fbpx

بعيداً من نظريات المؤامرة… أخذ اللقاح ضرورة وواجب ومسؤولية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“كوفيد- 19” كأي فايروس آخر بحاجة لحاضن لكي يستمر، وبذلك كلما سمحنا له بالقفز من شخص إلى آخر فإنه لن يتوقف. الوسيلة الوحيدة لإيقافه هي قطع هذه السلسلة البشرية التي يعتاش عليها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مع ترقب وصول الجرعات الأولى من لقاح “كوفيد- 19” إلى لبنان في شهر شباط/ فبراير، بات النقاش حول عمليات التوزيع والتلقيح حديث كل لسان مترافقاً مع ظهور أصوات شاذة على مواقع التواصل الاجتماعي واستطلاعات للرأي من هنا وهناك، حول نسب الأشخاص المستعدين لأخذ اللقاح مقارنة بالرافضين. في هذا الإطار، تحدّث مدير مستشفى رفيق الحريري الجامعي فراس أبيض لجريدة “النهار” عن استطلاع لرأي العاملين في المستشفى عينها كانت نتائجه مخيفة، فـ39 في المئة فقط أعلنوا عن استعدادهم لتلقي اللقاح، بينما النسبة الأكبر كانت إما رافضة أو مترددة. نحن أمام أزمة حقيقية إذاً، فكما قال الصحافي رامي الأمين، إذا كان العاملون في الحقل الطبي الذين نعول عليهم في محاربة “كورونا” والذين هم على تماس مباشر بمرضى الوباء، ليست لديهم ثقة بالعلم بل أسوأ من ذلك ليست لديهم المعلومات العلمية الكافية لتحديد موقفهم من منتج علمي حتى وقعوا هم أيضاً في فخ المغالطات المتداولة، فما بالك بالعامة من الناس؟ وكيف نسلم حيواتنا لمن لا ثقة له بالعلم؟

دروس من الماضي: الثقة بالعلم ضرورة

في منتصف ثمانينات القرن الماضي، اجتاح مرض الكوليرا في أحد أسوأ الوباءات في تاريخها الحديث، أوروبا. تفشت الكوليرا في أحياء لندن لسنوات طويلة حاصدةً خلال السنوات حياة الآلاف. حينها لم يكن أحد يعرف ماهية الكوليرا، ما سببها، وما كيفية علاجها؟

هذا إلى أن أتى جون سنو، عالم كان يعيش في أحد أحياء لندن التي انتشر فيها الوباء بشدة، وأصبح لاحقاً أحد الآباء المؤسسين لعلم الأوبئة. توصل سنو، بعد مجهود شخصي مكثف منه، إلى أن سبب انتشار وباء الكوليرا كان المياه الملوثة! أخذ عندها على عاتقه البحث في شوارع لندن وإحصاء المصابين واحداً واحداً كما تسجيل أماكنهم، إلى أن قادته أبحاثه إلى تحديد مصدر المياه الملوثة ليقنع بعدها مجلس المدينة بتعطيل المضخة، مصدر المياه، لكي لا يتمكن أحد بعدها من استخدام المياه الملوثة. 

في هذا الوقت الذي كان فيه سنو مشغولاً برسم خرائط وجمع معطيات لحل لغز الكوليرا وإنقاذ آلاف الأشخاص من قبضة الموت، ظهرت بعض الوجوه المحلية منها أطباء ورجال دين رافضين ما اقترحه سنو، رادين سبب المرض ليس إلى مياه ملوثة بل إلى ما عرف بـ”الهواء الفاسد” تارةً أو عقاب من الله وبأحسن الأحوال اختبار من الله تارةً أخرى، داعين الناس إلى التوبة.

على الأرجح أنك لا تعرف جون سنو، ولم تسمع بهذا الاسم إلا من مسلسل صراع العروش، ولكنه الرجل الذي تحدى الكوليرا وتمسك بالعلم سلاحاً في وجه كل مشكك أو مضلل للحقيقة، وصراع العروش في يومنا هذا ليس سوى صراع بين أمثال سنو، الذين يواجهون في أيامنا هذه “كورونا” بدل الكوليرا، في وجه الجهل والتضليل المتمثل بأصوات، ووجوه، ومنصات إلكترونية أو شاشات تلفزيونية.

الأزمنة تغيرت ولكن أمثال هؤلاء ما زالوا يعيثون بيننا تضليلاً وتزييفاً للحقائق العلمية بخاصة في ما يخص أخذ اللقاح وعليه فإننا سنتناول الأسباب الأهم التي تجعل من أخذ لقاح “كوفيد- 19” واجباً على كل فرد منا وضرورة إنسانية قبل أي شيء آخر.  

إيقاف الوباء يتطلب تعاوناً جماعياً 

بتنا نسمع كثيرين ممن يضعون فكرة تلقيهم اللقاح “قيد الانتظار” ربما لظنهم أنهم بذلك “ينفدون بجلدهم” من التلقيح ومن الوباء بخاصة إذا لم يكونوا من الفئات الأكثر عرضة لمخاطر الإصابة بـ”كوفيد- 19″، ولكن هذه الفكرة هي أبعد ما يكون من الواقع. 

“كوفيد- 19” كأي فايروس آخر بحاجة لحاضن لكي يستمر، وبذلك كلما سمحنا له بالقفز من شخص إلى آخر فإنه لن يتوقف. الوسيلة الوحيدة لإيقافه هي قطع هذه السلسلة البشرية التي يعتاش عليها. أضف إلى ذلك أنه كلما طالت فترة تداول الفايروس في المجتمع كلما أعطته فرصاً أكثر للتغير ومراكمة الطفرات أي التحور كما رأينا مع المتحورات الجديدة سريعة الانتشار في بريطانيا، جنوب أفريقيا، أو حتى لبنان. ما الحل إذاً؟

علمياً، الوصول إلى حماية مجتمعية قادرة على وضع حد

للوباء يتطلب تلقيحاً جماعياً يطاول أكبر عدد ممكن من المجتمع

وأي فرد لا يدخل في دائرة التلقيح هذه سيبقى هدفاً للفايروس.

الحل يكمن في إيقاف هذه السلسلة البشرية من الإصابات في أسرع وقت ممكن لأن أي تأخير يعني بالضرورة افتراس “كوفيد- 19” أعداداً أكبر منا، ولفعل ذلك هنالك عنصران أساسيان: الإجراءات الوقائية والتلقيح الجماعي. وفي الحالتين هناك دور كبير لكل فرد منا. فالالتزام بإجراءات الوقاية كارتداء الكمامة والتباعد الإجتماعي له دور أساسي في الحد من انتشار العدوى. وكما أن ذلك يتطلب التزاماً مجتمعياً وليس فردياً، لكي يحدث تأثيراً فعالاً كذلك التلقيح. يمكن أن يظن بعض الأشخاص أن رفضهم تلقي اللقاح لن يؤثر في مجرى الوباء أو في حياة الأخرين، ولكن هذا غير صحيح. علمياً، الوصول إلى حماية مجتمعية قادرة على وضع حد للوباء يتطلب تلقيحاً جماعياً يطاول أكبر عدد ممكن من المجتمع وأي فرد لا يدخل في دائرة التلقيح هذه سيبقى هدفاً للفايروس. هذه الاستراتجية هي ما سمح لنا بالتخلص من أمراضٍ معدية كثيرة سابقاً كالحصبة، الجدري وغيرهم. 

اللقاح، أي لقاح كان، لا يؤمن حماية 100 في المئة من الإصابة وحتى مع لقاحات ذات فعالية عالية جداً مثل فايزر/ بيونتيك وموديرنا، والتي تقارب الـ95 في المئة، هنالك هامش ضئيل للإصابة. بالتالي، تلقيح أعداد قليلة ليس كافياً ولا يؤمن حماية تامة من الإصابة إلا في حال الوصول إلى مرحلة حماية مجتمعية تخرجنا من شبح الوباء وهذا مسؤولية كل فرد منا. حماية الأكثر عرضة من شبح الموت مسؤولية وواجب إنساني فلنأخذها على عاتقنا وإلا فلنتحمل العواقب. رفضك لأخذ اللقاح لن ينعكي عليك فقط بل نتائجه تطاول، أحبة لنا، مجتمعاً بأكمله.

اللقاحات… آمنة

خلافاً لكل ما ينتشر بخاصة على منصات التواصل الإجتماعي ومن أشخاص بأغلبهم غير مؤهلين لإعطاء “آراء” بمواضيع علمية بحت، فإن لقاحات “كوفيد- 19” المرخص لها للاستعمال الطارئ آمنة… آمنة، ثم آمنة حتى انقطاع النفس. لا يمكن التشديد على هذه النقطة بما فيه الكفاية، ذلك ليس برأيي الشخصي ولكن بحسب الدراسات والمراجع العلمية المخولة تقييم نتائج الدراسات على هذه اللقاحات أي الدليل العلمي الذي يؤكد أمان هذه اللقاحات وينفي أي شائعات حولها. حتى اللحظة ما يقارب الـ100 مليون بشري حصلوا على الأقل على جرعتهم الأولى من أحد هذه اللقاحات. هذه أكبر تجربة تلقيح بشرية في تاريخنا الحديث ومع ذلك لم يتم تسجيل أي حالة وفاة لها علاقة مباشرة بلقاح “كوفيد- “.

للوعي المجتمعي دور كبير للحد من انتشار الأخبار المغلوطة وغير العلمية. حاملات توعية مستندة إلى المرجع العلمي سلاحاً باتت ضرورة حتى لمن هم من داخل الجسم الطبي، للأسف. المطلوب أيضاً ممّن هم في موقع مسؤولية أن يكونوا أكثر مسؤولية في ما يقدمونه للرأي العام على منصاتهم الإخبارية أو الاجتماعية، وأن يتوخوا الموضوعية والدقة العلمية لكي لا نقع جميعاً في شرك الكارثة التي سيسببها فخ نظريات المؤامرة والأخبار المضللة التي ستطاولنا جميعاً. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.