fbpx

التوازن المطلوب بين عالمي العسكر والمدنيين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

الدول العربية مجتمعة باتت بين الأكثر انفاقاً في المجال العسكري بين دول العالم. لكن هناك فاتورة إنسانية وتنموية باهظة لهذا الانفاق الواسع على الحروب والعسكر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
  • يزيد صايغ ونيثان تورونتو* –  كارنيغي للشرق الأوسط

بعد أسابيع قليلة، ستُحيي هذه المنطقة الذكرى العاشرة لانطلاق الثورات العربية، وما تلاها من حربين لم تحط أوزارهما في ليبيا وسوريا الى هذه اللحظة. صحيح أن المنطقة شهدت تحدياً غير مسبوق للأنظمة، لكن، وفي الوقت ذاته، كان العقد الماضي الأكثر دموية في التاريخ الحديث للعالم العربي، إذ يُشارك نصف دوله على الأقل في حرب إما داخل الحدود أم خارجها منذ عام 2015. 

الدول العربية مجتمعة باتت بين الأكثر انفاقاً في المجال العسكري بين دول العالم. لكن هناك فاتورة إنسانية وتنموية باهظة لهذا الانفاق الواسع على الحروب والعسكر. يُقيم نصف لاجئي العالم، في المنطقة العربية. كما تلعب القدرة العسكرية دوراً رئيسياً في تصميم العلاقات بين الدول المجاورة، وبين الدولة ومواطنيها، إذ تنعكس عسكرة الحياة السياسية، سلباً على الحريات وحقوق الانسان. في أغلب الحالات، لا يعني الانفاق والتركيز المتزايد على بناء الجيوش، توفير الأمن والسلام للمواطنين، سيما أننا رأينا جيوشاً “ثرية” تتفكك وتتراجع لمصلحة ميليشيات تُهدد بُنية الدولة وسيادتها. لم تنفع الموازنات المرتفعة في الحفاظ على لُحمة هذه الجيوش وتنمية قدراتها، ولا في ردع التدخلات العسكرية الأجنبية. لكن، ورغم كل ذلك، ترتفع وتيرة التدخل العسكري في الشؤون السياسية بأنحاء العالم العربي.

باتت الشؤون العسكرية أكثر أهمية من أي وقت مضى في تاريخ المنطقة. لكن، وفي المقابل، ما زالت المعرفة المدنية والتدقيق في كيفية اتخاذ القرارات بالمجال العسكري، ضعيفة للغاية مقارنة ببقية بقاع العالم. 

في مصر على سبيل المثال، استولى العسكر بشكل تدريجي على سلطة الدولة منذ الانتفاضة الشعبية التي خلعت الرئيس حسني مبارك من منصبه مطلع عام 2011، ما أحدث تحولات في نطاق النشاط الاقتصادي العسكري وحجمه. المجلس الأعلى للقوات المسلحة تولى مهام الرئيس التشريعية والتنفيذية، أعقبته بسرعة الإطاحةُ العسكرية في تموز (يوليو) عام 2013 بخلفه محمد مرسي الذي كان أول مدني يُنتخب للرئاسة منذ تأسيس الجمهورية قبل 61 عاماً، ثم جاء انتخاب وزير الدفاع السابق اللواء عبد الفتاح السيسي رئيسًا في أيار (مايو) 2014. منذ ذلك الحين، تلعب المؤسسة العسكرية دوراً رئيسياً في إدارة مشاريع الأشغال العامة الضخمة، وتزويد الأسواق، والتوسع في قطاعات جديدة في محاولة لزيادة إيرادات الدولة. 

وهذا التحول تاريخي وغير مسبوق. يُدير الجيش المصري ربع إجمالي الإنفاق الحكومي على البرنامج المستعجل للبنية التحتية العامة ومشاريع الإسكان، كما يدخل في معالجة نقص السلع الغذائية والإمدادات الطبية في الأسواق المدنية، وفي القطاعات الإنتاجية التي اعتبرت استراتيجية بهدف ظاهر يتمثل في تثبيت الأسعار. هذه الدرجة من الاعتماد على المؤسسة العسكرية لتقديم السلع والخدمات العامة والمساعدة في تحقيق أهداف التنمية الوطنية، لم يسبق لها مثيل حتى بالمقارنة مع عصر عبد الناصر الذي أسس هذا النمط.

بكلام آخر، باتت الشؤون العسكرية أكثر أهمية من أي وقت مضى في تاريخ المنطقة. لكن، وفي المقابل، ما زالت المعرفة المدنية والتدقيق في كيفية اتخاذ القرارات بالمجال العسكري، ضعيفة للغاية مقارنة ببقية بقاع العالم. 

من هذا المنطلق، سعى برنامج العلاقات المدنية-العسكرية في مركز مالكوم كير كارنيغي للشرق الأوسط، إلى ملء بعض الفراغ في هذا المجال من خلال مساعدة المدنيين داخل الحكومات وخارجها، على فهم أفضل للشؤون العسكرية في بلدانهم، وإطلاق حوارات بشأنها. الهدف النهائي لمثل هذا المجهود الذي أسسته وأديره منذ سنوات، هو الإشراف المدني والحوكمة الديموقراطية للشؤون العسكرية والدفاعية العربية. بناء المعرفة المدنية بالشؤون العسكرية، سيُساعد المدنيين على تحديث قواتهم المسلحة، ودفعها قدماً باتجاه مزيد من الاحتراف.

في هذا السياق، أطلقنا منصة “توازن”، وهي مؤشر للعلاقات المدنية العسكرية، على موقع الكتروني مستقل. هدف هذا الموقع المستقل والجديد، تحفيز نقاش عام وديناميكي حول القضايا العسكرية في المنطقة، لأن فهماً أوسع للعلاقات المدنية-العسكرية سيُساعد حكماً في تصميم القرار وصنعه بما يتوافق مع المصلحة العامة. المنصة لا تقتصر فقط على توفير المعلومات والبيانات الموثّقة، بل أيضاً تُقدم تحليلات مقارنة، كي يتمكن المدني، أكان مواطناً أو صانعاً للقرار، من النظر الى الصورة بشكل متكامل. هناك فارق بين أن يدقق المواطن العربي في أرقام دولته وحدها، وبين أن ينظر الى البيانات في كل المنطقة، ويرى تفاعل الانفاق العسكري وغيره من الأرقام في أكثر من سياق.

من خلال هذا المجهود، نتمنى أن تتحول هذه المنصة إلى حجر أساس لعلاقات مدنية-عسكرية أكثر توازناً، ولفتح المجال لتدقيق يتسم بالمعرفة في شؤون الجيوش العربية وأدوارها المتزايدة.

  • * يزيد صايغ باحث رئيس ومدير برنامج العلاقات المدنية العسكرية في مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط
  • نيثان تورونتو باحث ومُحرر برنامج العلاقات المدنية العسكرية في مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.