fbpx

تونس بعد 10 سنوات… وعود تبخرت وأحلام سقطت

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“إن الخيارات التي اتخذتها تونس في ما يتعلق بالنظام السياسي وطريقة الانتخاب أدت إلى تشتت السلطة، وعدم استقرار الحكومات وعجزها عن مواجهة التحديات والصعوبات التي تمر بها البلاد. يبدو البلد محاصراً لأنه فشل حتى في إجراء الإصلاحات الضرورية”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في كانون الأول/ ديسمبر 2010، أضرم محمد البوعزيزي بائع الخضر المتجول النار في نفسه احتجاجاً على الفقر والتهميش، مطلقاً شرارة ثورة تطلع شبابها إلى تحصيل فرص العمل والحرية والعيش الكريم. اليوم وبعد عشر سنوات تحقق القليل وسقط الكثير من أحلام التونسيين الذين زاد فقرهم وارتفعت معدلات بطالتهم وتفشى الفساد وانهار اقتصاد بلادهم بسبب طبقة سياسية تحقق مصالحها وأطماعها من دون أن تبحث عن حلول لمآسي البلاد.

عشر سنوات مرت كانت كافية لتفاقم مشكلات التونسيين فوعود كثيرة تتطايرت في الهواء، فيما تبخّرت أحلام وردية، ولا شيء تحقق سوى مكسب حرية التعبير وإن كان يشهد هو الآخر محاولات للارتداد في كل مرة. عقد من الزمن أدارته نخبة سياسية متشرذمة هدفها الوحيد الاستحواذ على السلطة لخدمة مصالحها الضيقة والاستجابة لأجندات مموليها من الخارج. فكانت الحصيلة أكثر من عشر حكومات متتالية فشلت كلها في تحقيق تطلعات الشعب وأسقطت البلاد في أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة لم تشهدها منذ الاستقلال. 

وعلى رغم الفشل الذريع والأزمات التي تواجهها تونس على جميع المستويات تواصل الأحزاب الحاكمة ولا سيما تلك الموجود في الحكم منذ عام 2011 اعتماد السياسة ذاتها، وتأبى الاعتراف بمسؤوليتها عما آلت إليه الأمور. بل ولا تتوانى عن خوض حربها من أجل ضمان تموقعها في المشهد السياسي وركل أي مبادرة كفيلة بإنقاذ البلاد، لا تمنحها سلطة الإمساك بمقاليد الأمور. وحتى اليوم ما زال الانقسام سيد الموقف بين الأحزاب السياسية التي ترفض إعلاء مصلحة البلاد، على رغم إدراكها لدقة المرحلة وصعوبتها.

وضع يصفه الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان بالمربك والضبابي. ويقول لـ”درج” “إن الخيارات التي اتخذتها تونس في ما يتعلق بالنظام السياسي وطريقة الانتخاب أدت إلى تشتت السلطة، وعدم استقرار الحكومات وعجزها عن مواجهة التحديات والصعوبات التي تمر بها البلاد. يبدو البلد محاصراً لأنه فشل حتى في إجراء الإصلاحات الضرورية”.

وتؤكد الأرقام ما ذهب إليه الخبير الاقتصادي، فعلى رغم تعاقب عشر حكومات على السلطة، إلا أنها اتفقت جميعها على الفشل في تحسين الحياة اليومية للمواطنين. فقد ارتفعت البطالة من 13 في المئة عام 2010 إلى 17.6 في المئة على الصعيد الوطني عام 2020 وتتجاوز 30 في المئة في المناطق الداخلية. كما تضاعف عدد العاطلين من العمل في صفوف خريجي الجامعات من 130 ألفاً عام 2010 إلى 300 عاطل من العمل عام 2020.

أما معدلات الفقر فناهزت بحسب معهد الإحصاء والبنك الدولي الـ15.2 في المئة، فيما تقول وزارة الشؤون الاجتماعية إن النسبة بحسب معطيات سجل الفقر الذي يتضمن بيانات مختلفة حول أوضاع العائلات المعوزة والفقيرة عموماً هي 28 في المئة. في حين أنها تجاوزت 53.5 في المئة في بعض معتمديات المحافظات الداخلية. 

وضع عزز حالة الإحباط واليأس لدى التونسيين الذين اختاروا المغامرة وركوب زوارق الموت بحثاً عن واقع أفضل بعدما خذلتهم في بلادهم. إذ بلغ عدد المهاجرين التونسيين غير النظاميين الذين وصلوا إلى السواحل الإيطالية خلال الفترة الفاصلة بين 1 كانون الثاني/ يناير 2020 و30 آب/ أغسطس من العام ذاته، 7885 مهاجراً منهم نساء وقصر وعائلات، على رغم الوضع الوبائي الخطير في العالم بحسب إحصاءات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وهي موجة لم تشهدها تونس منذ 2010.

ويرى الأمين العام لاتحاد المعطلين عن العمل شريف خرايفي أن السنوات العشر التي تلت الثورة فاقمت معضلة البطالة والفقر، على رغم أنها كانت سبباً مباشر لاندلاع الثورة. 

ويقول لـ”درج”: “لقد كانت المنظومة السابقة تستقطب سنوياً 20 ألف عاطل من العمل وهذا يكاد يكون منعدماً بعد الثورة. إذ وجهت البوصلة نحو تسوية وضعيات الآليات الهشة لا غير وأصبح الانتداب للعمل يجرى بحسب الموالاة للأحزاب الحاكمة. كما تسبب الانحراف عن أهداف تنفيذ العفو التشريعي العام وآلياته، في المساهمة في سد منافذ التشغيل بالنسبة للعاطلين من العمل. ذلك أنه قد تحول لغنيمة استغلتها الأحزاب الحاكمة ولا سيما حركة النهضة لتوزع التعويضات من دون ضوابط قانونية أو مراعاة لمقومات مسار المصالحة الوطنية ومقدرات الدولة المالية فخصصت المليارت لهذه المسألة على حساب قطاعات أخرى”.

ويضيف الخرايفي: “نتيجة هذا الوضع برزت ظواهر اجتماعية سلبية عادة ما تفرزها البطالة والشعور باليأس والفاقة والتهميش على غرار ارتفاع حالات الانتحار بخاصة حرقاً، وتفاقم موجة الهجرة غير الشرعية التي باتت تحصل بأعداد كبيرة لا تقارن بفترة ما قبل الثورة، فضلاً عن تفشي الجريمة وتعاطي المخدرات”.

السنوات العشر التي تلت الثورة فاقمت معضلة البطالة والفقر، على رغم أنها كانت سبباً مباشر لاندلاع الثورة. 

وانتقد الخرايفي تعاطي الحكومات المتتالية مع مطالب المعطلين من العمل والذي تراوح بين التجاهل في البداية، فالقمع أو محاولة الاستيعاب عند تطور التحركات واتساع دائرة الاحتجاجات. علماً أن محاولة الاستيعاب تعني توقيع عشرات الاتفاقيات مع السلطات الجهوية والمركزية ثم انتظار سنوات ليتحقق جزء بسيط منها في حين تظل بقية الملفات معلقة بسبب عدم الاستقرار الحكومي.

وأحدث هذا النوع من التعاطي الحكومي شرخاً كبيراً، فالشعب لم يعد يثق بالوعود والاتفاقيات. وبات يطالب بالاستجابة الفورية للمطالب معتمداً أساليب ضاغطة بشدة على السلطة كتعطيل مواقع الإنتاج والإضرابات العامة على غرار ما حدث في الكامور (تطاوين جنوب) وقابس (جنوب) وجندوبة (شمال غربي).

وعلى رغم المؤشرات التي تنذر بانسداد الأفق في تونس، إلا أن الخرايفي بدا متفائلاً لأن التونسي، برأيه، أغلق الباب أمام الخوف وأصبح لا يتوانى عن النضال والاحتجاج من أجل حقوقه، وأصبح أكثر وعياً بضرورة الحصول على حقوقه وإجبار الحكومة على الإنصات.

ومن الأهداف الأخرى للثورة التي تطلع إليها التونسيون هي مقاومة الفساد، لكن حدث أن هذه الظاهرة استشرت وتغلغلت في كل القطاعات. وبعدما كان التونسيون يواجهون فساد العائلة الحاكمة فقط إبان حكم بن علي أصبح الفساد عاماً وينخرط فيه الجميع، حتى لم يعد احتواء ذلك سهلاً.

فبعدما كانت تونس تحتل المركز 56 في ترتيب مؤشر مدركات الفساد الصادر عن “منظمة الشفافية العالمية” عام 2010 تقهقرت إلى المركز  74 عام 2019، علماً أنها حلت في المرتبة 75 في أعوام 2012 و2015 و2016.

وفي تقرير للبنك الدولي، تخسر تونس سنوياً نقطتين في الناتج المحلي الإجمالي بسبب الفساد.

اقتصاد منهك

من جهة أخرى، تستقبل تونس الذكرى العاشرة للثورة بأزمة اقتصادية خانقة هي الأسوأ منذ الاستقلال. وتؤكد الأرقام أن السياسة التي اتبعت خلال هذا العقد كانت فاشلة ولم تتمكن حتى من المحافظة على تلك المؤشرات التي كانت عليها البلاد خلال عام 2010 بل واصلت انهيارها وتدحرجها في ظل غياب الحلول.

وبحسب تقرير أفاق الاقتصاد العالمي لشهر تشرين الأول/ أكتوبر 2020 توقع صندوق النقد الدولي انكماش نمو الاقتصاد التونسي خلال عام 2020 بـ7 في المئة وأن تبلغ نسبة التضخم في تونس 5.4 في المئة عام 2020 وأن يبلغ العجز 8.3 في المئة. كما كشف المعهد الوطني التونسي للإحصاء أن 37 في المئة من الشركات الخاصة تواجه خطر الإغلاق الدائم.

ووافق البرلمان التونسي على ميزانية عام 2021 بعجز قيمته 8 مليارات دينار (2.5 مليار يورو) أي أكثر من 7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وسيبلغ إنفاق الدولة 41 مليار دينار، فيما يتوقع أن تصل الإيرادات إلى نحو 33 مليار دينار.

وبلغت ميزانية الدولة 18 مليار دينار تقريباً عام 2010 وهي السنة المرجعية من الناحية الاقتصادية، مقابل 40.662 مليار دينار عام 2019 ومن المنتظر أن تصل إلى 47 مليار دينار عام 2020.

أما الدين العام فازداد 95 في المئة بين عامي 2010 و2019، إذ من المرجح أن تتجاوز المديونية العمومية 94 مليار دينار عام 2020 وهي نسبة مرتفعة جدا مقارنة بعام 2010 حين لم تتجاوز 25 مليار دينار.

كما ارتفعت المديونية العمومية للفرد خلال 10 سنوات، إذ كانت تقدر بـ2370 مليون دينار عام 2010 ومن المنتظر أن تصل إلى الى 8030 مليون دينار في نهاية عام 2020.

95%

إزداد الدين العام بين عامي 2010 و2019

فيما لم تتعد نسبة النمو في السنوات الأخيرة 2 في المئة بعدما كانت تبلغ في المتوسط 4.7 في المئة قبل عام 2010. إضافة إلى ذلك، ارتفع التضخم وزاد العجز التجاري وتراجعت احتياطات العملة الصعبة.

وتعليقاً على هذا الوضع، يقول الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان لـ”درج”: “أصبح اقتصادنا غير قادر على تحقيق النمو وخلق الثروة ووظائف جيدة. الفوارق الاجتماعية آخذة في الازدياد، وكذلك الفوارق الإقليمية. يزداد الفقر وتزداد نسبة الأمية للمرة الأولى منذ الاستقلال. جميع المؤشرات الاقتصادية والمالية تتدهور بشكل خطير. المؤشر الأكثر إثارة للقلق هو الدين الخارجي. تونس الآن تواجه ديوناً مفرطة. بمعنى آخر ، هذا يعني أن هناك شكوكاً جدية حول قدرة تونس على الوفاء بديونها الخارجية بشكل طبيعي”.

ويبدو أن الحكومة التونسية فشلت في توفير مناخ مشجع على الاستثمار، اذ احتلت البلاد مرتبة متأخرة عربياً (المرتبة التاسعة) وعالمياً (المرتبة 87)، في مؤشر التنافسية العالمية لعام 2019 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.

وبلغت حصة مصاريف الاستثمار في الميزانية 14.7 في المئة عام 2020، مسجلة انخفاض قدره 10.8 في المئة، مقارنة بعام 2010 (25.5 في المئة).

ويقول سعيدان “أصبحت بيئة الاستثمار معادية للاستثمار، فالاستثمار العام الذي كان محركاً حقيقياً للنمو الاقتصادي يكاد يكون غائباً، على رغم الزيادة الهائلة في الإنفاق العام. لقد نمت ميزانية الدولة بشكل كبير جداً بالنسبة إلى حجم الاقتصاد المتكلس. يتم تحديد السياسة النقدية الآن حصرياً من خلال مفهوم استقلال البنك المركزي، وهذا يعني أن البنك المركزي التونسي يمنح نفسه مهمة حصرية تتمثل في الدفاع عن معدل التضخم واستقرار الدينار حتى لو تم ذلك على حساب النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وتحسين السلعة”.

إقرأوا أيضاً:

الفيديوهات الـ 10 الأكثر مشاهدة خلال الـ-2020