fbpx

ميقاتي لصحيفة ألمانية: أنا أبو الفقير وأخوه الكبير

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أهمّ وأسعد لحظة في حياتي كانت عندما وافق بنك الإسكان المحلّي على تقديم قرض سكنيّ لابني وابن شقيقي في وقتٍ قصير نسبياً ومن غير إجراءات معقّدة. كانت فرحة لا تُوصَف.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هذه المقابلة هي من نسج خيال كاتبها، وهي وإن كانت لا تمت للحقيقة بصلة، إلا أنها راودت الكاتب على وقع أحداث طرابلس، الأحداث التي قال على إثرها ميقاتي، إنه قد يضطر إلى حمل السلاح ليحمي مؤسساته في المدينة. وعندها استجمع الكاتب ذاكرته عن السياسي الطرابلسي، وألف منها هذه الرواية المتخيلة.


أجرت صحيفة “در شتغوديل” الألمانية مقابلة شيّقة مع رئيس الحكومة اللبناني السّابق نجيب ميقاتي من ضمن سلسلة حوارات مع أثرياء من أنحاء العالم. وفي ما يلي ترجمة لتلك المقابلة كما نُشرت في المجلّة المذكورة:

س – سيّد ميقاتي، لو طُلبَ منك التّعريف عن نفسك بسطر واحد فماذا تقول؟ 

ج – نجيب ميقاتي من مواليد طرابلس الفيحاء. أحب بلدي وأريد الخير له. تولّيتُ رئاسة الحكومة في ظروف صعبة. تزوّجتُ وأنجبت ووفّقني الله لإقامة عرس أسطوري لابني.

س – حسناً، لنعد إلى البدايات، أنت الآن من أثرياء العالم واسمك يرد دوماً في لائحة الأثرياء الكبار في مجلّة “فوربز” الأميركية سنوياً، كيف جمعتَ هذه الثروة الهائلة؟

ج – في الحقيقة، لا يُوجد ثريّ في العالم يُجيب بصراحة عن سؤالٍ كهذا. فالبدايات أمور خاصة جدّاً لا يعرفها إلا الشخص المعني وأقرب المقرّبين إليه، أي الذين قبروا الشيخ زنكي سوياً معه كما يُقال عندنا (ههههه). أما عن الثروة فأنا لم أسعَ إليها، بل هي التي أتت إليّ بتوفيقٍ من الله سبحانه وتعالى، فهو يُعزّ من يشاء ويُذلّ من يشاء.

س – ما هو العامل الرئيس وراء تمكّنك من جمع هذه الثروة التي “أتتك” في بلدٍ صغير يخلو من الموارد الطبيعية ومن الصناعات المتقدّمة ومن سجلٍ للاختراعات الحديثة، لا بل يمرّ بأزمات سياسية واجتماعية مستعصية لسنوات؟

ج – شيء واحد لا أملّ من تكراره: رضا الله ورضا الوالدين، وأضيف إليهما دعوات الأم الصّالحة، بخاصةً في شهر رمضان المبارك، شهر الفضيلة والتّقوى والمسلسلات والاستجابة للدّعوات من الأمّهات الفاضلات.

س – حسناً، هل كنت متفوّقاً بشكلٍ خاص في الدّراسة، وهل أظهرت نبوغاً علمياً أو أدبيّاً في مجالٍ ما؟

ج – كلا. في الحقيقة كنتُ تلميذاً عاديّاً، مثل كثيرين من أقراني. متوسّط الجهد ومتوسّط النّجاح. لم أُتعِب نفسي بالدراسة الجادة ولم أتميّز بشيء، لا في المدرسة ولا في الجامعة. ولو قلت لكم غير ذلك لكنت أكذب. وهناك أشخاص عايشوني في فترات الدراسة ويتعجّبون الآن ويقولون كيف لنجيب ميقاتي الذي نعرفه، الباهت والصامت والمنزوي، أن يُصبح بهذا الغنى الفاحش؟ أنا أتفهّم الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن عندما صرّح أنه كان تلميذاً متوسّط النجاح وأن علامته لم تتجاوز درجة “سيئ”. وبالمناسبة، الأوّل في صفّه عندنا يُصبح عادةً أستاذ ثانوية مُكافِحاً من أجل اللقمة أو موظفاً صغيراً بالكاد يجد ما يسد رمقه ويقي عائلته الجوع والحرمان، فالحمد لله أنني لم أكن من الأوائل في الصّف (ههههه).

إقرأوا أيضاً:

س – حسناً، كيف تلخّص فلسفتك السياسية؟

ج – لا أملك فلسفة سياسية. هذه كلمة كبيرة ولا أحبها. عموماً أنا لا أحب التطرّف والمواقف الحادّة والقاطعة والحاسمة. أبحث دائماً عن شعرة معاوية وأتمسّك بها. أنا من دعاة السُّترة (غير الجاكيت، ههههه) وأن لا تعرف يدك اليمنى ماذا فعلَت اليسرى. وكلّ من أخذ أمّي أقول له يا عمّي. أنا أؤمن بالوسطيّة والاعتدال والتّوافق والتّراضي والتّنازل (ما عدا في التعاملات المالية) والتّسامح والنّأي بالنّفس.

س – هل يُمكن أن تشرح ماذا تعني بشعار “النّأي بالنّفس”؟

ج – الشعار يعني ببساطة أن تنأى بنفسك عن المشكلات ووجع الرّأس والقيل والقال و”تمشي الحيط مع الحيط وتقول يا ربّ وصّلني عالبيت”، وألا تتدخّل في ما لا يعنيك، و”تنام بكّير وتفيق بكّير وشوف الصحة كيف بتصير”.

س- حسناً، هل من شعار آخر أثير لديك؟

ج – نعم. هناك مقولة لم يملّ الزّعيم اللبناني الراحل بيار الجميّل من تردادها تقول: قوّة لبنان في ضعفه. وأنا حوّرت فيها قليلاً لتُصبح: قوّة لبنان في وسطيّته. الوسطيّة مهمّة جداً. قوّة الأنثى في هزّ وسطها (ههههه).

س- هل يُمكنك تقديم مثال على هذه الوسطيّة؟

ج – في إحدى المرات منذ سنين عندما احتكرنا، شقيقي وأنا، بيع أجهزة الخليوي في لبنان بتسهيل وتعاون ورعاية من أرباب الوصاية السورية رحمها الله وأحسن إليها – كما أحسنَت إلينا – وأدخلها فسيح جنّاته، اقترح أخي فرض مبلغٍ من المال على كلّ مشترك يُدفَع سلفاً عكس كلّ البلدان، وحدّده آنذاك بمبلغ 600 دولار. واقترح موظّف آخر فرض مبلغ 400 دولار. ولما جاء دوري للكلام، اقترحتُ حلا وسطيّاً يقضي بفرض مبلغ 500 دولار على كل مشترك، وذهبت كلّ هذه الأموال إلى جيوبنا مباشرة وحقّقنا أرباحاً خرافيّة لم نكن نحلم بها. والباقي تاريخ كما يقولون (ههههه).

س – ماذا فعلتَ لبلدك بخاصّة أنك من طرابلس التي عانت تاريخياً من إهمالٍ رسمي مجحف على جميع الأصعدة وها هي تشهد أعمال عنف واحتجاجات مكثّفة؟

ج – أوه. فعلتُ الكثير، الحقيقة أنني أبو الفقير وأخوه الكبير. لا أعرف من أين أبدأ بتعداد ذلك لكم. هل أحدّثكم عن محاربة الفقر والمرض والبطالة بلا هوادة؟ أم أحدّثكم عن المدارس المجانية والجامعات المتطوّرة والمستشفيات والمستوصفات الحديثة والمنح الدراسية الجامعية في بلدان العالم ووظائف العمل المتنوعة وعلاج المرضى وشقّ الطرق وإنشاء الآبار وضمان الشيخوخة ورحلات الحج المجانية والحصص الغذائية في رمضان وخارجه ومن دون جميلة المواسم الانتخابية؟ لا أود الحديث عن كل ذلك لأن فاعل الخير في ثقافتنا وتربيتنا البيتية لا يُصرّح بما تفعله يداه.

الحقيقة أنني أبو الفقير وأخوه الكبير. لا أعرف من أين أبدأ بتعداد ذلك لكم.

س – لماذا إذاً ينتفض الناس ويصل الفقر إلى نحو 60 في المئة من السكان ولا تعرف المدينة صرحاً واحداً مفيداً أو مشروعاً منتجاً على مدى سنوات؟

ج – الأسباب تاريخية ولا يتّسع لها المجال هنا. الجميع يتألّمون الآن. ما يحصل في الفترة الأخيرة من أعمال يندى لها الجبين وتتألم القلوب وتدمع العيون، بالتّأكيد لا يصب إلا في خانة المصطادين في المياه العكرة. والمدينة تشهد على ذلك. أمنيتي القلبية الصادقة أن تصبح طرابلس جنّة بكل معنى الكلمة. ولكن العين بصيرة واليد قصيرة.

س – إذا كانت يد نجيب ميقاتي قصيرة فماذا نقول عن الأيدي الأخرى؟

ج – أقصد أن حجم المعاناة أكبر بكثير من قدرة فرد على الحلول محل الدولة. في كل حال، جمعية “العزم” سوف تضع كل إمكاناتها من أجل إعادة الإعمار والتّأهيل واستتباب الأمن للمواطنين الأعزاء.

س – حسناً، ما هي أسعد لحظة في حياتك؟

ج – هممم. هناك الكثير بالطّبع. أهمّ وأسعد لحظة في حياتي كانت عندما وافق بنك الإسكان المحلّي على تقديم قرض سكنيّ لابني وابن شقيقي في وقتٍ قصير نسبياً ومن غير إجراءات معقّدة. كانت فرحة لا تُوصَف. واجتمعنا في البيت واحتفلنا كعائلة وحمَدنا الله على هذا التّوفيق العظيم.

س – ولكن، عفواً، سيّد ميقاتي، أنتَ من أثرى أثرياء العالم، ويُقال إنك صرفت مبلغ 25 مليون تقريباً على عرس ابنك الذي أقمته خارج بلدك، وها هو نفسه يطلب قرضاً من بنك الإسكان في الدّولة؟ أليس هناك من يستحق هذا القرض أكثر منه من الفئات المحتاجة ومن الشباب ذوي الدّخل المحدود؟

ج – اسمحوا لي أن أسجّل استغرابي لهذا السؤال، “شو جاب طزّ لمرحبا؟” عفواً، أنا لا أتكلّم عادةً بهذه الحدّة ولكنكم أخرجتموني عن طوري هنا! إذا كنتُ غنيّاً ومرتاحاً بنعمةٍ من نعم الله سبحانه وتعالى، وإذا رغبتُ في إسعاد ابني بعرس عرمرميّ من “كعب الدّست”، ومن عدّة ليالٍ ملاح، تعج بالبسط والانشراح، وينعقد فيها اللسان عن الكلام المباح، فهل يجب أن يتخلّى ابني عن حقه الشرعي والقانوني في طلب سلفة مثل غيره من المواطنين على قدم المساواة؟ نحن دوماً تحت سقف القانون وهو استشارني قبل أن يتقّدم بالطلب، فشجّعته بقوّة لأن ما فعله قانوني مئة في المئة ولا غبار عليه مطلقاً! ثمَّ، من قال لكم إن الثّري من أمثالي لا يُحبّ التّوفير والادّخار و”الشّحتفة واللّحسة” ومصّ الأصبع وتدوير الزّوايا واقتناص الفرص ودكّ الفلوس قرشاً قرشاً في القصبة؟ ولماذا يُحرَم ابني من حقوقه كمواطن إذا كان والده ثريّاً، وما ذنبه ليتعرّض للمساءلة إذا طلب سلفة من هنا أو هناك؟

شيء واحد لا أملّ من تكراره: رضا الله ورضا الوالدين، وأضيف إليهما دعوات الأم الصّالحة.

س – حسناً، أذكر لنا لحظة سعادة أخرى قمتَ فيها بشيءٍ غير متوقّع؟

ج – نعم. أذكر سعادتي الغامرة عندما عملتُ سائقاً خاصاً…

س- نجيب ميقاتي اشتغل كسائقٍ خاص، هذا لا يُصدَّق!

ج – ههههه، كان ذلك  لفترة قصيرة لا تتجاوز ربع ساعة تقريباً تطوّعتُ فيها لخدمة صديقٍ لي يُدعى شادي المولوي، فأخذته بسيّارتي لدى إطلاق سراحه من السّجن بعدما أمضى فيه فترة زمنيّة بتهمة ظالمة نُسبَت إليه وهو منها بريء. وكما تقول فيروز: أنا وشادي كزدرنا سوا، ولعبنا على الثّلج وركضنا بالهوا، وأنا صرت إكبر وشادي بعده صغيّر. هاجمني كثيرون حينذاك بسبب شبهات إرهابية قويّة حامت حول شادي، ولكنني التزمتُ الصّمت ولم أردّ، عملاً بقول السيّد المسيح: من ضربك على خدّك الأيمن، در له الأعسر.

س – حسناً، هل تفكّر في وهب جزء من ثروتك الكبيرة في حياتك لبلدك أو للمنفعة العامة؟ أسألك ذلك لأن تيد تيرنر قرَّرَ، على سبيل المثال، منذ سنوات عندما بلغت ثروته 3 بلايين دولار، أن يمنح مليار دولار إلى الأمم المتّحدة، وقال إنه سيبقى ثرياً جداً بملياري دولار ولا يحتاج إلى المليار الثالث. هل تفكّر في فعل شيءٍ مشابه؟

ج – عفواً، من هو تيد تيرنر؟

س – مؤسّس قنوات “سي أن أن”.

ج – آه. هو حرّ في ماله كما أنا حرّ في مالي. والله لا يُكلّف نفساً إلا وسعها.

س – حسناً، سيّد ميقاتي، أفهم من كلامك أن والدة تيد تيرنر الصّالحة شملت الأمم المتّحدة في دعواتها المستجابة؟

ج – أنا لا أعرف تيد ولا أعرف والدته! أسئلتكم تقترب من الوقاحة. هذه المقابلة انتهت.

إقرأوا أيضاً: