fbpx

تركيا بين جولتين انتخابيتين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

قد يشكل “التقلب على المروج في حدائق الشعب، ثم تناول الفطائر التترية في المقاهي الشعبية” (وفقاً لوعود أردوغان)، حافزاً ما بالنسبة إلى القاعدة الانتخابية الصلبة لحزب العدالة والتنمية، لكنهما لن يتمكنا من إقناع تلك القطاعات الاجتماعية التي أدارت وجهها، منذ وقت طويل، بعيداً من الحزب الحاكم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أصلي آيدن تاشباش

وصل البلد إلى حالة غريبة.

بالطبع نحن لا نعرف، بعد، ما النتيجة التي ستتمخض عنها الانتخابات التركية في 24 حزيران/يونيو أي بعد أيام. لكن الناخب سوف يعبر عن رد فعله، بهذا الشكل أو ذاك، على تغيير النظام السياسي الذي لم يرغب في حدوثه، الآن أو بعد بضع سنوات، ولكن حتماً بواسطة صناديق الاقتراع التي ستوضع أمامه مرة أخرى.

إن رياح التغيير قد بدأت تهب، ولا يمكن صدها إلى الأبد. بدأ جيل الشباب والطبقة الوسطى وسكان المدن يسحبون تأييدهم للسلطة. وفي غضون ذلك بدأ هؤلاء يرفضون المواقف المتصلبة القائمة على الهوية. اليساريون، على سبيل المثال، يشاركون (يشيِّرون) خطابات زعيم حزب السعادة (الإسلامي) تمل قرامولا أوغلو على وسائل التواصل الاجتماعي. المدينيون الذين يعرّفون أنفسهم بالحداثة الذين يريدون لتركيا أن تواصل طريقها عبرها كدولة ديموقراطية، لا يتحرجون من الإعلان عن أنهم سيمنحون أصواتهم لحزب الشعوب الديموقراطي (الكردي) ومرشح حزب الشعب الجمهوري (العلماني) لمنصب الرئاسة محرم إينجة. وحين يلتقي أعضاء الحزب الخيّر وأعضاء حزب الشعب الجمهوري، في الشارع، أثناء نشاطهم الانتخابي، فهم يصفقون استحساناً بعضهم لبعض.

هذه كلها تطورات جميلة جداً في هذه البلاد التي عانت الكثير من الآلام من الشروخ الاجتماعية بين كرد وأتراك، سنة وعلويين، علمانيين ومحافظين. الناطقون باسم السلطة يسخرون من هذه الحالة بإطلاق صفة “المختلفين السبعة”، في حين أن تعدد الأصوات هذا هو السلاح الأمضى بيد جبهة المعارضة. ثمة شعب على تخوم الشرق الأوسط، قد ضاق ذرعاً بسجن الهويات هذا الذي يشكل سمة بارزة لهذه المنطقة من العالم. في غياب الديموقراطية، يقوم المجتمع بابتكار إيقاعه الخاص، بطريقة عضوية. لا يمكن وقف هذا النزيف، من وجهة نظر السلطة، بواسطة “الكيك” والحلوى المجانية (في المقاهي الشعبية كما وعد أردوغان في حملته الانتخابية). قد يشكل “التقلب على المروج في حدائق الشعب، ثم تناول الفطائر التترية في المقاهي الشعبية” (وفقاً لوعود أردوغان)، حافزاً ما بالنسبة إلى القاعدة الانتخابية الصلبة لحزب العدالة والتنمية، لكنهما لن يتمكنا من إقناع تلك القطاعات الاجتماعية التي أدارت وجهها، منذ وقت طويل، بعيداً من الحزب الحاكم. هؤلاء الناس ينتمون إلى عوالم وإيديولوجيات مختلفة، يبحثون عن التجديد والتغيير. القاعدة الاجتماعية تستشعر الصعوبات الاقتصادية. في حين أن حزب العدالة والتنمية يمثل “الستاتيكو” تماماً. ثمة اهتراء في السلطة وتسمم في القوة، وهو ما سيؤدي، في نهاية المطاف، إلى قيام تركيا ما بعد أردوغان. لا نعرف، بطبيعة الحال، هل سيحدث هذا التغيير في 24 حزيران، أم في السنوات القليلة المقبلة. على رغم كل المظالم التي تعيشها البلاد، والمنافسة غير العادلة في الانتخابات، ما زال صندوق الاقتراع يحتفظ بمعناه وقيمته. يقول المحللون إن حالات التزوير والإخلال بالقواعد في العملية الانتخابية لمصلحة السلطة، تؤثر في واحد في المئة من الأوراق الانتخابية بصورة عامة. أنا لا أستخف بهذه النسبة، لكنها ليست بالعقبة الكبيرة التي لن يصعب للمعارضة أن تتغلب عليها. يبدو، على ضوء الشروط القائمة، أن الحاجة إلى دورة ثانية للانتخابات الرئاسية هي احتمال كبير جداً. وفي أي حال، تبدو المنافسة محصورة، منذ الآن، بين رجب طيب أردوغان ومحرم إينجة. المرحلة الأكثر صعوبة ستبدأ بعد الرابع والعشرين من حزيران. من الواضح أن تركيا مقبلة على حالة من التوتر المدوّخ.

القاعدة الاجتماعية تستشعر الصعوبات الاقتصادية. في حين أن حزب العدالة والتنمية يمثل “الستاتيكو” تماماً. ثمة اهتراء في السلطة وتسمم في القوة، وهو ما سيؤدي، في نهاية المطاف، إلى قيام تركيا ما بعد أردوغان. لا نعرف، بطبيعة الحال، هل سيحدث هذا التغيير في 24 حزيران، أم في السنوات القليلة المقبلة.

هناك، قبل كل شيء، الحديث عن جبل قنديل. ليسوا بالقلة أولئك الذين يقولون إن توقيت العملية العسكرية ضد جبل قنديل مرتبط بالانتخابات. يزعم هؤلاء أن هدف السلطة هو استثمار مناخ الحماسة القومية التي ستنتج عن العمل العسكري ضد جبل قنديل، بعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، للسعي إلى شق صفوف تحالف الشعب (المعارض). سوف يعملون على تفكيك كتلة الـ49 في المئة الرافضة السياسة القائمة على الهويات، وإعادتهم فرادى إلى زنازين تلك الهويات الضيقة.

تكمن براعة محرم إينجة في الحفاظ على تلك الكتلة (49 في المئة) التي رفضت التعديلات الدستورية، في أبريل/ نيسان 2017، وقالت لا للنظام الرئاسي. لا يصعب على المراقب أن يتوقع ارتفاع منسوب الضغط الدعاوي للسلطة على القاعدة الاجتماعية لكل من الحزب الخيّر وحزب السعادة. على محرم إينجة أن يكون، في وقت واحد، شرساً بقدر ما يتطلب الصراع مع أردوغان، ومعتدلاً بقدر ما تقتضي موجبات التودد إلى الناخبَين المحافظ والقومي. كما أن عليه أن يحصل، ببراعة، على أصوات ناخبي حزب الشعوب الديموقراطي.

سيهتم الناس، بعد الجولة الأولى، أيضاً بالطريقة التي يمكن لكل من المرشحين الرئاسيين أن يدير شؤون البلد. نحن نعرف طريقة أردوغان في الإدارة. سيكون مفهومه للإدارة، في أي حال، هو “ما قمت بعمله إلى الآن، هو ضمانة ما سأقوم به في المستقبل”. على محرم إينجة، إذاً، أن يقنع الناخب بأنه قادر على إدارة شؤون البلد بصورة جيدة، وأنه ما من شيء يدعو إلى القلق بشأن ذلك. ففي الجولة الثانية ستفقد السجالات الحادة قيمتها لمصلحة الاهتمام أكثر بالسياسات والمشاريع. على إينجة أن يقدم فريق عمله، من اقتصاديين وغيرهم. بين الجولتين الأولى والثانية، سيتركز الكلام على أولويات السياسة الخارجية والسياسة الاقتصادية.

أعرف أنكم تشعرون مثلي بالتعب. تريدون لهذه الانتخابات أن تتم ونعود بعدها إلى الحياة الطبيعية. ولكن قد يكون ثمة من يختبئون في ممرات مظلمة، ليعملوا ما في وسعهم لتخريب الشعور بالأمان، في الفترة الفاصلة بين الجولتين، بهدف تشويش أذهاننا وشق صفوفنا.

ولكن هل تعلمون، على رغم ذلك، أن الناخب هو الذي سيقرر النتيجة؟ حين يأتي ذلك اليوم، أنتم ستقررون بأنفسكم.

 

ترجمة: بكر صدقي

المقال نشر في صحيفة جمورييت التركية ولقراءة المقال الاصلي زوروا الرابط