fbpx

اقتحام الكونغرس: دونالد ترامب إذ يذكرنا بهجوم 11 سبتمبر!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ولاية ترامب الرئاسية أشبه بطائرة تحاول ضرب رمزية المؤسسات الأميركية، وتحاول أن تسقط برج الديموقراطية بطريقة انتحارية لا تخلو من جنون العظمة، مع فارق أساسي وخطير عن 11 أيلول: الكوميديا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على خلاف كثيرين، لم يحلني الانطباع الأول لمشهد اقتحام الكونغرس الذي نفذه أنصار دونالد ترامب، اعتراضاً على نتائج الانتخابات وتنصيب جوزف بايدن، إلى مقارنة ساخرة مع الديكتاتوريات وسلوك شبيحتها في عالمنا العربي. ما فكّرت فيه مع صور الاقتحام الأولى، والتصريح الذي خرج عن الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش عن أن ما حدث في الكونغرس لا يليق إلا بـ”جمهوريات الموز”، هو 11 أيلول/ سبتمبر 2001. تذكّرتُ هذا اليوم وكيف تلقيتُ الصور الأولى عن تلفزيون أحد الدكاكين في أسواق مدينة النبطية (في جنوب لبنان) حيث تجمع الناس للمشاهدة، ولم يكن هنالك يومها لا هواتف خليوية ذكية ولا انترنت موصول عليها. كنّا مجرّدين من التكنولوجيا، وعلى جهاز تلفزيون قديم وصغير رحنا نشاهد البرجين وهما ينهاران بعد اصطدام طائرتين بهما. سمعتُ حينذاك من المتحلّقين حول التلفزيون من كبار السنّ الذين مرّت عليهم في منطقتنا حروب ونكسات ونكبات كلاماً مفاده أن هذا الهجوم سيكون نهاية “أمريكا”، وكان كثيرون يلفظونها هكذا، بتقديم الراء على الياء وتسكينها. كانوا يقولونها وفي عيونهم لمعة تجمع بين الشماتة بـ”أمريكا”، وبين الخوف من تبعات ما يحدث هناك، حتى ليخال المرء منا في النبطية أنه ينظر إلى أعلى، خوفاً من نزول ركام من مبنيي التجارة العالمية على رؤوسنا.

كانت “أمريكا” تلك عملاقة وبعيدة وما كانت لتظهر على شاشاتنا المحلية الصغيرة والكبيرة إلا من خلال الأفلام الهوليوودية أو الأخبار المصيرية التي تؤثر في السياسات الخارجية الأميركية، وبالتالي تؤثر في مصائرنا ومستقبلنا. تذكّرت 11 أيلول لأن متلقي هذا الحدث في منطقتنا، أدرجوه، لهول وقعه وفداحة خسائره على العملاق الأميركي، في سيناريو نهاية “الشيطان الأكبر”. وقرأت وسمعتُ مع اجتياح أنصار ترامب الكونغرس كلاماً مماثلاً عن نهاية الديموقراطية الأميركية وتفككها وانهيارها. والكلام نفسه، منذ ما يقارب العشرين عاماً، يتكرر اليوم من البيئة نفسها، بلغة مشبعة بالشماتة، يُراد لها أن تشبع تمنيات ليست في متناول اليد بتدمير الولايات المتحدة وهزيمتها، ولتستحيل هذه التمنيات، مع 11 أيلول إلى دمار ينتقل مع جنون جورج بوش إلى العراق عام 2003 لم تنته تداعياته إلى اليوم، ومع اقتحام الكونغرس إلى خيبة أمل كبيرة مع ظهور صلابة الديموقراطية الأميركية في حماية نفسها من الجنون الداخلي الذي فجّره دونالد ترامب بشخصيته المضطربة مع خسارته في الانتخابات الرئاسية.

لم تدمّر طائرات تنظيم القاعدة التي شنت الهجوم على برجي التجارة والبنتاغون “أمريكا”، وكان نظرنا إلى الأعلى في النبطية تحوّطاً من الشظايا التي يمكن أن تطاولنا ونحن على بعد آلاف الكيلومترات من الحدث في مكانه، إذ ما لبثت أن وصلت شظايا أحداث 11 أيلول إلينا في بيوتنا مع تداعيات حرب العراق المستمرة إلى يومنا هذا. مرّت “أمريكا” هذه منذ الـ2001 بمراحل وتغييرات وتحديات كبيرة كانت تزيد يوماً بعد يوم من تماسك ديموقراطيتها، على رغم حركة الصعود والهبوط في “بورصة” سياساتها الخارجية، وعلى رغم الأزمات الاقتصادية التي عصفت بها، والحروب التي خاضتها ضد الإرهاب وتورّطها في صراعات في غير مكان من الكرة الأرضية للحفاظ على نفوذها وسطوتها. ومع ذلك بقي 11 أيلول هو الحدث الأكثر رمزية والأكثر خطورة على صورة الجبروت الأميركية في الألفية الثالثة، وهو حدث يكاد يغطي على الحدث الأبرز الذي أيقظ المارد الأميركي في الحرب العالمية الثانية وهو الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر. في أجيالنا نحن، ستكون حاضرة لوقت ليس بقصير صورة 11 أيلول بما تمثله من ضربة قاسية لأميركا الحديثة. وسيكون هناك دونالد ترامب مع الصور التي طبعتها ولايته في الذاكرة. ولاية ترامب الأخيرة هي بمثابة 11 أيلول جديد امتد لأربع سنوات.

تذكّرت 11 أيلول لأن متلقي هذا الحدث في منطقتنا، أدرجوه،

لهول وقعه وفداحة خسائره على العملاق الأميركي،

في سيناريو نهاية “الشيطان الأكبر”.

ولاية ترامب الرئاسية أشبه بطائرة تحاول ضرب رمزية المؤسسات الأميركية، وتحاول أن تسقط برج الديموقراطية بطريقة انتحارية لا تخلو من جنون العظمة، مع فارق أساسي وخطير عن 11 أيلول: الكوميديا. في شخصية ترامب شيء من التداخل بين التهريج وجنون العظمة والعناد السياسي. وهذا على غرار ما خبرنا مع شخصيات مشابهة في عالمنا العربي، يبعث على الضحك، مع أنه في الآن عينه مصنع للقتل المجاني والتدمير. ألم نضحك طويلاً وكثيراً على سلوك معمّر القذافي وصدام حسين، فيما هما تركا مئات آلاف الضحايا الذين سقطوا في مجازر جماعية لإشباع جوعهما إلى الدماء والقتل؟ ألم ننسج هنا في لبنان آلاف النكات على سلوك رئيسنا ميشال عون، المعجب بصدام حسين ودونالد ترامب، والذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه من نهايات تعيسة في عهده بسبب طموحاته السياسية التي لا تهتم لشيء سوى الوصول إلى الكرسي والالتصاق به؟ كان يفترض أن ينسج هذا المقال مقارنات ساخرة بين ترامب وسلوك جمهوره وبين ديكتاتورياتنا العربية وشبيحتها. لكن “المشهد مبكي هنا” على ما تقول جملة شهيرة نطقت بها على الهواء مراسلة تلفزيونية وهي تغطي التهام النيران الغابات والمنازل في نهاية عام 2019 في لبنان. “المشهد مبكي هنا”، في بلادنا ونحن نسخر من الديموقراطية الأميركية التي أوصلت ترامب إلى سدّة الرئاسة وجعلت من أميركا أضحوكة العالم في الأعوام الأربعة الماضية. المشهد ليس مضحكاً. لأن كثيرين هنا، ضحكوا وشمتوا بـ”امريكا” في 11 أيلول 2001 وتنبأوا بسقوطها الوشيك، فانتهى بنا الأمر في سقوط حر منذ ذلك التاريخ حتى تجاوزنا القعر في لبنان والدول العربية التي كان يحكمها أساتذة لدونالد ترامب في البلاهة والجنون. وكما الحال مع تداعيات 11 أيلول، ستتجاوز “أمريكا”، ولو ببطء، الدمار الذي خلّفه دونالد ترامب في بنيتها الدستورية والاجتماعية والاقتصادية. وسنكون نحن المتلقّين للحدث على شاشاتنا عرضة للتداعيات. ستلفظ الولايات المتحدة “التهاباتها” الداخلية لتنفّس عنها في الخارج بعد الشفاء من دونالد ترامب، كما فعل المحافظون الجدد في حربهم مع الإرهاب وفي اجتياحهم العراق وإسقاطهم صدام حسين. “المشهد مبكي هنا”، لكننا “مساكين بنضحك من البلوى”، على ما تقول أغنية للشيخ إمام من كلمات نجيب سرور. نضحك على “أمريكا” ونحن نشاهدها من خارج مدرّجات الجمهور، عبر هواتفنا “الذكية”، وننظر دائماً بحذر إلى أعلى، خوفاً من سقوط شظايا على رؤوسنا التي لا تقيها خيمة ديموقراطية ولا قبّة حديدية ولا من يحزنون!

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.