fbpx

اللقاح هديّة العلم للإنسانية عام 2020

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إذا كان الفايروس هو أسوأ ما حصل للبشرية منذ أعوام طويلة، فإنّ اللقاح هو بلا شكّ أفضل هديّة للعالم مع نهاية هذا العام.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يمكن القول إن توصّل العلم إلى أكثر من لقاح لفايروس “كوفيد- 19” هو أفضل ما حصل عام 2020، وإن كان ترافق مع بعض التشويش والانتقاد. إلا أن ذلك لا يلغي أهمية اللقاح، في نهاية عام وصف بالـ”كارثي”، حصد خلاله فايروس “كورونا” حوالى مليون و798 وفاة حول العالم. وإذا كان الفايروس هو أسوأ ما حصل للبشرية منذ أعوام طويلة، فإنّ اللقاح هو بلا شكّ أفضل هديّة للعالم مع نهاية هذا العام.

اللقاح …بين العلم والخرافة

يبدو أن المزاج الشعبي العام بدأ ينجرف في الآونة الأخيرة نحو لقاح فايروس “كوفيد- 19″، وفق نظرة مؤامراتية. وبات اللقاح شغلنا الشاغل، كيف لا ونحن واقعون منذ أكثر من سنة تحت وطأة وباء بات أشبه بنفقٍ لا نهاية له. وما حفلة الجنون ذات الطابع المؤامراتي هذه بخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي سوى انعكاس لقلق الناس ومخاوفهم. ولكن ما عزز هذه المخاوف وزاد وقعها هو التصاريح الصادرة من هنا وهناك من شخصيات سياسية أو وجوه فنية معروفة أو أصوات من داخل الحقل الطبي، تتراوح بين التحفّظ ورفض تلقي لقاح “كوفيد- 19″، أمثال مايا دياب، وهيفاء وهبي، وكارول سماحة، وملحم زين، أو حتى راغب علامة وغيرهم. التشهير بهؤلاء ضرورة إذ من غير المقبول لا بل من المرفوض تضليل العموم عبر نشر ما لا دليل علمياً عليه ولا حجة منطقية له.

كان آخر هذه التصريحات ذلك الصادر عن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله الذي عند سؤاله عما إذا كان سيأخذ اللقاح الأميركي أجاب بالنفي، ما أثار ارتباكاً في الأوساط الشيعية بشكل خاص، حيث قاعدته الشعبية الأكبر. مع أنه وبحسب التقارير الأخيرة فإن 150 ألف جرعة من لقاح فايزر/ بيونتك الأميركي سيصل إلى إيران في الأسابيع الثلاثة المقبلة. كما كان وزير الصحة اللبناني حمد حسن أعلن التوقيع مع فايزر لحجز حصة صغيرة للبنان في حدود المليوني جرعة.

السؤال الذي وُجِّه لنصرالله انطوى على نوع من الخبث، فهو محرج سياسياً والأكيد أنه لم يكن له من داعٍ بخاصة مع احتمال تأثيره سلباً في مزاج الشارع الشيعي العام، في زمن بتنا محاطين فيه بالمعلومات المغلوطة من كل مكان. من الواضح أن السيد لم يرفض اللقاح بالمطلق ولكن رفضه جاء من منطلق سياسي، فهو يرى أن اللقاح “أميركي الجنسية”! وكأنه بذلك يرسم حدوداً جغرافية للعلم، حدوداً خاض العلم الكثير للتخلص من تأثير وجودها.  

العلم نتاج معرفي إنساني جمعي لخدمة البشرية جمعاء من دون تفرقة. والذي أنتج اللقاحات ومن ضمنها لقاح “كوفيد- 19” هو هذا التراكم المعرفي الجمعي والتعاون بين علماء من مختلف الجنسيات حول العالم. الحدود مكانها خارج أبواب العلم.

أعادني هذا التصريح بالذاكرة إلى قصة فليمينغ، العالم اللذي اكتشف عام 1928 أول مضاد حيوي على الإطلاق، البنيسيلين. هذا الاكتشاف الذي غير مجرى عالمنا للأبد، وأنقذ حياة مئات ملايين البشر منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا. لم يؤمن فليمينغ يوماً أن البنيسيلين ملكه وحده بل سعى ليكون متوفراً للجميع لإنقاذ أكبر عدد ممكن من البشر، وينسب إليه قوله: “أنا لم أخترع البنيسيلين، الطبيعة فعلت ذلك. أنا فقط اكتشفته بمحض مصادفة”. 

على رغم ذلك لم ينجح فليمينغ في عزل البنيسيلين كمركب علاجي لوحده، فكانت مساهمة تشاين، هيتلي وفلوري من جامعة أكسفورد، إذ تم عزل البنسلين وتنقيته للمرة الأولى في التاريخ، كما دراسته واستعماله كمركب علاجي. لم يكن ذلك كافياً طبعاً، كانت هنالك حاجة لإنتاج كميات أكبر من البنسيلين كافية لاستعماله في معالجة المرضى، نظراً إلى شيوع العدوى البكتيرية بالإجمال. على رغم محاولات من دول أخرى، وحده التعاون البريطاني- الأميركي حينها هو ما جعل ذلك ممكناً. إذ نجحت شركات الدواء الأميركية في إيجاد طرائق لإنتاج البنسيلين وتوزيعه بكميات هائلة سمحت بوصوله إلى العالم أجمع، ولولا هذا التعاون لما كان البنسيلين كما نعرفه الآن ليكون. 

فليمينغ مكتشف البينيسلين

ماذا لو لم يكتشف فليمينغ البنسيلين؟ ماذا لو لم يؤمن العلماء بأنه حق للجميع بغض النظر عن الجنسية أو الطائفة أو اللون؟ ماذا لو لم يتم التعاون الأميركي؟

ما أحاول قوله هنا هو أن العلم نتاج معرفي إنساني جمعي لخدمة البشرية جمعاء من دون تفرقة. والذي أنتج اللقاحات ومن ضمنها لقاح “كوفيد- 19” هو هذا التراكم المعرفي الجمعي والتعاون بين علماء من مختلف الجنسيات حول العالم. الحدود مكانها خارج أبواب العلم. والذي أنتج اللقاحات ومن ضمنها لقاح “كوفيد- 19” هو هذا التراكم المعرفي الجمعي والتعاون بين علماء من مختلف الجنسيات والخلفيات حول العالم. الحدود مكانها خارج أبواب المختبرات العلمية لا داخلها. لا هوية جغرافية للعلم. 

إقرأوا أيضاً:

هل نقاطع الشركات الأميركية؟ 

لا يخفى على أحد أننا نعد دولاً غير منتجة، إذ نعتمد على الاستيراد كمصدر أساسي للموارد بخاصة تلك الدوائية، كما أن وجودنا على خارطة العلم يكاد يكون لا مرئي. ولا يخفى على أحد أيضاً أن سوق الدواء اللبناني والعربي غني بأدوية أميركية أو أوروبية الصنع لسبب بسيط هو تصدر شركات الدواء الأميركية لائحة الأهم والأكبر في العالم، ليس في صناعة الدواء وحسب، بل أيضاً المعدات الطبية والعلمية التي تزود المختبرات العلمية حول العالم كشركة Merck العالمية.

لنأخذ على سبيل المثال شركة “فايزر”، أدوية مثل “الفياغرا”، الحبة الزرقاء الغنية عن التعريف! أو “زاناكس” و”زولوفت” و”أدفيل” و”فلاجيل” وحتى البنسيلين والمورفين، أدوية مألوفة بشدة في السوق اللبناني، كلها من صناعة فايزر. غيرها أيضاً مثل “ليبيتور” الذي يعتبر من أهم الأدوية وأكثرها إيراداً، أو حتى لقاح المكورات الرئوية بريفنار. نعم هذا صحيح. فماذا نحن فاعلون إذاً؟ هل حملة المقاطعة تشمل كل أدوية “فايزر” أم لقاحها لـ”كوفيد- 19″ فقط؟

مختبرات “فايزر” التي أنتجت هذا اللقاح كما غيرها من المختبرات الأميركية ومعظم المختبرات العلمية حول العالم، يعمل فيها علماء من مختلف العالم بينهم علماء عرب ولبنانيون ممن لم تعطهم بلادهم الفرص. أليس لهؤلاء أيضاً نصيب مما أنتجته أيديهم… وعقولهم؟ 

خذوا اللقاح بسلام آمنين…

يبدو أن القلق العام يرتكز على أسئلة حول سرعة إنتاج لقاح “كوفيد- 19″، مقارنة مع اللقاحات السابقة وهذا سؤال مشروع يجيب عليه العلم لا أصحاب نظريات المؤامرة.  

الآلية العلمية المتبعة ذات معايير محددة دولياً لدراسة معروفة وثابتة،  كما أنها في تطور مستمر نحو الأفضل. ما حصل في حالة لقاح “كوفيد- 19” هو مجرد إنجاز هذه البروتوكولات بطراق أكثر فعالية وبالتالي في وقت أكثر. حصل هذا لأسباب عدة منها التحرك السريع على نطاق عالمي لاحتواء الأزمة ووضع خطط سريعة لتفعيل ذلك، والرد السريع من المجتمع العلمي حول العالم الذي سمح بتعاون دولي معرفي واسع النطاق. إضافة إلى التعاون الدولي الذي وضع إيجاد حل لأزمة الوباء المستجد في خانة الأولوية وأنفقت في سبيله الأموال والمصادر. وأخيراً وليس آخراً، التطور المعرفي والتكنولوجي السريع في السنوات الأخيرة.

توصّل العلم إلى أكثر من لقاح لفايروس “كوفيد- 19″ هو أفضل ما حصل عام 2020، وإن كان ترافق مع بعض التشويش والانتقاد. إلا أن ذلك لا يلغي أهمية اللقاح، في نهاية عام وصف بالـ”كارثي”

كل هذه العوامل وغيرها سمحت للعلماء بإنجاز ما كان في الحالات الطبيعية ليأخذ سنوات. ففي خلال أيام فقط من إعلان إنتشار مرضٍ جديد تمكن العلماء من تحديد هويته والعامل المسبب وفك شيفرة التركيبة ألجينية لفيروس الكوفيد 19. وفي شهر فقط كشف العلماء عن تركيبة شكل الفايروس من خلال تقنية Cryo-EM الجديدة، مع تركيز على هوية بروتين السبايك وشكله، في فايروس “كوفيد- 19” الذي دفع العلماء للمباشرة بتصميم لقاح يقوم على تركيبته فوراً. أضف إلى ذلك التعاون الدولي لإنجاز التجارب السريرية لآلاف المتطوعين من دول عدة حول العالم، وجهود مئات العلماء، ما سرع العمل وجعله أكثر فعالية. 

بالتالي، فإن التجارب السريرية الأساسية المطلوبة لضمان أمان اللقاح وفعاليته، تم استيفاء شروطها بالفعل على عدد من اللقاحات التي نال بعضها تراخيص الاستعمال الطارئ مثل لقاحات “فايزر/ بيونتك” و”موديرنا”. اذاً لا داعي للقلق، بل على العكس فنحن أمام إنجاز علمي جمعي يثبت مرة أخرى أن هوية العلم الوحيدة هي خدمة الإنسانية.

 في سياق متصل، تم إعطاء لقاح “كوفيد- 19” حتى الآن لأكثر من 600000 شخص في بريطانيا وحوالى 2.1 مليون شخص في الولايات المتحدة الأميركية، من دون الإبلاغ عن أي آثار جانبية خطرة على أن تستمر عمليات التلقيح هذه لتشمل أعداداً أكبر في الأسابيع المقبلة، بعدما تم إعطاء ترخيص الاستعمال الطارئ للقاح اوكسفورد/استرازينيكا على الأراضي البريطانية.

إن كان لا بد من شيء في أوقاتنا العصيبة هذه فهو أن نثق بالعلم كما وثقنا به دائماً عند كل اختبار سابق للبشرية، وكما أنتج العلم لقاحات للحصبة والجدري والكزاز وشلل الأطفال والكثير غيرها، ها هو يعطينا اليوم لقاح “كوفيد- 19”. العلم وحده هو خلاصنا جميعاً، من دون تمييز، من هذه الأزمة ومن كابوس الأمراض والأوبئة. وهنا نستعيد ما قاله سالك، العالم (الأميركي الجنسية بالمناسبة)، الذي كان له الفضل في إنتاج لقاح لشلل الأطفال عندما سأله صحافي عن براءة اختراع للقاح فكان جوابه: “وهل تحتاج الشمس لبراءة اختراع؟”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.