fbpx

الحدود الملتهبة… هل أضحت الحرب وشيكة بين السودان وإثيوبيا؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لقد فتحت التوترات الأمنية في حدود السودان وإثيوبيا المشهد على احتمالات يصعب التنبؤ بمآلاتها، لكن أكثر ما يثير المخاوف هو أن يتطور الوضع إلى مواجهات عسكرية شاملة بين البلدين…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم تسكت المدافع في الحدود السودانية- الإثيوبية، بعد تعرض قوة استطلاع للجيش السوداني في جبال أبو طيور السودانية، لعمليات قصف بقذائف هاون من قوات للجيش الإثيوبي على الجانب الآخر داخل الحدود الإثيوبية، تصدت لها مدفعية الجيش السوداني.

ويبدو أن الأوضاع بين البلدين في طريقها إلى التصعيد من جديد، على رغم دعوات التهدئة، بخاصة بعد زيارة رئيس أركان الجيش السوداني المناطق الحدودية غداة التبادل المدفعي، واتهام وزير الدفاع السوداني الفريق ركن ياسين إبراهيم، إثيوبيا بمهاجمة المدنيين لطردهم من قرى “الفشقة”، ويقول إبراهيم: “من يقاتلنا في المناطق الحدودية هو الجيش الإثيوبي لا الميليشيات كما تدعي أديس أبابا”.

لفترة طويلة ظلت العلاقات بين السودان وإثيوبيا يسودها الهدوء والود المتبادل رسمياً وشعبياً، لكن سرعان ما بدأت الأحداث تتطور على الحدود بينهما عقب هجوم مسلح من عصابات “الشفتة”، الإثيوبية بعد استهدافها قوة للجيش السوداني في جبل “طورية”، منتصف كانون الأول/ ديسمبر الماضي.

وفي الحادي والثلاثين من الشهر نفسه، أعلن وزير الخارجية السوداني عمر قمر الدين، سيطرة الجيش السوداني على كامل الأراضي السودانية، ولا تزال تعبئة الحشود العسكرية من الطرفين مستمرة.

كادت الأوضاع تأخذ منحى مختلفاً بين البلدين في الأسبوع بعد ازدياد حدة التوتر في منطقة “الفشقة”، بعد زيارة رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وكبار جنرالات الجيش السوداني، الشريط الحدودي لتفقد الخطوط الأمامية بعد مقتل 6 نساء وطفل على يد الميليشيات الإثيوبية، طالبت على إثرها وزارة الخارجية السودانية المجتمع الدولي بالتدخل وإدانة الهجمات التي تشنها جماعات مسلحة من منطقة إقليم الأمهرة الإثيوبي.

وبدأت الأوضاع تتطور بعد إغلاق السودان مجاله الجوي فوق ولاية القضارف وإصدار سلطة الطيران المدني نشرة طيران دولية تمنع بموجبها تحليق الطائرات فوق سماء منطقة “الفشقة”، الحدودية شرق مدينة القضارف، بعد اتهام السودان باختراق مقاتلة إثيوبية الأجواء السودانية، وهو ما وصفته الخارجية السودانية بـ”التصعيد الخطير وغير المبرر”، الأمر الذي نفاه قائد الجيش الإثيوبي الجنرال برهانو جولا.

حرب التصريحات

بجانب تطورات الموقف العسكري على الحدود بين البلدين التي تشهد اشتباكات متقطعة، تدور حرب تصريحات بين المسؤولين من الطرفين. ويؤكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان عدم تراجع السودان عن أراضي الفشقة بقوله: “هذه الأرض أرضنا وسنموت فوقها”. البرهان الذي بدا غاضباً وهو يخاطب جنوده عقب مقتل 6 نساء، أكد أن بلاده لم تسع للحرب مع إثيوبيا، واتهم إثيوبيا ببدء الاعتداء على الأراضي السودانية، مع تشديده على استمرار الجيش السوداني في استعادة جميع الأراضي السودانية على طول الشريط الحدودي، وعادة ما تنفي إثيوبيا دعمها عصابات “الشفتة”، وتقول إنها جماعات خارجة عن القانون.

 وفي ذروة توتر الأوضاع العسكرية على الحدود بين البلدين، كادت تصريحات السفير الإثيوبي لدى الخرطوم يبلتال أميرو، التي أطلقها من قلب الخرطوم، في اجتماعات المفوضية القومية للحدود لتنوير السفراء والديبلوماسيين وممثلي المنظمات الدولية والإقليمية المعتمدين بالسودان، كادت تفاقم الأوضاع بين البلدين، والتي قال فيها إن السودان قام بأعمال عسكرية مفاجئة إثر انشغال القوات الإثيوبية بالقتال في إقليم تيغراي، وإنه لم يكن متوقعاً أن “تحتل” القوات السودانية 9 مواقع، ودعا السفير الإثيوبي إلى تصحيح الأمر، إضافة إلى تصريحات أخرى أثارت حفيظة السودانيين اضطر إلى توضيحها لاحقاً وسط دعوات بطرده.

بجانب تطورات الموقف العسكري على الحدود بين البلدين التي تشهد اشتباكات متقطعة،

تدور حرب تصريحات بين المسؤولين من الطرفين.

 حتى الآن تعتبر المسافة بعيدة بين السودان وإثيوبيا للوصول إلى حل ينهي التوتر بين البلدين، بالنظر إلى تمسك كل طرف بموقفه، بخاصة بعد فشل اجتماعات اللجنة السياسية العليا المشتركة للحدود بين البلدين في الاتفاق على أجندة الاجتماع نفسه الذي كان عقد في الخرطوم، إضافة إلى عدم انعقاد اجتماعات اللجنة في العاصمة الإثيوبية أديس ابابا، في منتصف كانون الثاني/ يناير2021، علاوة على إخفاق الاجتماع السداسي التشاوري حول سد النهضة في تحقيق أي تقدم، في ظل اعتزام اثيوبيا تنفيذ المرحلة الثانية من تعبئة سد النهضة في تموز/ يوليو المقبل والتي تبلغ 13.5 مليار متر مكعب من المياه.

ويبدو أن إثيوبيا تسعى إلى كسب مزيد من الوقت في ظل ما تعانيه حكومة آبي أحمد من تعقيدات داخلية قبل إجراء الانتخابات المقبلة بعد شهور معدودة. ويقول وزير الدفاع السوداني إن المماطلة الإثيوبية عامل مشترك بين مفاوضات سد النهضة والعمل لتوضيح العلامات الحدودية، وأنه لا بد من الربط بين ما يدور في مفاوضات سد النهضة وما يدور من نزاعات في منطقة الفشقة الحدودية.

ويتمحور الموقف السوداني حول وضع علامات الحدود وليس الترسيم، إذ يعتبر السودان أن الحدود مع إثيوبيا متفق عليها دولياً وفق الخرائط والمعاهادات بين البلدين، وأنه لا خلاف عليها، بعكس الموقف الإثيوبي.

ويقول وزير الخارجية السوداني المكلف عمر قمر الدين، إن السودان لا يسعى لأي وساطة حول قضية الحدود مع الجارة إثيوبيا، مشيراً إلى أن وصف الجانب الإثيوبي للقضية بأنها نزاع حدودي، ليس دقيقاً، لجهة أن الأرض سودانية وأن إثيوبيا تدرك أن السودان لم يتجاوز الحدود. وأضاف: “نتفاوض على تهدئة الأوضاع وليس لبحث قضية الحدود”، وهو ما جدد تأكيده وزير الدفاع السوداني في حديثه تلفزيوني، بعدم وجود نزاع حدودي مع اثيوبيا حتى يتفاوض السودان حوله، وأن أمر الحدود بين البلدين محسوم بموجب اتفاقية 1902”.

وحذر قمر الدين من عدم الاعتراف باتفاق عام 1902، قائلاً: “إن عدم الاعتراف سيقود إلى مشكلات كثيرة مع إثيوبيا لن نذهب إليها ولا نتمناها”.

وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب الذي زار الخرطوم راهناً، قال في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السوداني، إن حدود 1902 بين السودان وإثيوبيا من أكثر الحدود وضوحاً في العالم، وبريطانيا كانت جزءاً من هذا العمل، ووعد بالتحدث مع القيادة الإثيوبية في زيارته أديس أبابا عن ضرورة عدم التصعيد، ومعالجة القضية بصورة لا تفجر الأوضاع في المنطقة.

وعلى رغم موقف السودان الثابت في مسألة أراضي “الفشقة”، رحب رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، بوساطة دولة جنوب السودان لاحتواء الأزمة، مع تأكيده أن أراضي الفشقة المتاخمة للحدود مع إثيوبيا ليست محلّ نزاع ولا يجب أن تكون.

نظرية المؤامرة 

بينما تنحو تصريحات المسؤولين الإثيوبيين إلى نظرية المؤامرة، واتهام السودان بتنفيذ أجندة طرف آخر، يكثف السودان من تحركاته الديبلوماسية عربياً وأفريقياً، والتي يهدف من خلالها إلى توضيح الحقائق لقادة الدول المجاورة والصديقة حول النزاع مع إثيوبيا، وبعد زيارات وفود رفيعة المستوى لكل من مصر، والسعودية، وجنوب السودان، وارتريا، وتشاد، أعلنت الخارجية السودانية عن زيارات مرتقبة لكل من الكويت، وقطر، في مسعى لاستدعاء الدعم الديبلوماسي والقانوني.

“من يتهمنا بأننا مدفوعون من جهات خارجية، لاسترداد أراضينا من الإثيوبيين، عليه أن يعلم أن السودان لا يحتاج لأن يذكره أحد أن هذه أراضيه”، هكذا تحدث عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد الفكي سليمان في مؤتمر صحافي، رداً على تصريحات مسؤولين إثيوبيين آخرها لقائد الجيش الإثيوبي الجنرال برهانو جولا، الذي اتهم من وصفهم بالمجموعة الصغيرة داخل الحكومة السودانية بالعمل لمصلحة طرف ثالث، من دون أن يسميه، وأعلن جولا أن بلاده لن تتنازل عن أراضيها مهما كان، مبيناً أنّ الذهاب إلى الحرب سيكون واضحاً وليس سراً.

ويعزي وزير الدفاع السوداني انفتاح الجيش السوداني في منطقة “الفشقة” الحدودية، إلى حديث رئيس الوزراء الإثيوبي عن وجود مناطق متنازع عليها، وأنه كان سبباً في تحرك الجيش السوداني لفرض سيطرته على مناطق سودانية تبعاً لما تنص عليه الاتفاقيات.

لكن المفاجأة كانت في حديث رئيس مجلس السيادة الانتقالي البرهان، والذي يتوقع أن تنعكس آثاره على الداخل الإثيوبي وتحالفاته، قال فيه إنه اتفق مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على انتشار الجيش السوداني لتأمين الحدود بين البلدين لمنع التفلتات. ونفى أن يكون السودان مدفوعاً من أي جهة أخرى، وكشف عن مشاركته قبل 4 أعوام في لجان مشتركة بوضع العلامات الحدودية على الأرض وتكوين قوات مشتركة من دون أن يثار أي حديث عن أن هذه الأراضي ليست سودانية.

حتى الآن تعتبر المسافة بعيدة بين السودان وإثيوبيا للوصول

إلى حل ينهي التوتر بين البلدين.

بدت الخرطوم منزعجة من تصريحات بعض المسؤولين الإثيوبيين بتصويرهم لسيطرة الشق العسكري في الحكومة الانتقالية على قرار انفتاح الجيش السوداني في أراضي “الفشقة”، ويقول سليمان إن قرار استعادة الأراضي السودانية من الجانب الإثيوبي، قرار سياسي وليس عسكرياً، والسودان باستطاعته أن يخوض الحرب، لكن الأولوية للحل السياسي. وكشف عن تمركز للجيش الإثيوبي في نقطتين داخل الأرض السودانية لم ينسحب منهما، مؤكداً قدرة القوات المسلحة على استعادتهما.

واتهم سليمان إثيوبيا باتخاذها للتصعيد الإعلامي وسيلة بين البلدين للتمويه على تصعيدها العسكري على الأرض، ويرى أن التصعيد في هذا الخصوص يضر بعلاقات البلدين، فى ظل عدم الاتزان في خطابات الجانب الإثيوبي، التي تحتاج إلى ضبط في هذه المرحلة التي وصفها بالحساسة.

هل تشتعل الحرب؟

 لقد فتحت التوترات الأمنية في حدود السودان وإثيوبيا المشهد على احتمالات يصعب التنبؤ بمآلاتها، لكن أكثر ما يثير المخاوف هو أن يتطور الوضع إلى مواجهات عسكرية شاملة بين البلدين، ومع ذلك يظل هذا السيناريو مرهوناً بعوامل خارجية وداخيلة، على رغم إعلان الدولتين أن حل الأزمة يمر بالحوار.

وبالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلدين، يمكن استبعاد دخولهما في مواجهات مفتوحة، أقله في المدى القريب.

 فالخرطوم التي تخلصت من نظام الإسلاميين الذي أنهك الدولة بحروب داخلية وعداءات خارجية، تعيش فترة انتقالية تتسم بالتعقيد والهشاشة سياسياً، علاوة على أزمة اقتصادية متفاقمة ستزيد عليها الحرب عبئاً لا تستطيع تحمله.

في المقابل فإن أديس أبابا تعيش هي الأخرى أوضاعاً سياسية واقتصادية أكثر تعقيداً من الخرطوم، بخاصة بعد تعليق الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي دعمهما ميزانية إثيوبيا، إذ تخوض حكومة آبي أحمد حربًا في إقليم تغراي منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، في ظل مواقف متباينة للقوميات الإثيوبية الأخرى، بجانب معارضة واضطرابات أمنية في إقليم بني شنقول الذي تقيم فيه إثيوبيا سد النهضة، ويجاور ولاية النيل الأزرق السودانية، بخاصة أن أي اصطفاف آخر خلف إقليم تيغراي من شأنه تعقيد الوضع أكثر، وربما تشتيت الجهود العسكرية لإثيوبيا ما بين نزاع داخلي لا شك ستدعمه الخرطوم في حال الدخول في مواجهات شاملة مع اديس ابابا.

الخبير العسكري اللواء معاش الدكتور عبد الرحمن أرباب، يستبعد أن تنزلق الأوضاع إلى حرب شاملة بين السودان وإثيوبيا، نظراً إلى كلفتها الباهظة على البلدين وما تخلفه من نزوح ومشكلات اقتصادية واجتماعية، علاوة على تأثير الحرب في مجمل الأوضاع في البلدين الفقيرين، ويقول لـ”درج”، إن البلدين سينأيان عن الحرب مع استمرار المناوشات على الحدود.

ويرى أرباب أن الميزان العسكري يميل لمصلحة السودان لخبرته الطويلة من جهة، وللإشكالات الإثنية التي تعاني منها إثيوبيا من جهة أخرى، والتي يمكن أن تفتح لها أكثر من جبهة داخلية، ويأوي السودان أكثر من 66 ألف لاجئ من قومية التغراي الفارين من الحرب.

إثيوبيا وصراعات الحدود 

تعتبر قضايا الحدود في أفريقيا عموماً وفي القرن الأفريقي خصوصاً من القضايا الشائكة، التي لم يحسم الكثير منها، وتسببت في عدد من الصراعات بين البلدان الأفريقية، ولإثيوبيا سجل حافل في النزاعات الحدودية.

في نهاية السبعينات خاضت إثيوبيا حرباً مع جارتها الصومال بسبب النزاع حول تبعية إقليم “أوغادين”، الذي تقطنه القومية الصومالية، وعام 1998، اندلعت حرب شرسة بين إثيوبيا وإريتريا على منطقة “بادمي”، المتنازع عليها في الحدود بين البلدين، خلفت 80 ألف قتيل، أحدثت شرخاً عميقاً بين البلدين. وكانت إثيوبيا رفضت الانسحاب من بادمي، على رغم حكم محكمة العدل الدولية لمصلحة إرتيريا ومنحها معظم هذه الأراضي، إلا أن إريتريا أعادت سيطرتها على المنطقة خلال القتال في إقليم تيغراي في نهاية عام 2020.

ويؤكد رئيس المفوضية القومية للحدود دكتور معاذ تنقو، لـ”درج”، امتلاك السودان الوثائق والمستندات المؤيدة لموقفه وسيادته على الأراضي التي دخلتها القوات المسلحة السودانية، ويقول إن اجتماعات اللجان المشتركة طوال الفترة الماضية لم يتم التطرق فيها لإعادة النظر في اتفاق الحدود، وأن الحكومة الإثيوبية مقرة بالحدود التاريخية وفقاً لترسيم “الميجر قوين”.

ظلت منطقة الفشقة وهي منطقة زراعية خصبة، خارج سيطرة السودان منذ عام 1995، عقب محاولة نظام البشير، اغتيال الرئيس المصري الأسبق الراحل حسني مبارك في أديس أبابا، توغل بعدها الجيش الإثيوبي في عهد الرئيس الإثيوبي الأسبق الراحل مليس زيناوي داخل الأراضي السودانية، ثم انسحب لاحقاً، وبقي في أجزاء من أراضي الفشقتين الصغرى والكبرى، مع انتشار لعصابات الشفتة التي تنحدر من قومية الأمهرة، التي يجاور إقليمها الحدود مع السودان.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.