fbpx

الاحتجاجات الروسيّة: “نظام بوتين” في شتائه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعدما سيطر “نظام بوتين” على مقاليد السلطة لأكثر من عقدين من الزمن، تبدو عليه علامات الوهن. ومن المفارقات أنّ فلاديمير بوتين أصبح الآن أكثر عرضة من أيّ وقت مضى لضغوط الشارع، بعدما سعى جاهداً لضمان السيطرة الكاملة …

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أثار إلقاء القبض على أليكسي نافالني في العاصمة الروسيّة موسكو، في 17 كانون الثاني/ يناير 2021، موجةً من الاحتجاجات في أرجاء روسيا. وكان نافالني عائداً من برلين بعدما أمضى شهوراً يتلقّى العلاج إثر مزاعم بتسميمه على أيدي عملاء للحكومة الروسيّة.

هذه الحركة الاحتجاجيّة، على النقيض من تلك التي اندلعت عام 2012، أعمق بكثير وأخطر على استقرار “نظام بوتين”، إذ تتجاوز المراكز الحضريّة الكبرى، مثل موسكو وسان بطرسبرغ، فتحشد الجماهير في فلاديفوستوك إلى كراسنودار. واحتشد أكثر من 40 ألفاً في وسط موسكو، مردّدين شعاراتٍ مناهضة للفساد وداعية إلى إطلاق سراح نافالني.

لَم يعُد خطاب “القوّة” و”الاستقرار” مقنعاً لجيل جديد يريد التغيير، ويرى أنّ الاستقرار لا يعني سوى “بقاء الحال على ما هو عليه”. الواقع أنّ معاداة الغرب وإبراز القوّة العسكريّة كانت ممارسات منطقيّة في أعقاب سنوات حكم يلتسن وفي ظلّ الحروب الشيشانيّة، ولكنّها فقدت جاذبيّتها في استقطاب جيل جديد

برز نافالني ليجسّد المعارضة ضدّ “نظام بوتين”، عبر تركيز حملته على فساد النخبة وانعدام كفاءتها. إلّا أنّه لا ينبغي للمرء أن يتصوّره ديموقراطيّاً ليبراليّاً، كما قد تُعطي الانطباعات التي تنقلها تقارير الإعلام الغربيّ. فلو كان “ديموقراطيّاً ليبراليّاً” فهذا على الطريقة الروسيّة. إذ إنّ نافالني قبل أن يبدأ في التركيز على قضايا الفساد، كان شديد الارتباط بالدوائر الوطنيّة الروسيّة، ومنخرطاً في حملات معادية للهجرة، وكان أيضاً معادياً للروس من خلفيّات عِرقيّة غير سلافيّة، ولأولئك الذين يعيشون في شمال القوقاز على وجه الخصوص.

اليكسي نافالني

الآن وقعت الحكومة الروسيّة في ورطة، فإطلاق سراح نافالني قد يشجّع مزيداً من حركات المعارضة، ولكنّ إبقاءه رهن الاعتقال بعد الشهر الأوّل قد يسبّب مزيداً من الغضب. فالسياسات القمعيّة لها حدود، وبخاصّة حين تفشل الأنظمة الاستبداديّة في الوفاء بما عليها من التزام، وهو الاستقرار الاقتصاديّ.

هناك أسباب عدّة جعلت تلك الحركة الاحتجاجيّة عموميّة وشاملة. أوّلها نجاح نافالني في إيصال رسالته في مكافحة الفساد، عبر نشره تقارير مصوّرة على وسائل التواصل الاجتماعيّ. فمع هيمنة السلطات الروسيّة على المؤسّسات الإعلاميّة، ما زالت هناك حدود لقدرته على الرقابة في عصر التقنيات الرقميّة. فقد أطلق فريق نافالني وثائقيّاً عن قصر بوتين على البحر الأسود الذي كلّف الدولة مليار يورو. واتّهم نافالني القائدَ الروسيّ بتشييد قصر فاخر من حصيلة الفساد، ما يجعل القصر “أكبر رشوة في التاريخ”.

ردّ القائد الروسيّ على نشر الفيديو الوثائقيّ بالقول إنّه “تركيب ومونتاج”، مضيفاً أنّه وجده “مُمِلّاً”. ونقلت عنه وكالات الأنباء قوله “لا شيء ممّا يرد في الفيديو، باعتباره من ممتلكاتي هو حقّاً من أملاكي أو من أملاك أقاربي، ولم يكن يوماً من ممتلكاتنا”. إلّا أنّ الفيديو حظي بـ86 مليون مشاهدة في أقلّ من أسبوع.

لا تنحصر مشكلة القائد الروسيّ في انعدام كفاءة الرقابة التي تقوم بها الدولة، وإنّما جوهر الأمر أنّ رسالة “نظام بوتين” لم تعد مقنعة لقطاعٍ عريض من المواطنين الروس. وصل بوتين إلى السلطة في فترة مختلفة، وقدّم حينها حلولاً لم تستفد منها الطبقات النافذة الروسيّة التي كانت في ورطة فحسب، بل لبّت أيضاً حاجات قطاع كبير من الشعب. وبعد سنواتِ التفكّك السوفياتيّ تحت قيادة ميخائيل غورباتشوف، وسنوات الفوضى في ظلّ حكم بوريس يلتسن، التي عانى خلالها الروس وغيرهم من سكّان الجمهوريّات السوفيتّيّة الأخرى بشدّة، جاء بوتين بوعود الاستقرار، وقدّم أيضاً صورة عن القوّة الروسيّة وهي تقف في وجه الغرب “المتغطرس”.

إقرأوا أيضاً:

الأهمّ من ذلك هو أنّ بوتين نجح في تحقيق الاستقرار في روسيا بفضل زيادة الإيرادات الماليّة المرتكزة على الصادرات الهائلة من الطاقة والموادّ الخام الروسيّة، فقد أصبحت روسيا لسنوات عدّة المنتِج الأوّل للنفط في العالم (وهي ثالث أكبر منتِج للنفط عام 2019، بعد الولايات المتّحدة والمملكة العربيّة السعوديّة). ومن عجيب المفارقات أنّ قوّة “نظام بوتين” وضعفه يكمنان هنا.

كان الاقتصاد السوفياتي في السابق ثاني أكبر اقتصاد وقوّة عسكريّة في العالم، ومع ذلك تخلّف عن الغرب في التطوّر التقنيّ، بسبب عدم كفاءة المجمّعات العسكريّة-الصناعيّة التابعة له وضعفها، وبسبب النظام السياسيّ القائم على الهيمنة التراتُبيّة المتشدّدة والرقابة الصارمة. ومع أنّ إصلاحات غورباتشوف كانت أساساً محاولة لتحديث هذا النظام، فقد أدّت بدلاً من ذلك إلى زعزعة استقراره.

يأتي الاقتصاد الروسيّ اليوم في المرتبة الحادية عشرة (11) كأكبر اقتصادات العالم من حيث الناتج المحلّيّ الإجماليّ. والواقع أنّ الاقتصاد الروسيّ تضرّر بشدّة نتيجة العقوبات الماليّة التي فرضتها عليه الدول الغربيّة واليابان في أعقاب الضمّ القسريّ لشبه جزيرة القرم عام 2014. بَيد أنّ الاقتصاد الروسيّ ما زال يعاني من مشكلات بنيويّة، على رغم ما شهده من تبلور واستقرار أثناء حكم بوتين. إذ إنّه يعتمد اعتماداً كلّيّاً على النفط والغاز بنسبة 52 في المئة والمعادن والأحجار الكريمة بنسبة 8 في المئة، في حين لا تتجاوز الآلات والإلكترونيّات 3.4 في المئة فقط. وحقيقة أنّ النخب الحاكمة الروسيّة تحقّق أرباحها من خلال صادرات الموادّ الخام، فلا تدفع بالقطاع التقنيّ إلى الأمام ولا تحافظ على قدراتها الصناعيّة ولا تُساهِم في تطوّرها.

غير أنّ هذا الاعتماد الهيكليّ للاقتصاد الروسيّ على تصدير الطاقة والمعادن يواجه أزمة، بل يتأثّر بالتقلبات الاقتصاديّة العالميّة. فقد بلغت صادرات روسيا عام 2019 ما يعادل 422 مليار دولار أميركيّ، ومن المتوقّع أنّ تنخفض صادراتها إلى 319 مليار دولار أميركيّ عام 2020.

الآن، بعدما سيطر “نظام بوتين” على مقاليد السلطة لأكثر من عقدين من الزمن، تبدو عليه علامات الوهن. ومن المفارقات أنّ فلاديمير بوتين أصبح الآن أكثر عرضة من أيّ وقت مضى لضغوط الشارع، بعدما سعى جاهداً لضمان السيطرة الكاملة على المؤسّسات السياسيّة الروسيّة. لَم يعُد خطاب “القوّة” و”الاستقرار” مقنعاً لجيل جديد يريد التغيير، ويرى أنّ الاستقرار لا يعني سوى “بقاء الحال على ما هو عليه”. الواقع أنّ معاداة الغرب وإبراز القوّة العسكريّة كانت ممارسات منطقيّة في أعقاب سنوات حكم يلتسن وفي ظلّ الحروب الشيشانيّة، ولكنّها فقدت جاذبيّتها في استقطاب جيل جديد.

والأهمّ من ذلك أنّ بوتين فشل في حلّ المشكلات الأساسيّة التي تعاني منها روسيا- ومحورها عمليّة التحديث الاقتصاديّ- لتفضيله الاستقرار على الإصلاحات. واليوم، يُمكن إدراك حدود الخيارات التي اتُّخِذت في الماضي، وأنّه لا يمكن الإبقاء على الاستقرار إلى الأبد.

فقد أدّت جائحة “كورونا” التي عمّت العالم إلى زيادة وتيرة الصعوبات الاقتصاديّة، وربما تتسبّب في زيادة السخط المجتمعيّ، ومن ثَمّ ستحتاج السلطات الروسيّة إلى ما هو أكثر من السياسات القمعيّة لاحتواء هذا السخط الشعبيّ.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!