fbpx

أحلام السوريين التي تدهسها كنّة القذافي والاحتلالات الأجنبية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يمكن اليوم الحديث عن المجتمع السوري من دون التطرق إلى واحدة من الدول الأجنبية ودورها وهو في الغالب تعدٍ على مكان السوريّ وعلى منشآته وثرواته…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

إذا خشي السوريون مجرد السير في الشوارع، فصدِّقهم. وإذا قالوا إنهم يشعرون بالموت يتربص بهم في كلّ مكان حتى في أسرّتهم، صدِّقهم، وإن قال لك سوريٌّ ستقتلني زوجة “هانيبال القذافي” فصدِّقه!

لا يحدث كلّ هذا إلّا لأن نظاماً ديكتاتورياً عمل على صناعة بلاد مهزوزة وخائفة، فالغرباء هم الذين يعيشون بالفعل في سوريا، برفقة جيوش أجنبية ووجوه لا تنتمي إلى المكان، إنما تأخذ أماكن الراحلين ومن تركوا منازلهم، وتبني حياتها هناك. يتصرف الغرباء مع السكان كأنّهم أصحاب المكان، يفرضون وجودهم بالسلاح والكذب وبفعل الاعتياد، فيتحول مرور قوافل الدبابات الأميركية قرب المدن السورية في الشمال إلى مشهد معتاد، ويغدو طبيعياً توقف مدرعة روسيّة أمام باب شرقي مباشرة وسط العاصمة دمشق، حيث أحد أهم المعالم الأثرية. مزيج غريب بين جنود روس ينظرون بتعالٍ نحو المارة ورجل عجوز يتأبط ربطة خبز انتظرها لساعات، والباب الأثري الذي يحمل الكثير من ذكريات السوريين ومن زاروا دمشق للمرة الأولى. مزيج يعكس مدى الغربة التي يحياها السوريون داخل بلادهم.

باب شرقي

الغرباء يدهسون السوريين 

فقدت المدن السورية على مرّ عشر سنوات هويتها الحقيقية لتحضر وجوه وحكايات غريبة، ليغير دخول الأجنبي بطبيعة الحال من تركيبة المجتمع السوري، وهو ما أجبر كثيرين على ترك منازلهم أو بيعها كما يحد  في بعض الأحياء في دمشق القديمة حيث يعمل إيرانيون على شراء المنازل والمحال بالترغيب أو الترهيب، كما بات الإيراني أو الروسي يدخل في المفاوضات مع الأطراف السورية من دون الاستعانة بالنظام كوسيط، وبينما كان السوريون يفرّون من نظام الأسد كان الأخير يمنح اللجوء السياسي لشخصيات عربية تعود لأنظمة قمعية، كما فعل مع ابن رئيس ليبيا السابق معمر القذافي، هانيبال القذافي.

منح هانيبال اللجوء السياسي هو وعائلته في سوريا، وما كان أحد ليدري بالأمر، فلولا ما فعلته زوجة هانيبال إلين سكاف، عارضة الأزياء اللبنانية، إذ قامت بدهس عناصر شرطة وبعض المارة في دمشق على خلفية مخالفة قامت بها، رافضة الانصياع وتوقيف سيارتها، بحسب شهود من مكان الحادثة في منطقة المواساة وسط دمشق. وفي حين تكتمت الجهات الرسمية عن إصدار أي بيان على رغم تبادل إطلاق النار وحضور قوات الأمن إلى المكان، إلّا أنه تمت لفلفة القضية والتعتيم على الحادثة بعد وصول مسؤول كبير في النظام السوري ومخاطبة قوى الأمن والشرطة قائلاً: “تركوها، هي بتخصني”. ولم يفُصح عن أي أرقام لضحايا أو مصابين. حاول “درج” معرفة عدد المصابين أو الضحايا الذين قامت إلين بدهسهم إلّا أن تعتيماً قويّاً وتهديدات طاولت عائلاتهم، فبعد انتشار صورة لضحية وهي طالبة تدرس الصيدلة، خرج والدها ينفي دهسها من قبل المدعوة إلين، قائلاً إن سبب موتها هو سكتة قلبية، وهو ما قد يكون صحيحاً ولكن أيضاً قد تكون العائلة تعرضت للتهديد. وعبّر السوريون عن غضبهم واحتجاجهم عمّا حصل أمامهم، وكما العادة لم يصدر أي بيان بما أن مسؤولاً رفيع المستوى تدخل!

حوادث كهذه تتكرر بشكل شبه يومي وبأساليب مختلفة، فسائق سيارة المسؤول السوريّ له سلطة في بلدٍ تحكمه القوة والنفوذ السياسي، فكيف إذاً باللاجئين السياسيين أو الأجانب الروس والإيرانيين!

لا يمكن اليوم الحديث عن المجتمع السوري من دون التطرق إلى واحدة من الدول الأجنبية ودورها وهو في الغالب تعدٍ على مكان السوريّ وعلى منشآته وثرواته، فاليوم يُحرم سكان الساحل من شواطئهم ليستولي الروس على جزء منها فيما جزء آخر يعود بالفعل للنظام ويُمنع الاقتراب منه منذ قبل الثورة.

تقول ريما (اسم مستعار):” نُحرم نحنا وأطفالنا من الذهاب إلى شواطئنا، لم يترك لنا النظام والمسؤولون سوى شواطئ قذرة ومكتظة، لم يكتفوا بذلك، ففي اللاذقية أماكن سياحية مذهلة مهملة بشكل تام، فلماذا يفعل النظام هذا؟”. هكذا لم يبقَ للسوريين سوى شواطئ محدودة وبعيدة، وربما يعكس الخبر الذي نشرته روسيا عن الدور الهزيل الذي يمتلكه النظام مقابل الاحتلال الروسي، معلنة عن اكتشاف ميناء قديم غير معروف قبالة السواحل السورية من دون الرجوع والتنسيق مع الجانب السوريّ، وكان دميتري تاتاركوف، مدير معهد العلوم الاجتماعية والعلاقات الدولية، أعلن عن اكتشاف الميناء الذي يُعتقد أنه يعود إلى العصر الروماني، كما عثر على مراسٍ تعود لعصر ما قبل التاريخ، ومزهريات مصرية وأوان فينيقية. ليخرج لاحقاً مدير عام المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية، نظير عوض، مؤكداً أن الاكتشاف ليس بجديد ومعروف مسبقاً لدى مديرية المتاحف مشيراً إلى أن روسيا كان يجب أن تنسق مع الجانب السوري قبل نشر الخبر والتفاصيل.

“مجيء الروس كان مريباً، انتشروا على الأسطح بلباسهم العسكري الكامل، وحتى عيونهم تمّت تغطيتها، وكانت الكلاب البوليسية تدور من حولنا، لماذا كل هذا، ألم يكن كافياً حضور جهة إنسانية وحسب!”.

النظام والغرباء ينهبون السوريين

تنهب الجهات الأجنبية موارد السوريين وتاريخهم جنباً إلى جنب مع النظام السوري. يقول لـ”درج” أحد الصيادين الذين يعتاشون على صيد الأسماك من السدود المنتشرة في محافظة السويداء وفي محافظات أخرى وهي مهنة يمارسها العشرات بدافع المتعة أو تناول  السمك أو بيعه، “فوجئ بعض الصيادين الذين يرتادون أحد السدود بعملية إفراغ لمياهه نهايات عام 2019 وحين استفسروا عن السبب قيل لهم إن هناك عمليات إصلاح بسبب تسريب حاصل في السد”. وبحسب الصياد الذي فضل عدم ذكر اسمه فإن قوات روسية أتت بعد إفراغه بسبب اكتشاف منطقة أثرية أسفل السد، وقامت بالتنقيب والمغادرة فور الانتهاء لتكمل جهات سورية ترميم السد على حسب قوله، وهذا الخبر يتقاطع مع خبر الاكتشاف الروسي للميناء! وقصة الآثار منتشرة بشكل هائل في السويداء والمدن الأخرى، وتكاد لا تخلو قرية أو بلدة منه ومن الكنوز والقطع النفيسة التي يقوم السكان على الدوام بالحفر والبحث عنها، الأمر الذي ازداد في السنوات الأخيرة في ظل انتشار الفقر. ويضع النظام يده على 80 في المئة من أي لقى وكنوز ذهبية ويمنح صاحب الأرض 20 في المئة في حال تمّ الحفر تحت إشراف عناصره ولكن إذا اكتشف النظام أن أحدهم قام بالحفر من دون إعلامه، يعتقله.

ويعمل الروس على تجنيد الشباب في السويداء وإرسالهم إلى القتال في ليبيا أو فنزويلا لحماية مصالحها، مقابل رواتب عالية وهو ما يحتاجه الشباب السوري وعائلاتهم التي تعاني بسبب الأزمة الاقتصادية. كما يقوم الروس بتوزيع إعانات غذائية في عدد من القرى والبلدات السوريّة بشكل دائم، وبسبب الفقر المنتشر في هذه القرى، يذهب العشرات لأخذ حصصهم ليتفاجأوا بوجود مدرعات روسية وجنود مدججين بالسلاح مع كلابهم البوليسية وكأنّهم أتوا للقتال، وهو ما حدث في عدد من البلدات والقرى.

يروي سمير (اسم مستعار) لـ”درج” وهو شاب من قرية صغيرة فضّلنا عدم ذكر اسمها خوفاً على قاطنيها: “مجيء الروس كان مريباً، انتشروا على الأسطح بلباسهم العسكري الكامل، وحتى عيونهم تمّت تغطيتها، وكانت الكلاب البوليسية تدور من حولنا، لماذا كل هذا، ألم يكن كافياً حضور جهة إنسانية وحسب!”. يتابع سمير أن السكان فوجئوا حين اكتشفوا أن حصة كلّ عائلة هي 2 كيلو من الطحين وكيلو من السكر وأوقية من الشاي، ما أثار سخرية السكان فوقود المدرعات والسيارات التي أتى بها الروس تساوي أضعاف المعونة الموزعة، متسائلين عن السبب الحقيقي وراء قدوم كل هذه القوات! يتابع الشاب روي حادثة حصلت أثناء توزيع الإعانات الروسيّة فبعدما ذهبت طفلة لجلب حصة عائلتها فوجئت كما الجميع بالكمية الضئيلة جداً، معتقدة أنها ذاهبة لجلب كرتونة مليئة بالطعام والمعلبات، فراحت تخبر الحاضرين أن روسيا وضعتْ حتماً مئة دولار وسط كيلو السكر، لم تصدق الطفلة أن روسيا “كلها” قد تمنحها كيلو من السكر فقط، في كلّ الأحوال لم تجد الطفلة وسط السكر أي مئة دولار!

يُحرم سكان الساحل من شواطئهم ليستولي الروس على جزء منها فيما جزء آخر يعود بالفعل للنظام ويُمنع الاقتراب منه منذ قبل الثورة.

سوريا كساحة مفتوحة

بدأ ظهور الغرباء في سوريا منذ عام 2011، بدايةً مع المقاتلين الأجانب الذين أتوا للالتحاق بتنظيم الدولة “داعش”، الذي استقبلهم من كل دول العالم مع إعلان إنشاء دولة الخلافة الإسلامية. كان للتنظيم دور أساسي في الصراع السوري وساهم في تعقيد الحلول السياسية بسبب تطرفه واستخدام النظام إياه كوسيلة لتقديم الأزمة السورية كحرب طائفية مع تحييد الأسباب السياسية الأخرى. شكّل مقاتلو التنظيم الآخر الغريب، المخيف والسفّاح، تحولوا بلحاهم الطويلة وشواربهم المحلوقة إلى كوابيس السوريين الذين وقع كثيرون ضحاياهم وانتهت حياتهم بالفعل. تركّز التنظيم في مدينة الرقة بشكل أساسي وامتد إلى مدينة دير الزور وتدمر والبادية السورية وصولاً إلى شرق مدينة السويداء، وبحسب وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قدّر عدد مقاتلي التنظيم بعد معركة الموصل بحوالى 20 ألف عنصر. كان التنظيم هو الآخر الذي تُروى حوله القصص المرعبة، كيف يتربص في الظلام بانتظار الهجوم على العائلات النائمة في منازلها، يسبي النساء، وينكل بضحاياه. ومع احتدام المعارك على الأراضي السورية وممارسات النظام السوري القميعية المتزايدة، أعلنت القوات الإيرانية والروسية عن وجودها، دفاعاً عن مصالحها في سوريا وب.حسب مركز جسور للدراسات بلغ عدد مواقع القوات الأجنبية في سوريا 477 موقعاً، وتشمل المواقع كلّاً من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتّحدة الأمركية، وروسيا، وتركيا، وإيران، و”حزب الله”. يمتلك التحالف الدولي 33 موقع ونقطة عسكرية، بينما تمتلك روسيا 83 موقع ونقطة تتركز أغلبها في محافظة حماة، وتمتلك تركيا 113 موقعاً ونقطة تتركز أغلبها في حلب وإدلب الخارجة عن سيطرة النظام، أما إيران فتمتلك 131 نقطة أغلبها في درعا ودمشق ريفها و”حزب الله” لديه 116 نقطة معظمها في مدينة حلب. وتختلف مصالح الأطراف المتصارعة فبينما يطمح الأتراك إلى توسيع حدودهم، تعمل إيران على تجهيز قواعد في الجنوب السوري لحماية طرق الإمدادات العسكرية واللوجستية لـ”حزب الله”، الذي يعمل على تشكيل حزام أمني على طول الشريط الحدودي بين لبنان وسوريا، يكون كممر إمداد بديل عن مناطق البقاع وجبل لبنان، إضافة إلى تأمين الدعم لسياسات إيران والنظام السوري.

وهكذا تحولت ثورة السوري ضد نظامه إلى حرب أخرى ضد الغريب والاحتلال الأجنبي الذي يخرج بمظهر المدافع عن السوريين محاولاً كسر الحصار الاقتصادي بمدّ يد المساعدة، لكن هذه اليد ممدودة لتأخذ حقهم ومالهم وتزيد في فقرهم وحاجتهم.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 30.03.2024

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ "أجر" الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.