fbpx

مقتل والي بغداد كمؤشر على أن “دولة الخلافة” انبعثت

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

انتصرنا على “داعش” بثقافة غير بعيدة من الثقافة المسخية للتنظيم. من الأخلاقي أن نرفع الصوت اليوم في ظل مؤشرات الولادة الجديدة. وهي مؤشرات مخيفة في العراق وفي سوريا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

العالم صار مكاناً مخيفاً أكثر مما كان عليه في العقد الفائت. ليست جائحة “كورونا” وحدها ما يستدعي هذا الاستنتاج، ثمة وقائع مذهلة سبقت الفايروس والأرجح أنها سترافقنا إلى ما بعده. العالم صَوّر لنا أنه حقق انتصاراً على “داعش”! قضى على دولة الخلافة في عقر دارها في الباغوز في شمال شرقي سوريا، وسبق ذلك سحْقها في عاصمة دولتها الموصل، وبينهما كانت الرقة مسرحاً لهزيمة مدوية للتنظيم!

الهزيمة عارية من أي دلالة. هزيمة عسكرية فقط. كل ما سبق أن مهد لولادة التنظيم بقي كما هو، لا بل تم تزخيمه بوقائع جديدة، وكل ما نجم عن هزيمة التنظيم من حقائق ثقيلة حصل تعامٍ متعمد عنه. واليوم تبدو شروط الولادة الجديدة مخصبة بمزيد من الأسباب، ما يجعلها قدراً لا مفر منه. أما ما أحدثته الهزيمة من صعوبات في وجه هذه الولادة، فلا يبدو أنها معيقة لها. ثم إن الخبر الأخير الذي زُف إلينا من بغداد عن مقتل نائب الخليفة الجديد، وواليه في العراق، أبو ياسر العيساوي في عملية أمنية نفذتها المخابرات العراقية، جاء ليؤكد أن التنظيم حي يرزق وأن للخليفة نواباً جدداً، يعملون في بغداد وفي غيرها من مدن العراق وسوريا، وأننا أمام فرص متجددة لـ”النصر” على “داعش”. فرص انتصارات تتناسل على نحو ما يتناسل التنظيم، فالتناسلان من الطينة ذاتها، كحال المنتصر والمهزوم. 

 تستعد الأمهات الكثيرات التي ولد منها التنظيم، إلى تقاذف كرة النار. الدول السنية ستتهم إيران بالوقوف وراء هذه الولادة في ظل حاجتها لتأكيد ضرورة دورها في مكافحة “داعش”، وقد يكون في هذه الادعاءات بعض الصحة، إلا أنها لا تنفي حقيقة أن بطناً ولّادة للإرهاب تستعين بما يتعدى الرغبة الإيرانية في توظيف “داعش”، وأن لا أحد بريء.

هُزم “داعش”. حقاً هُزم شر هزيمة. قتل “الخليفة” وقتل معظم أعضاء الدائرة الأمنية التي كانت تُشغّل التنظيم. تمكنا نحن متعقبي الولادة وراصدي تدفق “الدولة” على المدن العراقية والسورية، وطوفانها حول العالم، من بلورة هوية رهيبة للتنظيم ولأهله، جعلنا فيها رجاله مسوخاً ونساءه عرابات الجريمة الذكورية، وأطفال “الخلافة” قنابل المستقبل القريب.

بماذا أفادنا هذا كلّه؟ ماذا بني على حقيقة سحق التنظيم؟ هذا الفعل إذا ما جُرد من وظيفته الإنسانية والسياسية والاجتماعية يتحول إلى نمط “داعشي” من الانتصارات. انتصرنا على “داعش” بثقافة غير بعيدة من الثقافة المسخية للتنظيم. من الأخلاقي أن نرفع الصوت اليوم في ظل مؤشرات الولادة الجديدة. وهي مؤشرات مخيفة في العراق وفي سوريا.

أذيع الخبر، وسمعه العالم. لقد هزمنا “داعش”! وجاء حفار القبور، وألقى جثة الخليفة في حفرة في مكان مجهول في الصحراء. وساد صمت عميق امتد إلى يومنا هذا. ووسط هذا الصمت كانت وقائع رهيبة تحصل بصمت أيضاً. ذاك أن أصوات سكان المخيمات مخنوقة، وتم إخراسها على نحو أخرق.

فما الذي حصل منذ إعلان الخبر الذي غبط العالم عن هزيمة التنظيم؟

إقرأوا أيضاً:

بعد تدمير المدن على رؤوس عناصر التنظيم، وعلى رؤوس من تبقى من أهلها، أُنشئت المخيمات التي أوت أهل هذه المدن. مساحات منبسطة هائلة تم رصفها بخيم وأقيمت حواجز أمنية على مداخلها. حصل ذلك في العراق وفي سوريا. وذروة المشاهد كانت في محيط مدينة الموصل العراقية وفي شمال سوريا وشرقها. هذه المخيمات مستمرة إلى اليوم في إيواء ملايين المنكوبين، ويعوزها الحد الأدنى من الخدمات الصحية والغذائية والتعليمية، ولا يبدو أن ثمة خطة لعودة الناس إلى المدن المدمرة.

أكثر من 10 آلاف من مقاتلي التنظيم من أكثر من 50 جنسية ما زالوا في سجون “قوات سوريا الديموقراطية” في شمال سوريا وفي السجون العراقية. الدول التي جاء منها هؤلاء المواطنون، لا بل التي سهلت قدومهم أو في أحسن الأحوال صمتت عنه، ترفض اليوم تسلم أسرى التنظيم ممن يحملون جنسياتها. وإذا كانت تونس ذروة هذه الدول لجهة عدد مواطنيها، فإن دولاً مثل فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وحتى الولايات المتحدة الأميركية، ناهيك بدول الخليج، ما زالت إلى اليوم ترفض التعامل مع هذه المشكلة بصفتها مشكلتها، وتطلب محاكمة العناصر في العراق وفي سوريا، مع ما ينطوي عليه هذا الطلب من استحالة، في ظل عدم وجود قضاء في مناطق حكم “قسد” وفي ظل عجز القضاء العراقي عن إصدار أحكام غير حكم الإعدام!

 لقد هزمنا “داعش”! وجاء حفار القبور، وألقى جثة الخليفة في حفرة في مكان مجهول في الصحراء. وساد صمت عميق امتد إلى يومنا هذا. ووسط هذا الصمت كانت وقائع رهيبة تحصل بصمت أيضاً. ذاك أن أصوات سكان المخيمات مخنوقة، وتم إخراسها على نحو أخرق. فما الذي حصل منذ إعلان الخبر الذي غبط العالم عن هزيمة التنظيم؟

ويوازي هذا التنصل الغربي من المسؤولية تنصل من المسؤولية عن هوية التنظيم، فـ”داعش” ليس ابن تنظيم “القاعدة” أو ابن “حزب البعث” فحسب، إنما هو أيضاً ابن فشل غربي هو وحده ما يفسر وصول آلاف المقاتلين من أوروبا إلى العراق وسوريا، ومن بينهم مئات من أصول أوروبية. أوروبا اكتفت بالهزيمة العسكرية للتنظيم، ولم تفكر بهذه الحقيقة. ودفن الوجه في الرمال لا يُبشر بأن “داعش” كان درساً للمجتمعات الغربية لكي تفكر بنفسها أيضاً. لا بل أن ثمة ما يخيف على هذا الصعيد، ذاك أن ثمة من توهم في الغرب أن بلاده تخففت من مواطنيها ممن قرروا الالتحاق بالتنظيم في دولته. وهذا ما يفسر رفضها استعادة الأسرى من مواطنيها من السلطات العراقية والكردية. وما يُقلق هنا هو أن توهم هذا الحل هو نفسه ما أفضى إلى ولادة الذئاب المنفردة التي نفذت العمليات الأخيرة في فرنسا.

لكن مؤشر التردي الأهم الذي يبعث على التشاؤم في ظل تفجيرات بغداد وعمليات التنظيم في البادية السورية، هو الممارسات المذهبية التي تتولاها فصائل “الحشد الشعبي” الشيعية في المناطق السنية. فمنطق المنتصر والمهزوم يمارس إلى أقصاه في المحافظات السنية، والتعامل مع المدن السنية بصفتها جزءاً من الهزيمة التي أصابت التنظيم يتولى تخصيب ظروف استعادة “داعش” المبادرة في هذه المناطق.

وفي هذا الوقت، تستعد الأمهات الكثيرات التي ولد منها التنظيم، إلى تقاذف كرة النار. الدول السنية ستتهم إيران بالوقوف وراء هذه الولادة في ظل حاجتها لتأكيد ضرورة دورها في مكافحة “داعش”، وقد يكون في هذه الادعاءات بعض الصحة، إلا أنها لا تنفي حقيقة أن بطناً ولّادة للإرهاب تستعين بما يتعدى الرغبة الإيرانية في توظيف “داعش”، وأن لا أحد بريء. وقد يُجاب على هذه الادعاءات بعلاقة الخليفة الجديد بالمخابرات التركية، كونه تركمانياً ويتحدر من مدينة تلعفر. وأيضاً قد ينطوي ذلك على صحة إنما لا يكفي لتفسير الاستيقاظ.

لا أحد بريئاً من هنا إلى واشنطن. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.