fbpx

كيف تُشعِل إسرائيل فتيل حربٍ أهليّة في الأسرة المالكة السعوديّة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الصراع الدائر في الأوساط الملكيّة حِيالَ القضيّة الفلسطينيّة يعني أنّ قطار التطبيع الإسرائيليّ لن يتوقّف في محطّة الرياض، على الأقل في هذه المرحلة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد اجتماع نتانياهو المفاجئ بوليّ العهد السعوديّ محمد بن سلمان، هاجَم تركي الفيصل، وهو أمير سعوديّ بارز مُقرَّب من الأطراف الحاكمين في الأسرة المالكة، إسرائيلَ بوصفها قوّة “استعمار غربيّة”، متّهماً إيّاها باحتجاز الفلسطينيّين “في معسكرات اعتقال، متحجّجة باتّهامات أمنيّة واهية” و”اغتيال مَن تشاء”.

وشكّلت تصريحات تركي، في مؤتمر “حوار المنامة” المُنعقِد بالبحرين، صفعةً لوزير الخارجيّة الإسرائيليّ، غابي أشكنازي، الذي تحدّث بعد ذلك مباشرةً وحاول التخفيف من شعوره بالانزعاج، من خلال تعبيره عن “أسفه” من أنّ تركي أعرب عن مشاعر لا تعكس “الروح والتغييرات التي تحدث في الشرق الأوسط”.

إلّا أنّ تصريحات تركي تتّسم بالأهمّيّة، فقد شغل منصب رئيس الاستخبارات السعوديّة مدّةَ 20 عاماً، وكان سفيراً لبلاده في لندن وواشنطن، وقد التقى أيضاً بالكثير من الإسرائيليّين بشكلٍ غير رسميّ، على مرّ السنين.

وتتعارض تصريحاتُه تعارضاً تامّاً مع التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الأمير بندر بن سلطان، وهو مسؤول سعوديّ سابق رفيع المستوى، فشنّ هجوماً عنيفاً على القيادة الفلسطينية لمعارضتها “المُستهجَنة” عمليّة التطبيع بين إسرائيل وبعض دول الخليج.

إذاً ما الذي يحصل حقّاً في المملكة العربيّة السعوديّة؟

نرى أنّ تركي وبندر يعبّران عن مذهبَين متناقضَين في ما يخصّ قضيّة التطبيع مع إسرائيل.

يتّبع تركي مذهبَ الملك سلمان، متمسّكاً بوجهة النظر السعوديّة التقليديّة على النحو المنصوص عليه في مبادرة السلام العربيّة التي أطلقتها الرياض، وهي أنّ التطبيع مع إسرائيل يجب أنْ يكون جزءاً من عمليّة تبادُليّة. ووفقاً لهذا الرأي، فإنّ الاعتراف السعوديّ بإسرائيل يعتمد على إقامة دولة فلسطينيّة ضمن حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقيّة، والاتّفاق على حلٍّ لمشكلة اللاجئين الفلسطينيّين.

فالسعوديّون يريدون الانتظار ورؤية موقف إدارة بايدن في ما يتّصل بالاتّفاق النوويّ الإيرانيّ، قبل أنْ يتّخذوا أيّ خطوة إلى الأمام (في ملفّ التطبيع)؛ وهذا يعني أنّ الاتّصالات السعوديّة- الإسرائيليّة ستظلّ تُجرَى غالباً خلف أبوابٍ مغلقة؛ بل إنّ لقاء نتانياهو ووليّ العهد السعوديّ كان يفترض أنْ يظلّ سرّاً، لكنّ إسرائيل قامت بتسريب أخبار عنه.

وقد أعلن الملك سلمان بصفته خادماً للحرمين الشريفين -اللذين عادةً ما يجتذبان نحو مليونَي حاجٍّ سنويّاً قبل انتشار فايروس “كورونا”- أنّه لا يسعى إلى أيّ تحرّك ديبلوماسيّ قد يؤدّي إضعافَ المكانة القياديّة البارزة للمملكة العربيّة السعوديّة، من خلال تنفير أعداد كبيرة من المسلمين في مختلف أنحاء العالم، وقد تنجم عنه أيضاً تداعيات اقتصاديّة هائلة.

على النقيض، فإنّ ابنه وليّ العهد، الأمير محمد بن سلمان، على استعداد للتحرّك بسرعة أكبر في ما يخصّ قضيّة التطبيع، ويبدو أقلَّ ارتباطاً بمعايير مبادرة السلام العربيّة. ولم يتّضح بعد الثمن الذي يُطالِب به، إلّا أنّه يريد بالتأكيد محوَ وَصمةِ اغتيال الصحافيّ جمال خاشقجي، وعقدَ صفقة أسلحة أميركيّة كبيرة تتفوّق على صفقة طائرات “إف-35” والطائرات بدون طيّار التي أبرمتها الإمارات العربيّة المتّحدة.

لكن لا ينبغي أنْ يحجب الصراعُ السعوديّ الداخليّ القائم بشأن القضيّة الفلسطينيّة حقيقةَ أنّ تقارُب السعوديّة وإسرائيل، يُشكّل إتماماً لعمليّة طويلة الأمد، ولم يكن ذلك راجعاً إلى ظهور إيران كقوّة مهيمنة في الخليج وحسب.

والواقع أنّ التحوّل السعوديّ بشأن إسرائيل بدأ بعد حرب 1967 مباشرةً، عندما اعترفت ضمنيّاً بإسرائيل داخل حدود 1967. وفي سبعينات القرن العشرين، حاول وليُّ العهد آنذاك (والملك لاحقاً)، فهد بن عبد العزيز آل سعود، مرّتَين على الأقلّ، التواصلَ مع إسرائيل، ولكنْ تمّ ردّ مبعوثيه لأسباب غير مبرَّرة. وكان السعوديّون يريدون شراء أسلحة متطوّرة من الولايات المتّحدة، كالطائرات المقاتلة “إف-16″؛ وكان الهدف من مدّ جسور التواصل بينهم هو طمأنة إسرائيل إلى أنّ التقنيات العسكريّة التي بحوزتهم لن تشكّل خطراً على الدولة اليهوديّة.

وعام 1981، أصبح فهد أوّل زعيم عربيّ يقترح مبادرةَ سلام لحلّ الصراع العربيّ- الإسرائيليّ. وأوضحت الاتّصالات السعوديّة الغربيّة، على انفراد، أنّه على رغم الصيغة المبهمة المُستخدَمة في المبادرة، إلّا أنّها بالفعل تُشكّل اعترافاً سعوديّاً سبّاقاً بإسرائيل، إلّا أنّ إسرائيل رفضت المبادرة تماماً.

بعد نحو 20 عاماً، وتحديداً في شباط/ فبراير 2002، في ذروة الانتفاضة الفلسطينيّة، أعلن وليّ العهد السعوديّ (والملك لاحقاً)، عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، عن مبادرة ثانية للسلام، صارت تُعرَف في ما بعد بـ”مبادرة السلام العربيّة”. مع الأسف، لم تقدّم إسرائيل استجابة رسميّة على المبادرة؛ وإنْ كان سياسيّون (مثل إيهود أولمرت وشمعون بيريز وآخرين) تجاوبوا معها باستحسان سرّاً، ولكنّ تلك الهمهمات لم تفلح في التغطية على واحدة من أعظم إخفاقات إدارة الدولة في إسرائيل.

حفّز بروز إيران كخطرٍ عسكريّ ونوويّ في منطقة الخليج، محاولةً أخرى من المملكة للتواصل مع إسرائيل. غير أنّ تسريع التعاون وراء الكواليس لم يتمّ إلّا بعد الحرب اللبنانيّة الثانية (حرب تمّوز/ يوليو 2006).

باعتبارها تمثّل زعامة العالم الإسلاميّ السنّيّ، راقبت المملكة العربيّة السعوديّة بقلقٍ سعْي القادة الإيرانيّين الشيعة إلى الهيمنة الإقليميّة من طريق وكلاء، مثل جماعة “حزب الله” اللبنانيّة والنظام الشيعيّ حديث النشأة في العراق عقب الغزو الأميركيّ عام 2003.

التقى رئيسُ الوزراء الإسرائيليّ آنذاك، إيهود أولمرت، بصحبة رئيس الموساد مائير داغان، عام 2006 الأميرَ بندر بن سلطان، الذي كان حينها الأمين العامّ لمجلس الأمن الوطنيّ السعوديّ. وللأمير بندر تاريخ طويل من اللقاءات مع القادة اليهود الإسرائيليّين والأميركيّين حين كان سفيراً للمملكة في واشنطن.

مثّل هذا بدايةَ تعاونٍ سعوديّ- إسرائيليّ سرّيّ، أدّى أيضاً إلى قيام رئيس الموساد بزيارة سرّيّة إلى المملكة عام 2010 للقاء نظرائه هناك.

غير أنّ السعوديّين لم يُعزّزوا صلاتهم مع الإسرائيليّين على حساب علاقاتهم بالفلسطينيّين.

كان السعوديّون، في الواقع، يقومون بدور الوساطة بين “منظّمة التحرير الفلسطينيّة” والولايات المتّحدة منذ سبعينات القرن الماضي، في محاولةٍ فاشلة لاجتذاب الفلسطينيّين إلى العمليّة السياسيّة الديبلوماسيّة. وقد صِيغت مبادرَتا السلام اللتان قدّمهما السعوديّون من أجل تسوية الصراع الفلسطينيّ- الإسرائيليّ وبالتالي تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

تبرّع السعوديّون أيضاً بمبالغ ماليّة طائلة لخزينة “حركة فتح”، الفصيل الأبرز في “منظّمة التحرير الفلسطينيّة”. وتقول الصحافيّة السعوديّة وفاء الرشيد إنّ السعوديّين تبرّعوا بنحو 800 مليون دولار للفلسطينيّين بين عامَي 1994 و2008، فيما يقول عبد الله الربيعة -المستشار بالديوان الملكيّ والمشرف العامّ على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانيّة- إنّ المملكة قدّمت مساعدات إلى الفلسطينيّين بنحو 6 مليارات دولار منذ عام 2000.

يمكننا إذاً فهم حالة خيبة الأمل السعوديّة مع عجز المملكة عن توظيف هذا الدعم الماليّ لتحقيق إنجازات ديبلوماسيّة ملموسة.

إقرأوا أيضاً:

إنّ الصراع الدائر في الأوساط الملكيّة حِيالَ القضيّة الفلسطينيّة يعني أنّ قطار التطبيع الإسرائيليّ لن يتوقّف في محطّة الرياض، على الأقل في هذه المرحلة. فالسعوديّون يريدون الانتظار ورؤية موقف إدارة بايدن في ما يتّصل بالاتّفاق النوويّ الإيرانيّ، قبل أنْ يتّخذوا أيّ خطوة إلى الأمام (في ملفّ التطبيع)؛ وهذا يعني أنّ الاتّصالات السعوديّة- الإسرائيليّة ستظلّ تُجرَى غالباً خلف أبوابٍ مغلقة؛ بل إنّ لقاء نتانياهو ووليّ العهد السعوديّ كان يفترض أنْ يظلّ سرّاً، لكنّ إسرائيل قامت بتسريب أخبار عنه.

مع ذلك، لا تمكن إعادة مارد التطبيع إلى قمقمه. وعندما يحين الوقت والظروف المناسبة له، سيتوقّف قطار التطبيع في الرياض أيضاً.

ولكنْ سيكون على إسرائيل أنْ تدفع ثمناً لذلك، وبالعملة الفلسطينيّة.

بعد تشبيهاته القاسية، عاد تركي إلى مبادرة السلام العربيّة: “لا يمكن علاج جرح مفتوح بالمسكّنات، وهذا الاتّفاق الإبراهيميّ لن ينجح إلّا إذا بإحياء مبادرة السلام العربيّة”.

ولكنْ على رغم احتجاجات تركي، فإنّ مبادرة السلام العربيّة، بعد نحو عِقدين منذ إطلاقها و10 سنين منذ الربيع العربيّ، تبدو شديدة الغموض ولم تعُد تناسب ما طُرِحَت من أجله.

لكي تتمكّن السعوديّة وإسرائيل من تتويج تلك المغازلة وذلك التودّد الذي نشأ بينهما، بما يضمن قبول جميع فصائل الأسرة المالكة السعوديّة وجُلّ العالم الإسلاميّ، فإنّهما بحاجة إلى مبادرة سلام أميركيّة- إسرائيليّة- خليجيّة مشتركة، تمثّل حجر الزاوية ونقطة الانطلاق لتقدّم ديبلوماسيّ بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين، وبالتالي بين إسرائيل والمملكة.

ويبقى السؤال الوحيد حول مدى استعداد الأطراف لمثل هذه المغامرة.

هذا المقال مترجَم عن Haaretz.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.