fbpx

سجال بين حاتم علي والياس الرحباني

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل كان على حاتم علي ألا يكون مخرجاً، وأن ينسحب من دورة الإنتاج الدرامي في سوريا؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 كتب الصديق مازن عزي على صفحته على “فايسبوك”: “حاتم علي كان مخرج جيد، عمل مجموعة مسلسلات نظيفة بالمعنى الاخراجي. تمام؟ بس حاتم كان جزء اساسي من صناعة الدراما السورية، اللي كانت بدورها وسيلة عند الطبقة الحاكمة لانتاج هيمنة ثقافية لإقناع المجموعات المهمشة subaltern بالانسجام مع قيم السلطة”.

والحال أن ما كتبه مازن يستدرج أيضاً تفكيراً بأحوالنا نحن الذين تفصلهم مسافات مشابهة عن المأساة السورية، ذاك أن ما يمكن أن نسميه “هيمنة ثقافية” قد ينسحب على كثيرين منا نحن المشتغلين في الكتابة والصحافة وضروب الفنون المختلفة، ناهيك بأن الهيمنة التي أشار إليها مازن، شملت أيضاً مختلف أوجه النشاط الأخرى من اقتصادي واجتماعي ومالي وزراعي وصناعي، فنصير والحال هذه أمام حقيقة أن رجل أعمال معارضاً من نوع رياض سيف مثلاً، كان يعمل أيضاً ضمن منظومة الهيمنة الاقتصادية والمالية للسلطة في سوريا، وهو إذ كان معارضاً علنياً لها، إلا أنه عزز هيمنتها عبر انخراطه في أعماله التي يُفترض أنها كانت جزءاً من دورة النظام الاقتصادية.

من المفيد والضروري إجراء مراجعة لعلاقتنا مع الهيمنة الثقافية والسياسية لهذه السلطة، ولكن في سياق السعي لفهمنا لأنفسنا ولتجربتنا، لا في سياق سجالي لا جدوى فعلية من الانخراط به. فرجل مثل حاتم علي انقطع عن الخضوع لهذه الهيمنة،

ما كتبه مازن دفعني للذهاب خطوة أبعد بفكرته، فأنا نفسي كنت محرراً لصفحة سياسية في صحيفة عربية لا تمت بخصومة للنظام في سوريا (الحياة)، وخلال عملي مع كتاب وصحافيين معارضين كان شرط الصحيفة أن يلتزم هؤلاء بالخط التحريري للصحيفة. مارست رقابة على مقالاتهم لم أمارسها على نفسي بالقدر نفسه، فكوني لبنانياً أعفاني من الشروط المشددة على الكتاب السوريين. وبهذا المعنى ساهمت بالهيمنة الثقافية التي ذكرها مازن.

سأنطلق بالنقاش من سؤال أوجهه لنفسي أولاً، ولمازن ثانياً، لكن أيضاً لأصدقاء مارست رقابة على مقالاتهم. هل كان علي ألا ألتزم بالقرار التحريري للصحيفة، وبالتالي أن أقطع علاقتي المهنية بهؤلاء، طالما أن الخيار الثالث وهو فرض أعمالهم على الصحيفة، لم يكن متاحاً؟

وجدتني أمام هذا السؤال عندما قرأت تعليق مازن. هل كان على حاتم علي ألا يكون مخرجاً، وأن ينسحب من دورة الإنتاج الدرامي في سوريا؟ قد يكون الجواب أن مخرجين مثل الراحل عمر أميرالي وأسامة محمد بقيا مخرجين ولم يعملا ضمن منظومة الهيمنة الثقافية للنظام، وهذا صحيح أيضاً، لكننا في حالة أميرالي ومحمد كنا أيضاً أمام السينما وأمام استعصاء السينما. فالتفاصيل التي يوردها أسامة عن دورانه حول نفسه وحول مؤسسة السينما في سوريا لكي تجيز فيلمه “نجوم النهار” تضعنا أمام استحالة السينما، وجرت وقائع مشابهة مع أميرالي أثناء تصويره فيلم “طوفان في بلاد البعث”، فقد راوغا مؤسسة السينما، وهذا فعل لن ينجحا بتكراره إذا ما أرادا إنتاج فيلم جديد.

واقعة الرحيل المأساوي للمخرج السوري في بلاد الشتات وعودة جثمانه إلى سوريا تحرض فعلاً على تفكير بمشهد العودة وبضرورة بلورة مفهوم لـ”حق العودة”.

لكن النقاش يجب أن يذهب أبعد أثناء تفكيرنا بسوريا وبثورتها، فالسوريون عندما خرجوا إلى الشوارع عام 2011، إنما فعلوا ذلك في وجه السلطة، ولكن أيضاً في وجه أنفسهم، هم الذين كانوا جزءاً من منظومة الهيمنة مثلما كانوا ضحاياها. في لبنان أيضاً كنا عندما نتظاهر ضد النظام السوري عام 2005، كنا نتظاهر ضد أنفسنا إذ كنا جزءاً من نظام الهيمنة على أنفسنا. هذه حقيقة ليست بدهية، ذاك أننا من غير المفترض أن نكون مدركين لفكرة أننا جزء من ماكينة الهيمنة، تماماً مثلما أنني لم أكن مدركاً لواقعة رقابتي على مقالات السوريين، وكنت أعتقد أنني أراوغ هذه الهيمنة عبر تمرير مقالات لمعارضين.

الثورة السورية فرضت وضوحاً وفرزاً يقترح كثيرون، ومن بينهم مازن سحبه على مرحلة ما قبل الثورة. وطبعاً من المفيد والضروري إجراء مراجعة لعلاقتنا مع الهيمنة الثقافية والسياسية لهذه السلطة، ولكن في سياق السعي لفهمنا لأنفسنا ولتجربتنا، لا في سياق سجالي لا جدوى فعلية من الانخراط به. فرجل مثل حاتم علي انقطع عن الخضوع لهذه الهيمنة، من خلال أعماله على الأقل، تمثل نقلته محطة للتأمل بهذه القطيعة أكثر مما تستدعي العودة إلى ما قبلها. علماً أن الرجل ولد ونشأ وتعلم وعمل في سوريا التي يهيمن البعث على كل شيء فيها، ومن القسوة مطالبته بالانفصال عما تمثله هذه الحقيقة من أقدار ووقائع ثقيلة، فهو لم يسقط على هذه المنظومة من قدر آخر على نحو ما فعل فنانون لبنانيون مثلاً عندما حلوا ضيوفاً على نظام البعث وكتبوا أناشيده. وللمصادفة يجري نقاش لبناني موازٍ حول رحيل الفنان الياس الرحباني الذي لحن للبعث نشيده، لكن البعث لم يكن قدر الرحباني مثلما كان قدر حاتم علي، لكنه كان خياره، وهنا فارق كبير.

واقعة الرحيل المأساوي للمخرج السوري في بلاد الشتات وعودة جثمانه إلى سوريا تحرض فعلاً على تفكير بمشهد العودة وبضرورة بلورة مفهوم لـ”حق العودة”. وهنا يحضر سؤال عن عودة حاتم علي إلى سوريا، فهو وان لم يكن له يد فيها، انما هي عودة مأساوية تحققت ضمن قبول ما بـ”هيمنة” أقسى وأعنف من هيمنة القيم الثقافية التي عمل الرجل في ظلها في مرحلة ما قبل الثورة. في سوريا واقع رهيب يتمثل بهزيمة سحقتنا جميعنا، فكيف نلملم شتاتنا في أعقابها. النظام لم ينتصر، ذاك أنه يترنح كل يوم بين أيدي أسياده الكثر، لكن هذا لا يخفف من وقع الهزيمة التي أصابتنا، والتي يجب أن نباشر في أعقابها بنقاش أنفسنا. بعضنا قرر أن يبتعد خطوة، ويباشر من هناك تأملاً بالمأساة السورية بوصفها جزءاً من مأساة إنسانية تتعدى سوريا، وفي هذا حكمة وعقل، أما نحن غير القادرين على الابتعاد مسافة منها لأسباب كثيرة بعضها عملي وبعضها شخصي وبعضها ثقافي، فمعنيون بالتفكير والعمل على “حق العودة” في ظل الهزيمة. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.