fbpx

لبنان وإعلام “البلا مخ”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“موت كورونا أحسن ما يموتوا ولادي جوع”… لاحقت تلك الكاميرا الوقحة أحد هؤلاء المواطنين وهو سائق أجرة عمومي، في أسلوب تعقّب ومساءلة على غرار النهج الأمني.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وكأنه بات جزءاً من يومياتنا منذ بدء انتشار جائحة “كوفيد-19” أن نجتمع يومياً نتابع نشرات الأخبار على قنوات لبنانية، وهي تتلو علينا تقريعاً تلو الآخر بصيغة خطاب يومي يلقي اللوم على “اللبناني” لأنه بإهماله ولا مسؤوليته يؤدي إلى انتشار الجائحة.

هنا قناة “آل بي سي” اللّبنانية تتصدر هذه المقاربة الإعلامية، إذ وقعت في مغالطة ضخمة عبر لهجة عدائية فوقيّة بالتعاطي مع اللبنانيين بحيث تم التعامل مع مقولة “تراخي” الشعب وإهماله، كحقيقة مطلقة تقف وراء النكبة التي نعيشها.

“شعب بلا مخّ”

“بلا مخ” بات هذه العبارة شعار القناة، تتكرر مقدمات نشرات “أل بي سي” الإخباريّة ومضامينها وتشكل جزءاً من روحية خطابها العام، فتتوجه إلى المواطنين بصفتهم المهمِلين والخارجين عن القانون، غير الملتزمين بالوقاية وبإجراءات الإقفال والتعبئة العامة التي تفرضها الدولة الحنونة الحريصة على صحّة الجميع. 

بدت القناة وغيرها مع عدد من الإعلاميين وكأنهم قرروا لعب دورهم كممثلين لأطراف أو جهات في هذه السلطة، التي كرر معنيون فيها بشكل مباشر تحميل اللبنانيين مسؤولية الوباء، فنجد أن اللغة الإعلامية تتجاهل دور الإعلام كسلطة رابعة، يفترض أن يهتم بالرأي العام وحقوق المواطنين لجهة الإضاءة على إهمال السلطة وفسادها. وهي سلطة بالمناسبة أخفقت في تأمين أسرّة إضافية، وفي تأمين سياسة إقفال وحماية مدروسة، وأيضاً في تأمين اللقاح في الوقت المناسب، وفي تأمين عدم تهريب الدواء وعدم تسييس المساعدات وتبديدها.

في نشرات إخبار عدة عمدت القناة إلى تصوير المواطنين في المناطق الأشد فقراً في مدينة طرابلس وفي منطقة صبرا في بيروت بكاميراتها الخفيّة مسلّطةً الضوء على “انتهاكهم” حالة الطوارئ، في تقرير شديد اللهجة العدائية والفوقيّة، مداهمةً إياهم بحجة أنّهم مخالفون، تحق لها معاقبتهم وتوبيخهم. هذا التصوير، عدا أنه خرق لمعايير أخلاقية أساسية في الإعلام وهي استعمال كاميرا خفية بهذا الشكل الوقح. فالكاميرا الخفية أمر يحذر الإعلام الجدي من استعماله إلا في حالات قصوى، كحين يتعلق الأمر بكشف فساد أو انتهاك يرتكبه مسؤولون أو جهات نافذة، وليس كوسيلة لملاحقة مواطنين عاديين والتشهير بهم.

لاحقت تلك الكاميرا الوقحة أحد هؤلاء المواطنين وهو سائق أجرة عمومي، في أسلوب تعقّب ومساءلة على غرار النهج الأمني.

سائق “التاكسي” أخبر المراسلة المتخفية أنّه خرج بإذن لعّله يحصّل “غلّة” اليوم، أخفت الكاميرا وجهه وأخفت معه كمامته القديمة غير الصّحيّة التي قد لا يملك رفاهية شراء غيرها بسبب الغلاء الذي أتى تحصيلاً حاصلاً لعمل هذه السّلطات، التي تتناطح دائماً لمقارعة الفقراء والباحثين عن لقمة عيشهم. فبحسب تعبير أحدهم “موت كورونا أحسن ما يموتوا ولادي جوع”. 

هذا الإعلام اعتبر أن الحلقة الأضعف هي الطبقة المُفقَرة التي تتحمل كامل المسؤوليّة والتبعات والتّي “تستاهل شو عم بصير فيها”. شهرت قنوات عدة  كاميراتها في أزقة المناطق الشّعبية والعشوائيات حيث الأسر الأشد فقراً والتّي تعتاش على الغلّة اليومية من البسطات والسيارات العمومية والوظائف محدودة الدخل، التي اجتاحها الفقر والجوع وكانا أشد عليها من الجائحة، بدل أن تتهافت على بؤر الفساد التي أفقرت هؤلاء “المخالفين” وجوّعت عائلاتهم. 

هذا الشعب فقد ثقته بالسّلطة وطردياً بكل إجراءاتها وتعاميمها المفروضة وفقد أيضاً حسّه بالمواطنة الذي تلاشى بفعل اهتراء هذه السّلطة التّي لم تتخذ منذ بدء الجائحة أي تدبير ناجح ومجدٍ، بل استهترت بحياة المواطنين تحت ذريعة العجلة الاقتصادية المثقوبة، فلا يحق لها أبداً مساءلة الناس، بعدما دمّرت حياتهم وجعلتها جحيماً وأزمات متلاحقة.

المواطن الصالح والمواطن الطالح 

ضمن هذه النشرات الإخباريّة استضافت قناة “أل بي سي” بعد تقريرها المتضمن وابلاً من الإهانات والتحريض على الشّعب الـ”بلا مخّ”، فنانين، ليستعرضوا برنامجهم اليومي في الحجر المنزلي، وهؤلاء لم يوفروا فرصة التنظير على الشّعب أيضاً ومقارعته، غافلين عن امتيازهم الذي يوفر لهم رفاهية المأكل والمشرب والمسكن الفاره، على خلاف المياومين من المعتاشين على الدخل الزهيد، الذين يخاطرون بأرواحهم وأرواح أبنائهم وأرواح غيرهم لتأمين ربطة الخبز.

هذه المفارقة الفوقية التي يبلورها مثل هذا الإعلام تدل على التحاق مهين بالسلطة، على رغم ادعاء الشفافية، فيبدو الإعلام شريكاً مؤسساً في مسار سحق هذا الشعب تحت وطأة النظام الفاسد. 

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!