fbpx

مصر: حملة اعتقالات تزامناً مع الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“تخيل إنسان بيفضل هربان شهرين كاملين في الخلاء أو في سكن غير مجهز لا يحمي من البرد ولا يغنيه بدفء كافٍ”… يضطر النشطاء والسياسيون المناهضون لنظام الحكم الحالي إلى الهروب بعيداً من منازلهم …

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في مصر كثيرون ينتظرون حلول شهر كانون الثاني/ يناير، فيما يخشاه آخرون. وكأنه بات شهر الحيرة، بين الحنين إلى زمن الانتفاضة وإسقاط نظام فاسد استبدادي هو نظام حسني مبارك والنجاح في إزاحته، وبين الحزن على ضياع ثورة المصريين بعد تمدد الثورة المضادة، وخوفهم من حملة الاعتقالات السنوية التي تستهدف كل من شارك في ثورة 25 يناير أو ساهم في أي تظاهرات لاحقة معارضة لنظام الحكم، أو كل من اتهم في قضايا سياسية… حتى إن نشطاء سياسيين ومشاركين في ثورة يناير، يشيرون إلى كانون الثاني بـ”شهر المحبسة”.

كابوس يناير

“كابوس يناير يجعلنا في خوف دائم من الملاحقة ، نترك منازلنا وعملنا ونضطر للهروب بعيداً، لا نذهب إلى مكان هربنا إليه سابقاً أبداً، نغلق هواتفنا المحمولة حتى لا يتم تتبعها وتحديد مكاننا. الفنادق والمناطق الفاخرة بعيدة من خياراتنا، في الغالب نختار المناطق النائية البعيدة من أعين الأمن، أو نختار الأماكن الشعبية شديدة الازدحام ونقطن في مكان استأجره أحد الأشخاص الموثوقين، نشتري احتياجاتنا من الغذاء بما يكفي فترة اختفائنا عن الأنظار، حتى لا نضطر إلى الخروج وتعريض أنفسنا للخطر”. بتلك الكلمات تشرح هدى، وهي من أعضاء حركة “كفاية” التي نشطت خلال العقد الماضي، كيف يمضي نشطاء سياسيون شاركوا في ثورة يناير شهري كانون الأول/ ديسمبر وكانون الثاني من كل عام، خوفاً من الملاحقات الأمنية وحملات الاعتقال السنوية.

قوات الأمن اعتادت اقتحام منازل المطلوبين فجراً، لضمان وجودهم داخل منازلهم وضمان أنهم نيام، ولن يشعروا بوصول “زوار الفجر”، فيسارعوا إلى الهرب. إنه إجراء متبع منذ القدم في مصر

تقول هدى (اسم مستعار)، إن عناصر قوات الأمن وجهاز مباحث أمن الدولة ينفذون حملة اعتقالات سنوية تبدأ مع حلول كانون الأول، وتستمر حتى انتهاء كانون الثاني من كل عام، ويستهدفون خلالها كل من له علاقة من قريب أو بعيد بثورة يناير أو أي تظاهرات أو فعاليات سياسية حتى وإن توقف منذ فترة طويلة عن ممارسة أي نشاط سياسي.

تؤكد هدى لـ”درج”، أنه منذ إلقاء القبض عليها في كانون الثاني 2016 قبل حلول الذكرى السنوية للثورة، تحرص على الهروب من منزلها وترك عملها، خلال هذه الفترة سنوياً، ما يعرضها لخسائر كبيرة، حالها كحال كثر من النشطاء السياسيين وكل من شارك في تظاهرات. وتشير إلى “المعاملة السيئة والمعاناة الكبيرة التي يعيشها النشطاء داخل أماكن الاحتجاز والسجون، فآلام الهروب وخسائره أهون من مخاطر وخسائر الاعتقال والسجن”. وتوضح أن رحلة الهروب السنوية تكون شاقة وصعبة جداً لأنها تتزامن مع موجات الصقيع والبرد الذي يفتك بأعضاء الجسد بأكملها، ويتسبب في أضرار جسدية كبيرة، فكثر من هؤلاء النشطاء يصابون بالتهابات الشعب الهوائية ويصاب آخرون بالتهابات في الغضروف أو آلام مزمنة في العظام لعدم تمكنهم من حماية أنفسهم من موجات البرد، “تخيل إنسان بيفضل هربان شهرين كاملين في الخلاء أو في سكن غير مجهز لا يحمي من البرد ولا يغنيه بدفء كافٍ”.

“الأمن يتحجج بأن ذلك ما هو إلا إجراءات احترازية حتى تمر ذكرى ثورة يناير من دون أي تجمعات أو تظاهرات أو تجمعات تطالب بالحرية أو الديومقراطية أو بأي من أهداف ثورة يناير التي سُلبت وقتلت مكاسبها واغتيلت جميع رموزها”، تقول هدى.

موجة اعتقالات كانون الثاني 2021، شملت عدداً من النشطاء، تنوعوا بين نشطاء سياسيين وباحثين وصحافيين ومصورين وذوي محتجزين ومعتقلين سابقين، أبرزهم الصحافي أحمد خليفة والمصور الصحافي حمدي الزعيم والناشط السياسي والإعلامي شريف الروبي عضو “حركة 6 أبريل” والمتحدث باسمها، والناشطة أسماء عبد الرؤوف، وفقاً لمصادر متعددة من نشطاء ومحامين حقوقيين.

“تخيل إنسان بيفضل هربان شهرين كاملين في الخلاء أو في سكن غير مجهز لا يحمي من البرد ولا يغنيه بدفء كافٍ”.

شتاء و”كورونا”

عضوة حركة “كفاية” سابقاً تشير إلى أن عام 2021 يأتي بأضرار بالغة وبخطورة كبيرة على أرواح هؤلاء النشطاء، بخاصة في ظل تفشي وباء “كورونا” وارتفاع معدلات انتشاره داخل مصر، على رغم تحفظ الحكومة على ذلك، موضحة أنه فيما يلجأ الجميع إلى التباعد الاجتماعي ويبقون في المنازل منعاً للإصابة بالفايروس، يضطر النشطاء والسياسيون المناهضون لنظام الحكم الحالي إلى الهروب بعيداً من منازلهم والاستمرار في التنقل والاختلاط بين مناطق، عدة حتى ينأوا عن أيادي رجال الأمن ويتجنبوا خطر الاعتقال.

اقتحام المنازل

اعتقل الأمن المصري المصور الصحافي في جريدة “الحياة” ومنتج الأفلام الوثائقية حمدي الزعيم، في 5 كانون الثاني، بعد اقتحام منزله فجراً والقبض عليه، وما لبثت قوات الأمن أن عادت مرة أخرى وحطمت محتويات المنزل وجمعت متعلقاته الشخصية وغادرت، وفقاً لرواية زوجته. وكشفت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان (منظمة حقوقية مقرها أوروبا)، أن الأمن اكتشف إصابة الزعيم بفايروس “كورونا” أثناء احتجازه ونقل إلى مستشفى في حي العباسية في القاهرة للحجر الصحي. وفي 16 كانون الثاني وجهت نيابة أمن الدولة إليه تهمة نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية، وأمرت باحتجازه 15 يوماً على ذمة المحاكمة.

وقال المحامي علي الحلواني، إن الزعيم خاضع للتدابير الاحترازية التي تشمل مراقبته في قسم الشرطة التابع له لمدة 3 أيام أسبوعياً، وذلك بعد اعتقاله تعسفياً برفقة الصحافي في وكالة “بلدي” أسامة البشبيشي، وصحافي ثالث، أثناء تصويرهم تقريراً ميدانياً أمام مقر نقابة الصحافيين، عام 2016. ووجهت له تهم “الانضمام إلى جماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة تضر بمصلحة الأمن القومي، والتصوير من دون الحصول على تصريح من الجهات المختصة” على ذمة القضية رقم 15060 لسنة 2016، قبل إخلاء سبيله في حزيران/ يونيو 2018، بالتدابير الاحترازية السابق ذكرها. ويؤكد الحلواني أنه على رغم خضوع الزعيم للتدابير الاحترازية وذهابه إلى قسم الشرطة 3 مرات أسبوعياً، إلا أن الأمن أصرّ على القبض عليه وسجنه، ولا نعلم السبب الحقيقي وراء ذلك.

ومن الزعيم إلى خليفة، إذ اقتحمت قوات الأمن منزل أسرة الصحافي أحمد خليفة (مراسل مستقل يعمل بمواقع إخبارية محلية) في محافظة الفيوم، ولم يكن موجوداً داخله، وأخبر الأمن أسرته أنه مطلوب للاستجواب في جهاز مباحث أمن الدولة، فقرر تسليم نفسه إلى أحد مقار الجهاز ولم يخرج منه منذ ذلك الوقت، وظهر في نيابة أمن الدولة، الثلاثاء 19 كانون الثاني، واتُهم بـ”نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية”، وقررت النيابة 15 يوماً على ذمة المحاكمة، وفقاً للمحامي نبيه الجندي، الذي حضر معه التحقيقات.

يقول الحلواني، إن قوات الأمن اعتادت اقتحام منازل المطلوبين فجراً، لضمان وجودهم داخل منازلهم وضمان أنهم نيام، ولن يشعروا بوصول “زوار الفجر”، فيسارعوا إلى الهرب. إنه إجراء متبع منذ القدم في مصر، وبعض الدول الأخرى.

إقرأوا أيضاً:

لجنة حماية الصحافيين تطالب بالإفراج عن الزعيم وخليفة

“اللجنة الدولية لحماية الصحافيين”، طالبت السلطات المصرية بالإفراج الفوري عن الصحافيين حمدي الزعيم وأحمد خليفة، وإسقاط جميع التهم الموجهة إليهما، موضحة أن السلطات لم تكشف عن دوافعها لاعتقالهما، ولم تتمكن اللجنة من تحديد مكان احتجاز أي منهما حتى الآن.

وقال شريف منصور، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحافيين: “بدلاً من الإفراج عن الصحافيين المحتجزين من دون محاكمة أثناء تفشي جائحة عالمية، تواصل السلطات المصرية ملء السجون بمزيد من الصحافيين –بما في ذلك الآن أحد المصابين بفايروس كورونا”، وطالب منصور السلطات المصرية بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الصحافيين حمدي الزعيم وأحمد خليفة وإسقاط جميع التهم الموجهة إليهما.

أعداد غير معروفة

محمد (اسم مستعار) عضو سابق في “حركة 6 أبريل”، قال إن أجهزة الأمن ألقت القبض على 4 مواطنين من منازلهم في مركز أبو المطامير في محافظة البحيرة، هم: عبدالغني عبدالحسيب قرقاش، عبدالرازق محمد أحمد، عبدالناصر خليفة، وهاني خليل، وتم عرضهم على النيابة العامة وقررت حبسهم 15 يوماً على ذمة التحقيقات بتهم “الانضمام إلى جماعة إرهابية ومعاونة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها”.

وأكد محمد لـ”درج”، أنه لا يوجد إحصاء دقيق لأعداد المقبوض عليهم حتى الآن، لأن الأمن لا يعلن شيئاً عن عمليات القبض التي يمارسها باستمرار، علاوة على أن عدداً كبيراً من النشطاء والسياسيين المعارضين للنظام يختفون تزامناً مع حلول ذكرى ثورة 25 يناير، تجنباً للقبض عليهم، مشيراً إلى إحصاء اختفاء العشرات من أصدقائهم منذ مطلع كانون الثاني، لكنهم في الحركة لا يستطيعون التأكد إذا كان المختفون قد هربوا أم قبض عليهم.

يشير إلى أن السبيل الوحيد للتأكد سيكون شباط/ فبراير المقبل، حين سيعود الهاربون إلى منازلهم ويُعيدون التواصل مع دوائرهم المقربة مرة أخرى، لافتاً إلى أن خسائر النشطاء السياسيين المعارضين لنظام السيسي مستمرة، فعلاوة على المخاطر الأمنية الكبيرة التي يواجهونها، إنهم يتكبدون خسائر مالية كبيرة بسبب رحلة الهروب السنوية التي تكلفهم الكثير، فهم يبحثون عن مأوى آمن بعيداً من أعين رجال الأمن ويتوجهون إلى أماكن نائية أو شديدة الازدحام، ليكونوا بأمان.

موجة اعتقالات كانون الثاني 2021، شملت عدداً من النشطاء، تنوعوا بين نشطاء سياسيين وباحثين وصحافيين ومصورين وذوي محتجزين ومعتقلين سابقين.

الذكرى غير المرغوب فيها 

المحامي الحقوقي ياسر سعد يقول إن “ذكرى ثورة يناير ليست مفرحة بالنسبة إلى جميع النشطاء والسياسيين، لأنها تحمل لهم تنكيلاً واستهدافاً أمنياً مستمراً، فيتتبع رجال الأمن من هم خارج السجون ويرصدون تحركاتهم ويلاحقونهم ويلقون القبض على كل من هو موضع شك كإجراء احترازي، ويعاد تدوير كل من قررت النيابة الإفراج عنه قبل حلول ذكرى يناير، ويعاد اتهامه في قضية أخرى، وذلك حتى لا يخرج إلى الشارع ضماناً لعدم ممارسته أي أنشطة سياسية معارضة، من شأنها أن تشكل خطراً على النظام بطريقة أو بأخرى.

انتهاكات بالجملة بحق سجناء الرأي

يخضع السجناء السياسيون وسجناء الرأي في مصر لجملة من الانتهاكات والتنكيل داخل السجون، تشمل التعذيب والإهمال الطبي وحرمانهم الأدوية والرعاية الطبية اللازمة. وكان “درج” نشر تحقيقاً في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عنوانه، “شنقاً أو مرضاً… الموت مصير حتمي لمعارضي النظام المصري”، كشف النقاب عن الممارسات غير القانونية في مصلحة السجون بحق سجناء الرأي والسياسيين المعارضين، واستعرض الانتهاكات والممارسات غير القانونية المتنوعة، كالإهمال الطبي المتعمد بحق السجناء الذي تسبب في وفاة المئات، والحالة السيئة التي وصلت إليها السجون في مصر، واعتراف رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، محمد فايق، بأنهم “ممنوعون من زيارة بعض السجون ولا يعلمون شيئاً عما يدور داخلها”.

وكشف التحقيق أن مسؤولي السجون محصنون من العقاب ولا تتحرك وزارة الداخلية للتحقيق معهم عند وقوع أي حالات وفاة، ويلجأون غالباً إلى تسجيل حالات الوفاة داخل مقار الاحتجاز على أنها ناتجة عن “هبوط حاد في الدورة الدموية وتوقف عضلة القلب”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.