fbpx

سجن طرة “الوردي”: ذاكرة الثورة حية رغم محاولات طمسها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

خلف سور سجن طره الوردي يقبع آلالاف المعتقلين المعارضين المحبوسين احتياطياً من دون محاكمة، تجديدات بالحبس لسنوات تلتهم أعمار من قالوا “لا” في وجه من قالوا “نعم”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هل يعلم شباب يناير المعتقلون داخل سجن طره أنه تم طلاء سور سجنهم باللون الوردي، وأن معاناتهم اليومية داخل حيطان رصاصية يتم طمسها وتلفيق القصص حولها؟ 

قامت إدارة السجون المصرية قبل أسابيع من الذكرى العاشرة لثورة يناير بطلاء سور سجن طرة باللون الوردي، ضمن منهجية “إعادة الطلاء” التي شملت إلى جانب السجون، الميادين وأبرزها ميدان التحرير، والعمارات المحيطة بالميدان، في رسالة مباشرة بأن كل شيء أصبح جميلاً، وعلينا نسيان الماضي بأحلامه الكبرى في التغيير، ولنترك أصحاب الفهم والإدارة يوفرون الأمن للبلاد وإن عبر الاعتقال والتجويع.

اللون الوردي على رغم استخدامه كلون مرادف للفرح والحياة السعيدة إلا أنه نتاج سكب الأحمر على الأبيض، تتسع دلالات هذا السكب لتقوض التفسير الشائع عنه، الوردي هنا طامس للواقع، إلا أنه قد يعزز دلالات سكب الدماء على لون الثورة “الياسمين الأبيض”.

آلاف المعتقلين الآن خلف السجون المطلية بالوردي، لن يستطيعوا المشاركة في التدوين، لكن أبناءهم في الخارج اكتسبوا هوس آبائهم وأمهاتهم بالتغيير.

خلف سور سجن طره الوردي يقبع آلالاف المعتقلين المعارضين المحبوسين احتياطياً من دون محاكمة، تجديدات بالحبس لسنوات تلتهم أعمار من قالوا “لا” في وجه من قالوا “نعم”. ففي هذه البقعة المقبضة “طره” حُسم الصراع بين أبناء يناير وبين السلطة (جيش وشرطة) وإن كان الحسم وقتياً، فإن السيناريو الكابوسي المطلي راهناً بالوردي عرضه للتقشر والتحلل، والأصوات المكتومة في البقعة الصحراوية في طره لن تظل مكتومة إلى الأبد.

مرحلة الطمس لم تأخذ شكلاً هزلياً بالطلاء وحسب، بل بمنهجية مدروسة بدقة، فبعد تولي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي تم العمل على طمس كل ما يتعلق بثورة يناير. بدأ بمحو أرشيف الصحف والقنوات الإعلامية بزعم الأخطاء التقنية، التي ويا للعجب أصابت كل المنصات الإعلامية دفعة واحدة مصادفةً، أرشيف جريدة “البديل” و”اليوم السابع” و”المصري اليوم” وغيرها، وأرشيف قناة “أون تي في”، خصوصاً حلقات برامج يسري فودة وليليان داوود وتغطياتهما لأحداث الثورة. ثم كان طمس الغرافيتي في الشوارع وتجريم الرسم السياسي على الجدران، وملاحقة فرق “الأندرغراوند” وشيطنة مغنيها، أبرزهم رامي عصام، ومنع فاعلية “الفن ميدان”، بزعم التجمهر ومنع المطبوعات السياسية والشعرية التي تنعش ذاكرة الثورة، وأخيراً منع الاحتفال بذكرى الثورة وإعادة الاحتفال بعيد الشرطة.

في عهد السيسي لن تجرؤ صحيفة مصرية على استخدام صورة أو مقطع أرشيفي عن الثورة في إصداراتها، مهما استدعى الموضوع الصحافي، فلا تجوز مخالفة إجراءات الطمس في أي حال من الأحوال، أي خطوة غير محسوبة أو عفوية لإنعاش ذاكرة الثورة وإنعاش ذاكرة الجموع تجاه ذكرى يناير، ستعتبر خطوة مثيرة للذعر وشيطانية وغير مسموح بها حتى في إطارها العفوي.

الوردي هنا طامس للواقع، إلا أنه قد يعزز دلالات سكب الدماء على لون الثورة “الياسمين الأبيض”.

وعلى رغم تكريس إعلام الدولة بشكل كامل لتحقيق منهجية الطمس بدقة، فما زال الواقع الافتراضي ينازع على مساحته، بهاشتاغ “أنا شاركت في ثورة يناير” السنوي، الذي تُفتح من خلاله الذاكرة المكلومة على مساحات الماضي وشعاراته وأحلامه، كمن يفتح قبراً على ميت ليكتشف أنه ما زال حياً.

لا تعد النوستالجيا أمراً باهتاً وساذجاً، بل هي آلية مشروعة ضد صراع غير متكافئ، وأحياناً تصبح سلاحاً فتاكاً، فالهزيمة الكبرى تحدث حينما يتحقق النسيان الكامل، والنوستالجيا حارس الذاكرة الأساسي لأبناء ثورة يناير وأبناء أبنائها، حتى وإن فاضت هذه النوستالجيا في جلسات بصوت خفيض بين الأصدقاء، انسكبت خلالها الدموع والشد العضلي والحسرة، حتى وإن فاضت في منشورات مرتبكة وعاطفية على “فايسبوك”، لكنها ما زالت سلاحاً تضامنياً فعالاً، قد يأتي أوان استخدامه بفاعلية أكبر ومساحات أكثر تأثيراً.

شيماء الصباغ

من يحاول طمس ذاكرة الثورة لن يطمس صوت الطفل بلال ابن شيماء الصباغ “شهيدة الورد” التي قتلت على يد قوات الشرطة، وهي تقف في ميدان طلعت حرب، لتحيي ذكرى الثورة، الطفل بلال بدأ حملة تدوين منذ مطلع شهر كانون الثاني/ يناير عن والدته وفوجئ بحملة تتسع، تدوينات من “الينايرجية”، وآلالاف البوستات التي تذكر والدته وقصة رحيلها، فيما تحدثت كتابات أخرى عن التغيير ورفض القمع.

آلاف المعتقلين الآن خلف السجون المطلية بالوردي، لن يستطيعوا المشاركة في التدوين، لكن أبناءهم في الخارج اكتسبوا هوس آبائهم وأمهاتهم بالتغيير، لأن الذاكرة تم تمريرها قبل أن تطمس ظاهرياً، فالأبناء يعلمون الآن كما آبائهم وأمهاتهم أن” الثورة قايمة والحراك دوّار”.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!