fbpx

السجن 30 سنة : “زطلة” أخطر من الإرهاب في تونس!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“هؤلاء الشباب لا يحتملون أكثر، يُقتلون ويُدفنون أحياءً ويرسلون يومياً إلى الموت والهلاك، لقد حان الوقت ليستفيق الجميع ويوضع حد لهذا العبث”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لقد دفنت ابني حياً، ليته مات ودفنته بيدي، ولا يحدث هذا معه. لم يفعل شيئاً يستحق أن ينال هذه العقوبة المدمرة، إنها مجرد سيجارة، مجرد غلطة صغيرة، أرجوكم سامحوه أرجوكم ساعدوني ليخرج من السجن أرجوك يا قيس سعيد أنجدني، لقد أحرقوا كبدي، إنها 30 سنة، هل سيجدني على قيد الحياة بعد هذه السنوات لأراه؟ أرجوكم ارفعوا هذه المظلمة لا أستطيع تحمل هذا”. 

هكذا عبرت والدة فيصل عن حرقتها وحزنها لما بلغها نبأ محاكمة ابنها ومجموعة من الشباب بثلاثين سنة سجناً، بسبب تعاطيهم سيجارة “زطلة” (القنب الهندي) في أحد الملاعب. لم تصدق السيدة ولم تستوعب أن مستقبل ابنها قد يضيع بسبب سيجارة حشيش، وأن القضاء التونسي قد بلغ هذا الحد من فقر الاجتهاد، ليفرض هذه العقوبة القاسية متناسياً أن الأحكام الصادرة عنه تأديبية هدفها الإصلاح وليس التدمير. 

كانت المحكمة الابتدائية في محافظة الكاف (شمال غربي) أصدرت حكماً بالسجن ثلاثين عاماً في حق ثلاثة أشخاص (بينهم فيصل) الأربعاء 20 كانون الثاني/ يناير في قضية استهلاك “الزطلة” (الحشيش/ القنب الهندي) في ملعب رياضي في المنطقة، لتثير بذلك ضجة كبيرة في البلاد وتعيد الجدل مجدداً بشأن القوانين المنظمة لعقوبات استهلاك المخدرات في البلاد وبخاصة الفصل 52.

“هل سيجدني على قيد الحياة بعد هذه السنوات لأراه؟ أرجوكم ارفعوا هذه المظلمة لا أستطيع تحمل هذا”. 

ولم تكن والدة فيصل الوحيدة التي صدمت من جور هذا الحكم، بل امتد الغضب والتنديد إلى كثيرين أدانوا بشدة هذا الحكم وأطلقوا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي وتداولوا هاشتاغ “الحبس-لا، بدل (غيّر) 52″ ودعوا إلى التظاهر والاحتجاج ضد هذا الحكم القضائي. كما انضمت والمنظمات الحقوقية إلى صف رافضي هذا الحكم ووصفوه بـ”المجحف” في حق الشبان وطالبوا بالتعديل الفوري للقوانين.

وأمام ردود الفعل الكبيرة سارع مساعد وكيل الجمهورية والناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية في الكاف، فوزي الداودي لتبرير ما حصل بالقول إن “سبب الحكم هو أن القضية ليست مجرد قضية استهلاك، بل استغلال ملعب رياضي لتعاطي مواد مخدرة وأن الحكم جاء بناء على قانون 52”.

وطبقا لأحكام الفصل الرابع من القانون رقم 52 المؤرخ في 18 كانون الثاني/ يناير 1992، يعاقب بالسجن من عام إلى خمسة أعوام وبخطية من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار كل من استهلك أو مسك لغاية الاستهلاك الشخصي نباتاً أو مادة مخدرة في غير الأحوال المسموح بها قانوناً والمحاولة موجبة للعقاب. وبحسب الفصل السابع من القانون ذاته، يعاقب بالسجن مدة تتراوح بين 10 إلى 20 سنة كل من خصص أو استعمل أو هيأ مكاناً لاستغلاله في تعاطي مواد مخدرة أو ترويجها. فيما ينص الفصل 11 من القانون نفسه على تطبيق أقصى العقوبة لمرتكب هذه الجريمة في أماكن عامة أو ملاعب رياضية.

وبالتالي فإن القاضي حكم على الشبان الثلاثة بـ5 سنوات سجن بسبب الاستهلاك و5 سنوات أخرى بسبب الحيازة، يضاف إليها 20 سنة لاستهلاك المواد المخدرة في ملعب رياضي من دون أي اجتهاد لتكون الحصيلة 30 سنة.

إقرأوا أيضاً:

ويذكر أن “القانون 52” صدر عام 1992 أثناء حكم زين العابدين بن علي ونص على عقوبة السجن لعام على الأقل للإدانة بتهمة “استهلاك المخدرات” ومنع القضاة من أخذ أي ظروف تخفيفية في الاعتبار. ومنذ ذلك الوقت تعمم تطبيقه وأدى إلى سجن آلاف الشبان سنوياً، غالباً بسبب استهلاك “الزطلة”. وعام 2017 وعلى وقع ضغط المجتمع المدني تم إلغاء الفصل 12 من القانون القاضي بعقوبات سجنية ضد المستهلكين، وأصبح للقضاة سلطة تقديرية تعطيهم الحق في تخفيف العقوبة السجنية. كما فتح المجال أمام المتهمين باستهلاك المواد المخدرة أو حيازتها، أو المتردد على مكان مخصص لتعاطي المخدرات، لإمكان الإفراج والعفو عنهم ومنحهم فرصة جديدة. وهو ما تغاضى عنه القاضي وسلط العقوبة القصوى من دون اكتراث للتنقيحات التي طاولت القانون عام 2017 الأمر الذي أثار حفيظة التونسيين الذين وجدوا أن الحكم انتقامي وليس عادلاً. 

هذا ما أكده نائب رئيس “الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان” المحامي بسام الطريفي الذي اعتبر أن القاضي كان بصدد التشفي من الشباب ولم يطبق القانون كما يجب.

وقال لـ”درج”، “30 سنة سجن من أجل سيجارة زطلة! إنه أحد أسوأ الأحكام وأكثرها قسوة التي قد أراها في حياتي. درجة التشفي التي بلغها القاضي في هذه القضية فاقت كل معايير الصرامة. أن يقرر بكل ثقة أن جريمتي المسك والاستهلاك، تنطبق عليهما الفصول التي تتضمن ظروف تشديد (الفصل 7 والفصل 11 من قانون 52)، والحال أنها فعلة واحدة يمكن الحكم فيها بعقوبة مؤجلة التنفيذ، معنى ذلك أننا لم نكن أمام تطبيق للقانون بل في مواجهة قلة ذوق وتنكيل موجب للمؤاخذة التأديبية”.

الطريفي أوضح أن القانون لا يزال يعاقب بالسجن إلى حدود خمس سنوات بسبب الاستهلاك وقد تم تنقيح القانون لمنح القاضي حرية اختيار العقوبة المناسبة من دون التقيد بالسجن أو أي عقوبة سالبة للحرية، وهو ما تجاهله القاضي وذهب إلى العقوبة القصوى. 

إقرأوا أيضاً:

واعتبر أن “القانون رقم 52 بصدد تدمير مستقبل الكثير من الشباب” ولا يزال يتضمن عقوبات قاسية لا تتلاءم مع التهم، على رغم تنقيحه عام 2017، داعياً البرلمان إلى إعادة النظر فيه ووضع استراتيجية واضحة للوقاية والعلاج من المخدرات والتكفل بمعالجة المدمنين. 

يمثل المدانون بتدخين “الزطلة” نحو ثلث نزلاء السجون التونسية، وأكثر من نصف الموقوفين على ذمة القضاء، بحسب تقرير سابق لمكتب المفوضية الأممية السامية لحقوق الإنسان بتونس. وأوضحت آخر الدراسات التي صدرت عن خلية علوم الاجرام في مركز الدراسات القانونية عام 2020 أن من بين 25 ألف موقوف هناك 8 آلاف موقوف بتهمة استهلاك المخدرات أو ترويجها، 9 من 10 هي قضايا استهلاك وأغلبها قضايا استهلاك زطلة.

أثبتت هذه الدراسة أن 30 في المئة من المستهلكين هم من الشريحة العمرية بين 18 و35 سنة أي قرابة مليون مستهلك، وأن نسبة التعاطي تتركز لدى الشريحة العمرية بين 13 و18 سنة بنسبة 57 في المئة، وتقل تدريجياً لدى الشريحة العمرية بين 18 و25 سنة بنسبة 36.2 في المئة و4.7 في المئة بين 25 و35 سنة إلى نسبة 2 في المئة لدى الشريحة العمرية بين 35 و50 سنة. وذكرت الدراسة أن الزطلة أكثر المواد المخدرة استهلاكاً بنسبة 92 في المئة يليها الكوكايين ثم الهيرويين.

وأظهرت دراسة أخرى أعدتها منظمة “الارت انترناشونال” حول واقع الخدمات التعليمية في المرحلة الثانوية، وشملت ثلاثة معاهد ثانوية بكل من دوار هيشر في محافظة منوبة (شمال)، وحي النور في محافظة القصرين (وسط)، إلى معهد في محافظة تطاوين (جنوب)، أن نسبة كبيرة من التلاميذ يتعاطون المخدرات داخل المعهد في المعتمديات الثلاث، إذ صرح 76.1 في المئة من التلاميذ في دوار هيشر و69.5 في المئة في حي النور و59.9 في المئة في تطاوين الشمالية أنهم استهلكوا المخدات داخل المعهد في حين صرح 95.5 في المئة من التلاميذ بدوار هيشر و91.5 في المئة في حي النور و78.1 في المئة في تطاوين الشمالية أنهم تعاطوا المخدرات أمام المعهد.

من بين 25 ألف موقوف هناك 8 آلاف موقوف بتهمة استهلاك المخدرات أو ترويجها.

يرى مراقبون أن هذه الأرقام وغيرها تؤكد أن القانون 52 لم ينجح في ردع الشباب عن تعاطي المخدرات وأثبت فشله، وأن الدولة مطالبة بالبحث عن سبل وآليات جديدة للتعامل مع هذه المسألة وأولها تعديل هذا القانون الذي يهدد بتدمير مستقبل الشباب.

رئيس حزب الورقة (حركة سياسية شبابية تراهن على مسألة تقنين القنب الهندي في تونس) وأستاذ القانون قيس بن حليمة أدان بشدة الحكم الذي طاول مجموعة الشبان محذراً من غضب الشباب.

وقال لـ”درج”، “في تونس يمكن أن تتورط وتثبت إدانتك في جرائم إرهابية ولا تتجاوز عقوبتك 10 أو 15 سنة على أقصى تقدير، يمكنك أن تغتصب وتسرق وفي بعض الحالات أن تقتل من دون أن تصل عقوبتك إلى 30 سنة سجن، قد تكون أحد مكونات السلطة وتسرق الشعب بكل وضوح وعلى رغم ذلك لا تعاقب ولو بيوم سجن واحد ولا تطاولك أي تتبعات جزائية، لكن يكفي أن تدخن سيجارة زطلة على أرضية ملعب حتى تعاقب بـ30 سنة سجن”.

ويضيف “إنها مأساة جديدة تضاف إلى حصيلة قانون 52 الذي دمر حتى اليوم أكثر من 120 ألف عائلة والقائمة لا يبدو أنها ستتوقف، عقوبة بحجم 30 سنة سجن إنه رقم مفزع، كيف بوسع أي شخص تمضية هكذا عقوبة؟ أحد هؤلاء الشباب لم يتجاوز العشرين سنة، كيف بوسعنا بعد هذه المأساة إقناع الشباب بأن يثقوا مجدداً في الدولة والعدالة والمنظومة التي تحكمنا في تونس اليوم؟”.

ويؤكد أن استمرار العمل بهذا القانون وأمثاله سيعجل في حدوث الانفجار الاجتماعي، لشدة الاحتقان بين الشباب. “هؤلاء الشباب لا يحتملون أكثر، يُقتلون ويُدفنون أحياءً ويرسلون يومياً إلى الموت والهلاك، لقد حان الوقت ليستفيق الجميع ويوضع حد لهذا العبث”.

إقرأوا أيضاً:

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!