fbpx

قرصنة “القرض الحسن”: مودعون ومصارف في دائرة العقوبات؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“يحطّوا أسماءنا وين المشكلة”… في القانون، كل من يتعامل مع “القرض الحسن” أو غيره من المؤسّسات المُدرَجة على لائحة OFAC هو عرضة للعقوبات، لكن ذلك لا يعني بالضّرورة أنّه سيتأثر بتلك العقوبات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“نحن مجموعة Spiderz اخترقنا جمعية مؤسسة القرض الحسن وكل الداتا من ميزانيّات ومستندات الجمعيّة السّرّيّة ووضعناهم تحت تصرّفكم (…) اقتصاد حزب الله الموازي للإقتصاد اللبناني وابتزاز الحزب لمصادر الدولة أدى إلى انهيار الإقتصاد اللبناني. جمعية مؤسسة القرض الحسن ليست جمعية خيريّة بل مصرف حزب الله غير الشرعي خارج المنظومة الماليّة الرّسميّة اللبنانية”.

بهذه الكلمات خرجت مجموعة من القراصنة الإلكترونيّين، تطلق على نفسها اسم Spiderz، لتعلن عن هجوم إلكتروني شنّته على جمعيّة “القرض الحسن”، التي تُعتَبَر المصرف البديل لـ”حزب الله” ومركز عمليّاته الماليّة، وسرّبت أسماء وحسابات المودعين والمقترضين فيها مع تحذير واضح لهم ليسحبوا أموالهم قبل فوات الأوان.

“القرض الحسن” في الأساس هو “جمعيّة خيريّة لا تبغى الرّبح” يعود افتتاحها إلى ثمانينات القرن الماضي، إذ أسّسها “حزب الله” عقب الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وتم ترخيصها من قبل وزارة الداخلية اللبنانية عام 1987 بموجب علم وخبر 217/أ.د. ويعتمد نشاطها المصرفي على تقديم قروض صغيرة الحجم مقابل ضمان يكون في معظم الأحيان من الذهب. كما تقبل بتبرّعات ماليّة من رجال أعمال وأثرياء.

وعلى رغم إدراج وزارة الخزانة الأميركية لهذه الجمعيّة على قائمة العقوبات في نيسان/ أبريل 2016، بناءً على تشريع صادر عام 2015، إلّا أنّ نشاطها لم يتوقّف، حتى في ظل الأزمة الإقتصادية التي يعيشها لبنان منذ فترة. فقبل وقت ليس ببعيد، وضعت الجمعية ماكينات ATM في فروعها ليتمكّن المودعون أو المقترضون منها من سحب المال (بالدولار الأميركي) نقداً متى احتاجوا، وهذه الخطوة جاءت لتفادي وضع المحسوبين على بيئة “حزب الله” أموالهم في البيوت والخزنات المنزلية وهو ما يزيد من احتمالات ظهور عمليات السرقة، كما أن المال في البيوت يبقى جامداً غير مستثمر، بينما “القرض الحسن” قادر على تشغيل أموال الناس والاستفادة منها.

السياسات المصرفيّة المفروضة من مصرف لبنان المركزي والمتّبعة في المصارف اللبنانيّة كافّة، تدفع بعض المواطنين إلى اللّجوء لـ”القرض الحسن”، علماً أنّ الفئة الأكبر التي يستهدفها “القرض الحسن” هي من بيئة “حزب الله” والمجتمع الإسلامي الشّيعي، وبذلك يبدو المعيار الديني أساسياً في هذا الإطار. فبينما يعتمد النظام المصرفي اللبناني على الفوائد المرتفعة، والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى ما يقارب ثلث قيمة القرض أو نصفها، يقصد كثيرون جمعية “القرض الحسن” بسبب التزامها المعايير الإسلاميّة “الشّرعيّة”، لجهة الفوائد.

سارة اختارت الحديث باسم مستعار لأنها تخشى على اسمها من العقوبات. لكنها في الآن عينه تتحدث عن “القرض الحسن” بشيء من الامتنان، لأنه يؤمن لها الاقتراض بشروط سهلة مع تقديم تسهيلات للمقترضين: “ما في شروط للاقتراض، بترهني شي وبيعطوكي قرض مسهّل وانت عليك بس تدفعي كلفة المعاملات، والنقطة الأهم هي إنّو الطريقة اللي بيشتغل فيها القرض الحسن ما فيها إشكال شرعي وما في ربا وفوايد بينما البنك بيطلب ورقة معاش وبياخد فايدة قد ربع قيمة القرض تقريباً إذا مش أكتر”.

تؤكد سارة أن العقوبات الدولية لا تعنيها، فهي كما تقول تتبع خطّاً سياسيّاً معارضاً للولايات المتّحدة وسياساتها في المنطقة و”آخر همّي” عقوباتها: “يحطّوا أسماءنا وين المشكلة”.

يصعب العثور على من يقبل بالحديث في مقابلة صحافية عن إيداعه أموالاً في القرض الحسن مع ذكر اسمه الصريح. قَبِل أمجد ض. بالحديث عبر استخدام اسمه الأول والحرف الأول من اسم شهرته. اختار أمجد القرض الحسن بسبب السياسات التي يتبعها مع عملائه، لناحية مدة القروض وقيمة الفوائد. تسريب الأسماء لا يعني لأمجد شيئاً إذ يؤكد لـ”درج” أنّ التعامل مع القرض الحسن ليس معيباً ولا يستدعي الخوف، على قاعدة أنّ “ما نتحمّله في هذا البلد أصعب”. ومن باب “ردّ الجميل”، يؤكد أنّه لم يفقد ثقته بالجمعية بعد ما حصل معها ولن يتخلى عن التعامل معها أو يطلب سحب ذهبه المرهون لديها فتعامل القرض الحسن معه “كان متساهلاً جدّاً ومراعياً للظروف”، على حدّ وصفه. 

“شو ذنبي إذا هيك صار بالبلد، من أين استطيع تأمين الفرق الهائل في سعر الصرف وراتبي بالليرة اللبنانية؟”

في المقابل، تشكو مروى ق. من فرض القرض الحسن على عملائه المقترضين سداد ديونهم بحسب سعر صرف الليرة في السوق اللبنانية، وتقول: “احتجت إلى مبلغ من المال فرهنت قطعة من الذهب في الجمعية مقابل قرض كنت أسدد قسطه الشهري بالدولار، لكنّ ذلك كان قبل أزمة الدولار في لبنان وارتفاع سعر صرف الليرة، أمّا الآن فقد تغيّر الوضع”.

وعلى رغم تساهل الجمعية في أحيان كثيرة مع تأخّرها في الدفع على سعر صرف الدولار في السوق السوداء، إلّا أنها تعتبر أنه كان على الجمعية أن تحاسبها وفق سعر الصرف يوم اقترضت المال: “شو ذنبي إذا هيك صار بالبلد، من أين استطيع تأمين الفرق الهائل في سعر الصرف وراتبي بالليرة اللبنانية؟”.

على أن مروى تستبعد أن تطاولها العقوبات بعد تسريب أسماء المتعاملين مع “القرص الحسن”، وتعتبر أنّ الخوف ليس على المودعين الصّغار كما هي حالها، بل الكبار منهم. وتشعر بأن هؤلاء جميعهم “بالعين الموس”. وهو ما يمنعهم من التذمّر، فلا خيارات أخرى أمام من يملك المال ولا يثق بالنظام المصرفي اللبناني الذي نهب أموال المودعين.

إقرأوا أيضاً:

القراصنة كشفوا في تسريباتهم تفاصيل تتعلّق بقيمة القروض ونسبة السداد ومعلومات شخصية عن المقترضين وميزانية المؤسسة وفروعها لعامَيْ 2019 و2020، واعدين بكشف المزيد من المعلومات مستقبلاً، وداعين، عبر رسائل sms وصلت إلى هواتف المقترضين والمودعين، كل من يتعامل مع “القرض الحسن” إلى سحب ماله إذا كان مودعاً، أو التّوقّف عن دفع القروض إذا كان مقترضاً. لكنّ زبائن “القرض الحسن” عايشوا ظروفاً أقسى مع الجمعيّة ولم يفقدوا أموالهم فيها، لذلك هم اليوم واثقون بها وبأنّ أموالهم لن يمسها سوء. تقول سارة: “إذا الدهب راح رح يعوّضوا علينا شو رح تفرق معنا إذا انتشرت أسماءنا نحن عنّا ثقة بالقرض الحسن وبأكثر من تجربة العالم ما انظلمت. من بعد ما خلصت حرب تمّوز القرض الحسن عوّض عالعالم، وخيّرهم بين إنّو ياخدوا الدهب أو مصاري توازي قيمتها”.

في القانون، كل من يتعامل مع “القرض الحسن” أو غيره من المؤسّسات المُدرَجة على لائحة OFAC هو عرضة للعقوبات، لكن ذلك لا يعني بالضّرورة أنّه سيتأثر بتلك العقوبات. ولا شيء ينصّ على حظر سفر هؤلاء إلى أي مكان في العالم، ما عدا الولايات المتحدة التي سيكون لديها هي الخيار بين إعطائهم تأشيرة الدخول إلى أراضيها من عدمه، بحسب الخبير القانوني الدولي في الشؤون الإقتصادية المحامي علي زبيب.

هذا في المنحى القانوني، أمّا في المنحى الإجرائي، فمعظم هؤلاء هم خارج القطاع المصرفي وبالتالي التأثير الواقعي فيهم لن يكون كبيراً، تماماً كما حصل بموجب قانون منع التمويل الدولي لـ”حزب الله”، والذي أدرج فيه عدد كبير من المنتمين او المناصرين للحزب، لكنهّم لم يتأثروا لأنّهم في الأساس لا يملكون حسابات مصرفية في البنوك اللبنانيّة، كما يقول زبيب، الذي يذكّر بأنّ العقوبات هي “عقوبات اقتصادية وليست جنائية وبالتالي ينحصر تأثيرها بالموضوع الاقتصادي أي إخراج من تطاولهم هذه العقوبات من القطاع المصرفي”.

لكنّ أولئك الأشخاص قد يكونون عرضة للإخراج من القطاع المصرفي (في حال امتلكوا حسابات أو غير ذلك) وقد يواجهون صعوبة في التعامل ماليّاً مع أي شخص آخر، بحسب زبيب، إلّا أنّ معظمهم يعتبرون أنّ النظام المصرفي اللبناني سرق أموالهم ولم يُعطهم حق الوصول إليها وبالتالي هم أخرِجوا أصلاً منه أو أنّهم في الأساس لم يكونوا في داخل هذا النظام لأنّ وضعهم الاجتماعي والاقتصادي لا يسمح لهم بذلك.

في المقابل، ومع عدم حاجتنا إلى مناقشة القوانين الأميركية، إلّا أنّ القوة الاقتصادية التي تدفع هذه القوانين، تمنحها القدرة على الطلب من المصارف اللبنانيّة عدم التعامل مع أي مؤسسة في العالم لا تنصاع إلى قوانينها، وإن كان لا شيء يلزم لبنان بالقوانين الأميركية بشكل مباشر. ومن هنا تصبح المصارف اللبنانية مُلزَمة بحكم الواقع بالامتثال لهذه القوانين، يشرح زبيب. أمّا السلطات الرقابية اللبنانية المتمثلة بمصرف لبنان والسلطة السياسية المتمثّلة بالحكومات المتعاقبة التي أودت بلبنان إلى الهاوية الاقتصاديّة، فهي لم تلعب دورها الحقيقي في الدفاع عن المواطن بل على العكس أذلّته، حتّى أنّها لم تفكّر في التواصل مع الإدارة الأميركية لتوضيح التأثير السلبي لبعض القوانين التي تجبرنا على تطبيقها، ليس لأنها تطاول حزباً أو بيئة معيّنة، بل لأنّها تخلق ما يُسمّى بالإخراج المالي financial exclusion، الذي يؤدي إلى خلق نظام مالي متوازٍ ( parallel financial challenge  يشجّع الناس على التّهرّب الضريبي وتبييض الأموال.

وهذا ما يؤكّده أيضاً الخبير المالي والاقتصادي إيلي يشوعي الذي يوضح لـ”درج” أنّ القرار الأميركي لم يكن حكيماً ولم يؤذِ “حزب الله” بل حماه عندما منعه من التعامل مع مصارف كان من المعروف أنّها ستصل إلى مرحلة الإفلاس، و”بات فعليّاً اليوم أغنى جهة في لبنان لأنّه يعمل من خارج النظام المصرفي المنهار والمفلس ودولاراته سالمة وفي متداول يده، بينما دولارات الناس محجوزة في المصارف”.

التسريبات طرحت أيضاً أسماء عدد من المصارف اللبنانية اتّهمتها بالتّعامل مع “القرض الحسن”، منها “البنك اللبناني الكندي” و”جمّال ترست بنك” اللّذان أقفِلا قبل سنوات، إلى جانب مصارف أخرى كمصرف “الاعتماد اللبناني”، “الموارد”، “سوسيتيه جنرال”، “الكويت والعالم العربي”، “بنك الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، “فينيسيا بنك”، “لبنان والخليج”، “صادرات إيران”، “بنك مصر لبنان”، و”بنك بيبلوس”.

القرار الأميركي لم يكن حكيماً ولم يؤذِ “حزب الله” بل حماه عندما منعه من التعامل مع مصارف كان من المعروف أنّها ستصل إلى مرحلة الإفلاس.

وعلى رغم نفي “جمعيّة المصارف” هذه الادعاءات، ولاحقاً نفي “سوسيتيه جنرال” و”بنك بيبلوس”، إلّا أن مجموعة Spiderz عادت وأكّدت معلوماتها عبر نشرها رسائل من داخل حواسيب الجمعية موجّهة من جهتها إلى إدارة “سوسيتيه جنرال” مؤكّدة أن الجمعية “تدير حساباتها في البنوك اللبنانية تحت غطاء أسماء موطفيها”. كما نشرت صورة “إيصال من بنك بيبلوس لحساب الجمعية التي تدير حساباتها في البنوك اللبنانية تحت غطاء أسماء موطفيها”.

وفي حال إثبات هذه الادّعاءات، فقد تكون المصارف المذكورة عرضة للملاحقة القانونيّة أو العقوبات. كما أنّ تواطؤ هذه المصارف (إن أُثبِت) ينافي صراحةً ما أعلنه أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله في أحد خطاباته عندما قال: “ليست لدينا مشاريع تجارية أو مؤسسات استثمارية تعمل من خلال المصارف في البلاد”، وإن كانت الجمعيّة في القانون غير مملوكة للحزب في ما يتعلق بأوراقها وتسجيلها، ومن صلاحياتها (كجمعية) الإقراض الاجتماعي، بحسب زبيب. على أنّ الخلل القانوني في “القرض الحسن” كما يشرحه زبيب هو أنّ الشركات لا يمكنها أن تتعاطى أيّ أعمال ماليّة إلّا إذا كانت شركة مساهمة، لكن قانون الشركات يختلف عن قانون الجمعيات وهذه هي الفتوى القانونية التي استخدمها “القرض الحسن” لاستكمال عمله.

إقرأوا أيضاً: