fbpx

اللجوء قد يطيح بميركل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أمام المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل فترة قليلة لاتخاذ قرار يرضي “الاتحاد الاجتماعي المسيحي”، بشأن خطته للتسفير الفوري للاجئين المرفوضين والتي يريد تطبيقها الشهر المقبل. هذا الأمر ترفضه ميركل وتصر على ضرورة حل المسألة من خلال التوصل إلى سياسة أوروبية مشتركة حول اللجوء والهجرة. فهل ستطيح هذه الأزمة بالمستشارة الألمانية؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أمام المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل فترة قليلة لاتخاذ قرار يرضي شقيقها الصغير في الائتلاف الحكومي “الاتحاد الاجتماعي المسيحي” البافاري وزعيمه وزير الداخلية هورست زيهوفر، بشأن خطته للتسفير الفوري للاجئين المرفوضين والتي يريد تطبيقها بعد الأول من يوليو/ تموز المقبل. هذا الأمر ترفضه المستشارة التي تصر على ضرورة حل هذه المسألة من خلال التوصل إلى سياسة أوروبية مشتركة حول اللجوء والهجرة. المواجهة بين الطرفين اتخذت منحى تصاعدياً، مع قول زيهوفر في مؤتمر صحافي عقده في ميونيخ، إنه سيلتزم بعدم ترحيل اللاجئين المرفوضين لحين التوصل إلى سياسة أوروبية مشتركة للجوء والهجرة في القمة الأوروبية المرتقبة في 28 و29 الحالي. ومن ثم عقدت المستشارة مؤتمراً صحافياً في برلين مضاداً، بعد ساعات، نبهت فيه وزيرها للداخلية من أن فشل القمة في وضع سياسة مشتركة لا يعني تسفيراً أوتوماتيكيا للاجئين المرفوضين، ما يشير إلى احتمال احتدام الأزمة بين الحليفين، ما يهدد الائتلاف الحكومي ويدفع نحو انتخابات جديدة أو اختيار مستشار جديد للفيدرالية، ينهي حقبة ميركل التي بدأت للتو ولايتها الثالثة في الحكم. وتصر ميركل على أن موضوع الهجرة “تحد يحتاج إلى ردّ أوروبي موحد”، وقالت إنها “تعتبر هذه المسألة حاسمة في التضامن الاوروبي”.

بعد مرور 100 يوم على تشكيل الائتلاف الحكومي في ألمانيا، تعاني برلين من أزمة حكومية عاصفة سببها رفض ميركل تغيير سياستها الخاصة باللجوء والهجرة وقبول خطة حليفها في الحكومة وزير الداخلية. والخلاف بين الطرفين ليس جديداً، فمنذ أزمة اللاجئين عام 2015، والاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري يدعو إلى وقف سريع لتدفق اللاجئين نحو أوروبا وألمانيا بشكل خاص، إلا أن المستشارة لا تريد التصرف بشكل آحادي على حساب بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى، وهي تبحث عن حل يتمحور حول حصص توزيع اللاجئين وتأمين الحدود الخارجية، ولكنها أخفقت في إحراز أي تقدم في محاولاتها لإقناع حكومات بلدان أوروبا الشرقية باستقبال حصصهم من اللاجئين، وفي مقدمها هنغاريا وبولندا وسلوفاكيا.

يعتبر زيهوفر نفسه مسؤولاً كوزير للداخلية عن ملف اللجوء والهجرة، ولهذا أعلن قبل أسابيع خطته لحل ما سماه (أزمة النظام) بين اللاجئين والمهاجرين. وينص أحد البنود الـ63 من الخطة على أنه “ينبغي رفض طالبي اللجوء الذين سبق لهم التسجيل في بلد آخر من الاتحاد الأوروبي، وهذا بالتحديد ترفضه ميركل بشدة لكونه يمثل جوهر سياستها الخاصة باللجوء والهجرة”.

خطة الوزير ومعارضة المستشارة

يتركز جوهر هذه الخطة على عدم السماح للاجئين بالدخول إلى المانيا إذا سبق وسُجِّلوا في إيطاليا أو اليونان، وهذا ما ينص عليه في الواقع القانون الأوروبي وبنود اتفاقية دبلن في شأن اللاجئين. يقول زيهوفر “إن ألمانيا لا تتحكم تماماً في قضية اللاجئين، وإنه لا بد من سد هذه الثغرة”. وأقر بأن “الخلاف مع المستشارة عميق”، واستدرك “لكنه ليس عصياً على الحل”. هذه العبارة خلقت نوعاً من التفاؤل في الوسط الاجتماعي بإمكان التوصل الى تفاهم لمنع سقوط الحكومة، إلا أن صحيفة “فيليت ام زونتاغ” بددت التفاؤل بقولها نقلاً عن مصادر مطلعة “إن زيهوفر أبلغ رفاقه في قيادة الحزب خلال اجتماع استثنائي مكرس للبحث في الأزمة الناشئة بأنه لن يعد بمقدوره الاستمرار مع هذه المرأة”، قاصداً بذلك المستشارة ميركل.

يعزو محللون تشدد زيهوفر وحزبه في مسألة اللجوء والهجرة والتي يبدو أنها ستكون عصب الدعاية الانتخابية المقبلة إلى نسبة الأصوات العالية التي سرقها منه “حزب البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي المعادي للمهاجرين والإسلام في الانتخابات العامة قبل ستة أشهر، بسبب دعمه سياسة ميركل المرحبة باللاجئين. وكانت صحيفة “فرانكفورت الغماينة تسايتونغ”، نشرت تصريحاً لزيهوفر قال فيه “بأن فقدان السيطرة المحسوس به، بل والتخلي الجزئي عن السيطرة أديا إلى تعزيز وتقوية مواقع القوى القومية المتشددة والشعبوية في المانيا وأوروبا ككل”.

تتلبد سماء العلاقات بين القوى المتحالفة في الحكومة وينبئ التباعد في المواقف بين الحليفين الشقيقين بمعركة لي ذراع يقودها زيهوفر وحزبه مع ميركل، وفي لهجة من التحدي وصف رئيس كتلة الحزب البافاري في البوندستاغ (البرلمان) ألكسندر دوبريندت الوضع “بالجدي للغاية وحتى التأريخي”، كونه “يرتبط بمستقبل البلاد”، وقال: “إذا خرجت القمة الأوروبية بقرارات متساوية الفعالية، فيمكنها أن تحل محل الخطة المقترحة من زيهوفر”. وأضاف: “يتحتم على القيادة السياسية في أوروبا وألمانيا أن تجعل المواطنين يقتنعون بقدرتنا على التحكم بالهجرة واللجوء، وبأننا قادرون على السيطرة على الاحداث، وتأمين حياة طبيعية لمواطنينا”.

فضائح فساد وضغوطات

تتعرض المستشارة ميركل إلى ضغوطات سياسية هائلة بعد اكتشاف فضيحة الفساد في دائرة اللجوء والهجرة في بريمن ومنحها حق اللجوء لأكثر من 80 متطرفاً إسلامياً لا يستبعد أن يكونوا إرهابيين خطرين، إضافة إلى ثلاثة آخرين تبين أن لهم صلات بهيئات استخبارية خارجية، وذلك بحسب مراجعة أجراها المكتب الاتحادي لحماية الدستور(الاستخبارات الداخلية) لملفات 18 ألف لاجئ. وتواجه هذه الدائرة اتهامات بمنح 1200 لاجئ حق الإقامة في ألمانيا مقابل مكاسب ومنافع متنوعة. وذكرت صحيفة “بيلد” واسعة الانتشار أن بين المتشددين الذين حصلوا على حق اللجوء السياسي في بريمن هناك 46 شخصاً، يمكن تصنيفهم على أنهم “متطرفون خطرون”، إضافة إلى أربعين آخرين ممن نشطوا في بلدانهم في تنظيمات متطرفة متعددة.

شهدت ألمانيا خلال الأشهر المنصرمة تنامياً في التحقيقات الرسمية حول الإرهاب، غالبيتها مرتبطة بالتطرف الإسلامي والكشف عن لاجئين من سوريا قاتلوا في صفوف “داعش”. وذكرت صحيفة “فيليت آم زونتاغ” أن السلطات الأمنية تحقق في 900 حالة يرتبط 800 منها بمتطرفين اسلاميين. ونقلت عن المدعي العام الألماني بيتر فرانك أنه تم التحقيق في نحو 240 قضية إرهابية عام 2016.

موجة اللجوء التي شهدتها ألمانيا عام 2015 ودخول أكثر من مليون لاجئ من الشرق الأوسط، تحولت إلى أزمة ذات أبعاد متعددة، وورقة بيد الحركات اليمينية المتشددة والشعبوية لتحقيق مكاسب سياسية. اضطرت الحكومة الى تشديد قانون اللجوء والتشدد في لم الشمل العائلي للذين يحصلون على الحماية الجزئية. كما أنشئ “مركز دعم العودة”، لترتيب ترحيل المرفوضة طلباتهم، الذي بدأ بطرد الخطرين ومرتكبي الجرائم وغيرهم ممن يشكلون خطراً على المجتمع والأمن القومي. ويصل عدد الذين يجب ترحليهم إلى أكثر من 250 ألف لاجئ، وتم ترحيل 25 ألف عام 2016، ووافق 55 ألف على العودة الطوعية إلى بلدانهم بحسب بيانات دائرة الهجرة. وخصصت الحكومة 40 مليون يورو إضافية لتمويل العودة حيث يحصل كل لاجئ على مساعدة مالية للشروع في بناء حياة جديدة في وطنه، تصل إلى أكثر من 3 آلاف يورو. وكانت غالبية المرحلين من اللاجئين الأفغان بالتعاون مع الحكومة في كابول. وتشير آخر بيانات السلطات الفيدرالية إلى ارتفاع أعداد مرتكبي الجرائم بين اللاجئين بنسبة 50 في المئة خلال عام 2017 مقارنة بعام 2016. وكشفت دراسة أعدها الباحث في شؤون الجريمة كريستيان بفايفر “أن 92.1  من الجرائم في المئة نفذها لاجئون”.

مزاج غير مرحب باللاجئين

بعد ثلاث سنوات من تسونامي اللجوء من سوريا ودول أخرى في الشرق الأوسط تشهد نزاعات مسلحة، يتراجع بشكل دراماتيكي ويتغير المزاج الشعبي العام في ألمانيا الذي كان يتميز في البداية بترحيبه باللاجئين، وتشير استطلاعات الرأي إلى انخفاض مستوى الحماسة لدى الألمان للتعاطف مع القادمين الجدد. وكان لحوادث التحرش الجنسي في احتفالات أعياد رأس السنة في كولون والهجمات الإرهابية التي نفذها لاجئون ومهاجرون في مدن عدة، وتشكل جماعات إجرامية بين اللاجئين أثر كبير في رفع مستوى الخوف والقلق في المجتمع، وحفز مشاعر النفور من سياسة الحكومة المرحبة باللاجئين. ووفقاً لاستطلاع أجرته قناة التلفزيون الوطني الألماني (ZDF) فإن “60 في المئة لا يرحبون باللاجئين، وقال 33 في المئة إن الهجمات الإرهابية قد غيرت موقفهم تجاه اللجوء، فيما توقع 70 في المئة ارتفاعاً في معدلات الجريمة بسبب اللاجئين، ورأى 42 في المئة أن اللاجئين والمهاجرين يمثلون تهديداً للقيم الاجتماعية والثقافية في البلاد”. ويتضح من استطلاع أجرته صحيفة “بيلد تسايتونغ” مطلع عام 2018 “أن 53 في المئة من الألمان يرفضون لم شمل العائلات، مقابل 41.7 في المئة وافقوا على لم الشمل”. وأظهر الاستطلاع أن 67 في المئة من مواطني الجزء الشرقي من ألمانيا يرفضون لم الشمل، مقابل 55 في المئة من جيرانهم الغربيين.