fbpx

جزيرة الوراق المصرية… طرد واعتقالات من أجل “ناطحات سحاب حورس”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إذا كنت من أهالي الجزيرة أو سكانها، فلا خيار أمامك إلا التنازل عن أرضك مقابل أن تنعم بحريتك، باتت تلك سياسة الدولة إذ تلفق القضايا لسكان الجزيرة من أجل الضغط عليهم للتنازل عن أراضيهم ومنازلهم، بعد أن فشلت في الاستيلاء عليها بالقوة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“عيلتي كانت عايشة على إيرادات الموز اللي كنا بنزرعه داخل أرضنا اللي وارثينها أباً عن جد، وكانت بتضمنلنا دخل بيوفر حاجتنا الأساسية، لكن دلوقتي مش عارفين هنعيش منين بعد ما اقتحمت آليات ومجنزرات وقوات أمن الجزيرة، حزيران/ يونيو 2019، وقلعوا وجرفوا مساحات كبيرة من أراضي الجزيرة كان بينها زرع الموز بتاعنا”، يكشف علي محمود سعدون كواليس تجريف أرضه داخل جزيرة الوراق الواقعة وسط نيل العاصمة المصرية القاهرة. 

أقدمت قوات الأمن على تجريف مساحات واسعة من الأراضي بينها 20 فداناً تمتلكها عائلة سعدون، غير أنها فشلت في تجريف منزل وأراضٍ عائدة لآخرين، بينهم الحاج عواد أبو خلول، فاعتقلته وجميع أفراد أسرته وشرعت في هدم منزله وتجريف أرضه، قبل أن يتجمع أهالي الجزيرة ويواجهوا قوات الأمن وتنشب اشتباكات نتج عنها مقتل الشاب سيد طفشان متأثراً بإصابته بطلقات خرطوش في الوجه والبطن والصدر على يد قوات الأمن، وإصابة 19 آخرين من الأهالي، وأعلنت وزارة الداخلية أن الأحداث أدت إلى إصابة 31 شرطياً، وبناء عليه ألقت الشرطة القبض على العشرات من أهالي الجزيرة.

وفي الفترة الأخيرة، قضت محكمة جنايات القاهرة بالسجن المؤبد لمتهم، والسجن المشدد 15 سنة لـ30 آخرين، وحضورياً على 4 متهمين بالسجن المشدد 5 سنوات، إثر اتهامهم بـ”التجمهر، منع والتعدي على قوات تنفيذ قرارات الإزالة باستخدام أسلحة بيضاء والطوب والحجارة واستعمال القوة والعنف”.

حكاية عائلة سعدون وأبو خلول هي نموذج لقصص مشابهة تطاول حوالى 100 ألف مصري يقطنون جزيرة الوراق التي تبلغ مساحتها 1600 فدان تقريباً، إذ ترغب الحكومة في طردهم من الجزيرة من أجل تحويلها إلى منطقة استثمارية تجارية وسياحية تدعى “حورس”.

الجزيرة تثير شهية نجل الرئيس وأمراء خليجيين 

مخطط تطوير الجزيرة بدأ منذ عام 2000 عندما قررت الحكومة تحويل جزيرتي “الوراق والدهب” إلى المنفعة العامة للدولة، لكن حصل الأهالي على حكم قضائي يقضي بأحقيتهم في أرض الجزيرتين عام 2000، وفي 2006 اجتمع الرئيس الأسبق حسني مبارك ووزير الدفاع ووزير الإسكان لمناقشة خطة تطوير الجزيرة، وظهرت مخططات التطوير التفصيلية في 2010 باسم “مدينة حورس”، وأعاد رئيس الوزراء الحالي مصطفى مدبولي حينما كان يشغل منصب وزير الإسكان، خلال 2014، إحياء مشروع تطوير الجزيرة، وحدثت بعدها مواجهات بين الحكومة والأهالي خلفت إحداها قتيلاً و19 مصاباً بين الأهالي، و31 مصاباً من قوات الأمن. 

أهالي الجزيرة في حصار شامل منذ 26 شهراً تقريباً، إذ أصبح دخول الجزيرة والخروج منها محفوفاً بالمخاطر، بخاصة في ظل تلفيق القضايا والملاحقات الأمنية المستمرة ضد الأهالي، فجميع القضايا ضد أهالي الجزيرة مُدرج فيها العدد متبوعاً بجملة “وآخرين جاري تحديدهم”، وهذا يعني أن كل أهالي الجزيرة معرضين في أي لحظة للاعتقال

يضيف حسن لـ”درج”، إن تدخل الهيئة الهندسية للقوات المسلحة في المفاوضات وعمليات الإخلاء والجلسات والمناقشات يثير الريبة، فما مصلحتها في هذا الأمر؟ يسأل عضو مجلس عائلات جزيرة الوراق. 

ألف عام من الحياة على الجزيرة 

نعيش على هذه الجزيرة منذ ألف عام ولدينا عقود ملكية موقعة من الحكومة منذ عام 1902 وامتلكنا الجزيرة بالكامل خلل عام 1932، بعدما قرر الملك فؤاد الأول تمليك الأجزاء غير المملوكة منها للأهالي لتشجيعهم على الاستمرار في إنتاج المحاصيل الزراعية ذات الجودة العالية التي تساهم بها الجزيرة في سلة الحاصلات الزراعية المصرية. الحكومة لا تملك إلا 55 فداناً من أصل 1600 فدان مساحة الجزيرة، 50 فداناً تملكها وزارة الأوقاف يزرعها الأهالي مقابل سداد رسوم إيجار سنوي لمصلحة الوزارة، و5 فدانات تملكها وزارة الري، فكيف تريد الحكومة طردنا من الجزيرة وهي ملك لنا أباً عن جد؟ ألا يكفيها أننا نعيش بلا أي خدمات آدمية؟ يقول محمود مغربي عضو مجلس عائلات الجزيرة لـ”درج”.

إقرأوا أيضاً:

الحرية مقابل التنازل عن الأرض 

إذا كنت من أهالي الجزيرة أو سكانها، فلا خيار أمامك إلا التنازل عن أرضك مقابل أن تنعم بحريتك، باتت تلك سياسة الدولة إذ تلفق القضايا لسكان الجزيرة من أجل الضغط عليهم للتنازل عن أراضيهم ومنازلهم، بعد أن فشلت في الاستيلاء عليها بالقوة، فعلى مدار العامين الماضيين لفقت الدولة مئات التهم والقضايا لأبناء الجزيرة، لا لذنب اقترفوه إلا التمسك بحقوقهم التي كفلها لهم الدستور والقانون، وأصبح هناك شخص مطلوب للحكومة داخل كل عائلة من عائلات الجزيرة، وفقاً لعضو مجلس عائلات الجزيرة حسن مصطفى. 

يضيف: “أكثر من 700 محضر ري حُكم فيها على أبناء الجزيرة، 22 شخصاً يحاكمون أمام محكمة أمن الدولة طوارئ في قضايا تظاهر، 35 شخصاً صدرت بحقهم أحكام من محكمة الجنايات بتهمة التعدي على قوات الأمن أثناء اقتحام قوات الشرطة للجزيرة، 25 متهماً بالتظاهر تنظر النيابة في أمرهم الآن، وهناك محضر آخر متهم فيه 12 من أبناء الجزيرة، علاوة على اعتقال 5 من أبناء الجزيرة الذين يعارضون بشدة قرارات الحكومة، والشهيد سيد طفشان الذي قُتل برصاص قوات الأمن، دفاعاً عن أرضه وأرض أجداده”.

22

شخصاً يحاكمون أمام محكمة أمن الدولة طوارئ في قضايا تظاهر

26 شهراً من الحصار 

يؤكد حسن أن أهالي الجزيرة في حصار شامل منذ 26 شهراً تقريباً، إذ أصبح دخول الجزيرة والخروج منها محفوفاً بالمخاطر، بخاصة في ظل تلفيق القضايا والملاحقات الأمنية المستمرة ضد الأهالي، فجميع القضايا ضد أهالي الجزيرة مُدرج فيها العدد متبوعاً بجملة “وآخرين جاري تحديدهم”، وهذا يعني أن كل أهالي الجزيرة معرضين في أي لحظة للاعتقال، وهو ما حدث مع الشيخ ناصر أبو العينين أحد رموز عائلات الجزيرة، الذي اعتقل أثناء عودته من الحج، آب/ أغسطس 2019، وأسامة شاهين الذي اعتقل من أمام المحكمة أثناء حضوره لمؤازرة “أبو العينين” في إحدى جلسات تجديد حبسه.

قضية بلا أحراز أو مضبوطات 

محامي أهالي الجزيرة سيد محمد قال في تصريحات صحافية، إن “الحكم قاس جداً ولا يتناسب مع قضية لا تتضمن أحرازاً أو مضبوطات”، مضيفاً: “أغلب إصابات الشرطة كانت اختناقاً من الغاز أو كدمات أو إصابات بالخرطوش، وهم اللي كان معاهم السلاح مش الأهالي، فيه 9 من المتهمين كانوا مصابين واتاخدوا من المستشفيات، واتحطوا في القضية وخدوا إخلاء سبيل بعد 3 شهور، وفيه واحد من الأهالي اتقتل في الجزيرة، وماحدش اتوجهله اتهام بالقتل، وهناك عدد من المتهمين هم من كبار عائلات الوراق ممن مثلوا الجزيرة وتفاوضوا مع الدولة أو تحدثوا إعلامياً، وتمت إضافتهم للقضية لاحقاً استناداً إلى محاضر التحريات”.

ماذا يريد الأهالي؟ 

يؤكد محمود مغربي عضو مجلس عائلات الجزيرة، إن أهالي الجزيرة يعيشون بلا خدمات وهم أول المرحبين بتطوير الجزيرة وتحسين الخدمات فيها، لكنهم يريدون الاستمرار في البقاء بها فلا يحق لأحد أن يطردهم منها، مقترحاً تخصيص جزء من مساحة الجزيرة للأهالي الراغبين في البقاء، على أن تُبنى لهم وحدات سكنية تناسب التخطيط الموضوع للجزيرة، حتى لا تؤثر في المظهر الحضاري للمخطط الموضوع ككل.

وأضاف مغربي أنه ينبغي على الحكومة أن تقيم أسعار الأراضي والمنازل بأسعار عادلة تتناسب مع الأوضاع الاقتصادية الحالية، وينبغي لأهل الجزيرة أن يستفيدوا من مخططات تطوير الجزيرة.

مخطط التطوير 

مخطط تطوير الجزيرة يضم مساحة 620 فداناً بما يعادل 44.2 في المئة من إجمالي مساحة الجزيرة للحدائق العامة وتضم ممشى ترفيهياً وآخر رياضياً ومراكز تجارية، ومتحفاً للفن المعماري الحديث، كما يتضمن المخطط إقامة منطقة “مارينا حورس” على مساحة 50 فداناً، وتمثل 3.5 في المئة من إجمالي المساحة، إلى جانب أبراج “مارينا حورس” على مساحة 230 فداناً وتمثل 16.4 في المئة من إجمالي مساحة الجزيرة، وتضم فنادق، ومراكز أعمال ومراكز تجارية، علاوة على قرية “حورس السكنية”، التي تقام على مساحة 200 فدان وتمثل 14.3 في المئة من مساحة الجزيرة، وتنقسم إلى 70 فداناً مشاريع إسكان، و130 فداناً لإعادة توطين السكان الذين سيفضلون البقاء في الجزيرة، ويشمل المخطط أيضاً قاعة مؤتمرات حورس، وفنادق 7 نجوم، وقطاع أعمال تجارية، ومهبطاً للطائرات الهليكوبتر، وفقاً لما نشرته شركة “كيوب” للإنشاءات.

وحتى انتهاء المشاريع وحتى ينتبه المعنيون إلى أن الجزيرة تعني حياة ناس، وليست مجرد موارد وناطحات سحاب، سيبقى مستقبل آل سعدون وأبو خلول غامضاً، وسيكون عليهم البحث عن طريقة للبقاء على قيد الحياة وكسب قوت أيامهم.

إقرأوا أيضاً: