fbpx

الصيد الجائر في الأهوار: مجزرة بحق الطيور والأسماك!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إضافة إلى صيد الطيور المهاجرة والمقيمة في الأهوار، يشمل الصيد الجائر الأسماك أيضاً، ما ساهم في تدهور الاقتصاد المحلي للسكان المحليين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يراقب أركان محبس (18 سنة) حركة الطيور الوافدة إلى الأهوار العراقية، ليعرف أين تحط وكيف تقتات على الحشرات وقصب البردي الذي تتميز به بيئات المسطحات المائية في جنوب العراق. يجلس على حافة أرض هور الجبايش الواقع في محافظة ذي قار ويفكر بقتل أكبر عدد ممكن من الطيور المهاجرة التي تشكل الأهوار معبراً لها بين أقاليم آسيا الصغرى والوسطى وسيبيريا ومناطق شبه الجزيرة العربية وغرب أفريقيا، وتصل أعدادها خلال موسم الهجرة إلى مليوني طائر. ويتم اصطياد قسم كبير منها وقتلها من خلال سموم تُستخدم في صيد الأسماك.

تعلّم أركان صيد الطيور والأسماك بهذه الطريقة منذ الثالثة مع إخوته وأقاربه، وتعرّف إلى أنواع الطيور الموجودة في الأهوار وطريقة صيد كل نوع منها، لأنه لا يجد مصدراً آخر للعيش بحسب قوله. يقوم باستخراج الثمار الموجودة داخل نبات قصب البردي ومن ثم ييطحنها ويعجنها بشكل دقيق ويخلطها مع مادة سامة تسمى باللهجة العراقية “الدبوني”، تُستخدم لصيد الطيور والأسماك. يتم تقطيع المادة مثل حبات الأرز لتوزيعها في أماكن تجمّع الطيور: “حين تلتقط الطيور هذا الغذاء المسموم، يموت بعضها، لكنني محظوظ أحياناً لاصطياد الكثير منها قبل تأثّرها بالسم، وعلى سبيل المثال لو كانت هناك مجموعة من 50 طائراً أحصل على 20 أو 30 منها”، يقول أركان. الطيور التي تموت من السمّ تُترك في مياه الأهوار، ما يؤدي إلى تلوث المياه ومشكلات صحية للسكان.

تصوير: علي فاضل

ينتمي أركان إلى مجتمع محلي في الأهوار، تعاني من الفقر والأمية والتهميش، يعتمد بدرجة كبيرة على الصيد وتربية الجواميس التي قلّت أعدادها هي أيضاً بسبب الجفاف وندرة الغذاء. وقد ساعد وجود شركات أجنبية بالقرب من مناطق الأهوار، السكان المحليين على العثور على أعمال تساعدهم لتأمين قوتهم من دون اللجوء إلى الصيد الجائر، إنما أدى توقف أعمال بعض تلك الشركات جراء تفشي وباء “كورونا”، إلى العودة إلى الصيد. وكان أركان واحداً من الذين تركوا الصيد وعملوا لدى شركة صينية في مدينة الناصرية.

إضافة إلى صيد الطيور المهاجرة والمقيمة في الأهوار، يشمل الصيد الجائر الأسماك أيضاً، ما ساهم في تدهور الاقتصاد المحلي للسكان المحليين، ذلك أن مناطق الأهوار مفتوحة لأنواع غير قانونية من الصيد. اعتاد سكان الأهوار القدامى في أنماط معيشتهم وأساليب الحصول على الغذاء على نباتات وحيوانات الأهوار من خلال اتباع الوسائل الشعبية للصيد مثل الشباك المخصصة للصيد، ذات الفتحات الكبيرة، إضافة إلى “الفالة” التقليدية (آلة صيد مدببة الرؤوس). بخلاف ذلك يتّبع الصيادون في السنوات الأخيرة أساليب تشكل خطراً على الحياة البرّية والمائية، على سبيل المثال يتم استخدام الكهرباء لصيد الأسماك، والشباك ذات الفتحات الصغيرة لصيد الأسماك الصغيرة جداً والتي يمكن أن تنمو وتتكاثر وتزود الأهوار بثروة سمكية، كما يستخدمون القنابل الصوتية وعلف الحيوان بعد تجفيفه وخلطه بمواد سامة، ما يهدد التنوع البيئي المائي، ويؤدي إلى اختفاء أصناف كثيرة من الأسماك جراء تخريب بيئاتها وسبل تكاثرها.

الطيور التي تموت من السمّ تُترك في مياه الأهوار،

ما يؤدي إلى تلوث المياه ومشكلات صحية للسكان.

يوضح الباحث في علم الحشرات في جامعة السليمانية فرهاد خضر أن الأساليب الجائرة المستخدمة “لا تقضي على الأسماك فحسب، بل تبيد الأنواع الأحيائية الموجودة في المستوطنات المائية، إذ تقتل الحشرات التي تُعد مصدر الغذاء الرئيس لعدد من الأسماك، كما تقتل الأحياء الدقيقة التي تُعتبر إحدى الحلقات الأساسية للسلسلة الغذائية في البيئة المائية، وهذه التأثيرات السلبية لا تؤثر في تغير المناخ على المدى البعيد فحسب، بل تساهم أيضاً في تغيّرات بيئية سلبية، تؤدي إلى هدمها وتقليل تنوعها الأحيائي وكثافتها بمرور الزمن”. 

أما الخبير البيئي جاسم الأسدي فيرى “أن الصيد الجائر كثقافة دخيلة في المجتمعات المحلية يؤثر سلباً في سكان الأهوار على المدى البعيد لجهة تناقص الأحياء المائية التي يستأثرون بصيدها، وهذه إحدى الكوارث التي من شأنها شلّ قدرة الأنواع المائية في التكاثر وظهور أجيال جديدة منها في البيئة الأهوارية”. يذكر أن قانون 48 لسنة 1976 يعاقب بالسجن مدة سبع سنوات وغرامة مالية بحق أي شخص يستخدم أساليب قد تؤدي إلى الإبادة الأحيائية في الصيد كالسموم والكهرباء.

تصوير: علي فاضل

إضافة إلى الأثر السلبي على الاقتصاد الذي يتركه الصيد الجائر وما يتبعه من تأثير مباشر في التنوع الاحيائي في الاهوار، فإنه خلق بيئة غير صحية من خلال إدخال أنواع من السموم المتنوعة لهذه المناطق، ناهيك بالتنافس الشديد بين الصيادين على مثل هذه المواد، بغية صيد أكبر كمية من الأسماك ما يؤدي إلى صدامات مسلحة على مناطق النفوذ واستمرار هجرة السكان المحليين. ويشير عضو لجنة إنعاش الأهوار علاء البدران إلى أن الصيد الجائر يُمارسه غالباً صيادون يأتون من خارج الأهوار. ويقول في هذا السياق، “يأتي معظم الصيادين من خارج مناطق الصيد، يقضون على الكائنات المائية من خلال صيد غير قانوني لا يراعي أي شروط بيئية، ما يتسبب بعجز المسطح المائي عن تجديد حيويته وتكاثر الكائنات”. وينتج عن الصيد الجائر موت عشرات الآلاف من أطنان الأسماك الصغيرة سنوياً، وانقراض أعداد كبيرة منها وتفشي فايروس “نخر الخياشيم” بسبب سوء إدارة تربية الأسماك في الأنهار.

تصوير: علي فاضل

نشأ كرار جاسم (21 سنة)، بالقرب من مسطح الجبايش المائي في عائلة جنوبية، اعتاد مرافقة والده وإخوته في رحلات صيد يومية منذ الخامسة من عمره، فتعلّم تقنيات الصيد وأساليبه وأصبح مصدر رزقه الوحيد. يخرج للصيد مطلع فجر كل يوم، بواسطة “المشحوف”، باحثاً عن أماكن تجمّع الأسماك التي “تقل في بعض الأحيان وهناك أنواع كثيرة بدأت بالاختفاء بسبب استخدام الصيادين للكهرباء، على رغم أنني أحصل على كمية أقل مما يحصل عليه هؤلاء إلا أنني سعيد بما أصطاده كل يوم، هذا ما تعلمته من والدي وأجدادي أن لكل كائن رزقه وعلينا ألا نتعدى عليه”. يتّبع كرار الطرائق التقليدية في الصيد، لكنه يشعر بالأسف على ما وصلت إليه الأهوار، إذ بدأت ملامحها تتغير بخلاف ما كانت عليه في طفولته. بدأت الأحياء المائية بالتناقص والاختفاء وهو يخشى ألا يبقى أي إرث للأجيال الآتية، بسبب التغيرات التي طاولت البيئة المائية: “غالباً ما يلتزم الصيادون هنا بالقَسَم داخل مجلس العشيرة في بعض المناطق بحرمة الصيد الجائر وعدم الإخلال ببيئتهم التي تمثل مصدر رزقهم الوحيد”. ولكن لا يكون لهذه التقاليد تأثير في غياب قوانين حماية الطبيعة والتنوع الأحيائي. ويؤكد الأسدي أن الشرطة البيئية هي المسؤولة عن مراقبة الصيد الجائر، لكنها غير فعّالة. في هذا الإطار، يشدد مدير مركز أبحاث الأهوار علي عبد الخبير على ضرورة تفعيل القوانين التي تمنع الصيد الجائر، خصوصاً في فترة تكاثر الأسماك من منتصف شهر شباط/ فبراير حتى منتصف أيار/ مايو، لكن غياب مصدر بديل لمعيشة الصيادين خلال هذه الفترة، يصعّب تطبيق القوانين. 

هذا الموضوع تم إعداده بالتعاون مع:

 Clingendael Institute

 Free Press Unlimited 

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.