fbpx

“حترجعي إمتى يا ماما؟” : عن خالد الذي ينتظر أمه “المسافرة” في سجون النظام المصري

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“صباح الخير يا ماما عاملة إيه؟ إنتي أغلى أم في الدنيا، أنا عارف إنك مسافرة دلوقتي…”، كان قرار سولافة مجدي أن لا يعرف ابنها خالد أنها سجينة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يقف خالد أمام كاميرا الفيديو وفي الخلفية صورة لوالديه، يطلب منهما العودة من السفر، فقد مضت أشهر طويلة على غيابهما.

يعتقد الصغير أن والديه في دولة أخرى من أجل العمل، حتى أنه طلب منهما في إحدى رسائله، أن يتركوا “الشغلانة” التي تجعلهما بعيدين منه. ولا يعلم خالد حتى هذه اللحظة أن والديه رهن الحبس الاحتياطي على مسافة ساعات منه. 

7 رسائل بعثها خالد حسام الصياد (8 سنوات)، على مدار 14 شهراً، إلى والديه الصحافية سولافة مجدي، والمصور الصحافي حسام الصياد، منذ لحظة اعتقالهما، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.

ما لا يعرفه خالد هو ما يتعرض له والداه، خصوصاً والدته سولافة من تنكيل أجهزة الأمن المصرية التي تعتقلها وزوجها وقد شهد اعتقالها منحى خطيراً. فبحسب فريق الدفاع الخاص بسولافة تم التقدم بـ7 بلاغات يوم السبت 30 كانون الثاني/ يناير. واتهم فريق الدفاع عدداً من الضباط وأفراد الشرطة العاملين في السجن، بالتعدي بالضرب واستعمال القسوة والتحرش، ضد سولافة على النحو الذى ذكرته في أقوالها في المحكمة يوم جلسة النظر في تجديد أمر حبسها.

الصحافية سولافة مجدي وزوجها

ونقل البلاغ عن سولافة أنها “فوجئت فى نحو الساعة 11 مساء يوم 29 تشرين الثاني 2020، بحضور ثلاث سجانات إلى زنزانتها أخذنها خارج العنبر، وقمن بوضع غمامة على عينيها، واصطحبنها إلى غرفة، حيث تحدث معها شخص لم تتمكن من رؤيته بسبب الغمامة، وقال لها أنا اللي هخرجك من هنا لو سمعتي كلامي، وعايزك تجاوبي على كل الأسئلة اللى هسألها ليكي”.

وتابعت سولافة في أقوالها أمام المحكمة، والتي نقلها البلاغ: “هذا الشخص المجهول كان عايزني اشتغل معاه مرشدة، وأبلغه بأسماء ناس وبيروحوا فين، وبيعملوا إيه، ولما قلت له أنا مش مخبرة ومش هعمل كده هددني إني مش هشوف ابني تاني، وهددني بزوجي أيضاً”. وأشارت سولافة إلى أن هذا الشخص قام بالتحرش بها، لكنها لم تصف أفعال التحرش التي تعرضت لها. 

كما ذكرت للمحكمة، طبقاً لما ورد في البلاغ، أنه أثناء خروجها من السجن لحضور جلسة تجديد الحبس يوم 19 كانون الثاني 2021 تم التنكيل بها والتعدي عليها، بحجة تفتيشها، إذ أجبرتها السجانة على خلع جميع ملابسها بما في ذلك ملابسها الداخلية، وبعد التفتيش قام أمين شرطة بجرّها من غرفة التفتيش حتى عربة الترحيلات.

وأشارت إلى أنه سبق تعرّضت للكشف القسري على الرحم وأصيبت بنزيف بسبب هذا الكشف، بخاصة أنها سبق أن أجرت عملية استئصال ورم بالرحم قبل ذلك.

ونقل البلاغ عن والدة سولافة أنها عندما زارتها في محبسها يوم 27 كانون الثاني/ يناير 2021 وجدتها في حالة إعياء شديدة وقامت اثنتين من السجانات بتسنيدها من اليمين واليسار، حتى تتمكن من الانتقال من عنبرها إلى مكان الزيارة داخل السجن، كما أبلغت والدتها أنها مصابة بنزيف حاد.

هذا الواقع نفته وزارة الداخلية المصرية في بيان لها معتبرة أن كل ما يقال هو “دعاية إخوانية إرهابية”، في إشارة تحاول ربط سولافة بجماعة الإخوان المسلمين.

هذا الوضع دفع بالمحامي الحقوقي خالد علي إلى طلب التحقيق في هذه الوقائع، وعرض سولافة على الطب الشرعي وإعداد تقرير عن إصاباتها المتكررة بنزيف الرحم.

وقال المحامي الحقوقي خالد علي، لـ”درج” إن سولافة فوجئت بما حصل معها عند الساعة 11 مساء يوم 29 تشرين الثاني 2020، حين اقتيدت معصوبة العينين لمقابلة شخص لم تره، حاول إقناعها بالعمل معه مرشدة والتبليغ عن أسماء ناس وتحركاتهم مقابل أن يساعدها. كما أنه تحرّش بها.

“كان قرار سولافة إن خالد ميعرفش ان هما محبوسين خوفاً على نفسيته،

وطلبت منّا أن نخبره إنهما خارج مصر من أجل العمل”.

ولفت علي إلى أنهم كفريق دفاع عن سولافة وحسام، تقدموا بطلبات عدة للنيابة والمحكمة وللنائب العام، لإخلاء سبيل واحد منهم مراعاة لمصلحة الطفل، لكن من دون رد، وأكد أن المادة 488 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه إذا حكم على والدَي طفل يقل عمره عن 15 سنة، فبإمكان المحكمة تأجيل عقوبة سجن أحدهما، ليكون حراً لرعاية الطفل.

وكانت قوات الأمن ألقت القبض على الصحافية سولافة مجدي وزوجها المصور الصحفي حسام الصياد ومعهما الناشط محمد صلاح، مساء يوم 26 تشرين الثاني 2019، أثناء توجههم إلى السيارة عقب خروجهم من مقهى في حي الدقي، في محافظة الجيزة، وقد اتهمتهم النيابة بالانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة.

خالد ما زال ينتظر

مع استمرار حبس والديه، لا يزال الطفل خالد يكتب الرسائل معتقداً أن والديه في رحلة عمل طويلة. وقد أخبرته تغريد زهران جدته لأمه، بما أوصت به الأم المعتقلة: “كان قرار سولافة إن خالد ميعرفش ان هما محبوسين خوفاً على نفسيته، وطلبت منّا أن نخبره إنهما خارج مصر من أجل العمل”.

كانت الرسالة الأولى لخالد منذ أشهر قال فيها: “صباح الخير يا ماما عاملة إيه؟ إنتي أغلى أم في الدنيا، أنا عارف إنك مسافرة دلوقتي، إنتي حبيبتي وأنا عارف إنك مش قادرة تعملي حاجة عشان انتي مسافرة، ولما ترجعي أنا مجهز لك مفاجأة ومخبيها لغاية ما ترجعي، أنا كان نفسي تفضلوا عشان تشتركوا لي في ملعب الكورة، وأنا بحبك يا ماما”. 

بين الرسائل السبع التي سجلها خالد لوالديه، لم يتوقف أبداً عن سؤال جدته، عن موعد عودتهما، يطالبها أن تخبره بيوم محدد، وألا تعطيه إجابة مفتوحة: “خالد حالته النفسية انهارت، بيسأل طول الوقت ابوه ومامته هيرجعوا امتى، وبقى يطلب مني أقولو يوم محدد، وبقا حاسس إن فى شيء مش مفهوم، لان حتى مامته وباباه لما كانوا بيسافروا للعمل كانوا بيتصلوا بيه، دلوقتي بقيت بقولوا إن المكان اللي هما فيه، ما فيهوش انترنت، ولما يلح في سؤال هيرجعوا امتى، بقيت بقولوا أن المطارات مقفولة عشان كورونا فهما مش عارفين يرجعوا دلوقتي، والكذبة تكبر يوم بعد يوم ومش عارفة امتى هتخلص”. 

لم تستطع سولافة أن تستمع إلى رسائل خالد التي باتت منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنها تعلم تفاصيل هذه الأمنيات المغُلفة بالفقد وطلب الرجوع من والدتها أثناء الزيارة الشهرية التي لم تتخطَّ مدتها الـ15 دقيقة، ولم تستطع أن تفعل شيئاً سوى الرد عليها في رسالة استطاعت أن تجد حريتها، من داخل عنبر 8 في سجن القناطر، من دون أن يمسك بها أحد. كتبت سولافة على ورقة بيضاء غير مخططة كعادة أوراق الدفاتر، بقلم جاف لونه أحمر، زينته بنجوم خضر: “أنا آسفة يا حبيبي لإننا مش عارفين نكون معاك، إحنا مسافرين، عشان نعمل لك حياة حلوة جديدة، لما نرجع قريب، هنتفسح كتير ونشتري كل الألعاب اللي نفسك فيها”.

آخر رأس سنة لخالد مع أسرته، 31 كانون الأول/ ديسمبر 2018- التقطت الصورة الصحافية سولافة مجدي.

من رحم الثورة

حكاية ارتباط سولافة وحسام، بدأت في إحدى المسيرات في مدينة الإسكندرية عام 2010، خلال الاحتجاجات على مقتل الشاب خالد سعيد على يد قوات الأمن، الذي كان شرارة ثورة 25 يناير.

تزوجت سولافة من حسام الصياد الذي يعمل مصوراً صحافياً، في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر 2012، ومرت ذكرى زواجهم الثامنة عليهما وكل واحد منهما في سجن بعيداً من الآخر، وعلى رغم أنهما محبوسان على ذمة قضية واحدة، إلا إنهما لم يريا بعضهما بعضاً منذ لحظة القبض عليهما، سوى مرة واحدة.

وجّهت سولافة رسالة يوم 14 شباط/ فبراير 2020 تطلب فيها السماح لها برؤية زوجها: “ثمانون يوماً مضوا لم أرى فيهم زوجي وحبيبي ورفيقي حسام المتهم معي في نفس القضية، ثمانون يوماً مضوا، قرر فيهم أحدهم فصلنا عن بعضنا في جلسات تجديد الحبس لسبب لا يعلمه كلانا.. ما الذي تخشوه؟ حديثنا عن أحوالنا في السجن؟ أم حديثنا عن مصير ابننا الوحيد ذو السنوات الـ6 والذي لا يعلم أننا سجناء؟ أرغب في مقابلة زوجي، حيث أنني أحاول جاهدة كل يوم محو صورته في مخيلتي وهو مكبل اليدين معصوب العينين يجره أفراد الأمن قبل أن تعصب عيناي وأكبل”.

تدوير سولافة

في 30 آب/ أغسطس الماضي، قررت نيابة أمن الدولة العليا تدوير سجن سولافة على ذمة قضية جديدة تحمل الرقم 855 لسنة 2020، حصر أمن دولة عليا في قائمة الاتهامات ذاتها، إلا أنها التزمت الصمت كما قال المحامي الحقوقي خالد علي. 

تواجه السلطات المصرية اتهامات بإعادة تدوير القضايا ضد المعارضين لتمديد فترات احتجازهم. ومصطلح التدوير يستخدم للإشارة إلى حالات يصدر فيها قرار بإخلاء سبيل سجين سياسي أو سجين رأي، وهو قرار يتأخر عادة، وبعد أن يدخل المعتقل في إجراءات إخلاء السبيل التي تتخللها فقرات غير قانونية، يفاجأ بعرضه أمام النيابة متهماً في قضية جديدة، ربما بالاتهامات القديمة ذاتها، أو اتهامات جديدة. قد ينال المعتقل حريته لبضعة أيام أو شهور قبل أن يعاد القبض عليه وسجنه من جديد، وربما لا يخرج بتاتاً ولو لساعة فيجد نفسه محولاً للسجن من جديد.

دخلت ظاهرة تدوير المعتقلين في مصر، عبر ضمّهم إلى قضايا جديدة بعد إخلاء سبيلهم، مرحلةً جديدة مع تكرار حدوثها مع أكثر من سجين. لا عدد رسمياً لعدد القضايا التي تم تدويرها لكنها بالعشرات ويمثّل هذا النمط ظاهرة جديدة متصاعدة وهي بدأت مع سجناء سياسيين ونشطاء معروفين مثل علاء عبد الفتاح وأحمد دومة وشادي أبو زيد ومحمد عادل وشريف الروبي. منظمات حقوقية كثيرة انتقدت هذه الإجراءات واعتبرتها قضايا مفتعلة تهدف إلى إبقاء هؤلاء النشطاء والمعارضين في السجون لأطول فترة ممكنة. 

“خالد حالته النفسية انهارت، بيسأل طول الوقت ابوه ومامته هيرجعوا امتى،

وبقى يطلب مني أقولو يوم محدد، وبقا حاسس إن فى شيء مش مفهوم…”.

“منظمة العفو الدولية” أصدرت تقريراً بعنوان: “ما تموتوا ولا تولعوا؟ الإهمال والحرمان من الرعاية الصحية في السجون المصرية“، وجاء صدوره مع مرور عشر سنوات على اندلاع انتفاضة عام 2011 في مصر، وهو يرسم صورة قاتمة لأزمة حقوق الإنسان في السجون المصرية، التي ملأتها حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي برجال ونساء كانوا في طليعة صفوف النضال من أجل العدالة الاجتماعية والسياسية. 

تقصَّت “منظمة العفو الدولية” حالات وفاة 12 شخصاً أثناء احتجازهم أو بعد وقت قصير من الإفراج عنهم، ولدى المنظمة علم بحالات 37 شخصاً آخرين تُوفوا عام 2020، ولكن المنظمة لم تتمكن من الحصول على موافقة أهاليهم على نشر قصصهم، خوفاً من الأعمال الانتقامية. وتشير تقديرات جماعات حقوق الإنسان المصرية إلى أن مئات الأشخاص تُوفوا في أماكن الاحتجاز منذ عام 2013، بينما ترفض السلطات الإفصاح عن أي معلومات بخصوص أعداد الوفيات، أو إجراء تحقيقات فعَّالة ووافية ونزيهة ومستقلة بخصوص هذه الوفيات.

أكثر من 400 يوم حبس

مضى أكثر من 400 يوم حبس احتياطي حتى الآن على الزوجين سولافة وحسام، وتعالت الأصوات المطالبة بالإفراج عنهما، أو عن أحدهما، لمصلحة الطفل الذي بقي وحده من دون والديه. يقول المحامي الحقوقي، كريم عبد الراضي: “وضع المشرع الحبس الاحتياطي حتى يكون إجراء احترازياً لضمان سير التحقيق وسلامته، ويجب أن تتوافر أسباب وأدلة حقيقة على استخدامه، واشترط المشرع أن تكون هناك أدلة ترجح الإدانة. لكن في حالة سولافة وحسام لا أدلة ترجح الإدانة وما يحدث معهما أشبه بالاعتقال الإداري الذي يستهدف معاقبتهما على عملهما الصحافي، من دون محاكمة أو تحقيق وخصوصاً إذا كان يستند فقط على تحريات الأمن الوطني كدليل وحيد على الادانة، وقانوناً هنا التحريات وحدها لا تصلح لتشكل دليلاً مستقلاً بذاته. وبالنظر إلى حالتهما كأب وأم، نجد أن هذا التعسف والإساءة في استخدام الحبس الاحتياطي بشكل غير قانوني وغير إنساني جعله عقوبة أخرى لتشمل طفلهم الذي حرم منهما كل هذه الفترة، من دون إدانة حقيقية”. 

تتم سولافة 34 سنة، وهي تستقبل ذكرى عيد ميلادها للمرة الثانية في السجن. في اليوم ذاته العام الماضي كتبت رسالة وصفتها بالعهد، “أتمنى أن أكون في نهاية هذا المطاف وأن يكون الثمن الذي ندفعه من حريتنا فداء لكل شخص يستحق أن يعيش حراً… لم أذنب لأنني صحافية مدافعة عن حرية الصحافة والرأي، السجن ليس رفاهية ولكن السجن عمره ما هيكسرنا.. فخورة لكوني صحفية وفخورة، لكوني سجينة سياسية وسنظل نحب هذا الوطن رغم السجن والسجان”.

رسالة سولافة من سجنها

لفتت الأم التي أنهكت من هذه الرحلة الثقيلة الشبيهة بالكابوس كما تصفها، إلى أن ابنتها سولافة صحتها الجسدية في خطر وتعاني من نزيف منذ شهر آب الماضي، ومع ذلك إدارة السجن ترفض دخول طبيب لرؤيتها، أو السماح لها بالخروج لإجراء فحوص طبية وتحاليل على حسابها الخاص. 

وكانت الرسالة السابعة لخالد، فيديو بمناسبة عيد ميلاد سولافة، حمل لها هدية في المقطع المصور، وكانت هذه الهدية، لعبة سولافة المفضلة وهي طفلة. احتفظت بها والدتها طوال الـ34 سنة الماضية: “كل سنة وإنتي طيبة، النهاردة عايز اوريكي هدية عيد ميلادك، لعبتك اللي كنتي بتلعبي بيها من وإنتي صغيرة، أنا عارف إنك بتحبي اللعبة دي، انتي تستحقيها وانا ابعتهالك يوم عيد ميلادك”. لكنه لم يخبرنا، كيف سيرسل لها الهدية؟ 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.