fbpx

ما سر الموقف “الولائي” من اللقاح؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تحضر الأيديولوجيا حين يغيب العقل، لكن لم يسبق أن اصطدمت الأيديولوجيا على نحو مباشر وجلي مع منتج علمي شديد الوظيفية، فما الذي دها بعقلها هذه المرة؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ثمة ما يجب أن يُفكَر به في علاقة حزب الله، ومن ورائه أهل ولاية الفقيه، باللقاح. فأمين عام حزب الله حسن نصرالله عندما قال أنه لن يأخذ اللقاح اذا كان من صنع أميركا، استبق الموقف الأكثر وضوحاً لمرشد الجمهورية في ايران علي خامنئي الذي عاد وأعلن أن ايران لن تستورد اللقاحات الأميركية والبريطانية، ولن تقبل بأن يكون مواطنوها مختبراً تجريبياً.

اذاً المسألة جزء من تصور قررت “ولاية الفقيه” فرضه على الإيرانيين، واقتراحه على اللبنانيين والعراقيين. هي فكرت به وقررته وصاغته في وجهة وخطاب، بدأه نصرالله في بيروت وثبته خامنئي في طهران. والبحث عن سر هذا القرار قد يكون مفيداً لنا نحن أبناء المجتمعات الخاضعة لخيارات ولاية الفقيه. ففي حيثيات الموقف الولائي من اللقاح انعدام هائل للمنطق وللعقل يملي التوقف عنده والبحث عن أسباب أخرى له. نصرالله قال أنه لن يأخذ دواء أميركياً. والرجل مُطاعٌ ومُقَلد، بالتالي فإن آلافاً من مُطيعيه سيحذون حذوه!

لكن شركة بفايزر الأميركية تنتج أيضاً معظم أدوية مرض السرطان، ومئات من أصناف الأدوية المتداولة في لبنان والتي لا بدائل لها، وهذه لم يدعو نصرالله لمقاطعتها! خامنئي أيضاً جانب الصواب عندما قال أن الشركات الأميركية والبريطانية تريد أن تختبر اللقاح على الإيرانيين قبل أن تبدأ بإعطائه لمواطني بلادها، ذاك أن التلقيح في بريطانيا وأميركا بدأ منذ أكثر من شهر، في حين من غير المتوقع أن يبدأ في ايران قبل الربيع المقبل!

تحضر الأيديولوجيا حين يغيب العقل، لكن لم يسبق أن اصطدمت الأيديولوجيا على نحو مباشر وجلي مع منتج علمي شديد الوظيفية، فما الذي دها بعقلها هذه المرة؟ ربما كان البحث عن سبب سياسي مباشر يختبىء خلف هراء الأيديولوجيا أمراً مفيداً. وبما أننا لا نملك معلومات صلبة عن الخصومة التي تربط ولاية الفقيه باللقاح، فعلينا أن نستعين على قضاء حاجتنا بالتوقع.

اذاً ثمة قطبة مخفية في الموقف من اللقاح. مسار الحملة الولائية عليه ليس مصادفة، وهي حملة بدأت تجد لها أصداء على ضفاف أهل الولاية وفي محيطهم الأبعد. فها هو رئيس التيار الوطني الحر المسيحي اللبناني والمعاقب أميركياً، جبران باسيل يدعو إلى تنويع مصادر اللقاحات، علماً أن أحداً في لبنان لم يقترح حصر اللقاحات بجهة واحدة، فيصير افتعال الدعوة للتنويع من قبل الحليف غير الشيعي لولاية الفقيه، محاولة للتجاوب مع خيارات المقاطعة لمن يريدها. والأمر لم يقتصر على باسيل، فالآلة الإعلامية لمحور الممانعة بدأت بدورها ببلورة خطاب ضد اللقاحات “الغربية”، وبدأ تمرير خبر عن لقاح إيراني، ناهيك عن الانحياز للقاحين الروسي والصيني. علماً أن لا تنافس حتى الآن بين اللقاحات، ذاك أن الطاقة الاستيعابية لهذا المنتج هائلة وتتسع لمئات الأصناف من اللقاحات. فنحن نتحدث عن ثمانية مليارات إنسان، في وقت لم تصل الكميات المنتجة من قبل كل الشركات مجتمعة إلى واحد في المئة من هذا الرقم.

تحضر الأيديولوجيا حين يغيب العقل، لكن لم يسبق أن اصطدمت الأيديولوجيا على نحو مباشر وجلي مع منتج علمي شديد الوظيفية، فما الذي دها بعقلها هذه المرة؟ ربما كان البحث عن سبب سياسي مباشر يختبىء خلف هراء الأيديولوجيا أمراً مفيداً. وبما أننا لا نملك معلومات صلبة عن الخصومة التي تربط ولاية الفقيه باللقاح، فعلينا أن نستعين على قضاء حاجتنا بالتوقع. 

ثمة اجماع في المجتمعات العلمية على أن اللقاح، وتحديداً لقاح بفايزر، هو انجاز علمي هائل واستثنائي. هذا الإنجاز، اذا لم يحسب لأميركا، فهو انجاز للثقافة العلمية الغربية. هذا ما يشعر به أهل الولاية على الأرجح، وهو شعور ليس دقيقاً، ذاك أنه انجاز انساني تضافرت على تحقيقه عناصر كثيرة، وهو امتداد لبحوث ساهم فيها علماء من كل أصقاع الكوكب. 

الولاية والحال هذه تضع نفسها في مواجهة العلم وفي مواجهة الكوكب، وما انتفاضها في وجه اللقاح، غير المبرر منطقياً وعلمياً، سوى رفض لنجاح تتوهم أن أهله خصومها! “الغرب رجس من عمل الشيطان”، هذه القناعة اذا ما مورست، تضع أهل مجتمعات الولاية في مواجهة أهل الكوكب. ونحن في لبنان لحس وجودنا شيء من هذه القناعة وشيء من تبعاتها الكارثية، لكنها ستلحس وجوه حوالي ٩٠ مليون إيراني، وربما نصفهم من العراقيين. الأيديولوجيا لن تقبل بأن تبقى أفكاراً يعبر عنها على المنابر، وهي ستسعى لأن تتحول واقعاً. رفض اللقاحات الأميركية والبريطانية خطوة جديدة لم يسبقها رفض لأدوية الأمراض الأخرى، ومعظمها أميركي وغربي. 

اذاً هو مستوى جديد وغير مسبوق من “المواجهة” التي تقترحها علينا الولاية.  

إقرأوا أيضاً: