fbpx

السخرية مركب نجاة السوريّين… سرقةُ بوالين وطائر فلامينكو حزين للبيع

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

يبدو فعلاً أنّها سوريا، المتناقضة بأحداثها وردات فعل سكانها وتفاعلهم مع الأحداث من حولهم، فحين لا يبقى للإنسان شيء وهو غير قادر على تغيير واقعه تتحول حياته بشكل ما إلى كوميديا سوداء.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

للألم مراحل، منها الاستسلام ومنها البكاء وآخرها الضحك، يشارك السوريُّ رفاقه الضحك على ألمهم، يضحك كيلا تنفجر المآسي في وجهه. تعلّم السوريون السخرية بطريقة جديدة كيلا يُقال إنهم ليسوا مرحين، باتت السخرية من الأحداث، واحدةً من طباعهم، يطلقون الجمل الساخرة من دون أن يدركوا ذلك، وحين يقول البائس جملة مضحكة، لا يدري أن المأساة ترفرف حول ضحكته كشبح.

الرئيس السوري الجديد “الشرتح”

بات للسوريين شخصياتهم المشهورة، التي تعكس المأساة. واحدةٌ من أكثر تلك الشخصيات شهرةً على السوشيل ميديا، “الرئيس الجديد لسوريا محمد صابر الشرتح”، وهو مهاجر سوريّ خمسيني، مقيم في السويد، قرر فجأة أن يصبح الرئيس المقبل لسوريا، فخرج بفيديو على “فايسبوك” يعلن فيه هذا الخبر العظيم، ويبدو الأمر في البداية جدياً والرجل يتكلم بكلّ رصانة.

يطلُّ الشرتح بين الحين والآخر من خلال فيديوات، يرتدي بزة رسمية مع ربطة عنق وينظر إلى الكاميرا بثقة، ثم يبدأ خطابه. يقول: “أنا لم آتِ بحلّ لكن أنا المخلص وحاصد الرؤوس وخادمٌ للشعب المستضعف الفقير، نحن قادمون ولكم بالمرصاد”، ثم يتابع خطابه بتوقعات عن احتلال إيراني مرتقب لإسرائيل، ليليه احتلال الأردن والكعبة وسيناء ومصر واثيوبيا، حتى تصل إيران إلى نهاية أفريقيا، وهو من سيوقفها. لا أحد يعلم كيف تظهر تصريحات الرئيس الجديد، ولماذا يفعل ذلك بكلّ ذلك الإيمان وتلك الثقة، فعلى رغم تحوله إلى مادة للسخرية، إلّا أنه استمر بالظهور بكلّ صرامة ليعلن فجر سوريا الجديد.

بات الشرتح مشهوراً بعقدة حاجبيه وعباراته الفكاهية والتي لا يظهر أثرها على وجهه، كـ”سأصبح رئيساً غصباً عن شواربكم”، و ولااااك”، وهي كلمة اعتاد السوريون ترديدها دلالة على السلطة السياسية القادرة على التهديد، متوعداً بالقصاص لمن يشتمه، إذ لديه ثلاثة محامين والمجتمع الدولي بحسب قوله، ولا يكتفي بذلك بل يهدد بالاسم الذي يترك تعليقاً يشكك به على “فايسبوك”، كلّ هذا وهو جالس بثقة أمام الكاميرا في مدينة ما في السويد.

المفارقة في حكاية الشرتح هي ظهور والدته المسنّة في فيديو تنفي فيه كلّ ما يقوله ابنها، تشكو تركه لها وعدم تواصله معها وهي تعيش في خيمة مع ابنتيها المريضتين، تتبرأ من ابنها في النهاية مرددة “العجي ما هو طبيعي”. (ابني ليس طبيعياً، أو لا يتمتّع بالأهلية العقلية)

ومع كلّ فيديو جديد ينشره الشرتح تبان الكوميديا السورية في أكثر وجوهها تراجيدية، فمن الشتات والمدن المدمرة يخرج الرئيس السوري الجديد بالوعود والوعيد والخطط الاستراتيجية، ويجلس السوريون في كلّ العالم يشاهدونه، لا لشيء، بل ليضحكوا، ويعثروا على الجانب المضحك من مأساتهم، الرئيس الجديد “الشرتح” هو سخرية السوريين من الموت والنزوح والظلم.

تبادل الكمامات والأحلام

عن الشرفة أسمع رجلاً يقول لآخر: “مبروك الكمامة”، ثم يضحكان بصوتٍ عالٍ، أبتسم معهما. ما زال السوريون يتعاملون مع الكمامة كشيء خارج المألوف، على رغم مضي عامٍ على انتشار “كوفيد– 19″، يرضخ لها البعض مرغماً ويبارك للآخر بها كما لو أنه اشترى سيارة، الكمامة هي سيارة كلّ سوريّ، تُباع على البسطات كما تُباع الحلويات الرخيصة والأطعمة المكشوفة، إنّها كما قدر السوريين، تباع تحت جسر الرئيس في دمشق إلى جانب العلكة وسجائر “الحمرا” الطويلة، مكشوفة على غبار المدينة وضجيجها، ويتم تخفيضها إلى تحت من أجل سيجارة أو محادثة أو ابتسامة، ثمّ تُرفع في وجه الفايروس.

قصص الكمامات ووباء “كورونا”، تعكس محاولات الناس للتحايل على الحياة. شوهد في عدد من المؤسسات الرسمية بائعو كماماتٍ يقفون على باب المؤسسة، وبسبب منع المواطنين من الدخول من دون ارتداء كمامة، يضطرون لشراء واحدة من البائع بـ500 ليرة سورية، تكمن المفارقة في أن البائع كان يعرض على الخارجين شراء الكمامات المستعملة منهم بـ200 ليرة سورية وهكذا لا يخسر الشخص سوى 300 ليرة ثمن كمامة مستعملة!

الكمامة هي العنصر الغريب والمثير للريبة ومهما اشترى السوريون كمامات أو أعادوا استخدامها أو علقوها على مرايا سياراتهم أو رموها على جوانب الأرصفة، تبقى العلاقة معها غير متكافئة ولا تخضع لقاعدة واضحة. 

“تعيش في سوريا وتضع على باب منزلك عبارة: (ومن شر حاسد إذا حسد)، على ماذا سنحسدك بالضبط؟”

لا يتوقف السوريون عن السخرية من صعوبات حياتهم، من ارتفاع الدولار والبرد وفقدان المواد الأولية وانقطاع الانترنت، حتى غدتْ حياتهم مزحة كبيرة، وتنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي نكات من قبيل: “تعيش في سوريا وتضع على باب منزلك عبارة: (ومن شر حاسد إذا حسد)، على ماذا سنحسدك بالضبط؟”، “وزير الكهرباء يظن السوريين دواءً، يحفظ في مكان بارد ومظلم”، “في سوريا، يصبح عمرك في الثلاثين، وما زلت تحلم ماذا ستصبح حين تكبر”. في أحيانٍ أخرى يصبح الخبر الرسمي بحد ذاته نكتة، كخبر: “فرع مرور حمص يقوم بحجز رافعتين للمؤسسة العامة لكهرباء حمص أثناء قيامهما بالإصلاحات بسبب انتهاء صلاحية أوراقهما.” حادثة أخرى أثارت سخرية السوريين، عندما اقترح عميد كلية الطب البشري د.نبوغ العوا تأخير المدارس للطلاب في المرحلة الأولى لمحاولة السيطرة على وباء “كورونا” ليرد وزير التربية: “نحترم عميد كلية الطب البشري، بآرائه المطروحة، بما يتعلق بتأجيل المدارس، لكنه لم يغلق المشافي ولا الجامعة المشرف عليها”، نعم إنه وزير يقول لن أغلق المدارس بما أن المستشفيات مفتوحة، هل يودّ حقاً إغلاق المستشفيات لتصبح الحياة أكثر عدلاً!

طائر الفلامينكو السوريّ ووقودٌ من ماء

وسط الأزمة الاقتصادية بات سوريون يشتهرون بمحاولات غريبة للحصول على المال بأي طريقة، حتى ولو بحبس طائر لقلق مهاجر وصبغه باللون الزهري وبيعه على أنه طائر فلامينكو، ربما لم تكن الفكرة مستهجنة وغريبة بالنسبة إلى البائع في سوق “القيمرية” عند صبغ الطائر بلون زهري فاقع ليشبه أي شيء سوى طائر الفلامينكو، وربما فكر البائع بطريقة ما ليجعله يقف على قدم واحدة، لكنه فشل! التقط المارّة صوراً للطائر الواقف بحزن بلون لا يشبهه، معروضاً للبيع بسعر 40 ألف ليرة سورية أي ما يساوي مرتب موظف.

في مدينة أخرى، يقوم رؤساء وأمين مستودع مخبز بسرقة 14 ألف ليتر من الوقود (المازوت) المخصص لتشغيل الفرن ويضعون بدله ماءً، يُكشف أمرهم في النهاية، فلا يمكن تشغيل فرن الخبز بالماء. المشترك بين قصتي طائر الفلامينكو والماء هو اعتقاد أصحابها بأنهم قادرون على الخداع سواء بالصبغة ذات اللون الزهري أو بالماء! على رغم أنهم يدركون جيداً أن الماء لا يشغّل آلات ضخمة، وأن اللون الزهري سيختفي تدريجاً، وهو لا يكفي لصنع طائر فلامينكو. لا أحد يعلم كيف تحول هؤلاء إلى شريحة محتالة بطريقة ساذجة ومضحكة، ربما لاعتقادهم بألّا قانون يحاسب في البلاد، فأيّ منظمةِ رفقٍ بالحيوان، ستنقذ طائراً مهاجراً حزيناً بلون زهري، يقف وحيداً في سوريا؟

المشترك بين قصتي طائر الفلامينكو والماء هو اعتقاد أصحابها بأنهم قادرون على الخداع سواء بالصبغة ذات اللون الزهري أو بالماء!

وبمناسبة الحديث عن اللون الزهري، وفي شهر التوعية حول سرطان الثدي قام رجل بسرقة كل البوالين الزهرية الدّالة على تنبيه النساء لسرطان الثدي وضرورة الكشف المبكر عنه، في منطقة سانا في دمشق بعد ساعات من تعليقها ووضعها في “السوزوكي” خاصته ورحل! هكذا ببساطة، من دون أن يوقفه أحد أو أن يقول له: “أين تذهب ببوالين التوعية بسرطان الثدي؟”. زيّن الرجل سيارته ورحل. لا شيء يوقف السوريين عن القيام بأفعال مضحكة تحمل داخلها مأساة، كأنهم مفصولون تماماً عن بقية المجتمع، وهذا ما قد يكون بسبب الفقر أو الجهل أو عدم محاولة النهوض بالمجتمعات المهمشة، البعض ألقى اللوم على المنظمين سائلاً: “أين تعتقدون أنكم تعيشون لتعلقوا بوالين في الشوارع؟ إنّها سوريا!”.

يبدو فعلاً أنّها سوريا، المتناقضة بأحداثها وردات فعل سكانها وتفاعلهم مع الأحداث من حولهم، فحين لا يبقى للإنسان شيء وهو غير قادر على تغيير واقعه تتحول حياته بشكل ما إلى كوميديا سوداء، تارة تجده يمثّل الحدث بأكثر تجلياته عبثية، وتارة تجده صانعاً للحدث، فيغدو الناس العاديون من أفضل كتاب السيناريو وأفضل الممثلين وتغدو سوريا خشبة مسرح كبيرة، وما يفعله بقية السوريين هو الضحك على مآسٍ تقبع خلف الأبواب.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.