fbpx

“سلالات” جديدة من كوفيد19 …هل علينا أن نقلق؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ظهور متحورات جديدة من فيروس “كوفيد-19” ليست حدثاً مفاجئاً بل مجرد تغير آخر في التركيب الجيني للفايروس بين متغيرات طرأت على فايروس “كوفيد- 19″، مع انتشاره في أرجاء العالم وعملية طبيعية متوقعة من العلماء.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ما لبثت أن بعثت أخبار تطورات لقاح “كوفيد- 19” الإيجابية والأمل في سكان العالم، حتى طالعتنا أخبارٌ آتية من بريطانيا عن “سلالات” جديدة من  فايروس “كوفيد ١٩” تسللت إلى الآلاف خاصةً في جنوب شرقي البلاد. وكأن ما كان ينقص العالم هو صدمة جديدة. خبرٌ أثار قلق العالم وهلع كثيرين ما دفع دولاً كثيرة إلى الإسراع في إغلاق حدودها أمام الوافدين من بريطانيا حتى إشعار آخر. فما حقيقة هذه المخاوف؟ هل نقلق؟   

الطفرات طبيعية

“في البداية، لم تكن هناك حياة، ثم قالت الطبيعة: “ليكن هناك حمض نووي ريبوزي”، فتنفس العالم حياةً. وكانت كل أشكال الحياة”.

عبارة كنت بدأت بها أطروحتي للدكتوراه، فعلى مدى عقود بحث العلماء عن أصل الحياة حتى توصلوا إلى فرضية مقبولة في الأوساط العلمية تقترح أن الحياة على الأرض بدأت بجزيء شبيه بالحمض النووي الريبوزي. أي أن الحمض النووي الريبوزي هو مقدمة أولى مفترضة للحياة على الأرض. بالطبع لم أكن يومها أتوقع أنني سأشهد فايروساً من حمض نووي ريبوزي يحتل العالم ويشل الحياة. 

وجود الفايروسات عمره من عمر الأرض وسابقٌ للإنسان من دون أدنى شك. وهي في عملية تغير وتطور مستمر منذ بدء الوجود. لا جديد هنا إذاً. من المعروف أيضاً أن الفايروس بحاجة إلى حاضن لكي يتكاثر ويستمر. والحاضن الجديد لـ”كوفيد- 19″ في هذه الحالة هو نحن، أي البشر. 

عندما يدخل الفايروس أجسادنا، ما يطمح إليه هو نسخ جديدة من نفسه لكي يستمر، ولكن مع كل نسخة جديدة هنالك احتمال للخطأ! نعم هذا صحيح. أخطاء في حرف أو أكثر من التركيبة الجينية للفايروس تسمى طفرات، وتنوع مزيج الطفرات في الفيروس يؤدي إلى متحورات مختلفة منه. أسباب أخرى لحدوث الطفرات الجينية واردة أيضاً ومعروفة. ما يبقى أكيداً أن هذه العملية متوقعة وطبيعية وتحصل كل الوقت و”كوفيد- 19″ ليس إستثناءً. 

إن قارنت عينتين لـ”كوفيد 19 من مكانين مختلفين من العالم ستجد ما بين 8 إلى 10 فروق جينية كمعدل. 

من ناحية إيجابية ومطمئنة نوعاً ما، يبدو أن مستوى تغير فايروس “كوفيد- 19″، ما زال أبطأ من غيره من فايروسات الحمض النووي الريبوزي الأخرى مثل فايروس الإنفلونزا، الذي تدفعنا سرعة تغيره إلى تغيير لقاح الإنفلونزا سنوياً. على رغم ذلك فإن المئات من الطفرات الجينية في “كوفيد- 19” تم رصدها بالفعل من مختلف أنحاء العالم وفي تركيبات مختلفة. فعلى سبيل المثال، إن قارنت عينتين لـ”كوفيد 19 من مكانين مختلفين من العالم ستجد ما بين 8 إلى 10 فروق جينية كمعدل. 

فإذاً، كلا ظهور متحورات جديدة من فيروس “كوفيد-19” ليست حدثاً مفاجئاً بل مجرد تغير آخر في التركيب الجيني للفايروس بين متغيرات طرأت على فايروس “كوفيد- 19″، مع انتشاره في أرجاء العالم وعملية طبيعية متوقعة من العلماء. على أن هذه الاختلافات عادةً ما تكون حيادية، أي أن لا تأثير لها على عمل، شكل أو خطورة الفيروس. بالمقابل، يحدث أحياناً أن تمنح بعض الطفرات أفضلية للفيروس لناحية فعالية العدوى أو التهرب من الجهاز المناعي أو حتى التملص من أجسامنا المضادة. هذه الطفرات هي المقلقة عادةً إذ أنها تعني تطور الفيروس للتكيف بشكل أفضل.


ما الجديد في بريطانيا إذاً؟ 

مئات الطفرات في فايروس “كوفيد- 19” تم التعرف إليها ورصدها منذ بدء ظهور الوباء حتى اللحظة، ولكن أياً منها لم يكن له تأثير كبير في مجرى الوباء أو جعله أكثر خطورة. فمتحور من “كوفيد- 19” تحمل طفرة D614G كانت ظهرت سابقاً بعد فترة قصيرة من ظهور الوباء، نجحت بالسيطرة بالفعل على معظم أوروبا وهي السائدة على الأراضي البريطانية منذ أشهر طويلة الآن ولكن تأثيرها في انتشار الوباء كان نوعاً ما محدوداً. هذه المرة الملاحظة الأولى أتت من جنوب شرقي بريطانيا حيث لفت انتباه العلماء انتشار متحور مستجد بين المصابين في مناطق تشهد ارتفاعاً سريعاً في عدد الإصابات. طبعاً الارتباط لا يعني بالضرورة السببية ولكن تحليلاً للحمض النووي الريبوزي للفيروس تم عزله من المصابين كشف عن متحور جديد أطلق عليه اسم B.1.1.7 مختلف عن المتحورات السائدة. اللافت كان استحواذه على عدد كبير من الطفرات، بحيث توجد نسبة عالية منها (14 طفرة، و3 حذوفات) في بروتين السبايك الذي يزين غلاف فيروس كورونا. ما لبث أن تبع هذا الإعلان تصريحٌ لوزير الصحة البريطاني مات هانكوك البارحة عن وجود حالتين على الأراضي البريطانية سببها متحور مختلف 

 آخر 501.V2 آتٍ هذه المرة من جنوب أفريقيا، وكما المتحور البريطاني يبدو أنه جيدٌ جداً في الإنتشار.  

أهمية الحدث تأتي من دور هذا البروتين، أي السبايك، كمفتاح رئيسي لدخول الفايروس إلى الخلايا وبالتالي فإن أي تغير يطرأ على هذا البروتين تحديداً هو مصدر اهتمام خاص للعلماء، وربما قلقهم. 

واحدة من الطفرات المشتركة في المتحورين الجديدين N501Y تقع مباشرة في النطاق البروتيني للفيروس المختص بربط مستقبلات خلايانا وأخرى في المتحور البريطاني تم ربطها سابقاً بحالات تملص للفيروس من جهاز المناعة عند بعض الأشخاص مما دفع العلماء للشك في إحتمالية أن يكون هذا التحور قد أكسب الفايروس أفضلية في الفعالية وبالتالي إنتشار العدوى. 

في حين ما زالت هنالك العديد من علامات الإستفهام حول المتحورين الجديدين ودلالتهم البيولوجية ولكن ما نعرفه حتى الأن هو وجود أدلة كافية للقول بأن المتحور الجديد من فايروس “كوفيد- 19” يبدو أكثر فعالية في الانتشار من غيره من المتحورات الأخرى المتداولة بنسبة لا نستطيع تحديدها بدقة بعد. في كلا الحالتين، يبدو أن الطفرات في المتحورين المستجدين قد زادت من إحتمالية إنتشار الفيروس بين صغار السن بشكل أفضل من المتحورات السابقة المسيطرة. 

أضف إلى ذلك فإن متحور B.1.1.7 المستجد بات موجوداً في جميع أنحاء المملكة المتحدة كما تم رصده في دول أوروبية أخرى أيضاً ما دفع دول عديدة لتسكير حدودها أمام الوافدين من بريطانيا وحث الحكومة البريطانية على تشديد إجراءت الإغلاق في ارجاء البلاد، بخاصة تلك الواقعة في جنوب شرقي المملكة، كما كان قد أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده لمحاولة احتواء المتحور الفايروسي الجديد الذي لا نعرف عنه الكثير بعد.

لا داعي للهلع… بعد! 

ظهور متحورات جديدة من الفايروس ليس مستغرباً بين العلماء بل هو متوقع ومنتظر، وهذا كان سبب اكتشافهم المتحورات الجديدة في بادئ الأمر. وعلى رغم أن متحورات  “كوفيد- 19” الجديدة تبدو أكثر عدوى، إلى أنه لا إشارات على أنها أكثر خطورة، إذ إن أعداد الإصابات الحرجة والوفيات لم تبدو متأثرة بامتداد رقعة انتشارها. هذا خبر مطمئن إذ كانت الأمور لتكون أسوأ لولا مشيئة حظوظنا.

أما تأثير المتحورات الجديدة من فايروس “كوفيد- 19” في عمل اللقاحات، فليس واضحاً بعد. احتمال وارد ولكنه مستبعد بانتظار المزيد من المعطيات إذ إن جهاز المناعة يعمل بطريقة معقدة قادرة على التعرف إلى أجزاء مختلفة من الفايروس وإنتاج مجموعة من الأجسام المضادة المتنوعة في هجومه، ما يعني أنه حتى لو افترضنا تأثيراً لمتحورات الجديدة في فعالية اللقاحات فهذا يعني فعالية أقل ربما وليس انعدامها بالكامل. 

على رغم أن متحورات “كوفيد- 19” الجديدة تبدو أكثر عدوى، إلى أنه لا إشارات على أنها أكثر خطورة.

في هذا الإطار، فإن التقنيات الجديدة لصناعة اللقاحات، كاللقاحات المرتكزة على الحمض النووي الريبوزي mRNA، لفايروس “كورونا”، تتيح إدخال تعديلات على تصميم اللقاح بطرائق باتت سهلة وسريعة وفعالة في حال إضطر الأمر مستقبلاً. بالتالي لا داعي للقلق حتى اللحظة بهذا الشأن بخاصة أن لا دليل علمياً بعد يشير إلى تأثير المتحورات الجديدة من فيروس كوفيد 19 في فعالية هذه اللقاحات بأي شكل من الأشكال. ما يبدو واضحاً أن الأسابيع المقبلة ستحمل إلينا المزيد من الاجابات وربما التطمينات. المتحور الجديد قيد الدراسة الحثيثة لتأكيد الشكوك أو نفيها ومعطيات جديدة ستظهر تباعاً بالتأكيد

التلقيح مستمر والآثار الجانبية… استثناء

نجحت حملة المملكة المتحدة للتلقيح حتى اللحظة في تلقيح أكثر من نصف مليون نسمة ممن تلقوا جرعتهم الأولى من لقاح فايزر/ بيونتك. ومن المتوقع أن تستمر عمليات التلقيح بشكل طبيعي لتشمل أعداداً أكبر مع تركيز على المسنين، دور الرعاية، والفئات الأكثر عرضة لمخاطر الاصابة بشكل رئيسي. 

بريطانيا كانت من أول الدول التي بدأت حملات تطعيم جماعية على أراضيها وبهذا أثبتت نجاحاً وقدوةً لغيرها من الدول التي لم تأخذ المبادرة بعد. المطمئن هو عدم تسجيل أي آثار جانبية خطيرة للقاح “كوفيد- 19” عند أي من المتلقين، على رغم كبر سن أغلبيتهم. فالمضاعفات، إن حصلت، كانت موقتة وبمعظمها ليست غريبة علينا بل شبيهة بالآثار الجانبية المحتملة لغيرها من اللقاحات من ارتفاع في الحرارة أو وجع موضعي مكان الحقن وغيرها. حالتان فقط تم تسجيلهما، لرد فعل تحسسي مفرط بسبب اللقاح، تطلب تدخلاً طبياً وما لبثت أن مرت بسلام ولكنها اشعلت ردود أفعال مشككة وتردداً عند البعض لأخذ اللقاح. هذه المخاوف التي لا داعي لها موجودة عند البعض من دون شك، ولكن إذا ما أخذنا في الاعتبار أن عدد إصابتين من أصل نصف مليون متلقٍ يضع إحتمال حدوث رد فعل مشابه في خانة المضاعفات المحتملة الاستثنائية. على أن ردود الفعل التحسسية عند البشر هي حالات شائعة وتشمل الكثير من الأطعمة والأدوية والمركبات حتى الطبيعية منها، إذ يعاني كثيرون حساسية على أطعمة كالبيض أو الفستق السوداني أو السمك مثلاً أو حتى على لقاح النباتات والأزهار وغيرها الكثير. على رغم ذلك، يتابع العلماء دراساتهم، والتدقيق في أسباب حالات شبيهة مبلغ عنها لتعديل أي محتوى محتمل للقاح يمكن أن يكون على إرتباط بردات الفعل تلك. في الخلاصة، جميع الذين أخذوا جرعتهم حتى الآن من لقاح فايزر/ بيونتيك بخير. يترافق هذا مع إعطاء تصريح الاستخدام الطارئ لكل من فايزر/ بيونتيك وموديرنا سائرين بذلك على خطى بريطانيا التي تدرس الموافقة على بدء استعمال لقاح أوكسفورد/ أسترازنيكا أيضاً في القريب العاجل.  

إذا ما زال امامنا الكثير لنتعلمه عن المتطفرات المستجدة من فيروس “كوفيد 19” والتي لن تكون الأخيرة! نحن اليوم أمام تطور وبائي جديد يستدعي الانتباه ويطرح تساؤلات عما إذا كنا أمام حالة من تطور فايروس “كوفيد- 19” ليتكيف مع الحاضن البشري الجديد. هل سنشهد بذلك سيطرة متطفر جديد أشد إنتشاراً على العالم؟ فلننتظر ما سيقوله العلم. 

في الوقت الراهن، الآن أكثر من أي وقت مضى منذ دخولنا هذا الصراع مع الوباء الجديد، تبدو الإجراءات الوقائية أكثر أهمية وذلك لحمايتنا من أي متحور مستجد حتى إشعارٍ آخر. إذاً، عليكم بالتباعد الاتماعي، الالتزام بالكمامة، وغسيل الأيدي باستمرار لكي نمضي سوياً نحو الخلاص بأقل أضرارٍ ممكنة. 

إقرأوا أيضاً:

المقالات العشرة الأكثر قراءة خلال عام 2020

مرفأ بيروت:
اختفى تحت الإهراء…!

“ظللتُ أقولُ له: ستذهب إلى المرفأ وتتركني هنا مع الأطفال، فماذا لو حدث شيء؟ وكان يقول لي: أقلقُ عليكم في المنزل، ولا أقلقُ على نفسي في المرفأ”…

تقصي ثروة رياض سلامة في أوروبا:
شركات وعقارات و”5 أبعاد من المتعة”

استثمرت شركات خارجية (أوفشور) مملوكة لحاكم المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة بهدوء في أصول خارجية، بلغت قيمتها نحو 100 مليون دولار أميركي في السنوات الأخيرة، فيما كان سلامة يشجع الآخرين على الاستثمار في بلاده.

قصة “طبيب النظام السوري” الذي عذّب قريبي

كان يُمنع على أحد أن يقترب من غرفته باستثناء الحراس والمحققين وطبيب يعاينه لعشر دقائق صباحاً. أما الحراس الآتون من “الخطيب” ومن إدارة المخابرات الجوية، فكان “صفعهم إياي أمراً طبيعياً لهم”.

في حقيقة البحث عن علاج للكورونا

دخلت شركة سانوفي الفرنسية ومعهد باستور في سباق مع ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل للتوصّل إلى لقاح ضدّ الكورونا. المسألة لن تكون سهلة
حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!