fbpx

الجرائم غير المعلنة… اغتصاب النساء أثناء الحرب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الاغتصاب أثناء الحرب ليس أمراً خاصاً ولا مصادفة، بل هو استراتيجية حرب، ووسيلة للترهيب، ويعتبر الحمل الناتج عنها من “مخلّفات الاغتصاب التي لا مفرّ منها”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد 40 عاماً على الحرب العراقية- الإيرانية، لا تزال الصورة الرسمية للمرأة أثناء الحرب هي الصورة النمطية ذاتها، نساء يرتدين عصابات الرجال في الجبهات الأمامية، أو يقمن بالطهي وإعداد الطعام للمقاتلين في الخطوط الخلفية، وفي النهاية لا تنشط النساء في الخطوط الأمامية للجبهة بل خلفها.

بحسب الإحصاءات، قُتلت 6428 امرأة خلال الحرب التي استمرت 8 سنوات، منهن 500 مقاتلة والأخريات قُتلن في قصف المدن، ووفقاً لإحصاءات “مؤسّسة شؤون المحاربين القدامى” لعام 2002، فقد بلغ إجمالي عدد المحاربات القديمات 5735، لكن عدد السجينات منهنّ لا يزال غير معروف، وذكرت بعض المصادر أنّ هناك 171 امرأة أسيرة، كما يُقال أيضا أنّ العدد يفوق هذا الرقم المُعلن، وكان تم إرسال ما مجموعه 22800 من المُنقذات و2276 طبيبة إلى الجبهات، وهذه الأرقام تم الكشف عنها بعد سنوات من انتهاء الحرب.

انتهاكات واغتصاب

لا أدلّة على اغتصاب إيرانيات أثناء حرب العراق، لكن أفاد سكان بعض البلدات الحدودية بأنّ جنوداً عراقيين اغتصبوا عدداً من النساء في سوسنكرد أثناء اجتياحها، وفي مقابلة لها مع موقع “المدرسة النسوية” قالت شهلا لاهيجي:

“على سبيل المثال، يمكن أن نذكر الهجوم الوحشي الذي قام به جنود الجيش العراقي للسيطرة على الحويزة بإقليم خوزستان في وقت مبكر من الحرب، في ذلك الوقت، يبدو أنّ كثيرات من النساء اللاتي بقين في المدينة، ومعظمهنّ من العرب، تعرضن للاغتصاب من قبل الجنود العراقيين. وبطبيعة الحال وفي ذلك الوقت فقد تركت عائلات كثيرة منازلها في المناطق الحدودية بين العراق وإيران. لكن في مدينة “الحويزة”، بقيت عائلات ومعظمها من العرب لظنّها أنّ الجنود العراقيين ربما لن يقوموا باغتصاب النساء أو الاعتداء عليهنّ. ويعدّ الحديث عن اغتصاب النساء أسوأ حتى من الحديث عن “الهزيمة في الحرب”، ولهذا السبب نرى، على سبيل المثال، أنّ الإيرانيين يتحدثون عن الأبعاد المختلفة للهزيمة في الحروب، لكن لا يوجد أيّ حديث على الإطلاق عن اغتصاب النساء في هذه الحروب”.

وسرعان ما تمت إزالة أحد النصب التذكارية القليلة للنساء اللاتي تعرضن للاغتصاب خلال الحرب العراقية الإيرانية والتي كانت عُرضت على الملأ، وقالت مريم كاظم زاده، مصوّرة صحافية ومراسلة ميدانية في ملتقى “النساء في حرب الـ8 سنوات بين إيران والعراق”: 

“لقد تم محو حقائق كثيرة من التاريخ عن المرأة في منطقة البستان 1986، حيث اغتصب العراقيون نساء وقتلوهن، وفي بانوراما تذكارات الحرب، تم تخصيص بعض الأجزاء لنصب تذكارية للنساء، ونقش عليها “إنّنا نعتز بذكرياتك”. حينها ذهبت إلى تلك المنطقة لإعداد تقرير، وعندما تم نشر الصور في مجلة (المرأة اليوم/ زن روز)، سألوني عن سبب نشري إياها، وفي المرة الثانية التي ذهبت فيها إلى تلك المنطقة، كانت أُزيلت جميع العلامات والدلائل، وكان الأمر كما لو كانت هناك وصمة عار وتمت إزالتها من تلك الأرض، وهذا يدل على أنّنا لا نريد أن نذكر تلك الحقائق، والإحساس الأبوي للمجتمع قد قلّل عمداً من هذا القهر والانتهاك الجنسي”.

بالطبع هذه القضية لا تقتصر على إيران، وعلى رغم أنّ الاغتصاب أثناء الصراعات يعتبر جريمة حرب، إلا أنّ التحدّث عن الأمر صعب، وهو ما يعود إلى طبيعة كلّ من الحرب والاحتلال والانتهاكات والاغتصاب بحق النساء.

إقرأوا أيضاً:

الاغتصاب كسلاح في الحرب وجسد النساء كأرض

لا يقتصر الاغتصاب على زمن الحرب فقط، كما لا يقتصر على دولة دون أخرى، فعلى مرّ التاريخ، كان اغتصاب النساء على يد ضباط أو جنود أمراً شائعاً في زمن الحرب، وعلى رغم تعرّض الرجال للاغتصاب أثناء الحرب أيضاً، إلا أنّ معدّل اغتصاب النساء كان أعلى بكثير في مقابل تعرّض الرجال للتعذيب الجسدي أو الإذلال النفسي، وكما يتضح من الروايات والصور والمنحوتات التي تركها رسامو الحرب، فإنّ النساء كنّ في الغالب مكافأة للمحاربين المنتصرين، وهي صورة تستمر حتى يومنا هذا.

لقرون اعتبر الاغتصاب غنيمة في الحرب وكأكثر سلاح وحشية لممارسة التسلّط وفرض السيطرة على النساء وتقويض البنية الاجتماعية للمجتمع، واستخدم أطراف النزاع، وبخاصة أثناء الحرب الأهلية، الاغتصاب كوسيلة للانتقام. وأما عن المُغتصب فليس من الضروري أن يكون آتياً من بعيد، قد يكون من دولة مجاورة أو قد يكون من مواطني ذلك البلد أو من أعراق أو ديانات أو مذاهب أخرى.

خلال الحروب الأهلية، يتجلّى هذا الاغتصاب كشكل من أشكال الانتصار والتفوّق العنصري القومي وكذلك الجنسي، المرأة كرمز للوطن، والاغتصاب كرمز لاحتلاله واغتصابه والسيطرة عليه، والجنود الذين لديهم “واجب” حماية وطنهم الأم، يغتصبون بالتالي النساء في بلاد أو أماكن أخرى، أو ومن أعراق وديانات ومذاهب أخرى، ما يُظهر تفوّق قوة الرجال على النساء.

النساء كنّ في الغالب مكافأة للمحاربين المنتصرين، وهي صورة تستمر حتى يومنا هذا.

لقد قيل الكثير عن العلاقة المجازية بين المرأة والأرض. في الأدب وخصوصاً في الشعر، نوقش هذا الارتباط كثيرا، كما يُعتبر تغيّر الفصول وتقلّبها رمزاً لحمل المرأة، وفي روايات كثيرة، فإنّ الاعتداء الجنسي على النساء واغتصابهن مساو لمدّ النفوذ وغزو الأرض، واغتصاب المرأة بقصد الانتقام من حملها وذلك بتحميلها بذور الكراهية واللعنة إلى الأبد.

كتبت كريستينا لامب في كتابها “أجسادنا، أرض كفاحهم”: “في جميع أنحاء العالم، لا تزال أجساد النساء هي ساحة المعارك، ومئات الآلاف من النساء يحملن جروح الحرب غير المرئية”.

الجنود: الخدمة والشرف والاغتصاب

خلال الحرب الأهلية في رواندا، استخدم “الهوتو” المتطرفون الاغتصاب أداة لإبادة “التوتسي”، وتُشير التقديرات إلى أنّ أكثر من 250 ألف امرأة اغتصبن في 100 يوم فقط، وولد ألف طفل نتيجة لعمليات الاغتصاب هذه، وهؤلاء الأطفال معروفون باسم “أطفال القتلة”، غالباً ما يعيشون في فقر ويتعرضون للإهانة، وهم أكثر عرضة للعنف والتعرّض لمرض نقص المناعة المكتسبة مقارنة مع أقرانهم.

اغتصب متطرفو الهوتو النساء بشكل منهجي في محاولة لإشاعة إصابات بالمئات بمرض الإيدز، لتحقيق موت “تدريجي ومؤلم”، وذلك من خلال تشكيل فرقة موت تتألف من مئات مرضى الإيدز، الآن كثيرات من هؤلاء النساء مصابات بالإيدز، وعلى رغم من أنّ نساء التوتسي كنّ الهدف الرئيسي، إلا أنّ نساء الهوتو المعتدلات تعرّضن للاغتصاب أثناء الإبادة الجماعية. وعام 1998، وفي خطوة مهمة، قضت محكمة رواندية بأنّ الاغتصاب والعنف الجنسي يشكّلان إبادة جماعية.

الضحايا والناجيات: تحدّي الإفلات من العقاب

الاغتصاب أثناء الحرب ليس أمراً خاصاً ولا مصادفة، بل هو استراتيجية حرب، ووسيلة للترهيب، ويعتبر الحمل الناتج عنها من “مخلّفات الاغتصاب التي لا مفرّ منها”. ويعرف الجندي الذي يغتصب نساء “الأعداء” جيّداً أنّ عواقب الاغتصاب في الحرب أقلّ بكثير منها في السلم، وخلال الحرب. وفي بلدان مثل بورما والصومال والبوسنة، تعرضت النساء للاغتصاب ليس على أساس الجنس فقط، ولكن أيضاً على أساس العرق والمذهب والدين وحتى الطبقة الاجتماعية.

إنّ ما يجعل الاغتصاب أكثر صعوبة على النساء، ليس الأذى الجسدي والنفسي وحسب، ولكن أيضاً رفض الأُسَر الضحايا المغتصبات، وفي حالات كثيرة، تطلب العائلات اللاجئة من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نقل بناتهن المتعرّضات للاغتصاب. ويحدث هذا الهروب من وصمة العار و”تلطيخ” الشرف والكرامة، ليس من جانب الوالدين أو الأخوة فقط، ولكن أيضاً من جانب الأزواج. وأحياناً تفضّل المرأة المغتصبة الانتحار على رؤية أسرتها مرة أخرى، وفي مثل هذه الحالات، تتحوّل المرأة بسرعة من ضحية إلى آثمة تفضح عائلتها.

تحظر المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة “أي انتهاك لكرامة المرأة، ولا سيما الاغتصاب أو الدعارة القسرية أو أيّ شكل من أشكال الاعتداء”. ويُنظر إلى الاغتصاب على أنّه رمز للضرر بالمجتمع من خلال الإضرار بالمرأة، والمُعتدي/ المُغتصب هو المسؤول عن ذلك، ومن المهم جداً ألا يتم الاعتراف بالاغتصاب باعتباره مسألة “شرف”، بل أن يُنظر إليه كجريمة حرب. ويُعتبر الاغتصاب في البرازيل “جريمة مخالفة للأعراف، وكذلك جريمة غير تقليدية”، وفي البيرو وحتى وقت قريب، كان الاغتصاب يُعرف باسم “جريمة ضد الشرف”.

إنّ ما يجعل الاغتصاب أكثر صعوبة على النساء، ليس الأذى الجسدي والنفسي وحسب، ولكن أيضاً رفض الأُسَر الضحايا المغتصبات.

عام 2019، أدان قاض من البيرو 14 ضابطاً متقاعداً بتهمة اغتصاب 9 نساء، كجريمة ضد الإنسانية. وخلال الفترة الأكثر دموية من الصراع بين الجيش ومقاتلي “الدرب الساطع” خلال الفترة بين عامي 1984 و1995، خلال أكثر فترات النزاع دموية، قام هؤلاء الضباط بشكل متكرر و”منهجي” باغتصاب هؤلاء المزارعات التسع. وكان اغتصاب النساء على أيدي قوات الأمن الحكومية لمكافحة التمرد شائعاً في البيرو في الثمانينات والتسعينات، وأثناء الحرب المسلحة الحكومية مع “رجال حرب عصابات الدرب الساطع”. عام 1992، سجلت “هيومن رايتس ووتش” أكثر من 40 حالة اغتصاب مجندات أثناء الاستجواب في مناطق سيطرة الجيش، لقد كان الاغتصاب منتشراً لدرجة أنّ رجال حرب العصابات اللامعين دربوا نساءهم على الاستعداد عقلياً للاغتصاب بعد اعتقالهن.

وفي المناطق الريفية، يرى كثر من الجنود ظاهرياً الاغتصاب والنهب كتعويض عن رواتبهم المنخفضة، وفي تقرير حديث عن البيرو، قالت “منظمة العفو الدولية” إن “الاغتصاب منتشر على نطاق واسع، وهو مترافق مع الحملات العسكرية على مجتمعات الفلاحين”. 

جريمة الحرب هذه ما زال مصير ضحاياها الصمت.

إقرأوا أيضاً: