fbpx

علي وعمر أخوان لبسا الكمامات ضد الطائفية وقتلهما فايروس الإرهاب!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عمر وعلي اسمان حين يجتمعان في الوجدان الشعبي العراقي، يحيلان إلى واحد من احتمالين: الوحدة الوطنية أو الفتنة. هنا اجتمع الاسمان في مأساة واحدة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الاسمان معاً يختزنان صراعاً مذهبياً عمره أكثر من 1400 عام، كما يجمعان معاً تجاوزاً لـ”الفتنة الكبرى” كما سماها طه حسين في كتابه الشهير، ليجسدا مثالاً للتواصل والحوار والوحدة الوطنية. علي اسم يطلقه كثر من الشيعة في العراق على أبنائهم، نسبة إلى الإمام الأول في الطائفة الشيعية علي بن ابي طالب، وعمر اسم يطلقه كثيرون من السنّة على أبنائهم نسبة إلى الصحابي والخليفة الراشدي عمر بن الخطاب. ويحدث ان يسمّي سنيّ ابنه “علي”، أو يسمي شيعي ابنه “عمر”، غالباً لنبذ التفرقة ولتوجيه رسالة إلى الذين يأخذون الصراع إلى مواضع العنف والاحتراب الطائفي.

لؤي النعيمي سمى ولديه عمر وعلي. الكبير عمر من مواليد عام 1997 والأصغر علي من مواليد عام 2001. خسرهما في لحظة واحدة. في تفجير واحد. قتلا في التفجيرين الانتحاريين الذين استهدفا ساحة الطيران في بغداد. انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي للأب المكلوم وهو يصرخ من ألم الصدمة والفراق: “علي وعمر ولدي ماتوا!”، ردّدها في تشييع جثمانيهما إلى المقابر، حيث بات يمضي معظم وقته غارقاً في الحزن والصمت. في المستشفى الكندي الحكومي حيث نقلت الجثتان، يتمتم أنه حاول ان يعثر في وجه عمر على عينيه الخضراوين، من دون جدوى: “لقد ذابتا بفعل قوة الانفجار. أما رأس علي فتهشّم بالكامل”.  

كان النعيمي يحرص دائماً على أن يوصي ولديه عمر وعلي، بضرورة ارتداء الكمامة واستخدام المعقمات الطبية لتفادي الإصابة بفايروس “كورونا”. لم يخطر في باله أن يقتلهما فايروس فتّاك من نوع آخر، هو الإرهاب الذي لا يزال ينتشر في العراق على رغم جميع الإجراءات الاحترازية، وعلى رغم تلقيح النعيمي ابنيه ضد الطائفية. لقد سماهما علي وعمر ليحميهما من التطرف والتزمّت. وكانا يناضلان للعيش على رغم الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاهرة. وكانا يساعدانه في إعالة العائلة، إذ كانا يعملان بأجر يومي لا يتجاوز 25 ألف دينار (17 دولاراً أميركياً) لكليهما. كان علي يبيع الحليب المستورد في أكياس، وكان ربحه فوق كل كيس يبلغ 500 دينار عراقي (40 سنتاً)، أما عمر فكان أجيراً عند صاحب بسطة لبيع الملابس المستعملة (الباله) بأجر يومي 15000 دينار عراقي (10 دولارات).

كانا يطمحان ويخططان لشراء بسطة عرضها متر وطولها متران بـ9 ملايين دينار عراقي (6206 دولارات) في ساحة الطيران حيث السوق الشعبي، لكن حلمهما نسفه الانتحاريان بحزامين ناسفين، ليتركا وراءهما أباً مكسوراً ومكلوماً سيضطر إلى العمل بشكل مضاعف للمساعدة في تأمين معيشة ابنة علي الوحيدة وزوجته، ومولود أو مولودة تنتظرها زوجة عمر الحامل في شهرها الثالث. قبل أكثر من عام، وفي مكان الخيمة التي نصبت لتقبّل العزاء برحيلهما، رقص علي في عرس أخيه عمر وكانت الفرحة لا تسعه كما يتذكّر الأقارب في استعادة تملأها الحسرة على لحظات فرح نادرة عاشها الفقيدان في حياتهما الصعبة.

عمر وعلي

في الخيمة، يصف حامد، وهو قريب علي وعمر، الطبقة السياسية العراقية كلها مع الأجهزة الأمنية بـ”المجرمين”، ويعتبرهم مشاركين في مجزرة ساحة الطيران، لأنهم كانوا قادرين على منع العمليات الإرهابية لو قاموا بعملهم على أكمل وجه. ويرى أن الإرهاب يستفيد من الاستثناءات والثغرات في عمل الأجهزة الأمنية، وأن كثراً من الإرهابيين يتنقلون بواسطة “هويات حكومية تعريفية”، على حد قوله. ويصف جميع تصريحات المسؤولين بشأن تشكيل لجان تحقيق قضائية وبرلمانية وأمنية لمعرفة ملابسات الجريمة بـ”المسرحية التي شاهدنا فصولها في تفجيرات سابقة”.

أما وائل الذي كان صديقاً لعمر وعلي فيقول إن مقتلهما معاً، وهما يحملان اسميهما مع ما يختزناه من دلالات، “أخرس جميع الألسنة التي تريد عودة مسلسل الحرب الطائفية إلى العراق من جديد”. الإرهاب لا دين له، وهو يستهدف جميع الطوائف والإثنيات في العراق، وغالباً ما تدفع الطبقات الفقيرة الثمن الأعلى، في حرب الرسائل الحزبية المحلية أو تلك الإقليمية والدولية، بحسب وائل.  ولا يغيب عن النقاشات في العزاء، الحديث المشحون بالغضب عن داعش الذي تبنى العملية الإرهابية بتسجيل صوتي، وتسمع من المعزّين من يطالب بدعم حملة ينظمها نشطاء وصحافيون لجمع تواقيع ورفعها إلى الجهات المختصة للمطالبة بإنزال عقوبة الإعدام بالمعتقلين من إرهابيي “داعش” الذين أدينوا بجرائم إرهاب وما زالوا يقبعون في السجون العراقية.

كل هذا ولؤي النعيمي، والد علي وعمر، غارق في صمته وحزنه ودموعه.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.