fbpx

في مقتل لقمان سليم: السوريون أهل القتيل!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قاتل لقمان هو قاتلنا نحن على الحقيقة والمجاز. نحن حصراً، وقبل كلّ الآخرين، لأنّنا تجرّأنا على طلب الحرية، على الحلم بها والسعي إليها، كما لقمان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عاجز أنا منذ أشهر طويلة عن الكتابة. عجز يمتدّ من طين مخيمات اللاجئين وحرائقها بين إدلب واليونان إلى جسارة ظالمينا وظالمي مدننا وناسها وخبزها وحبرها من طهران إلى دمشق إلى بيروت إلى آخر المدن، آخر اللغة وعجزها. صرتُ أرى في الحبر شهادة تبرئة لي من مصيري ومصائر هؤلاء الناس وتلك البلاد، وأنا ما عدت أريد تبرئة نفسي من شيء. لا من تلك المصائر ولا من خوفي وعجزي ولا من خيبتي مما إلنا إليه جميعاً، لاجئين ومقيمين، قتلى وأحياء، صامتين ومتجرئين وما بين بينهم كثيرون.

 لكن كيف يأتينا خبر مقتل لقمان هذا الصباح ونظلّ عاجزين عن الكتابة؟! كنّا ننتظر هذه المقتلة صباح كلّ يوم. ننتظرها ونعرف منفذها ومكانها وزمانها ونختبئ وراء شاشات هواتفنا وصفحات كتبنا وحدود بلاد لجوئنا البعيدة كلّما علمنا يقيناً، من دون دراية بالسبب، أنّ القاتل تأخّر يوماً آخر فقط. يوم فقط، لا أكثر ولا أقل. فالقاتل كان لا بدّ مقدماً على فعلته، فقد قتل بلاداً وناساً كثيرين قبل لقمان، فما الذي سيردعه عن آخر الشجعان الأنقياء من محبي الكلمة والحرية والحياة؟ لا أحد! لربّما لديه انشغالاته الإقليمية وأجندته المملوءة بالدّم، لكنّه آتٍ لا محالة. آتٍ ليسطر بدم لقمان صفحات جديدة في كتاب خيبتنا وعجزنا وسقوطنا المدوي، ولا من يسمع، إلى الهاويات جميعها.

ثمّ إنّ قاتل لقمان هو قاتلنا نحن على الحقيقة والمجاز. نحن حصراً، وقبل كلّ الآخرين، لأنّنا تجرّأنا على طلب الحرية، على الحلم بها والسعي إليها، كما لقمان.

قاتل لقمان سليم يعرفنا جميعاً. واحداً واحداً. بالاسم والكنية والعناد والخيبة. يعرفنا كما نعرفه. ويتخيّر لنا من مصائر السقوط، سقوطنا وأحلامنا وبلداننا، ما يشاء. يكتب هكذا بالدم مصير البعض، وللآخرين السجن والذلّ واللجوء. يريدنا أن نبتعد، أن نختفي، أن نكّف عن كوننا ما نحن عليه، ما نحسّه، ما نحلمه، ما نشتهيه لأنفسنا وأهلنا ومدننا. يريدنا أن نموت. قتلاً أو استسلاماً أو كمداً. لا فرق! فهذه البلاد لم تعد تتسع لهم ولنا معاً. يريدونها لهم وحدهم. وحين نعاندهم بالوجود يعاندوننا بالقتل. قتل من طينة طلقات في الرأس والظهر والصدر ودم غالٍ ونقي نخسره من أجسادنا جميعاً، من أحلامنا، من قدرتنا على البقاء أحياء بعد كلّ هذا القتل، هذا الدم، هذه الخيبة المفتوحة على قبور قتلانا وجراح أحيائنا والتي تكاد تلتهمنا بلا شفقة ولا رحمة، وكأنّنا لم نكن يوماً من أبناء البلاد، من حجارتها وبحرها وكلمات صحفها، وكأنّنا طارئون عليها. إما أن نهرب وإما أن نقتل.

لم يهوّن لقمان سليم على قاتله مهمته. وكيف يفعل؟! من يكون لقمان سليم ويساعد قاتله على أن يتراجع عن قتله، لو أمكن ذلك؟ ما الذي يبقى من لقمان الحرّ المتفرّد لو فعل؟ ثم إنّ لقمان سليم لم يصدّق أنّ قاتله سيتجرّأ على قتله. على إسالة دمه. على رغم انتظاره إياه، لم يصدّق أنّه قادرٌ على فعلته وراغبٌ بها. وكيف لمن من طينة لقمان أن يصدّق ذلك؟ لربّما راهن على حلم ما، على رغبة حية في نفسه، على محبة أصيلة لناس البلاد، كانت تشعّ من محياه ومن كلماته وأفعاله. لربّما. أو لربّما لم يراهن على شيء. لكن الرهان لدى قاتله، قاتلنا جميعاً، كان في كلّ الأحوال أمر وأدهى وأقتل.

هذه مقتلة لا أودّ أن أستيقظ من صدمتها ولا أريد أن أغسل يدي منها بهذه الكلمات وبسواها ولا أن أتبرّئ منها بعجزي ولجوئي. فلنا نحن السوريين، المهزمين في بلدنا وفي شرق الأرض وغربها، أن نكون المعنيين قبل سوانا بها. نحن أهل القتيل وعزوته وبنا يأخذ العزاء. فنقاء لقمان بوقفته إلى جانبنا وثورتنا بكلماته ومشاريعه وحبره ودمه، كان واحداً من عزاءاتنا الأخيرة، بعدما لم يبق لنا عزاء ولا صاحباً ولا من يحزنون. ثمّ إنّ قاتل لقمان هو قاتلنا نحن على الحقيقة والمجاز. نحن حصراً، وقبل كلّ الآخرين، لأنّنا تجرّأنا على طلب الحرية، على الحلم بها والسعي إليها، كما لقمان. ولم نكن نعرف يومها ما كان يعرفه لقمان جيداً من مقولة الشيخ عبد الله العلايلي، وهو أنّ “هذه البلاد أكبر ما فيها مقبرتها”!  

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.