fbpx

من “وردة الصحراء” إلى “كرسي فارغ”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

منذ أغنيته “الروس” في أول أسطوانة له العام 1983، بعد افتراقه عن فريقه الشهير ” بوليس”، بدأ المغني ستينغ Sting مشواراً في جعل الغناء على صلة بالقضايا الإنسانية والاجتماعية دون التخلي عن جوهر العمل الفني وجمالياته.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ أغنيته “الروس” في أول أسطوانة له العام 1983، بعد افتراقه عن فريقه الشهير ” بوليس”، بدأ المغني ستينغ Sting مشواراً في جعل الغناء على صلة بالقضايا الإنسانية والاجتماعية دون التخلي عن جوهر العمل الفني وجمالياته.
ولم تظهر تلك الصلة قسرية ولا نتيجة تحولات مفاجئة، فالمغني جاء إلى الموسيقى من “الأنثروبولوجيا” حيث كان أستاذاً قبل أن يتحول كلياً إلى الغناء. هو من أرسى فكرة “التضامن الانساني عبر الغناء” وذلك بمشاركته في الغناء لضحايا المجاعة في أفريقيا وضمن أكبر حدث موسيقي في القرن العشرين” لايف أيد” في لندن 1985.
وكان انفتاحه على أنغام الشعوب، ومنها الموسيقى الشرقية والعربية تحديداً كما جسدّتها أغنيته الشهيرة “وردة الصحراء” التي غناها في العام 1999 إلى جانب الجزائري “شاب مامي”، واحداً من معالم تجربته التي أرادها مختلفة عن السائد في الغناء الغربي المعاصر، وتنطوي على الثقافي والسياسي النقدي، كما في أسطوانته “لا شيء كالشمس” 1988 التي طاف عبر أغنياتها على موضوعات لا تطرقها الأغنية عادة، مثل عزلة الروائية آيريس مردوخ، إلى تتبع الأثر الفني في المسرح الذي أحدثه برتولد بريشت، وإلى رثاء عميق لضحايا الديكتاتورية في أميركا اللاتينية في أغنية “إنهن يرقصن لوحدهن” التي صوّرت أمهات المفقودين في سجون الديكتاتوريات وهن يحملن على صدورهن صوراً لأولادهن ويأخذن برقص حزين هو أقرب إلى الإيماءات أمام المعتقلات.
هذا الاتجاه لستينغ في الغناء، تعمّق لاحقاً عبر اشتراكه في تظاهرات فكرية وسياسية، تدعو لمعاني إنسانية خيّرة، منها جولته الغنائية مع مجموعة من مغني العالم أواخر ثمانينيات القرن الماضي في غير عاصمة عالمية لصالح منظمة العفو الدولية، تحت عنوان “حقوق الإنسان: الآن”، أو تلك الدعوات التي تبناها وانتقل للإعلان عنها إلى مواقع بعيدة مثل غابات الأمازون، للتذكير بمأساة البيئة والتشويه الذي تمارسه “الحضارة” في زحفها على أقاليم الحياة البرية لسكان المنطقة الأصليين.

هنا لا يمكن فصل هذا الموقف عن دراسته للأنثروبولوجيا، وخاصة التذكير بفضل كلود ليفي شتراوس صاحب “الفكر البري”، كذلك اشتراكه في مهرجان الاحتفال بعيد ميلاد نيلسون مانديلا (حين كان سجيناً) واشتراكه في مهرجان “الحقيقة البسيطة” للتذكير بمأساة الكرد العراقيين في هجرتهم المليونية إثر قمع نظام صدام لانتفاضتهم في العام 1991.
جيمس فولي
ومع الأسى المتفاقم جراء الوحشية التي يمضي فيها إيقاع عالمنا، راحت تلك المثاقفة في أغنيات صاحب “رقيق” أو “قابل للكسر”، تنسحب من الرهافة الشعرية المبتهجة نحو كثير من الدموع، كما في حفله بمسرح “الباتكلان” الباريسي 2016، بعد عام من إغلاق أبوابه حين هاجمه عدد من الإرهابيين أثناء حفل لفرقة غنائية أميركية ما أدى إلى سقوط 130 ضحية.
الحفل جاء تكريماً لذكرى الضحايا واحتفالا بـ”الحياة والموسيقى اللذين يمثلهما هذا المسرح”، فيما ذهبت عائدات الحفل عوناً للناجين من ضحايا الهجمات الإرهابية التي طالت العاصمة الفرنسية، في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، وأكثرها وحشية كان استهدف المسرح الباريسي.
واختار ستينغ أن يغني “كرسي فارغ” وفاءً للصحافي الأميركي جيمس فولي الذي قتله داعش ذبحاً في 19 آب/أغسطس 2014، بعد أن تم اختطافه من قبل التنظيم بسورية في تشرين الثاني/نوفمبر 2012.
الأغنية التي صارت لاحقاً ثيمة في الفيلم الوثائقي “جيم: قصة جيمس فولي” هي من عمق المنظور الانساني شديد العمق عند المغني البريطاني، حتى وإن كان في مشهد يمضي بقوة الى الوحشية التامة، هي عن فولي الذي “سيواصل التحديق في أعيننا وستبقى نظرته النبيلة وصوته المتماسك عالقة في حياتنا مثل محاكمة لا تنتهي، إلى الأبد”.