fbpx

في أن طقوس مقاومة التطبيع أهم من مقاومته

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هناك دوافع لا أخلاقية للاستماتة في الدفاع عن حرم التطبيع. فمن شأن التقديس الشعائري لهذا الحرم، والمغالاة في أمره، أن يغفر ما تقدم وما تأخر من الذنوب المرتكبة بحق الفلسطينيين وغيرهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 لا شك ان هناك اغلبية راجحة ترى ان الانظمة العربية بمجملها، ومن ضمنها الإمارات والبحرين طبعا، كانت دائما وعلى مر العقود، ومنذ النكبة وحتى اللحظة، متخاذلة تجاه القضية الفلسطينية، إن لم تكن متآمرة ضدها، وترى ان شعارات التأييد وعبارات الشجب التي تطلقها هذه الانظمة في هذا الشأن ما هي إلا رياء ونفاق.

ولكن، على ما يبدو، لا يريد المنتقدون لهذا الرياء أن يتوقف. فالذين يستنكرون قرارات التطبيع الاماراتية والبحرينية يعتقدون أيضًا ان هاتين الدولتين لم تكونا في وارد التصدي لـ”العدو” الإسرائيلي أو المطالبة بحقوق ما للشعب الفلسطيني حتى قبل أن تتخذا قرار التطبيع، وأن ما يشغلهما هو حاجات وهواجس أخرى لا علاقة لها بفلسطين وقضيتها، وأن أي ادعاء لهما في الماضي بغير ذلك هو محض خداع وكذب.

 لكن إذا كانت هذه هي الحال، فما الجديد الذي أزعج مستنكري قرارات التطبيع الاخيرة، طالما ان موقف الإمارات والبحرين الحقيقي بنظرهم لم يختلف قبل التطبيع عمّا بعده، ألم يكن الأحرى لهم ان يسعدوا بعد ان ظهرت هذه الدول على حقيقتها؟

لا أحد يشك بأن ما قامت به اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني هو ظلم تاريخي عظيم، ويكفي سبباً لمقاطعتها. لكن الظلم والقهر الكبير الذي يتعرض له الفلسطينيون وقضيتهم تحت غطاء هذه المقاطعة واخواتها يكفي أيضًا للشك فيها. 

الاغلب ان الجديد في التطبيع الاماراتي والبحريني، والذي اغضب المعترضين عليه، هو مجاهرة البلدين بموقفهما الحقيقي من اسرائيل والقضية الفلسطينية. لكن إذا كانت المجاهرة هي ما أغضبهم، فذلك يعني أن ما يستنكرونه هو قرار الإمارات والبحرين أن يطابقوا افعالهم واقوالهم الظاهرة مع حقيقة موقفهم. اي ان ما يستنكره المعترضون فعلياً هو قرار الإمارات والبحرين انهاء حالة النفاق والرياء التي يصفهم بها منتقدوهم. 

بعبارة اخرى، لا يريد منتقدو التطبيع لهذا الرياء أن يتوقف.

هذا الحرص على استمرار الرياء هو طبعا رياء بذاته. فهو انشغال بما هو معلن بمعزل عما هو مُضمر. هذا التمسك بالمعلن، وان كان المعلن نفاقًا، يشي بان المحتجين على التطبيع يعترضون على خرق طقوس وشعائر العداء لإسرائيل وليس على التخلي الفعلي عن هذا العداء. أي أن هذه الطقوس تُطلب لذاتها وليس لما تعبر عنه في واقع الأمر. المطلوب اذاً من الإمارات والبحرين هو أن يمارسا طقوس العداء بدون العداء نفسه. يشبه هذا حال امراة تركت ايمانها المسلم، لكن عائلتها، التي تعلم ذلك، ما زالت تطالبها ان تُبقي على حجابها. الإمارات والبحرين قررتا خلع حجاب عداوتهما الزائفة لإسرائيل وارتداء تنانير التطبيع القصيرة، وربما الذهاب الى شاطئ العراة ايضاً. 

المطلوب إذا هو الكفر والتآمر في السر والتدين والالتزام في العلن. وهذا ما كان يمارسه المغرب منذ زمن كما ذكر كثير من نقاد التطبيع الأخير، وما انكفأ يفعله بكفاءةً اعلى النظام السوري.

قد يقول أحدهم إن استنكار مجاهرة الإمارات والبحرين بعدم عدائهم لإسرائيل، لا ينبع من رغبة في استمرار حالة الرياء، بل من منطق ‘اذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا’، حيث المجاهرة بالمعصية معصية اخرى. لكن مطلب التستر هذا يكون صالحاً إذا كان الابتلاء بالمعصية هو الاستثناء. أما إذا كان الابتلاء مستداماً، فيكون التستر عليه مشروع نفاق لا أكثر. أضف اننا لا نتعامل بشكل عام مع المجاهرة بالمعاصي بمنطق المطالبة بالتستر. فتخيل مثلاً لو خرج بشار الاسد وقال صراحةً ان نظامه قام بتعذيب آلاف المعتقلين وقتلهم وانه غير نادم على ذلك. سوف نستغرب بلا شك اعترافه وندين ما اقر به. لكننا لن ندين أو نستنكر الاعتراف نفسه. فالمشكلة ليست في الاعتراف بل في المُعترَف به. لكن المسألة تبدو مختلفة في حالة التطبيع الإماراتي والبحريني، حيث يدان الاعتراف أكثر من المُعترَف به.

الفارق بين الاعتراف المتخيل لنظام الأسد بممارسة التعذيب، والاعتراف الاماراتي والبحريني بموقفهما الحقيقي من الصراع العربي-الإسرائيلي، هو أن الاعتراف في الحالة الاولى يكشف عن عمل لا أخلاقي يدين صاحبه، لكنه لا يحمل معه خطر تسويق التعذيب و’تطبيعه’. فرفضنا للتعذيب يأتي من الموقف منه كعمل لا أخلاقي بحد ذاته، وليس لأنه انتهاك لحرم او عرف اجتماعي او سياسي. الأمر يختلف في حالة التطبيع مع اسرائيل حيث يعامل على انه انتهاك لمحرّم اكثر مما هو خرق لمبدأ أخلاقي. وفي حين لا يهدد الخرق المعلن لمبدأ اخلاقي اساس ثبات هذا المبدأ، يشكل الانتهاك المعلن لحرم اجتماعي أو سياسي تهديداً جدياً له بالزوال او الضمور. فالحفاظ على تلك المحرمات يعتمد بشكل أساسي على احترامها في العلن قبل اي شيء آخر. ومن هنا تأتي الرغبة في الحفاظ على شعائر العداء لإسرائيل حتى وان لم تترافق تلك الشعائر مع افعالٍ ونوايا تنسجم معها.

إقرأوا أيضاً:

هناك اذا خوف مشروع عند مناهضي التطبيع من أن يُسقط التطبيع الاماراتي والبحريني هذا الحرم، خصوصًا ان التطبيع يبدو حاراً هذه المرة. لكن اذا كان هذا الخوف مبرراً، فذلك يعني ان الالتزام الحالي بعدم التطبيع لا ينبع اساساً من رفضه كعمل لا أخلاقي بل من رهبته كمحرم ينتظر من يخرقه لتتفكك سبحته وينهار. وبغض النظر عما إذا كان لرفض التطبيع أسسٌ اخلاقية صلبة، ولا افترض خلاف ذلك، هنالك أيضًا دوافع لا أخلاقية للاستماتة في الدفاع عن حرم التطبيع. فمن شأن التقديس الشعائري لهذا الحرم، والمغالاة في أمره، أن يغفر ما تقدم وما تأخر من الذنوب المرتكبة بحق الفلسطينيين وغيرهم. فهو كاف لأن يعفي أنظمة حكم وأحزاباً وتيارات من تقديم أي دعم جدّي يعيد للفلسطينيين شيئاً من حقوقهم او يحسن اوضاعهم. كما يسمح لتلك الأنظمة، فوق ذلك، بانتهاك حقوق الفلسطينيين دون حساب او عتاب، حتى من قبل الفلسطينيين أنفسهم.

فعلى سبيل المثال، لا يتوقف كثير من الفلسطينيين عند الحصار والمجازر التي تعرض لها فلسطينيو لبنان على يد النظام السوري وحلفائه، في ما سمّي بحرب المخيمات في ثمانينيات القرن الماضي. وبالرغم من قساوة تلك المرحلة، فهي شبه ممحوّة من الذاكرة الفلسطينية. كذلك هو الأمر ازاء ما فعلته النسخة الجديدة من ذلك النظام بحق فلسطينيي مخيم اليرموك في سوريا. فبالرغم من وحشية ما جرى هناك، من غير الصعب ان تجد كثيراً من فلسطينيي الأردن، او الضفة الغربية، أو غزة مثلا يؤيدون ذلك النظام ويدافعون عنه. وهذا كله لأن نظام الاسد ذاك، كما كان نظام صدام حسين، يمارس شعائر وطقوس الممانعة الجوفاء القادرة ان تطهّر هذه الانظمة مهما ساءت افعالها بحق الفلسطينيين وغيرهم.

لا أحد يشك بأن ما قامت به اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني هو ظلم تاريخي عظيم، ويكفي سبباً لمقاطعتها. لكن الظلم والقهر الكبير الذي يتعرض له الفلسطينيون وقضيتهم تحت غطاء هذه المقاطعة واخواتها يكفي أيضًا للشك فيها. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.