fbpx

ها أنا أقود سيارتي : “يا له من شعور مذهل”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وسط أجواء احتفالية تابعها العالم، باشرت السعوديات قيادتهن للسيارات لينهين عقوداً من الحظر. حصل هذا فيما لا يزال مصير الناشطات الموقوفات معلقاً..

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في أمسية مثيرة بالرياض، بعد صلاة العشاء مباشرة، تجمعت عشرات السعوديات خارج أحد أكثر مراكز التسوق شهرة في المدينة. وهناك، تحت أضواء الكشافات ومكبرات الصوت التي تصدح بالموسيقى العربية المُفرحة، اصطفت النساء لدخول ساحة انتظار السيارات التي تحولت إلى معرض يضم مجموعة من ورش العمل المتعلقة بالقيادة. بدأ المهرجان، تحت شعار “توكلي وانطلقي!”

وفي المعرض، اتبعت السيدات -المرتديات العباءات السود والنقاب في الأغلب، فيما يرتدي عدد قليل منهن ثياباً ملونة وشعرهن مكشوفاً- المرشدات الإناث من محطة لأخرى، وتوقفن من أجل العروض المتعلقة بصيانة السيارة وآداب السلوك المروري والفنيات الأساسية. وسجلت بعض النساء مقاطع فيديو لبرنامج تعليمي عن المكابح باستخدام هواتفهن فيما التقطت أخريات صوراً شخصية سيلفي بجوار معرض حزام الأمان. وكانت الأماكن الأكثر شعبية هي الممرات المماثلة لطرق القيادة ومحطة “التطبيق”، حيث كان بوسع النساء التدرب على ركن سيارة حقيقية. وقالت زينب القبيشي، 30 عاماً، بعد أن نزلت من سيارة ماركة هيونداي فضية اللون بعد أن نقلتها بنجاح من مكان انتظار إلى آخر، “هذه أول مرة أجلس فيها على مقعد السائق! يا له من شعورٍ رائع”. وفي مكان قريب، شاهدت براءة لُحيد، إحدى منظمات المهرجان، ثلاثة شقيقات يهتفن لوالدتهن لأنها قادت سيارة افتراضية بحذر حول المسار. “أشعر بسعادة بالغة من أجل هؤلاء النساء. فبالنسبة لنا، نحن الإناث، نتمتع حقاً بالقوة، أتعلم؟ لكننا نريد مساعدتهن للشعور بقدرتهن على استخدامها”.

نظمت وزارة الداخلية السعودية المهرجان كتعبير أخير عن الإجراءات الحكومية المستمرة لتحقيق التوازن: ناقلين شعوراً بالنظام الخاضع للرقابة مع الاستفادة من النوايا الحسنة التي يشعر بها الكثيرون فيما يتعلق بالتغيير. كما تأتي سياسة القيادة الجديدة، التي أعلن الملك سلمان عنها في بادئ الأمر عام 2017، في إطار إصلاحات شاملة دعمها وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان وبرنامج  “رؤية 2030”. يهدف البرنامج، الذي أُعْلِن عنه إلى تحسين صورة المملكة العربية السعودية أمام العالم، وتخفيف القيود الاجتماعية، فضلاً عن ترسيخ مكانة المملكة باعتبارها “قوة استثمارية عالمية”.

ومن المتوقع أن يُحسّن قرار إنهاء حظر القيادة -الذي يعد منذ فترة طويلة رمزاً فريداً للقمع على أساس الجنس في المملكة- سمعة السعودية في الخارج وأن يساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية. ومن المتوقع أيضاً أن تساعد الحركة المتزايدة للنساء الحكومة على تحقيق هدفها المتمثل في زيادة عدد العمالة من النساء ليصل إلى 30 بالمائة بحلول عام 2030، إلا أن الإصلاحات الاجتماعية الجذرية والمرحب بها إلى حد كبير اقترنت بسلسلة من العروض المثيرة للقلق من السلطة الأحادية المتمثلة في ولي العهد، ومن بينها عمليات إعادة التوزيع الواسعة لمسؤولي الحكومة البارزين فضلاً عن حملات القمع القاسية ضد المدافعين عن حقوق المرأة مما أدى إلى حالة من الهلع بين مجتمع النشطاء السعودي الصغير.

قضت هالة الدوسري سنوات في التنظيم جنباً إلى جنب مع هؤلاء المعتقلين، لكنها كانت في الخارج أثناء حملة الاعتقالات. قالت “كنا نعلم بأن نشاطنا يسبب الضغط، لكننا لم نفكر بأن الأمور ستتفاقم إلى هذا الحد. نشعر حالياً بضعف شديد. كما يشعر الكثير منا بأن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها الاستمرار في التعبير عن آرائهن تتمثل في الخروج من البلاد”. لكن في الشوارع، يبدو أن هذه الاعتقالات لم يكن لها أي تأثير يُذكر. فمن خلال عشرات المقابلات التي أُجْرِيت مع الرجال والنساء السعوديات في العديد من المدن، أقرّ عدد قليل فقط بمعرفة أي شيء عن عمليات الاعتقال.

قالت راما ناصيف -صاحبة مطعم في جدة وتبلغ من العمر 28 عاماً- إن القيادة ستجعل إدارة أعمالها أكثر سهولة. وأضافت “هناك دائماً مئات الأشياء التي يجب الاهتمام بها. ففي الوقت الحالي، إذا أردت التقاط شيء أو الاعتناء بمسألة ما في أحد المكاتب الحكومية، فسيكون بمقدوري ارتداء عباءتي والانطلاق”. إن السماح للنساء بالقيادة سيقلل أيضاً من الحاجة إلى سائق خاص – وهو القطاع الذي يصل تكلفته حالياً إلى 9 مليار دولار تقريباً داخل المملكة. ومع ذلك، تبرز الإثارة التي تشعر بها النساء السعوديات المساوئ التي عانين منها في ظل القوانين السابقة. وأردفت راما “كان من المفترض أن نقود طوال الوقت – فحتى وقتنا هذا، نحن النساء الوحيدات في العالم اللائي لا يمكنهن القيادة. ولكن بعد الرابع والعشرين من يونيو / حزيران، سأحظى بدرجة اخرى من الحرية، ويا له من شعور مذهل”. نظراً لأنها تبلغ من العمر 28 عاماً وتخرجت من جامعة بوسطن، مرّت راما بأوقات عصيبة لدى عودتها إلى الوطن بعد إنهاء دراستها بالخارج. “شعرت حقاً بالاكتئاب … لكنني أعتقد أن العام والنصف الماضيين منحنا الكثير من الأمل الذي لم يكن لدينا من قبل”.

وافقت رغد المرزوقي على ذلك، وهي امراة مفعمة بالحيوية من جدة، تبلغ من العمر 31 عاماً وشريكة في أحد مراكز اللياقة البدنية الجديدة الخاصة بالنساء. وعن تأرجح الحكومة بشأن الإصلاح قالت، “يحدث ذلك بشكل سريع للغاية”. بارتدائها حذاء الجري وعباءة مطرزة، جعلتها حماستها هذه تبدو أصغر سناً من 31 عاماً. “قبل خمس سنوات، لم أكن أتوقع كل هذا – حتى منذ عام، بعد أن سمعت كل وعود الحكومة، كنت متشائمة للغاية”. ومع ذلك، تغيرت الأحوال، على حد قولها، مستشهدة بالسلطة المتضائلة للشرطة الدينية في المملكة التي كُنّ يخشونها في السابق، والتقبل المتزايد لعمل الإناث فضلاً عن رفع الحظر عن القيادة باعتبارها أمثلة رئيسية. “والآن، يشبه الأمر أن تذهب إلى النوم ليلاً وتفكر، ما الأشياء الجديدة التي سأجدها عندما أستيقظ؟ ماذا سيحدث غداً؟”.

إن المفاجأة التي صاحبت هذه التغييرات الحادة تعتبر شديدة الفعالية بالنظر إلى معارضة الدولة التاريخية للتغيير الاجتماعي. فالاحتجاجات العامة قليلة ومتباعدة، وتسببت الحملات السابقة في عامي 1990 و2013 المتعلقة بحق المرأة في القيادة في فرض عقوبات قاسية على النشطاء لكنها أحدثت تغييرات سياسية ضئيلة. إلا إنه مع ظهور رؤية 2030، يبدو أن التقدم الاجتماعي – في ظل تأييد الحكومة –ممكناً فجأة.

مع ذلك، يشعر الآخرون بالقلق من أن إصلاحات الرياض القوية تأتي على حساب الحقوق المدنية والإنسانية. وذكر جمال خاشقجي، أحد الصحفيين السعوديين المنفيين اختيارياً حالياً، أن الحكومة حساسة للغاية تجاه النقد، وتزج بالمحافظين والليبراليين المجاهرين بآرائهم داخل السجون على حدٍ سواء. ويرغب محمد بن سلمان (MBS) في الانفراد بالقيادة. فليس هناك مجال لأي مصلح آخر، أو أي انتقاد لسياساته – وهذه هي الرسالة التي يبعث بها في الوقت الحالي”. في الخريف الماضي، قُبيل إعلان رفع حظر القيادة، أُلقِي القبض على أكثر من عشرين شخصية من الشخصيات الدينية والمفكرين في موجة من الاعتقالات الجماعية، على افتراض أنها محاولة استباقية لإسكات المعارضة حول الإصلاح. وفي الآونة الأخيرة، ابتداءً من 15 مايو / أيار، اعتقلت الحكومة العديد من الناشطات البارزات في مجال حقوق المرأة، ومن بينهن لجين الهذلول وعزيزة اليوسف وإيمان النفجان، وهنّ يقبعن داخل السجون ويواجهن تهماً بالخيانة تصل عقوبتها إلى 20 عاماً.

قضت هالة الدوسري سنوات في التنظيم جنباً إلى جنب مع هؤلاء المعتقلين، لكنها كانت في الخارج أثناء حملة الاعتقالات. قالت “كنا نعلم بأن نشاطنا يسبب الضغط، لكننا لم نفكر بأن الأمور ستتفاقم إلى هذا الحد. نشعر حالياً بضعف شديد. كما يشعر الكثير منا بأن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها الاستمرار في التعبير عن آرائهن تتمثل في الخروج من البلاد”. لكن في الشوارع، يبدو أن هذه الاعتقالات لم يكن لها أي تأثير يُذكر. فمن خلال عشرات المقابلات التي أُجْرِيت مع الرجال والنساء السعوديات في العديد من المدن، أقرّ عدد قليل فقط بمعرفة أي شيء عن عمليات الاعتقال. واقترحوا أن هؤلاء المنشقين من المحتمل أنهم ارتكبوا شيئاً فظيعاً يبرر اعتقالهم، فيما أعرب عدد قليل عن قلقه، إلا إنهم رفضوا الإدلاء بالمزيد من التعليقات.

في الوقت ذاته، جرى حجز جميع المواعيد في مدارس تعليم القيادة السعودية والمكاتب الحكومية بجميع أنحاء البلاد من قبل النساء المتلهفات للحصول على رخصهن. ومن المتوقع أن يبدأ 20 بالمائة تقريباً من النساء في السعودية – ما يقرب من 3 ملايين امرأة – القيادة بحلول 2020. لكن بالنسبة للبعض، تبقى التكاليف الحالية باهظة.

أفادت وسائل الإعلام المحلية بأن رسوم مدارس تعليم النساء القيادة تصل، في المتوسط، أعلى بستة أضعاف عن الخدمات المماثلة للرجال. وقالت أم مطلقة لديها ستة أطفال إنه على الرغم من أنها تسعى باستماتة للتخلص من نفقات سيارات الأجرة، إلا أنه “ما من سبيل للحصول على المال حتى أذهب أنا وابنتي إلى مدرسة تعليم القيادة”.

يبقى نظام الولاية من المواضيع المثيرة للجدل داخل المملكة، والذي يؤدي إلى إثارة نوبات من الغضب من البعض ونوبات من الصمت والتوتر من البعض الآخر. كما دعت العديد من الناشطات المعتقلات، ومن بينهن لجين الهذلول وعزيزة اليوسف وإيمان النفجان، إلى إنهاء هذا الأمر، وأسكت اعتقالهن البعض من زميلاتهن في تنظيم الحملات.

عجّلت آلاف النساء الأخريات من طلباتهن – وتجنبن الكثير من الرسوم اللازمة – وذلك باستبدال رخص القيادة الأجنبية الخاصة بهن برخص سعودية. فعلى تويتر، تكثر  صور النساء اللائي يحملن رخصهن السوداء والخضراء والرمادية، مقرونة بعدد من الوسوم باللغة العربية مثل “المرأة السعودية تقود السيارة” و”نعم تستطيع” و”بلادي، جذوري”. وفي وقت سابق من هذا الشهر، عندما نشرت سحر ناصف -امرأة من سكان جدة تبلغ من العمر 64 عاماً- صورة لها وهي تحمل رخصتها، علقت على هاشتاج آخر، باللغة العربية: “المرأة السعودية تطالب بإسقاط نظام الولاية”. يشير هذا الشعار إلى حملة متواصلة لإلغاء القوانين السعودية الخاصة بولاية الرجال، والتي تضع المراة تحت “ولاية” الرجل طوال حياتها. وقالت سحر “تعتبر هذه الحملة أكثر أهمية من حق قيادة السيارة”. ومع ذلك، فقد كانت حريصة لتضيف أن هدفها يتمثل في “العمل في إطار النظام” وأرجعت الفضل للحكومة ورؤية 2030 في هذه الإصلاحات الأخيرة. وأردفت قائلة “إنه عهد جديد”.

يبقى نظام الولاية من المواضيع المثيرة للجدل داخل المملكة، والذي يؤدي إلى إثارة نوبات من الغضب من البعض ونوبات من الصمت والتوتر من البعض الآخر. كما دعت العديد من الناشطات المعتقلات، ومن بينهن لجين الهذلول وعزيزة اليوسف وإيمان النفجان، إلى إنهاء هذا الأمر، وأسكت اعتقالهن البعض من زميلاتهن في تنظيم الحملات. وفي الوقت ذاته، تدافع النساء المحافظات والرجال عن هذه الممارسة على شاشة التلفاز ومن خلال الوسوم المضادة، ومن ضمنها “الولي يعرف أفضل My Guardian Knows Best”.

كما شاركت بعض النساء أيضاً في ردة الفعل المناهضة لقيادة النساء، بل وذهبن إلى حد حث الأخريات على البقاء داخل المنزل. وقالت راما ناصيف “اعتنقت الكثير من النساء الأفكار الخاطئة عن أنفسهن، إِذْ تعتقد بعض النساء بالفعل أنهن أقل قدرة من الرجال”. واستشهدت راما بالرسوم الكاريكاتورية المألوفة والكوميكس (الميمات) والنكات المتداولة عبر الإنترنت، مازحة من السائقات ومحذرة الرجال من البقاء في الشوارع بعد 24 يونيو / حزيران “من أجل سلامتهم”. وتخشى بعض النساء من أن يضايقهن الرجال على الطريق، ويخططن للانتظار عدة أشهر قبل القيادة “لمنح المجتمع بعض الوقت حتى يعتاد عليهن”، على حد قول إحدى المصرفيات في الرياض. وقالت راما إن تغيير المواقف الاجتماعية تجاه المرأة سيستغرق وقتاً أطول من تغيير القوانين. “لكن لا يمكننا السماح باستمرار تلك المواقف التي تتسم بالتحامل … إِذْ يتعين علينا أن نقاومها وأن نواجهها وأن نظهر أننا لا نجيد القيادة وحسب، بل وسنصبح أفضل منهم في ذلك”.

سارة عزيز

هذا الموضوع مترجم عن موقع the atlantic ولقراءة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي.