fbpx

تونس بقبضة نقابات الأمن: اعتقالات وتوقيفات عشوائية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“ما زال رفاقي يتعرضون للتهديد والهرسلة من قبل أعوان الأمن في الشارع لمجرد شكوكهم في انتمائهم الفكري أو نشاطهم النقابي أو لمنشورات على فايسبوك…”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كانت الساعة تشير إلى الثالثة فجراً، وفيما كانت ياسمين نائمة مع ابنها في منزلها، انهالت الطرقات على بابها. سألت، من في الخارج؟ ليأتيها الصوت “نحن الشرطة”. فطالبت أن يقدم الطارق ما يثبت ذلك حتى تفتح الباب، حينها انهالت عليها الشتائم والسباب على مسمع ومرآى الجيران الذين استفاقوا على وقع الأصوات. ثم أعادوا الكرة في الليلة التالية من دون أن تفتح ياسمين الباب، وبعد يومين اعترضوا سبيلها بينما كانت في طريقها لأخذ ابنها من الروضة.

تروي ياسمين لـ”درج”: “بينما كنت في طريقي للعودة بابني، عند الخامسة مساء من الروضة، أوقفتني سيارة أمنيين أخذوني معهم قائلين إنهم في طريقهم إلى مركز الشرطة ثم بعد ذلك قالوا إلى الغرجاني. وفي النهاية اقتادوني إلى مكان مهجور في منطقة اللاك، حيث قام اثنان بضربي ضرباً مبرحاً، فيما قام الثالث بتصوير المشهد وتولى الرابع توجيه رسائل تهديد لأصدقائي عبر هاتفي الذي أخذوه ثم تركوني مرمية هناك وغادروا”.

بعد ذلك حاولت ياسمين الحصول على شهادة طبية لتثبت ما تعرضت له من اعتداءات ولكن المستشفى لم يتجاوب معها كما لم يمنحها مركز الأمن التسخير للقيام بالإجراءات اللازمة للتتبع. في الأثناء، قام الأمنيون بنشر معطياتها الشخصية وعناوين منزلها وعائلتها وصورها وصور ابنها ومعلومات عن ابنتها المتوفية وعنوان روضة ابنها ورقم هاتفها على صفحات نقابات الأمن ومواقع الدعارة.

لم تستجب ياسمين للاستدعاء الذي بلغها من فرقة مكافحة الإجرام، للحضور إلى هناك، خوفاً من توقيفها وتلفيق تهم بحقها، هذا فضلاً عن خوفها مما قد تتعرض له داخل السجن في حال توقيفها. “لسنا في دولة تكفل حقوقنا وتضمن حمايتنا من هذا التسيب، أصبحت في وضع المفتش عنه أختفي بعيداً من بيتي ولا أستطيع حتى أخذ ابني إلى روضته، وعائلتي تتعرض للهرسلة فقط لأنني تظاهرت في وضح النهار وبوجه مكشوف، ليتهم أبدوا هذه الصرامة وهذه الفظاظة مع الإرهابيين، لكانت بلادنا أفضل بكثير مما هي عليه الآن”.   

شتائم الفتيات التي رصدتها بعض الكاميرات كانت رد فعل على سباب وشتائم بعض الأمنيين.

تم اعتقال ياسمين الخميس (بعد أقل من 24 ساعة عن حديثها لـدرج) بينما كانت تجلس في أحد المقاهي في العاصمة، على أن تحال لاحقاً على النيابة العمومية، كما ذكر بعض أصدقائها.

وتعود أطوار الحكاية إلى السبت 30 كانون الثاني/ يناير، عندما نظم عدد من الشباب (بينهم ياسمين) المنتمين لمنظمات حقوقية وطلابية مسيرة سلمية حاشدة في ساحة حقوق الإنسان في العاصمة، للمطالبة بإطلاق سراح المحتجين الموقوفين إلى جانب المطالبة بالإفراج على الشبان الذين حوكموا بـ30 سنة سجنا بسبب استهلاك “الزطلة” (القنب الهندي).

كانت المسيرة سلمية لكنها المشاركين فيها ابتكروا شكلاً احتجاجياً جديداً وغريباً على الشارع التونسي وربما العربي أيضاً، فاجأ السياسيين وأربك الأمنيين. فإلى جانب شتم الأمنيين قام الشباب برش دروع العناصر الأمنية المرابطة لمنعهم من الوصول أمام وزارة الداخلية بدهان ملون وقامت متظاهرات بوضع أحمر الشفاه مباشرة أمام الجدار الأمني مستخدمات الدروع كمرآة إلى جانب تنفيذ رقصات أمام جدار الأمنيين، وهي حركات وصفتها النقابات الأمنية بالمستفزة والمهينة للأمنيين. 

الشتائم الموجهة للأمنيين ليست بالمعطى الجديد في التظاهرات التي شهدتها تونس منذ 2011، ومرد ذلك العلاقة العدائية بين الأمني والمواطن والتي رسخها السلوك العدواني والعنفي سواء في ساحات التظاهر أو مراكز الأمن أو في الملاعب الرياضية أو غيرها من الفضاءات العامة والخاصة. 

تروي ياسمين لـ”درج” أن شتائم الفتيات التي رصدتها بعض الكاميرات كانت رد فعل على سباب وشتائم بعض الأمنيين، “كنت أقف في مواجهة الأمنيين حاملة كلبتي إلى جانب بعض الصديقات ليقوم بعض الأعوان بشتمنا بكلمات نابية وتهديدنا حينها قمنا بالرد على سبابهم بصوت عال وهو ما رصدته الكاميرات ولكنها لم تتلقف شتائمهم ووعيدهم فبدت الصورة وكأننا نشتم الأمنيين من دون سبب وهو الفيديو الذي يريدون استخدامه ضدنا”.

أما بالنسبة إلى الدهان الملون والرقص، فهما من وسائل الاحتجاج التي تمارس في كل دول العالم ولم يحدث أن اعتبرت مستفزة أو نتجت عنها ملاحقات للمحتجين وتهديدهم وترويعهم، وكذلك أحمر الشفاه الذي بات مستخدماً في احتجاجات النسويات في العالم.  

ما بعد التظاهرة

قام أعوان الأمن أمام عدسات الكاميرا والصحافيين والمصورين المنتشرين بكثرة بضبط أنفسهم وتجنبوا القيام بأي اعتداء على المتظاهرين وهو سلوك لا يحدث إلاً نادراً، ما دفع التونسيين للثناء عليه. ولكن مع انتهاء التحرك الاحتجاجي ومغادرة وسائل الإعلام، بدأت رحلة ملاحقة المحتجين وهرسلتهم واختطافهم من أماكن مختلفة، بينها الشارع ومقرات سكنهم بلا أذون رسمية، ونشرت معطياتهم الشخصية وأسماء عائلاتهم وعناوين سكنهم وحتى عناوين مدارس أبنائهم على صفحات نقابات الأمن على “فايسبوك” وغيرها والتشهير بهم والتحريض على قتلهم واغتصابهم. 

في الأثناء، انطلقت مسيرة حاشدة نظمتها النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي في الأول من شباط/ فبراير بشوارع محافظة صفاقس (جنوب) وتخللتها شعارات تجرم وتهدد وتخون العائلة اليسارية التونسية وتستهدف الحقوقيين والإعلاميين ورئيس الحكومة والداخلية هشام المشيشي، وهي شعارات أثارت ردود فعل كبيرة لصدورها عن هيكل رسمي يفترض أن يحمي التونسيين بمختلف انتماءاتهم، بدل التحريض ضد من لا يتواءمون وأفكاره. ردد قياديو النقابة “يا شيوعي يا حثالة هاي جاتك الرجالة”، “يا شيوعي يا جبان يا عميل الأمريكان”، يا مشيشي (رئيس الحكومة) يا طحان (يا عرص) عون الأمن لا يهان”.

لم يكتف هؤلاء بهذا الخطوة التي تتعارض مع صميم مهماتهم وتوجهوا في اليوم ذاته إلى محكمة صفاقس حيث تجرى محاكمة الموقوفين بسبب الاحتجاجات، واعتدوا بالعنف على عائلاتهم وممثلي المجتمع المدني ممن حضروا للمساندة. ثم أعلنوا عن جملة من القرارات بينها الامتناع عن القيام بجزء من مهماتهم خلال الأيام المقبلة كتأمين المقابلات الرياضية والأنشطة الثقافية ونشاط المحاكم ورفع الخطايا للمخالفات وتحرير المحاضر. ومنع أي تجمهر غير مرخص بالقانون وبخاصة تظاهرة السبت 6 شباط، تزامناً مع ذكرى مقتل القيادي اليساري شكري بلعيد.

يحدث هذا على رغم أن القانون ينص على أنه “يحجر على أعوان قوات الأمن الداخلي، في ممارستهم العمل النقابي، الإضراب عن العمل أو تعطيل سيره بأي وجه”. وهي خطوات وتحركات وقرارات أعادت من جديد الجدل والمخاوف من دور النقابات الأمنية وتغولها وتمردها على الدولة وحضورها الأخير في صورة أوحت للتونسيين أنها قد حلت محل وزارة الداخلية لا سيما في ظل الصمت المريب للسلط المعنية إزاء هذه التجاوزات. 

بمجرد أن أنهينا تحركنا النقابي لاحظنا وجود أشخاص من خارج الجامعة، فأدركنا أنهم أمنيون وأن أمراً ما يطبخ، لا سيما أننا نتابع سلسلة التتبعات والملاحقات الأمنية التي تطاول الشباب المحتج والنشطاء.

بلال الشارني أمين مال الاتحاد العام لطلبة تونس أحد المشاركين في الاحتجاجات أعلن هو وعدد من الطلبة عن عزمهم مقاطعة الامتحانات الجامعية نظراً إلى الوضع الوبائي الخطير، ورداً على الاعتقالات العشوائية التي تطاول مجموعة من الطلبة، الذين شاركوا في التظاهرات وتلفيق تهم من قبيل محاولة قلب نظام وكسر حظر التجول وحيازة مولوتوف وغيرها من التهم والمحاكمة الكيدية التي تصل أحكامها إذا تمت إدانتهم بالسجن، إلى نحو 30 سنة، على ثلاثة شبان من أجل تعاطي سيجارة “زطلة” إلى جانب الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية الخطيرة، فكان مصيرهم الاعتقال في وضح النهار بطريقة عنيفة وبلا سند قانوني.

يقول بلال لـ”درج” “بمجرد أن أنهينا تحركنا النقابي لاحظنا وجود أشخاص من خارج الجامعة، فأدركنا أنهم أمنيون وأن أمراً ما يطبخ، لا سيما أننا نتابع سلسلة التتبعات والملاحقات الأمنية التي تطاول الشباب المحتج والنشطاء. فاتصلنا بتاكسي ليقلنا إلى وسط العاصمة هناك حيث الشوارع تغص بالمواطنين بدل أن نبقى حيث مقر جامعتنا المعزول. ولكن بعد خروجنا بقليل اعترضت طريقنا سيارة نزل منها أربعة أشخاص وطلبوا بكثير من السباب الشتم أن نغادر سيارة الأجرة. سألنا ماذا تريدون؟ أخبرونا أنهم يريدون أخذ رفيقتنا في اتحاد الطلبة رحمة. طالبنا بإظهار ما يثبت أن هذا الإجراء قانوني فأجابوا بكل عنجهية بأن لا وثيقة وافعلوا ما شئتم”.

تمسك بلال ورفاقه برفض النزول من سيارة الأجرة وقام الشاب بتصوير ما يحصل مباشرة على صفحته في “فايسبوك”، فأخذوا هاتفه وأنزلوا سائق الأجرة ليحل محله أحد الأمنيين واقتادوهم إلى ثكنة مكافحة الإجرام على وقع التهديد والشتم والإهانة لأربع ساعات وأخذوا بقية الهواتف ثم اقتادوا رحمة إلى التحقيق.

ساعد الفيديو الذي نشره بلال على “فايسبوك” على انتشار خبر الخطف، فحضر المحامون والنائب منجي الرحوي إلى المكان فتغير الخطاب، وغادروا المكان وقاموا بمقاضاة الأمنيين الذين فعلوا ما فعلوه بطريقة غير قانونية.  

لكن يوضح بلال “ما زال رفاقي يتعرضون للتهديد والهرسلة من قبل أعوان الأمن في الشارع لمجرد شكوكهم في انتمائهم الفكري أو نشاطهم النقابي أو لمنشورات على فايسبوك حتى أن هناك من تم جرهم إلى مراكز الأمن من دون سبب وتعمدوا إهانتهم ثم أطلقوا سراحهم. يريدون إعادتنا إلى المربع القديم ولكن لن يفلحوا في ذلك نحن جيل تنفسنا الحرية ولن يكون بوسعنا التخلي عنها”.

إقرأوا أيضاً:

أكثر من 1500 معتقل

ملاحقات المحتجين وسلسلة الاعتقالات بدأت منذ انطلاقة الاحتجاجات في بداية كانون الثاني/ يناير، والتي كانت في أيامها الأولى عنيفة وليلية وتخللتها أعمال تخريب وسرقة. ولكن سرعان ما أخذت التحركات الاحتجاجية طابعاً سلمياً والتزمت بالخروج نهاراً، إلا أن ذلك لم يمنع الأمنيين من الاعتداء على المحتجين بالضرب وإطلاق الغاز مسيل الدموع بشكل كبير وتنفيذ اعتقالات عشوائية طاولت حتى الأطفال. 

هذا ما تؤكده تقارير المنظمات الحقوقية أبرزها تقرير المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب حول ما شهده كانون الثاني 2021 من انتهاكات، الذي أكد أن عدد موقوفي الاحتجاجات خلال هذا الشهر بلغ 1500 بينهم قرابة 500 طفل، وهي أعداد تضم المودعين تحفظياً والمحكومين والمفرج عنهم إلى جانب سقوط قتيل في محافظة القصرين. وانتهك بحسب التقرير الحق في التظاهر، إلى جانب غلق المنافذ والشوارع وعسكرتها بتعزيزات أمنية كبيرة وبمعدات ومدرعات ضخمة بخاصة أيام 14 و23 و18 و30 كانون الثاني 2021 وسط العاصمة ويوم الـ26 من الشهر نفسه، بمحاذاة  مجلس النواب بباردو.

تعذيب وتهديد

كشفت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، خلال ندوة صحافية عن جملة تجاوزات وصفتها “بالخطيرة”، من قبل الأمن على خلفية الاحتجاجات الأخيرة وصلت إلى حد التعذيب وسوء المعاملة وانتزاع الاعترافات بالقوة ومداهمة المنازل، من دون إذن قضائي وتوجيه تهم سياسية كيدية. كما كشف تقرير الرابطة تلقي شكاوى عن تعذيب الموقوفين وسوء معاملتهم في مراكز التوقيف وفي السيارات الأمنية، كتجريد بعض القصر الموقوفين من ملابسهم وتهديدهم بالاغتصاب وسكب الماء عليهم وضربهم بالعصى والاعتداء بالعنف الشديد على موقوفين، ما تسبب في أضرار جسيمة فضلاً عن الاعتداء على 80 في المئة من أولياء الأطفال القصر الموقوفين خلال مداهمة المنازل أو في مراكز التوقيف.

وجاء في التقرير أنه تم إرغام الموقوفين على توقيع محاضر البحث من خلال تعنيفهم وعدم السماح للمحامين بالحضور في مراكز الأمن لإنابتهم.

وبلغ عدد الموقوفين بحسب إحصاءات تقريبية للرابطة 1680 موقوفاً، ومن بين التهم الموجهة للموقوفين تهم الاعتداء على أمن الدولة الداخلي والإضرار بممتلكات الغير وإضرام النار عمداً في مباني الغير والاعتداء المدبر على حرية التجول ليلاً ومخالفة قانون الطوارئ والتحريض على الشغب والهرج والتشويش.

وأدانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تحركات النقابات الأمنية موضحة أنها رصدت ما وصفته بالكم الهائل من السموم والبذاءات التي ينفثها بعض الأمنيين ونقاباتهم، وما احتوته من عنف وتهديد وعدوانية في تعبيرات علنية متنوعة على صفحات التواصل الاجتماعي وعبر مكالمات هاتفية وفي وسائل الإعلام وحتى أثناء اجتماعات عامة في الشوارع على غرار ما حصل في محافظة صفاقس وما رافق ذلك من عنف علني مورس على الشباب.

واعتبرت أن منسوب الحقد والبذاءة والتحقير والإهانة الموجه رأساً إلى قوى فكرية وإيديولوجية بعينها وإلى فئات شبابية وحقوقيين ومحامين وصحافيين ومصورين وناشطين في المجتمع المدني، يكشف عن نزوع فاشي، يدفع هؤلاء (الأمنيين) ويجعل منهم قوة وعصابة ومليشيوية خارجة عن القانون، تهدد السلم الاجتماعية والدولة والنظام الجمهوري.

حملة “حاسبهم” التي ظهرت منذ سنوات للمطالبة بإسقاط قانون زجر الاعتداء على الأمنيين، إلى تسليط الضوء على الاعتداءات الأمنية على المواطنين، أدانت أيضاً انفلات النقابات الأمنية هذه الفترة وحملات التجييش التي تقودها ضد المحتجين والنشطاء علنا دون راع.

تقول رجاء عمري الناشطة في حملة حاسبهم لـ”درج”، “نتابع اليوم بيانات نقابات الأمن وهي تتوعد علناً بالاعتداء علينا بالعنف، وأن كل من ستسول له نفسه الخروج إلى الشارع للاحتجاج سيتم اعتقاله. وقد شرعت في تنفيذ تهديداتها عبر حملة اعتقالات واسعة تطاول النشطاء، وكل من ترى في ملابسه أو هيئته ما يوحي بانتماء معين فضلاً عن تعنيفهم وهرسلتهم، لأنها تعتقد أن كل من يرفع صوته أو يحتج فهو ضد الأمنيين. والحال أن عراكنا واحتجاجنا ليسا ضد وزارة الداخلية بل ضد منظومة سياسية فاسدة فاشلة لم تنجح في تلبية أي من طلبات الشباب ولم تفِ بوعودها. ولهذا ما يمكن قوله إن النقابات الأمنية تؤسس لأداة قمع جديدة خلنا أننا تجاوزناها منذ سنوات لكن يبدو أنها تريد تجديد العهد معها، وتحولت من هياكل نقابية إلى طرف سياسي في ثوب تنظيم يميني متطرف وعصابات مسلحة تهدد المحتجين بالاعتقال والتنكيل وتدعو إلى منع الاحتجاجات وحق التعبير في انتهاك صارخ للحقوق الدستورية ولدور مؤسسات الدولة”.

وتؤكد رجاء أنه لن يتم الخضوع والسكوت عن هذه الانتهاكات الخطيرة وأن هناك تحركات ستنطلق منذ السبت 6 شباط، ولن تتوقف تحت أي ضغوط.

محطات سود

يذكر أن القانون التونسي لم يكن يسمح خلال فترة حكم بن علي للشرطة وأجهزة الأمن الداخلي المنضوية تحت لواء وزارة الداخلية بتشكيل نقابات مهنية، لكن الراحل الباجي قائد السبسي سمح للأمنيين بحق العمل النقابي لدى ترؤسه الحكومة في 2011 وعليه صدر المرسوم 42 المؤرخ في 25 أيار/ مايو 2011 الذي ينص في فصله الحادي عشر على أن “لأعوان الأمن الداخلي الحق في ممارسة العمل النقابي، ولهم لهذا الغرض تكوين نقابات مهنية مستقلة عن سائر النقابات المهنية واتحاداتها”. وقد تم تشكيل عشرات النقابات الأمنية بين عامي 2011 و2012 تحت غطاء المطالبة بتحسين الأجور وتغيير شروط الترقية والتوظيف، لكنها حادت تدريجاً عن دورها.

وعلى رغم تمسك الأجهزة الأمنية بضرورة إنشاء تلك النقابات، إلا أن المجتمع المدني والحقوقي رأى أن وجود النقابات الأمنية سيرسخ السلطة الاستبدادية ويؤمن غطاء للإفلات من العقاب القانوني، وسيدعم عدم محاسبة الأمنيين المتورطين في أي انتهاكات. وهي مخاوف لها ما يبررها في ظل تتالي المحطات التي كانت فيها النقابات الأمنية حاجزاً أمام محاسبة الأمنيين عن أخطائهم وانتهاكاتهم الجسيمة ولنا في ذلك محطات.  

ففي التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر 2020 وتحت غطاء التضامن، تجمهر منتسبو النقابة الجهوية لقوات الأمن الداخلي في صفاقس أمام المحكمة الابتدائية ورفعوا شعارات مشككة في استقلال القضاء على خلفية تعهد قضاة المحكمة الابتدائية صفاقس 2 بشكوى رفعها أمني ضد مدونة وتقرر إبقاؤها بحالة سراح، في محاولة للضغط على القاضي لمصلحة زميلهم.

وفي التاريخ السالف ذكره وتحت الغطاء ذاته، عمدت مجموعة من الأمنيين المدججين بالسلاح المنتمين لبعض النقابات الأمنية إلى محاصرة المحكمة الابتدائية ببن عروس (شمال) للضغط على قاضي التحقيق في المحكمة المذكورة والمكلف يومها باستنطاق رئيس مركز الأمن في المروج وأحد مساعديه على خلفية اعتدائهما بالعنف الشديد على محامية لدى تنقلها بصحبة موكلها إلى المركز المذكور لتقديم إعلام نيابة في حقه وسماعه كمتضرر.

كما أدى ضغط النقابات إلى إفلات أمنيين تورطوا في قتل مواطنين من العقاب على غرار قتلة الشاب عمر العبيدي الذي مات غرقاً بعدما أجبره أمنيون على القفز في الواد المحاذي لملعب رادس وهو لا يجيد السباحة عام 2017، وكذلك الشأن مع قتلة خميس اليفرني الذي قضى دهساً تحت عجلات السيارات الأمنية لدى مشاركته في احتجاجات سلمية عام 2018. كما أفلت قتلة فتاتين في العشرينات من العمر بطلق ناري من دورية أمنية عام 2014، وهو المصير الذي سيلاقيه قتلة الشاب هيكل الرشدي الذي توفي بعد إصابته بقنبلة غاز مسيلة للدموع على رأسه لدى خروجه في الـ24 شباط في احتجاجات محافظة القصرين (وسط غرب). إلى جانب محطات وحالات أخرى يطول شرحها، دفع خلالها مواطنون الثمن من حياتهم وحرياتهم، مقابل استمرار سطوة الأمنيين ونقاباتهم.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.