fbpx

“بلّغ بارزاني وطالباني موافقة الرئيس التركي على لقائهما”!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“السيد الرئيس طالما يهمكم هذا الموضوع جداً فلماذا لا تتواصلون مع الزعماء الكرد مباشرة”؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد مقدمته عن العشب الطبيعي الذي يغطي ملاعب كرة القدم في تركيا، دخل الرئيس التركي تورغوت أوزال مباشرة إلى جوهر الموضوع قائلاً إن لديه أسئلة يرغب في أن أجيبه عليها تتعلق بأوضاع الكرد في العراق. لفتني أطلس سميك كان على الطاولة الصغيرة أمامه وكان مفتوحاً على صفحة خريطة العراق. تابع أنه يود أن أطلعه على أوضاع الكرد في العراق، وأنه يعرف مثلاً أن هناك سمات معينة تميز الكرد في سوران عن الكرد في بهدينان أو بادينان، ومن ذلك الاختلاف بين اللهجتين السورانية والكرمانجية مضيفاً أن الكرد في تركيا هم كرمانجيون.

تورغوت اوزال

استمر أوزال في عرض ما يعرفه عن الموضوع مشيراً بسبابته إلى مناطق سوران وبادينان على الخريطة. وزاد أنه اطلع أيضاً على انتشار الطريقتين النقشبندية والقادرية في المناطق الكردية، ملاحظاً أن الأولى أكثر انتشاراً في بادينان والثانية أكثر انتشاراً في سوران، موضحاً في الإطار خصائص الطريقتين. وزاد أن النقشبنيدية هي الطريقة المنتشرة في تركيا وأنه شخصياً نقشبندي. هنا ذكر أوزال للمرة الأولى منذ بداية الحديث اسمي الزعيمين الكرديين جلال طالباني ومسعود بارزاني. قال إنه يعرف أن الأول نقشبندي والثاني قادري ويود أن يعرف، إن كان لهذا الانتماء انعكاس على أسلوب تفكيرهما وسياساتهما؟ 

سكت أوزال قليلاً وهو ينظر إليّ مستفهماً، فأدركت أنه ينتظر رداً مني. أجبت مؤكداً صحة معلوماته حول وجود الطريقتين في كردستان العراق، لكنني أعربت عن اعتقادي بأن انتماء الزعيمين الكرديين إلى طريقتين مختلفتين، لا تأثير له على تفكيرهما وقراراتهما وسياسات حزبيهما. وأضفت أن الاختلاف بينهما في جوهره سياسي مع عنصر التنافس على النفوذ بين حزبيهما، لكن كليهما يشترك في تحقيق الاهداف ذاتها ولو بطرق مختلفة. هز أوزال رأسه بطريقة لم أفهم منها إن كانت إجابتي أقنعته أم لا. لكنه أوضح أنه يهمه أن يثق الكرد في العراق بأن تركيا ليست خصماً لهم وأضاف: “رجاء بلّغ الزعماء الكرد في العراق أنهم يمكنهم أن يثقوا بي”. فكرت في نفسي، هل هذه رسالة يكلفني أوزال بنقلها إلى القيادة الكردية؟ شعرت بأن أوزال اعتبرني موضع ثقة كي ينفتح في الحديث معي على مسائل تعتبر من المحرمات في تركيا إلى حد أن يكلفني بنقل رسالة إلى الزعماء الكرد، فشجعني ذلك على أن أجيبه عن أسئلته وأناقشه ايضاً وأعبر عن رأيي بصراحة تامة. 

إقرأوا أيضاً:

تركيا حامية الكرد؟

كرر أوزال تأكيده أن الزعماء الكرد في العراق يجب أن يثقوا به، بل أكثر: يمكنهم الاعتماد على تركيا لتكون حامية لهم مضيفاً أن حقائق تاريخية واثنية وجيوبوليتكية تجعل تركيا مؤهلة للقيام بهذا الدور. هنا انحنى مجدداً على الخريطة أمامه وقال ان طبيعة التوزيع السكاني والجغرافي في العراق تدعم قوله. وأضاف وهو يؤشر بيده على خريطة العراق أن مناطق الشيعة في الجنوب امتدادها إيران الشيعية فيما مناطق السنة في الغرب امتدادها السعودية السنية، أما مناطق الكرد والتركمان في الشمال فامتدادها تركيا. وللمرة الثالثة كرر قوله إن الزعماء الكرد يجب أن يثقوا به، مشدداً على أن تركيا تستطيع أن تكون حامية لهم. سكت أوزال ثوان وهو ينظر تارة الي وأخرى إلى توبيري فاستغليت الفرصة وقلت له: “السيد الرئيس كيف يمكن أن تحمي تركيا كرد العراق بينما هي لا تحمي كردها؟”. 

فكر أوزال قليلاً، وقال إن هناك مشكلات في الجنوب الشرقي (التسمية الرسمية للمناطق الكردية) تتمثل في الأعمال الإرهابية المسلحة التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني وضحيتها السكان المدنيون في تلك المناطق، الأمر الذي يستهلك طاقات السلطات ويعرقل جهودها هناك لتحسين أوضاعهم في المجالات كافة. أجبته بأن المسألة ليست في تحسين أوضاع السكان هناك وحسب، لكن المشكلة الرئيسة هي في إنكار الهوية القومية للكرد وحرمانهم من ابسط حقوقهم بما في ذلك منعهم من التكلم بلغتهم الأم، ناهيك بتعلمها في المدارس، وفي الأثناء يتعرضون إلى القمع. وأكدت أن القضية الكردية في تركيا ستبقى عالقة طالما أن إنكار حقوق الكرد المشروعة، مستر. وقبل أن يرد أوزال تابعت أنني قبل مجيئي إلى اسطنبول أمضيت نحو شهر في كردستان وتجولت في مدنها وقراها فلو سمح لي الرئيس يمكنني أن أقدم له صورة عما يحصل هناك. هنا قاطعني أوزال سائلاً بالتركية: “هانكي كوردستان؟” وترجمتها، أي كردستان؟ فأجبته بعفوية: “كوردستانكم السيد الرئيس”. توقعت أن يزعجه استخدامي كلمة كردستان التي كان يعتبرها الفكر القومي التركي السائد آنذاك كفراً لكنه لم يقل شيئاً بل اكتفى بأن هز رأسه، فواصلت كلامي قائلاً إن الكرد في مناطقهم يتعرضون للاعتقال إذا ضبط أحدهم، وهو يستمع إلى أغان بالكردية وهناك قرى تحرقها السلطات بذريعة أن سكانها يتعاطفون أو يتعاونون مع “العمال الكردستاني” فيُشردون ويضطرون إلى أن يهاجروا إلى المدن. 

إقرأوا أيضاً:

رد أوزال بأنه ورث “قوانين سيئة جداً من حكم الحزب الواحد”، متجنباً بذلك استخدام صفة الحكم العسكري، وأن المعلومات التي يتلقاها تفيد بعكس ذلك، وتؤكد أن السكان المدنيين يلومون الإرهابيين على معاناتهم وأن الارهابيين يستهدفون سكان القرى التي ينضم رجالها إلى حراس القرى، الذين يشاركون قوات الجندرمة في مواجهة المتمردين. إلى ذلك، فإن الاستطلاعات التي تجريها الأجهزة الرسمية تؤكد أن السكان المدنيين يحمّلون الجماعات الإرهابية مسؤولية الفوضى الناجمة عن أعمالها. أجبت بأنني أشك في صدقية الاستطلاعات التي تجريها هذه الأجهزة، نظراً إلى أن السكان يتجنبون التعبير عن رأيهم بصراحة خوفاً من العواقب. وأردفت أن الكرد الذين تحدثتُ إليهم في المدن والقرى، كانوا يعبرون عن آرائهم بصراحة، لأنني كردي مثلهم وأتكلم بلغتهم فيثقون بي. بعد صمت قصير، قال أوزال إن حكومته ورثت “قوانين سيئة جداً من عهد حكم الحزب الواحد”، متجنباً استخدام صفة الحكم العسكري، مشيراً إلى أنه يعمل على إلغائها. ثم سأل: “وكيف هي حال الكرد في العراق؟”. أجبته بأن الكرد في العراق يعيشون في ظل نظام توتاليتاري قمعي لم يتورع حتى عن استخدام الأسلحة الكيماوية وشن حملات ابادة ضدهم وضحاياه بمئات الآلاف. قاطعني أوزال ليقول إنه شخصياً تدخل لفتح الحدود أمام بضع عشرات آلاف من المقاتلين الكرد وعائلاتهم الفارين من هجمات القوات العراقية في أواخر عام 1988 وقبولهم لاجئين في مخيمات. كانت تركيا أقامت بالفعل ثلاثة مخيمات للاجئين، أحدها في ديار بكر استطعت أن أزوره خلال زيارتي. 

قلت للرئيس التركي إننا ككرد في العراق، على رغم كل المآسي والمعاناة والقمع، لا نعاني من أزمة في التعبير عن هويتنا القومية أو التكلم والكتابة بلغتنا الأم وتعلمها في المدارس. أضفت أن هناك مديرية للثقافة الكردية تابعة لوزارة الثقافة والطباعة، والنشر باللغة الكردية ليس ممنوعاً وهناك بث إذاعي وتلفزيوني بالكردية. كان واضحاً من تعابير وجهه أن أوزال فوجئ بهذه المعلومات ومع ذلك قال: “يمكننا أن نفعل ذلك كله عندنا لكنني أحتاج إلى الوقت لأن المجتمع التركي غير مستعد لقبول ذلك في الوقت الحاضر”. 

الإرهاب

هنا غيّر أوزال الموضوع وانتقل مجدداً إلى موقف القيادات الكردية، وبالتحديد حزبا طالباني وبارزاني، من “العمال الكردستاني” فقال إن “الإرهاب” في جنوب شرقي البلاد مشكلة رئيسة تواجهها تركيا ولا بد من إيجاد حل لهذه المشكلة ويهمه جدا معرفة مواقف الزعيمين الكرديين في العراق وما هي طبيعة علاقة حزبيهما مع “العمال الكردستاني”. وزاد أنه يعتقد أن مواجهة الإرهاب في الجنوب الشرقي ضروري من أجل استقرار المنطقة وأن انهاءه يصبّ في مصلحة السكان المحليين خصوصاً ومصلحة تركيا والكرد في العراق أيضاً. رداً على سؤاله قلت إن الأحزاب الكردية عموماً في دول المنطقة تقيم علاقات في ما بينها، لكنني أعتقد أن القيادات الكردية العراقية في الوقت الحاضر تركز همومها على ما يحصل في العراق والحرب الجارية وكيف ستنتهي وتداعياتها. 

في هذه اللحظة تحديداً، هبط علي الإلهام فانسكبت هذه الكلمات من لساني: “السيد الرئيس طالما يهمكم هذا الموضوع جداً فلماذا لا تتواصلون مع الزعماء الكرد مباشرة؟ مع أنني لا أمثل القيادة الكردية ولم يطلب أحد مني أن اقترح ذلك لكنني واثق بأن السيدين بارزاني وطالباني يتطلعان إلى إقامة علاقات مباشرة معكم”. الحق أنني طرحت هذا الاقتراح من دون أن أفكر بعواقبه، وساد صمت بيننا أخذت أتساءل بيني وبين نفسي بأي صفة اقترحت ذلك على رئيس الدولة التركية في حال اعتبر أنه لم يكن اقتراحاً عفوياً مني بل انه اقتراح من الزعيمين الكرديين؟ ماذا لو وافق أوزال ورفض بارزاني وطالباني؟ ترى هل ورطت نفسي في أمر لا يخصني؟

لكن أوزال لم يعلّق ولم يرد على اقتراحي. لاحظت أنه تبادل مع توبيري نظرات ذات معنى فدون الأخير ملاحظات في دفتره. لم أكن أعلم أن أوزال كما تبين لي لاحقاً، كان يفكر بإقامة علاقات مع القيادة الكردية في العراق، معتبراً أن الظروف كانت مناسبة لتلعب تركيا دوراً في تقرير مصير المنطقة في ظل الحرب على العراق ونتائجها وتداعياتها، خصوصاً أنه كان يدعو إلى استمرار الحرب حتى إطاحة نظام صدام حسين. وأكد ذلك خلال لقائي معه في حديثه الصحافي لـ”الحياة” بعد انتهاء الحديث الخاص بيننا فقال إن بقاء صدام في الحكم سيخلق مشكلة كبرى للمنطقة بأسرها لعقد مقبل وهو ما حدث بالفعل.

 لم أكن أعلم أنني لست الصحافي الوحيد الذي كان أوزال يفكر في أن يستخدمه وسيلة لجس نبض القيادات الكردية في العراق.

بعد ساعة من “الحوار الكردي – التركي” بيني وبين رئيس الدولة التركية، حاول توبيري أن يلفت انتباه رئيسه بالإشارة إلى ساعته قلقاً لأن مراسلين آخرين كانوا ينتظرون دورهم، فانتبه أوزال وقال لي إنه جاهز الآن للإجابة على أسئلتي الصحافية. استغرق اللقاء الصحافي 20 دقيقة أخرى، فغادرت وتوجهت مباشرة إلى غرفتي في الفندق، حيث فرّغت الحديث المسجل وأرسلته إلى “الحياة” في موعد مناسب لنشره صباح اليوم التالي. وإثر ذلك اتصلت بجلال طالباني في لندن واعطيته موجزاً لحديثي مع أوزال واقتراحي العفوي بإقامة علاقات مباشرة مع القيادة الكردية من دون أن أعلم ماذا سيكون عليه موقفه وبارزاني. لكن مام جلال رد بسرور واضح أنني حسناً فعلت فمثل هذه العلاقة في رأيه ستفتح آفاقاً جديداً أمام الحركة الكردية وتؤدي إلى نائج ايجابية وتغير معادلات كثيرة. وأضاف: “أرجو أن تنقل إلى الرئيس أوزال رسالة باسمينا، أنا وكاك مسعود، بأننا نرحب بإقامة العلاقات بيننا واللقاء مع المسؤولين الأتراك”. للتوضيح في تلك الفترة كان هناك اتفاق في قيادة الجبهة الكردستانية مفادها أن بارزاني، الذي كان اتخذ مقراً في إيران قرب الحدود العراقية، يكون مسؤولاً عن القيادة العسكرية للبيشمركة، فيما يكون طالباني مسؤولاً عن العلاقات الخارجية.

كان الوقت ليلاً وكنت حجزت لرحلة العودة إلى لندن بعد ظهر اليوم التالي. استيقظت صباحاً وتوجهت في التاسعة من ذلك الصباح إلى نادي الجيش مقابل الـ”هلتون”، فرأيت الضابط المسؤول عن النادي الذي كان استقبلني قبل يوم. توجهت إليه فعرفني وقلت له إنني أريد أن ألتقي المستشار الصحافي توبيري، فاعتذر قائلاً إنه غادر قبل ساعة مع الرئيس لزيارة بعض المؤسسات، ولن يعودا قبل موعد الغداء. قلت له، إذاً سأترك رسالة خاصة راجياً تسليمها إليه شخصياً فوعدني بذلك. جلست إلى طاولة في مدخل النادي وأخرجت من حقيبة يدي ورقة من أوراق الرسائل التي تحمل في زاويتها العليا شعار وعنوان “هلتون اسطنبول” وكتبت عليها: “عزيزي السيد كايا توبيري المحترم. أرجو إبلاغ الرئيس أوزال بان السيد جلال طالباني طلب مني أن أبلغكم باسمه وباسم السيد بارزاني ترحيبهما بالاتصال مع الرئيس واستعدادهما للقاء معكم. أدناه أرقام هاتفي في لندن للاتصال بي لنقل أي رسالة منكم إلى الزعيمين الكرديين”. وضعت الرسالة في مظروف يحمل شعار “هلتون اسطنبول” وكتبت عليه: “خاص وشخصي. إلى السيد كايا توبيري من كامران قره داغي”. لاحقاً رويت ذلك لجوناثان راندال فاعتبر في كتابه المترجم إلى العربية بعنوان “أمة في شقاق” رسالتي إلى توبيري أنها ترقى إلى أول مراسلة خطية رسمية كردية مع الحكومة التركية”.

عدت إلى لندن وأنا أتساءل هل يمكن ان يترجم اقتراحي إلى الواقع؟ لم أكن أعلم أنني لست الصحافي الوحيد الذي كان أوزال يفكر في أن يستخدمه وسيلة لجس نبض القيادات الكردية في العراق. كان راندال التقى اوزال في نهاية كانون الثاني/ يناير 1991 فاستخدم مدة الـ15 دقيقة التي خصصت له لتوجيه أسئلة تتعلق بالوضع الكردي، لكن في اليوم التالي اتصل به توبيري وقال له إن أسئلته كانت أكثر إثارة من أجوبة الرئيس ثم سأله: “هل تعتقد أننا يجب أن نتحدث مع كرد العراق؟”، راندل أجاب بأنه صحافي وليس ديبلوماسياً، لكنه عموماً لا يرى أي ضرر في خطوة كهذه. 

صحافي آخر هو جنكيز تشاندار استخدمه أوزال. كان وقتها كاتب عمود بارزاً في الصحافة التركية ثم أصبح قريبا من أوزال، بل بمثابة مسشاره غير الرسمي للشؤون الكردية والعلاقات مع القيادة الكردية في العراق. وكان تشاندار التقى أوزال وأبلغه بأنه سيزور لندن ويسعى إلى لقاء زعماء المعارضة العراقية خصوصاً جلال طالباني فاتفقا على أن ينقل رسالة إلى الزعيم الكردي، تؤكد مضمون الحديث الذي حصل بيني وبين الرئيس التركي، وكان هدفه جس النبض في إطار إقامة علاقات مباشرة مع القيادة الكردية. 

في لندن، استطاع تشاندار ان يلتقي الراحل أحمد الجلبي ويطلب منه ترتيب لقاء له مع طالباني ليبلغه “رسالة مهمة”. الجلبي رتب في بيته اللقاء مع طالباني ومحسن دزه يي ممثل بارزاني. اللقاء حصل يوم نشرت “الحياة” لقائي الصحافي مع أوزال. تشاندر نشر بتفاصيل كاملة دوره ولقاءه طالباني في كتابه “قطار الرافدين السريع” (صدرت ترجمته العربية في 2014).

مضى أسبوع قبل أن أسمع كلمة من توبيري. ذات صباح بعد قليل من وصولي إلى مكتبي في “الحياة” اتصلت بي موظفة الاستقبال في الجريدة، وقالت إن شخصاً ما على الهاتف يقول إنه من مكتب الرئيس التركي يطلب التكلم معي ولعله مزاح من أحد أصدقائي! لكن ذلك لم يكن مزاحاً، بل اتصال في غاية الأهمية من توبيري: “سيد قره داغي رجاء بلّغ السيدين بارزاني وطالباني بأن الرئيس أوزال وافق على اللقاء بهما”. وشدد على أن الأمر يجب ان يبقى سرا وانني يجب ألا افشي به ولو إلى السفير التركي في لندن نفسه. وزاد انه سيخبرني قريبا متى واين سيتم اللقاء. تشاندار أخبرني لاحقاً، وذكره في كتابه أيضاً أنه بعد عودته من لندن لم يستطع لقاء أوزال إلا في 23 شباط/ فبراير، وهذا ما يجعلني أعتقد أن أوزال كان ينتظر الاستماع إلى تفاصيل الحديث بين تشاندار وطالباني قبل اتخاذ قراره. من جهتي، اتصلت بطالباني الذي لم يخف سروره بالخبر وقال إنه سيوصله إلى بارزاني. لاحقاً أخبرني طالباني بأن بارزاني لن يستطيع مغادرة موقعه في الجبال، نظراً إلى حراجة الموقف وضرورة وجوده هناك بصفته قائداً لقوات البيشمركة لذلك اقترح أن يمثله في اللقاء مع الأتراك، القيادي في الحزب والمسؤول عن علاقاته مع الخارج هوشيار زيباري الذي اتصل بي لمعرفة المزيد عن لقائي مع أوزال. بعد أيام أخبرني زيباري بأن بارزاني كلفه بمهمة خارج بريطانيا لذلك فإنه لن يستطيع أن يرافق طالباني وسيحل مكانه محسن دزه يي.

لماذا لا يكون اللقاء في أنقرة؟

خلال اتصالات عدة مع توبيري لمعرفة الموعد ومكان اللقاء قال إنهم يحاولون اختيار المكان المناسب وذكر عواصم في أوروبا، لكنني خلال حديثنا سألته لماذا لا يكون اللقاء في أنقرة؟ فرد بانه سينقل الاقتراح إلى الرئيس. بعد ساعات اتصل بي توبييري وقال إنهم موافقون على اللقاء في أنقرة. كان الاتجاه إلى أن يتم اللقاء في أواخر شباط ومن جهتي كنت أحث طالباني على الاستعداد للسفر من دون تأخير، خصوصاً في ظل التطورات الدرامايتكية الجارية في العراق والمنطقة، لكن طالباني فاجأني بطلب تأجيل السفر إلى أنقرة حتى وقت لاحق من آذار/ مارس، لأن لديه موعداً للسفر إلى واشنطن للقاء مسؤولين أميركيين معنيين بالشأن العراقي. وكما كان متوقعاً فإنه على رغم منحه سمة دخول إلى أميركا، لكن المسؤولين هناك رفضوا اسقباله. المفارقة أن سبب الرفض كان الخشية من غضب تركيا!

هكذا لم يتم اللقاء في أنقرة الا في الثامن والتاسع من آذار بعدما شدد توبيري على ضرورة سفر طالباني ودزه يي إلى انقرة قبل 12 آذار، لأن أوزال كان سيغادر أنقرة في ذلك اليوم متوجهاً في زيارة رسمية إلى موسكو. وكان يتعين على طالباني ودزه يي أن يصلا من أنقرة إلى بيروت في العاشر من الشهر، للمشاركة في مؤتمر للمعارضة العراقية المنضوية، تحت غطاء “لجنة العمل الشعبي” والذي كان سيرأسه طالباني. تفاصيل لقاء أنقرة وما أسفر عنه وما حدث بعده في بيروت ودمشق في حلقة مقبلة.

إقرأوا أيضاً:


سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.