fbpx

التجميل … رحلة العمليات التي نشّطتها الحرب في سوريا!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يسخر البعض من أن التهافت على عمليات التجميل بات ينافس طوابير الخبز في بلد الحرب والأزمات، لكن مشهد الطوابير المتوازية تعبير صادق عما يعيشه السوريون من ازدواجية وتناقض وتعب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“المرأة أول ما بدها تتطور لازم تبلش بحالها، وما يكون ناقصها شي بالشكل، حسيت إنه الشي الوحيد يلي ناقصني هو الغمازة لكون بكامل جمالي”.

هكذا تصف ياسمينا وهي شابة دمشقية (25 سنة) شغفها بالاهتمام بمظهرها وجمالها، ما دفعها إلى زيارة أطباء تجميل لتثبيت غمازة في ابتسامتها. 

بالنسبة إليها، حياة المرأة المعاصرة تفترض جمالاً كاملاً، لا ينقصه شيء.

في سوريا، يسخر البعض من أن التهافت على عمليات التجميل بات ينافس طوابير الخبز في بلد الحرب والأزمات، لكن مشهد الطوابير المتوازية تعبير صادق عما يعيشه السوريون من ازدواجية وتناقض وتعب. وربما يكون تعبيراً عن الفروق الاجتماعية والطبقية، بين الواقفين بانتظار ربطة خبز، وأولئك المتهافتين من أجل ابتسامة أجمل أو شفاه أكبر، وسط حرب لم تنتهِ، بل زادتها الأزمة الاقتصادية حدّةً. 

اعتراف بالجمال!

منذ نحو أربع سنوات، أي في ذروة الحرب السورية، بدأت كندة (36 سنة) تتردد إلى عيادة طبيب التجميل كل 5 أشهر لإجراء “بوتكس” و”فيلر” وتكبير شفتيها. وخضعت لعملية جراحية لتكبير ذقنها، لمواكبة الموضة ومعايير الجمال الراهنة. 

“أيام الحرب، كنت أتحمّس لعمليات التجميل، فالحياة كانت معلّقة وكنت أملأ الوقت بهذه الأمور. الآن اعتدنا على كل شيء، القذيفة والتفجير والرعب، كل ذلك أصبح طبيعياً. وأيضاً التجميل صار أمراً عادياً وضرورياً”.

يشير الدكتور حسام حلباوي وهو اختصاصي في الجراحة التجميلية، إلى أنه لا يمكن تحديد نسبة دقيقة جداً لمن يلجأون للتجميل.

نهلة (اسم مستعار، 24 سنة، من محافظة حماه) أجرت عملية لتكبير مؤخرتها، تقول لـ”درج”: “بدأت الحرب وعمري 14 سنة، كبرنا ولم يبق إلا قلة قليلة من الشباب لنتزوج، وهم أمامهم خيارات كثيرة، لذلك على الفتاة أن تكون الأجمل! وأجريت 4 عمليات تجميل في 4 سنوات لأكون مرغوبة، عملية للأنف، وتصغير للأذنين، ونفخ للخدتين والشفتين، ثم أجريت عملية لتكبير مؤخرتي”.

بين الحرب و”كورونا”

لا يخفى على زائر دمشق من المدن السورية الأخرى، أو الدول المجاورة أن لأطبائها بصمة في عالم عمليات التجميل التي ازدادت منذ سنوات الحرب الأولى، لاعتبارات عدة. وبحسب وجهة نظر الدكتور عمار أبو النصر وهو اختصاصي في الجراحة التجميلية، فإن الإقبال على عمليات التجميل بأنواعها عموماً ازداد في فترة الحرب، لكن لا إحصاءات دقيقة في سوريا عن الموضوع. 

كل ما يرد ذكره في تقارير صحافية هو عبارة عن شهادات أطباء يرون أن الاقبال الكبير على تلك العمليات فيه محاولة لإنكار حقيقة ما يحصل في سوريا، حيث لم يعد الإقبال على عمليات التجميل مخجلاً في أوساط معينة كما في السابق.

يرى الدكتور زكي الباشا وهو اختصاصي جراحة تجميلية أن عمليات التجميل لم تقف أبداً خلال الحرب، على رغم ارتفاع الأسعار بشكل كبير، فقد وصلت تكلفة بعض عمليات التجميل، كالشفط والنحت، إلى 5 ملايين ليرة سورية أي ما يعادل 1900 دولار أميركي. إلا أن هذا المبلغ وإن كان ثروة بالمقاييس السورية، إلا أنه يعتبر مقبولاً على مستوى دول المنطقة والعالم. لذلك يأتي لبنانيون ولبنانيات إلى سوريا لإجراء عمليات تجميل، والاستفادة من الكلفة المنخفضة مقارنة بمراكز التجميل في بلادهم.

بين شارع وآخر في دمشق، مركز تجميل،

بإعلانات جذابة وألوان أنثوية جميلة، يدعو الفتيات إلى الدخول،

واعداً إياهم بتحقيق المعجزات.

بحسب الدكتورة غنى نجاتي التي أجرت دراسة على موضوع التجميل في الحرب السورية، فإنه كلما زادت نسبة الاكتئاب خلال فترة الحرب، أو حالات القلق والحزن العميق التي تتحول إلى حالات اكتئاب شديدة، يعيش الشخص اضطراب عدم تقبل الذات ومعظم الأشخاص الذين يكررون عمليات التجميل عند خضوعهم لاختبار سريري، يظهر لديهم اكتئاب واضح مسؤول عنه العقل الباطن، وبالتالي الشخص يكون غير واعٍ لسلوكياته ويعتقد أن عمليات التجميل ستخرجه من حالته النفسية.

لم يَخَف الباحثون عن التجميل من “كوفيد- 19″، فقط توقفت العمليات في البلاد بحسب الدكتور زكي الباشا بنسبة 90 في المئة أثناء فترة الحظر التي فرضتها الحكومة السورية في الأشهر الثلاثة الأولى من انتشار الوباء، لكنها عادت إلى ما كانت عليه وأكثر بعد انتهاء فترة الحظر الجزئي في البلاد. ياسمينا (25 سنة)، لم تخشَ “كورونا” ومخاطره، إذ قررت رسم غمازتين فيما كان الوباء بدأ ينتشر في سوريا، لأنها تثق بالطبيبة ومركز التجميل والتعقيم هناك. 

في هذا الإطار، تشير الدكتورة بيسان خالد موسى السقا، إلى أن أزمة “كورونا” في البداية جعلت عمليات التجميل مهما كان نوعها تخف، من حقن “بوتكس” و”فيلر”، وعمليات صعبة كالنحت والشفط… لكن بعد فترة عاد الناس لإجراء عمليات التجميل في المستشفيات والمراكز الطبية، إنما أصبحوا يهتمون أكثر بمسألة التعقيم والأدوات المستخدمة والإجراءات الاحترازية المتّخذة. 

مراكز تجميل كثيرة تعمل بلا تراخيص وينمو القطاع بلا رقابة كافية على المواد المستخدمة وشهادات الذين يجرون العمليات ومؤهلاتهم. كما استغلّ بعض الأطباء فترة الحرب وما رافقها من فوضى، فقد تجد طبيب أسنان أو طبيب أنف وأذن وحنجرة، يجري عمليات تجميل، كما يروي الدكتور عمار أبو النصر. علماً أن هذه المهنة تحديداً تحتاج إلى شهادات وخبرة وتدريب، لذلك يُخشى من حصول أخطاء طبية يتم ارتكابها وتؤدي إلى تشوّه الوجه أو الجسم إضافة إلى مضاعفات أخرى. 

تقول كندة في هذا الإطار: “عمليات التجميل خطرة، فيما نحن لا نسأل عن اسم المواد التي تُحقن في وجوهنا وأجسادنا، وندفع أموالنا على اسم الدكتور فقط، ونحاول أن نقنع أنفسنا بأن النتيجة جميلة حتى لو لم تلق بنا”.

نصيحة بجمل!

لا أرقام، لا إحصاءات حقيقية عن ازدياد نسبة التجميل في الحرب، على رغم إجماع الأطباء على هذا الارتفاع، إذ صرح نقيب أطباء دمشق عبد الرحمن القوتلي منتصف هذا العام، بأن 80 شكوى بحق أطباء قدمت حتى منتصف العام، بينها 30-40 شكوى ضد أطباء تجميل، ومع ذلك العمليات في ازدياد مستمر.

بين شارع وآخر في دمشق، مركز تجميل، بإعلانات جذابة وألوان أنثوية جميلة، يدعو الفتيات إلى الدخول، واعداً إياهم بتحقيق المعجزات. تبدو عمليات التجميل منفساً صغيراً أو خياراً يملكه شعب فقد مظاهر الحياة والأمل، وكأنّ سيّدة ما تحاول إنهاء الحرب برسم ابتسامة أجمل على شفتيها، أو السير بين الشوارع المدمّرة بجسد أكثر رشاقة.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.