علينا أن نتّبعه. وأحياناً نتصل بالمدير أو المعلّمين ولا أحد يردّ علينا وربما لا يملكون أجوبة”. ثم يضيف: “المعلّمون لا يشرحون لنا بما يكفي لنستطيع حلّ الفروض واستيعاب الدروس. ألاحظ أنّ ما يفعلونه هو تصوير الكتب المدرسية وعرضها عبر التطبيق أونلاين، وهذا لا يساعدنا حتى نفهم”.

في التعليم الخاص، خسر عدد وافر من المعلّمين في القطاع الخاص وظائفهم بسبب الأوضاع المعيشية أو بسبب التعليم الذي أصبح افتراضياً، إذ تم الاستغناء عن أساتذة الرياضة والموسيقى والمسرح وغيرهم في عدد من المدارس. كما حسمت أجزاء من رواتب معلمين وإداريين، لتخفيف التكاليف، لا سيما أن الأهالي يعانون من صعوبات في دفع الأقساط، مع البطالة التي تناطح الـ50 في المئة، والغلاء المعيشي واستمرار احتجاز أموال المودعين في المصارف.

كما يعاني المعلّمون والطلاب من ضعف البنى التحتية وعدم الجهوزية، تقول يارا سلوم وهي مدرّسة لغة عربية: “تكمن مصاعبنا في تردّي البنى التحتيّة في لبنان؛ ما قاد إلى تبعثر شريط الأهداف المراد تحقيقها في أثناء الحصّة الافتراضيّة، وما حال دون اندفاع المتعلّمين على المشاركة. ولغياب الأجهزة التكنولوجيّة المتطوّرة يدٌ في عدم الارتياح لمتابعة الحصص الطويلة، فيما نحن مسمّرون في مكانٍ تآلفنا وإيّاه. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ بُعد المنهج اللّبنانيّ من هذا التعليم، يعيق سير العمليّة التعليميّة وتحقيق الأهداف كما في السابق”.  ثم تستدرك بالقول: “على رغم المصاعب تبقى رغبة المتعلّمين واندفاعهم وانجذابهم إلى هذا النوع من التعليم، السبب الوحيد في اندفاعنا وحماستنا. فالعمود الفقريّ  للتعليم من بُعد هو جذب المتعلّمين، في أثناء الحصّة باستخدام تطبيقات وبرامج تفاعليّة تحفّز على مناقشة المعلومات، تنسيهم عزلتهم في مكانٍ منقطعٍ عن جماعةٍ اعتدنا الاندماج معها”.

في المحصّلة، كانت المناهج التعليمية تحتاج إلى إعادة نظر عميقة، قبل وصول “كورونا” وتداعياته وفرضه شروطاً صعبة على المعلّم والطالب وإدارات المدارس. أما حقوق المعلّمين فكان يمكن ألا تهدر بهذه الطريقة المجانية، فيدفعوا ثمن عدم جهوزية النظام التعليمي وتخلّفه.

إقرأوا أيضاً: