fbpx

أموال رياض سلامة المجمدة: نظرة خلف الكواليس السويسرية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ربما تسبب تقرير إعلامي حول انفجار مرفأ بيروت أو حول نهج يتبعه مصرف لبنان المركزي، في إثارة الشكوك في أحد المصارف السويسرية الذي أدى واجبه وقدم تقريراً إلى مكتب الإبلاغ عن تبييض أموال سلامة في سويسرا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


قدم لبنان العام الماضي طلباً إلى سويسرا للمساعدة القضائية بين البلدين، بهدف تتبع الأموال التي تدفقت من مصرف لبنان المركزي إلى خارج البلاد، إلا أن هذا الطلب لم يحرز أي تقدم. واليوم بعد مضي عام، تقدّم سويسرا طلباً للبنان للمساعدة القانونية لتتبع الأموال. ترى ما السبب في تبدل المواقف المفاجئ هذا؟

راهناً أرسل مكتب المدعي العام السويسري OAGS طلباً إلى لبنان للمساعدة القضائية بشأن تفاقم جرائم تبييض الأموال، لاسيما وقد ذكرت التقارير أن تحويلات مالية بقيمة 400 مليون دولار أميركي حُولت من لبنان إلى سويسرا بطريقة غير شرعية.

بيد أن الوضع كان معكوساً منذ عام، فقد قدم لبنان آنذاك طلباً لسويسرا للمساعدة القضائية المتبادلة بين البلدين. وعلى رغم الضوابط على رؤوس الأموال التي تفرضها المصارف اللبنانية، فثمة تقارير تُشير إلى أنه تم تهريب نحو 2.3 مليار دولار إلى حسابات في البنوك السويسرية. 

غني عن القول إن طلب المساعدة القضائية بين البلدين الذي قدمه لبنان السنة الفائتة لم يسفر عن أي نجاح يذكر، ويعزى السبب في ذلك إلى أن الطلب لم يتضمن المعطيات الكافية لبدء التحقيق، وفقاً لما ذكره مكتب العدل الفيدرالي السويسري FOJ. وقد أبلغ المكتب الجانب اللبناني بذلك إلا أنه لم يتلق أي رد حتى الآن.

 4 شروط لتجميد الحسابات المصرفية

بعدما باءت مساعي التعاون بالفشل، أثار النائب السويسري فابيان مولينا القضية في البرلمان. وفي 4 آذار/ مارس 2020، طرح 14 سؤالاً على المجلس الفيدرالي الذي يتألف من سبعة أعضاء والحكومة الفيدرالية السويسرية، كان من بينها: “هل شرع المجلس الاتحادي أو الهيئة الرقابية السويسرية على الأسواق المالية FINMA أو مكتب المدعي العام السويسري، في إجراء تحقيق؟”.

بعد مضي شهرين، تلقى رداً غير مقنع إلى حد ما. ففي حين لا يستطيع المجلس الاتحادي تقديم أي معلومات حول الإجراءات التي تتخذها الهيئات الأخرى، فقد أفاد بأن الوضع في لبنان فُحص فحصاً دقيقاً. واستناداً إلى القانون السويسري بشأن أصحاب السلطة (LOP)، تقرر عدم تجميد أي حسابات.

حاكم مصرف لبنان رياض سلامة

يخول قانون أصحاب السلطة للمجلس الاتحادي بتجميد جميع الأصول التي يملكها أي شخص أجنبي من أصحاب النفوذ السياسي، إذا توافر أي من النقاط التالية: سقوط الحكومة في بلده الأصلي. أن يكون بلده الأصلي معروفاً بانتشار الفساد. وجود شبهات حول جني هذه الأصول من طريق ارتكاب جرائم، مثل الفساد. أن تتطلب حماية المصالح السويسرية تجميد هذه الأصول.

 وقد أشار المجلس في رده على مولينا إلى أنه لم يتم استيفاء أي من هذه النقاط الأربع مجتمعةً.

في معرض حديثه مع “درج” علق مولينا على الأمر بقوله، “بالأحرى هذه إجابة غبية. هذا يتضح بجلاء. وإلا لكانوا جمدوا الحسابات بالفعل. لقد اكتشفت مع بعض الأشخاص في الإدارة أنه وفقاً لتفسير المجلس فإنه لم يتم استيفاء المعيار الرابع: المصالح السويسرية”.

بحسب ما ذكره مولينا، فإن هذا الشرط هو شرط سياسي في المقام الأول ولا يمكن استيفاؤه إلا إذا أمكن إثبات أن سمعة سويسرا يمكن أن تتضرر بشدة.

“وفقاً لتفسير المجلس الاتحادي فإن المعيار الرابع لا ينطبق في هذه الحالة”.

 فابيان مولينا عضو في البرلمان السويسري

عام 2002، كادت تلك الكارثة التي تتعلق بالسمعة تحدث. فبعد انقضاء 16 عاماً على سقوط جان كلود دوفالييه “بيبي دوك” في هايتي، عجزت السلطات عن التوصل إلى أي حكم قضائي بشأن التصرف في أرصدته المجمدة، وكادت الأموال التي بلغت حينها 6.7 مليون دولار تقريباً تؤول إلى جماعة دوفالييه، بيد أن المجلس الاتحادي نجح آنذاك في منع إعادة الأموال بموجب قانون استثنائي لمواجهة مثل هذه الظروف الطارئة.

من جانبه أضاف الصحافي بالز بروباتشر، وهو مؤلف وخبير في جرائم تبييض الأموال في سويسرا، أن استيفاء المعايير الأربعة مجتمعةً يصب في مصلحة القطاع المالي، وهو أمر في غاية الأهمية على الصعيد الاقتصادي للبلاد. فمنذ عشر سنوات، عندما جمدت سويسرا حسابات من تونس ومصر وليبيا في أعقاب ثورات الربيع العربي، كان الهاجس الأكبر للمصارف السويسرية هو أن يغلق عملاؤها من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حساباتهم، لأنهم قد يفقدون الثقة في القطاع المالي السويسري. وبحسب ما ذكره بروباتشر، فإن هذا الهاجس هو ما دفع البلاد لاعتماد هذه العبارة المرنة حول “المصالح السويسرية” حتى يتمكن المجلس الاتحادي من حماية القطاع المصرفي.

في حين أكدت مونيكا روث، وهي أستاذة جامعية متخصصة في الأسواق المالية والقانون المصرفي وأيضاً خبيرة في قواعد الامتثال، أن قانون أصحاب السلطة لا ينطبق على حالة لبنان على الإطلاق. فمن الناحية القانونية لا تزال هناك حكومة في لبنان.

“أشك في أن هذا القانون يمكن أن يكون له أي تأثير في الحالة اللبنانية“. 

 بالز بروباتشر، متخصص في جرائم تبييض الأموال

ولكن إذا لم يجمّد المجلس الحسابات بموجب قانون أصحاب السلطة، فضلاً عن أن الطلب الذي قدمه لبنان في كانون الثاني/ يناير 2020 لم يسفر عن أي تقدم، كيف إذاً جُمدت حسابات سلامة؟ هنا قدم البيان الصحافي الصادر عن مكتب المدعي العام السويسري الدليل: ألا وهو تبييض الأموال.

سباق الحواجز في حالة الاشتباه في تبييض الأموال

في سويسرا عادة ما يبدأ مسار التحقيق في جرائم تبييض الأموال من المصارف. وطبقاً لقانون مكافحة تبييض الأموال السويسري، والذي تم التشدد في تطبيقه عام 2008، تُمثل المصارف المرحلة الأولى لتتبع الأموال المشبوهة. وإذا اشتبهت في تبييض الأموال أو الشروع في جريمة مثل الفساد أو الابتزاز في علاقة بعميل أو تحويل مالي، فلا بد من الإبلاغ عنها.

بيد أن العقوبات المترتبة على التقاعس عن التبليغ مخففة إلى حد ما. طبقاً لقانون العقوبات السويسري، فإن الحد الأقصى للغرامة هو 500 ألف فرنك سويسري، في حين تبلغ الغرامة في حالة الإهمال 150 ألف فرنك. ولكن بمقارنة ذلك بأرباح بنك يو بي إس UBS عام 2019، وهو البنك الأكبر في سويسرا من حيث الميزانية العمومية، فسنجد أنها بلغت 4.3 مليار فرنك.

عند الإبلاغ عن تحويل مالي مشبوه، يحول البلاغ إلى مكتب الإبلاغ عن تبييض الأموال في سويسرا (MROS)، وهو أحد أقسام الشرطة الفيدرالية، الذي يقوم بمراجعة المعلومات والتحقق من الخلفية وإحالة القضايا المماثلة إلى مكتب المدعي العام السويسري والذي بدوره يبدأ التحقيق في المسألة.

غير أن مكتب الإبلاغ عن تبييض الأموال لم يوظف عام 2018 سوى نحو 30 موظفاً للبحث في 6126 تقرير. وفي العام التالي، كما أفاد التقرير السنوي للمكتب، كان عدد التقارير التي تنبغي مراجعتها أكبر، نحو 7700 تقرير. تتطلب مراجعة كل تقرير الكثير من العمل الشاق، لذلك فإن تقارير كثيرة لم تخضع للمراجعة. وفي العامين الماضيين، لم تجر مراجعة سوى أكثر بقليل من نصف التقارير، بينما كانت التقارير القديمة من السنوات السابقة لا تزال مكدسة. فعلى سبيل المثال، في نهاية عام 2019، كان لا يزال هناك 10 تقارير لم تتم مراجعتها بعد من عام 2016. وقد وصف المكتب الأمر عند الاستفسار عن السبب وراء هذا الوضع، بأنه بمثابة “تحدٍ”.

وعند السؤال عما إذا كان المكتب راضياً عن الآلية الأساسية للتنظيم الذاتي، جاءت الإجابة مقتضبة، بأن المكتب ينجز مهماته بالأدوات السياسية المتاحة له.

لكن هناك بارقة أمل، إذ شهد عام 2020 استحداث 12 وظيفة جديدة بدوام كامل، وصار يمكن تقديم التقارير رقمياً أيضاً، ما من شأنه إلغاء الحاجة إلى معالجة الملفات ورقياً وبطريقة يدوية، وهو ما يأمل مكتب الإبلاغ عن تبييض الأموال في سويسرا بأن يؤدي إلى زيادة الكفاءة.

 متى بدأ التحقيق الذي نتحدث عنه اليوم؟

تُشرف على العملية الموصوفة أعلاه “الهيئة الرقابية السويسرية على الأسواق المالية” فينما FINMA. وبحسب ما ذكر النائب السويسري مولينا، لم يكن لـ”فينما” أي معرفة بقضية الأموال اللبنانية في سويسرا حتى أوائل الصيف. من المرجح أنها علمت بتلك الأموال في وقت لاحق، وفقاً لما جاء في صحيفة “تاغيس أنزيغر” السويسرية اليومية في 29 آب/ أغسطس، فقد صرحت “فينما” أنها على اتصال بجميع المصارف والسلطات الوطنية والدولية المعنية. ولكنها على ما يبدو لا تود الكشف عن الموعد الذي حدث فيه ذلك بالتحديد.

وبحسب ما ورد في المقال المذكور، فإن مكتب المدعي العام السويسري لم يكن قد اتخذ أي إجراءات تتعلق بالأموال اللبنانية. وعلى هذا فإن أبكر وقت كان بوسع السلطات أن تبدأ فيه التحقيقات وتُجمد حسابات سلامة كان في أيلول/ سبتمبر الماضي.

يفترض بروباتشر أن تقرير الأنشطة المشبوهة الذي يتضمن تورط رئيس لمصرف مركزي أجنبي يحظى بالأولوية. وإذا كان ثمة ما يستحق الاهتمام في هذا التقرير، فينبغي أن يصل إلى مكتب المدعي العام السويسري على الأقل في غضون أسابيع. يحتاج المكتب عندئذ إلى بعض الوقت لبدء الإجراءات، ولكن هنا تنبغي معالجة هذه القضية على وجه السرعة. وعلى هذا، نظراً إلى أن الطلب السويسري المتعلق بالمساعدة القانونية المتبادلة قد وصل إلى بيروت في منتصف كانون الثاني، فيمكن أن يكون التقرير قد قُدم في موعد أقصاه منتصف كانون الأول/ ديسمبر – وذلك في حال عملت السلطات السويسرية بسرعة، وخلال العطل.

أما إن كان تقرير للأنشطة المشبوهة صادر عن مكتب الإبلاغ عن تبييض الأموال في سويسرا هو ما أسفر عن فتح التحقيق، فمن شأن ذلك أن يستغرق أربعة أشهر تقريباً: من منتصف آب إلى منتصف كانون الأول. يتفق بروباتشر ومولينا ومكتب الإبلاغ عن تبييض الأموال على أن التقارير الإعلامية هي التي تدفع في أحيان كثيرة إلى تقديم تقرير الأنشطة المشبوهة الذي يصدر نتيجة لإجراءات التحقق من الخلفية (المعلومات الأساسية) التي تقوم بها إدارة الامتثال في المصرف.

تُسجل مؤشرات “غوغل” مدى الاهتمام بالبحث عن مصطلحات محددة خلال فترة زمنية ومنطقة جغرافية معينة. ويبدو أن عمليات البحث عن الكلمة المفتاحية “رياض سلامة” في سويسرا في النصف الثاني من عام 2020، يُمكن تحديدها. إذ تظهر ثلاث قمم تُشير إلى عمليات البحث عنه في محرك البحث “غوغل” في سويسرا: في بداية آب بعد انفجار مرفأ بيروت، وفي نهاية آب عندما أعلن مصرف لبنان المركزي أنه على وشك فقدان قدرته على مواصلة دعم السلع، وفي نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر حين كان مصرف لبنان المركزي يتحقق مما إذا كان يستطيع الاستفادة من الاحتياطيات المضمونة.

ما المرجّح؟

لا يمكن تحديد الطريقة التي بدأ من خلالها تحقيق سلامة على وجه الدقة. بيد أن احتمال أن يكون طلب لبنان الأول للمساعدة القانونية هو ما أثار هذا التحقيق بعيد نسبياً. ومن المستبعد أيضاً أن تكون تحركات مولينا وفقاً للقانون السويسري بشأن أصحاب السلطة هي التي أدت إلى تجميد الحسابات.

لعل الطريقة الأقل إثارةً هي الأكثر احتمالاً. ربما تسبب تقرير إعلامي حول انفجار مرفأ بيروت أو حول نهج يتبعه مصرف لبنان المركزي، في إثارة الشكوك في أحد المصارف السويسرية الذي أدى واجبه وقدم تقريراً إلى مكتب الإبلاغ عن تبييض الأموال في سويسرا، الذي قام بدوره بفحص الخلفية وتحقق من المعلومات الأساسية ونقل شكوكه إلى مكتب المدعي العام السويسري، الذي بدأ التحقيق، وقدم خلال هذه العملية طلباً إلى لبنان للحصول على مساعدة قانونية – وهي عملية مستقلة تماماً عن الطلب الأول.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.