fbpx

كيف تخوض الناصرية الانتخابات النيابية وهي “منزوعة الأحزاب”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وحدها الناصرية وساحتها الشهيرة (الحبوبي) لا تزالان تشهدان أحداثاً ساخنة ومواجهات بين القوات الأمنية والمحتجين المطالبين بالإفراج عن المعتقلين وإقالة الفاسدين والرافضين عودة الاحزاب الى عملها السياسي في الناصرية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعدما كان مبنى “منظمة بدر” في مدينة الناصرية العراقية، مركز محافظة “ذي قار”، يعجّ بالمؤيدين والمريدين والندوات وتحشيد الجماهير لانتخاب مرشحيه، أصبح منذ أكثر من عام عبارة عن كومة من الأنقاض المحترقة والجدران المهدمة، بعدما كان مع مكاتب الأحزاب الأخرى ومقار الفصائل المسلحة هدفاً للمحتجين إبان الحركة الاحتجاجية لعام 2019، بالحرق تارة والتجريف طوراً، تحقيقاً لهدف المحتّجين إعلان الناصرية “مدينة منزوعة الأحزاب”.  أقدم المحتجون على إحراق مكاتب تلك الأحزاب ومقار الفصائل المسلحة وأبرزها “حزب الدعوة الإسلامية” بشقيه، ما يسمى بـالمقر الرئيسي وتنظيم العراق، وتيار الحكمة وعصائب أهل الحق ومنظمة بدر والحزب الشيوعي وحزب الطليعة وسرايا الخراساني وحركة “حزب الله” في العراق وجناحها العسكري، لتبدأ بعدها بفترة حالات التصعيد الاحتجاجي بتجريف بعض المراكز التي استهدفت ميليشياتها ساحة التظاهر في الناصرية.

مع قرب الموعد الأولي للانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة المزمع عقدها في حزيران/ يونيو المقبل، لم تظهر أي بوادر للتحشيد الانتخابي حتى الآن في مدينة الناصرية من قبل الأحزاب المشاركة في العملية السياسية، كما هي عادتها في كل دورة انتخابية، فيما شهدت بقية المحافظات زيارات مكوكية لبعض قادة الكتل في محاولة للترويج لأحزابهم ومرشحيهم.

هذه المدينة الجنوبية والتي تعد رابع محافظة عراقية بعدد سكانها الذي ناهز المليوني نسمة تتمثل في البرلمان العراقي بـ19 مقعداً، وهذا الأمر يؤمن الفرصة لمن يظفر بمقاعدها في البرلمان في فرض إيقاعه على المدينة، لكنها حتى الآن، لم تشهد أي زيارة لمسؤولي تلك الأحزاب إلى مركز المدينة كما كانت العادة في السنوات الماضية، كما لم “يجرؤ” بعد أي حزب أو فصيل على تعليق لوحة أو لافتة أو راية انتخابية، خوفاً من رد فعل الشباب المحتج.

“الانتخابات المقبلة ستكون ساحة للتنافس في البرامج الانتخابية المقدمة من الكتل السياسية”.

المحلل السياسي أحمد الحداد يرى أن لا مستقبل للأحزاب السياسية الشيعية في العراق والتي بلغ عددها حتى الآن 235  في المنافسة على مقاعد مدينة الناصرية، فالسنوات الـ17 التي تلت الاحتلال الأميركي وتغيير نظام الرئيس السابق صدام حسين لم تعمل على تحسين المستوى الاقتصادي والخدمي للمدينة التي تصنف على أنها مدينة نفطية، إذ يبلغ إنتاجها النفطي قرابة الـ200 ألف برميل في اليوم الواحد، ومع ذلك يمكن وصف الناصرية بأنها مدينة فقيرة.

أجندات معظم الأحزاب السياسية في العراق خارجية، ولا يفسح قانون الأحزاب السياسية بحسب ما تعمل به المفوضية العليا المستقلة للانتخابات للاحزاب الناشئة بالإطلالة برأسها، إذ يفرض ضوابط قد تكون حجر عثرة أمام أي حزب ناشئ منبثق عن المحتجّين، اذ يشترط القانون جلب تأييد من 2000 شخص مؤهلين للانتخاب، ليكونوا أعضاء في الهيئة العامة للحزب وغير منتمين إلى احزاب أخرى مع رسوم مالية تبلغ 25 مليون دينار عراقي.

الناشط حسين الغرابي يرى أن الكتل السياسية غير جادة في إجراء الانتخابات حتى وإن حددت الحكومة موعداً لذلك، إذ لم يُطرح قانون الانتخاب على رئاسة الجمهورية والبرلمان لغرض التصويت عليه وإقراره.

ويرجّح الغرابي أن تنتهج الأحزاب السياسية الحاكمة للمرحلة الانتخابية المقبلة منهج “التجييش الطائفي”، بعدما فقدت الكثير من جمهورها في مدينة الناصرية وبقية المدن الجنوبية، معتبراً أن ما يحصل من تضييق الخناق على المحتجين بأساليب مختلفة بالقبض عليهم أو استهداف منازلهم بالعبوات الناسفة، هو الخطوة الأولى لعودة تلك الأحزاب إلى نشاطها السياسي داخل الناصرية.

إقرأوا أيضاً:

ممثلو الأحزاب السياسية في البرلمان العراقي يرون أن إحراق مقارهم في الناصرية كان مدفوع الثمن، إذ يرى النائب كاطع الركابي عن “ائتلاف دولة القانون” التابع لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، أن عملية إحراق مقار “حزب الدعوة الاسلامية” والأحزاب الأخرى خلال الحركة الاحتجاجية، كانت بتحريض مشبوه، وأن “الانتخابات المقبلة ستكون ساحة للتنافس في البرامج الانتخابية المقدمة من الكتل السياسية”.

أما النائب ستار الجابري عن “تيار الحكمة الوطني” التابع لـ”عمار الحكيم”، فيشير إلى أن الكتل السياسية في العراق تعرضت لتراجع في مستوى التأييد عند جمهورها في الشارع، إبان احتجاجات تشرين التي اجتاحت المدن العراقية، إلا أنه أن تياره السياسي أقل تضرراً من بقية التيارات والكتل، وأزمة الثقة ما زالت قائمة بين الأحزاب السياسية والجمهور، مرجحاً تأجيل الانتخابات بضعة أشهر لأسباب فنية ولوجستية خاصة بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات.

القانون الانتخابي الجديد بحسب الجابري سيعتمد على جمهور المرشح ومدى قبوله بين الناس، فلا يمكن الاعتماد بشكل نهائي على تنظيمات الأحزاب السياسية، بل يتطلب الأمر إيجاد مرشح “سوبر”، بحسب وصفه قادر على حصاد 10 آلاف صوت على الأقل ليؤهله  للوصول إلى سدة البرلمان: “هذه انتخابات فردية والتصويت لدى معظم الناخبين قد يكون للمرشح فقط وليس للحزب السياسي”.

الناصرية عُرفت بتاريخها في الحراك السياسي منذ بداية القرن الماضي فكان أول تشكيل سياسي عام 1924 بعنوان “جمعية اتحاد التضامن العرب”، وعام 1928 تأسست أول خلية للحزب الشيوعي، وفي الخمسينات أطلق فؤاد الركابي النواة الأولى لتأسيس “حزب البعث العربي الاشتراكي” الذي حكم العراق منذ عام 1963، وحتى سقوط نظام صدام حسين عام 2003. ورافق تلك الفترات ظهور تنظيمات لأحزاب وحركات إسلامية ابرزها “حزب الدعوة الإسلامية”.

وعلى رغم أن الفاصل الزمني لموعد الانتخابات المقبلة لا يتجاوز الخمسة أشهر، فإن الناصرية ما زالت ملتهبة كما يعبر عنها المتظاهرون على رغم هدوء ساحات التظاهر في بقية المدن العراقية، وحدها الناصرية وساحتها الشهيرة (الحبوبي) لا تزالان تشهدان أحداثاً ساخنة ومواجهات بين القوات الأمنية والمحتجين المطالبين بالإفراج عن المعتقلين وإقالة الفاسدين والرافضين عودة الاحزاب الى عملها السياسي في الناصرية. فما يواجه المحتجون اليوم من قمع على أيدي القوات الأمنية أو عمليات خطف من قبل جماعات مسلحة، ليس إلا نتيجة لتوجيهات تلك الأحزاب التي لا تريد للناصرية ان تتحرر وتنتقل إلى واقع جديد. حتى تحقيق تلك المطالب، يصرّ ثوار الناصرية على بقاء مدينتهم “مدينة منزوعة الأحزاب”. 

إقرأوا أيضاً: