fbpx

تخفيض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار: سيّئات ولا حسنات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“تسرب العملة إلى خارج البلاد لا يعتمد على التغيير بسعر الصرف بشكل أساس، بل يعتمد على النتائج التي ستتأتى من هذا القرار”… تروّج السلطة المالية في العراق قرارَ تخفيض قيمة الدينار مقابل الدولار على أنه يقلل تسرّب العملة الصعبة إلى خارج البلاد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يكسر علي الزبيدي صمت المكان، يسأل، بعد التحية، عاملَ المقهى شبه الفارغ عن فرصة عمل، يرتاح قليلاً بعد تلقي الإجابة بالنفي، التي اعتادها ثم يكمل سيره بين محلّات منطقة الكرادة في بغداد، بحثاً عن فرصة عمل.

كان الزبيدي (27 سنة) يعمل في إحدى شركات المنتجات الغذائية، لكن قرار تغيير سعر الصرف أغلقها لأيام بفعل الصدمة، ثم عادت وفتحت أبوابَها بنصف موظفيها، مسرّحةً النصف الآخر لتفادي شيء من الخسارة، وكان علي من بين المسرّحين: “نحو أربعة أعوام أمضيتها في تلك الشركة، لم يكن مرتبي عالياً لكنه كان كافياً”، يقول لـ”درج”.

ليس علي الزبيدي استثناءً، كثيرون مثله وجدوا انفسهم بلا عمل بعد قرار تخفيض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار.

يقول علي ناطق، وهو تاجر يستورد الموادّ المنزلية والمطبخية: “تأثر عملنا تأثيراً كبيراً وفقدنا نحو 50 في المئة من مبيعاتنا وهذا ينطبق على السوق عموماً بسبب تأثر القوة الشرائية وخوف الزبائن”.

القرار بوصفه صدمة

في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2020، أعلن البنك المركزي العراقي خفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار بنسبة 23 في المئة، وينص القرار على خفض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار من 1184 إلى 1450 ديناراً عراقياً لكل دولار. سبق ذلك تأرجحٌ في سوق الصرف الموازي، ليصل الدولار إلى 1360 ديناراً، على رغم ثبات سعره في نافذة بيع العملة/ البنك المركزي، عند 1184 ديناراً، وذلك بفعل تسريبات سبقت قرار الحكومة العراقية، التي بررت قرارها بمواجهة الأزمة المالية الجارفة التي تجتاح الاقتصاد العراقي جراء انخفاض أسعار النفط عالمياً وتأثيرات تفشي فايروس “كورونا”. على أن يستتبع هذا القرار بإجراءات مأمولة تتضمن إطلاق مساعدات مالية بمبلغ 3 تريليونات دينار (نحو 2.5 مليار دولار) لدعم ذوي الدخل المحدود، ومضاعفة توفير العملة الصعبة (الدولار) في السوق، وزيادة نسب الفائدة على العملة العراقية المودعة في المصارف. تسبب القرار، متبوعاً بما يتضمنه مشروع موازنة 2021 من استقطاعات لرواتب الموظفين، بصدمة للشارع العراقي، ارتفعت على إثرها أسعار السلع الاستهلاكية ارتفاعا ملحوظاً.

محاولات استيعاب

في محاولة لامتصاص الصدمة، انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي حملات شعبية تحت عنوان “عدم رفع الأسعار”، شارك فيها  بعضُ أصحاب المشاريع، لكن كسابقاتها من حملات مواجهة الأزمات الكبرى، لم تقوَ على مقاومة الواقع، والسبب الأبرز هو أن أغلب ما في السوق العراقية مستوردٌ –بواسطة الدولار- حتى تلك المنتجات المحلية، على ندرتها، يتم استيراد موادها الأولية من الخارج.

يقول محمود داغر، خبير مالي واقتصادي ومدير عام دائرة الدين السابق في البنك المركزي، لـ”درج”، “هذا القرار يستدعي مقدمات ضرورية: ضبط الحدود والجمارك، ضبط الضرائب وجبايتها، تحصيل الخدمات الحكومية مثل الكهرباء والماء والبلدية، تمكين شركات التمويل الذاتي من العمل بعيداً من الموازنة كأمانة بغداد التي تقترض من الحكومة لدفع رواتب موظفيها”، ومع ذلك، يرى داغر أن تخطي هذه المقدمات “يؤجل الأزمة لكنه لا ينهيها”.

ويشير الباحث في الشأن الاقتصادي رأفت البلداوي إلى أن الحديث عن أن القرار يدعم المنتجات العراقية “يفتقر إلى كثير من الوضوح، بسبب عدم وجود ما يحفز القطاع الخاص نحو النهوض وعدم توفر بنى تحتية من شأنها المساعدة في النهوض”.

علاج أم ترقيع؟

تروّج السلطة المالية في العراق قرارَ تخفيض قيمة الدينار مقابل الدولار على أنه يقلل تسرّب العملة الصعبة إلى خارج البلاد، لكنّ البلداوي يرى أن “تسرب العملة إلى خارج البلاد لا يعتمد على التغيير بسعر الصرف بشكل أساس، بل يعتمد على النتائج التي ستتأتى من هذا القرار، فرؤية الحكومة أن هذه الخطوة ستزيد من تنافسية الاقتصاد وسيستجيب القطاع الخاص لهذه التغيرات وسيبدأ إنتاجاً محلياً جديداً، ليست سوى مجرد افتراضات نظرية لا تستند إلى إجراءات عملية”.

وسُجل هبوطٌ في الطلب الإجمالي على الدولار المعروض من البنك المركزي عبر نافذة بيع العملة، بنحو 80 في المئة من معدلات الطلب اليومية قبل قرار تخفيض الدينار، إذ انخفضت مبيعات نافذة بيع العملة في البنك المركزي من 157,742,010 دولارات في 7 كانون الأول/ ديسمبر 2020، إلى 23,350,000 دولار في 7 كانون الثاني/ يناير 2021.

يقول داغر في هذا الشأن: “قد يحقق تخفيض قيمة الدينار إضافة لا تزيد على 9 ترليونات دينار للموازنة، ولن تنخفض الاستيرادات بشكل كبير لانعدام البدائل المحلية وستنتج عن التضخم المرافق مشكلات كبيرة للفئات الهشة”.

يعترفُ عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي أحمد حمه رشيد بوجود سلبيات، فيقول لـ”درج”: “صحيح أن للقرار سلبيات كبيرة منها التضخم الجامح بالنسبة إلى السلع المستوردة، لكن قد يغطي القرار جزءاً من العجز الموجود بنسبة 23 بالمئة/ 25 ترليون دينار والذي أدى الى تخفيض قيمة العجز المتراكم من 96 ترليوناً إلى 71 ترليون دينار”.

ووفقاً لبيانات البنك المركزي العراقي، بلغ معدل التضخم في العراق 1 في المئة في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، على أساس سنوي، ومن المتوقع أن يشهد ارتفاعاً ملحوظاً بعد خفض قيمة العملة المحلية.

انخفضت مبيعات نافذة بيع العملة في البنك المركزي من 157,742,010 دولارات في 7 كانون الأول/ ديسمبر 2020، إلى 23,350,000 دولار في 7 كانون الثاني/ يناير 2021.

محاولة إحياء “عظام” المنتج المحلّي 

يأملُ صانعو القرار المالي في العراق أن يكون تغيير سعر الصرف سبباً لازدهار المنتج المحلّي، لكن الحقيقة تشي بصعوبة ذلك بسبب اعتماد الاستهلاك العراقي بشكل شبه تام على السلع المستوردة وغياب الأرضية المناسبة لصناعة محلية تنافس المستورد.

يقول التاجر علي ناطق: “لا أعتقد أن هذه الخطوة إصلاحية، خصوصاً أننا لا نمتلك منتجاً محلياً خالصاً يسد حاجة السوق ولا نمتلك بيئة مناسبة لذلك”.

وفي جردة سريعة لأسعار السوق، يُلاحَظ بسهولة أن ارتفاع الأسعار طاول المنتجات المحلية، على قلّتها، كما تلك المستوردة، ويعود سبب ذلك إلى غياب دعم مشاريع الإنتاج المحلية.

يعلق رأفت البلداوي على ذلك بالقول: “ما زالت البيروقراطية تحكم العمل الحكومي خصوصاً في ما يتعلق بتسجيل الشركات والمصانع، كما أن الحكومة لم تعمل على منح أي تسهيلات مستقبلية كتخفيض التعرفة الجمركية لاستيراد المواد الاولية غير المتوفرة في البلاد، ولا الآلات الصناعية وغيرها”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.