fbpx

الضغط الأميركي في اليمن هل يشمل إيران أم السعودية وحدها؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

ليس واضحاً ما إذا كان المسعى الجديد للتوصل إلى اتفاق إيراني- سعودي حول اليمن، سيساهم في إعادة يمننة الصراع وتقريب التسوية السياسية أم سيؤدي إلى “دولنة” الصراع بأساليب جديدة…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا شك في أن الإجراءات الأميركية الأخيرة، وبخاصة سحب الدعم العسكري الذي كان مخصصاً للسعودية في عملياتها الحربية في اليمن، وإيقاف بعض شحنات من مبيعات الأسلحة للسعودية والإمارات، مؤشرات إيجابية، لنظرة أميركية جديدة للحرب في اليمن. وهي نظرة تسعى على ما يبدو إلى الموازنة بين الثمن الإنساني الباهظ للحرب وبين علاقة الولايات المتحدة مع دول الخليج الغنية. وقد حاولت إدارة بايدن إيضاح هذا التوازن عندما أكدت أن سحب دعمها العسكري للسعودية لا يعني تخليها عن حماية أراضيها ضد هجمات الحوثيين.

تنطلق السياسة الأميركية الخارجية الجديدة في اليمن من المقدمات التي حكمت التناول الغربي للأزمه اليمنية والتي يمكن حصرها في 3 مسلمات رئيسة في عقل المشرع الغربي عند تناوله الأزمة في اليمن.

يبدو واضحاً من القرارات الأميركية الأخيرة أن الولايات المتحدة تملك الكثير من أوراق الضغط ضد السعودية والإمارات، لكنها تمتلك القليل جداً من أوراق الضغط على إيران.

المسلمة الأولى أن الحرب في اليمن هي حرب بالوكالة بين السعودية وإيران، وأن الحل الأمثل للأزمة سيكون من طريق إيقاف تدخل البلدين القويين في الساحة اليمنية.

المسلمة الثانية أن التسوية السياسية قد لا تلغي كل أسباب الصراع الداخلية، لكنها ستقود إلى تطبيع الأوضاع في اليمن وإنهاء المواجهات العسكرية وفتح الموانئ والمطارات وتحسين الوضع الإنساني.

المسلمة الثالثة أن التسوية السياسية يجب أن تُجرى بناء على موازين القوى على الأرض بغض النظر عن أي ادعاءات شرعية لأي طرف من أطراف النظام. ويبدو هذا التوجه واضحاً من خلال دعوات الأطراف الدوليين إلى تعديل القرار 2216 الذي وصف الصراع اليمني باعتباره صراعاً بين شرعية وانقلاب، وإعادة توصيفه باعتباه صراعاً بين أطراف مسلحة. 

على رغم واقعية هذا التناول، إلا أنه يغفل الكثير من تعقيدات الصراع الداخلي ويركز على إعادة “يمننة” الصراع بدلاً من إنهائه.

يبدو واضحاً من القرارات الأميركية الأخيرة أن الولايات المتحدة تملك الكثير من أوراق الضغط ضد السعودية والإمارات، لكنها تمتلك القليل جداً من أوراق الضغط على إيران. وهذا هو العيب الأبرز في الديبلوماسية الجديدة، على رغم إيجابياتها، لأنها موجهة بقوّة ضد طرف واحد من الأطراف الخارجية، هو السعودية والإمارات، إذ تستطيع الضغط عليهما من خلال تجميد مبيعات الأسلحة وفتح ملف انتهاكات حقوق الإنسان فيهما. لكن الولايات المحدة لا تمتلك أوراق الضغط النفسي القوي ذاتها تجاه الطرف الآخر (إيران) الذي ما زال غير مضطر لتقديم أي تنازلات.

على المستوى الداخلي تعاني السياسة الأميركية الجديدة من الفجوة ذاتها، فهي تملك أوراقاً كثيرة ضد الحكومة المعترف بها دولياً (الاعتراف الدولي، ملف انتهاكات حقوق الإنسان، القرار 2216)، لكنها في المقابل لا تملك أي وسائل ضغط ضد الحوثي، وأبرز مثال على ذلك أن الحوثيين في اليوم التالي لإعلان الإدارة الأميركية الجديدة نيتها إلغاء تصنيفهم كحركة إرهابية، قادوا عملية عسكرية ضخمة باتجاه مأرب بغرض إسقاطها. وهذا السلوك ليس جديداً، ففي اليوم التالي لإعلان إدارة ترامب تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، أطلقوا صاروخاً باتجاه الأراضي السعوية، وعقب اتفاقية ستوكهولم التي كان الغرض منها إيقاف القتال في ميناء الحديدة والتوصل بعد ذلك إلى وقف إطلاق نار شامل في اليمن، إلا أن الحوثيين فتحوا جبهات جديدة في الضالع ومأرب ونهم، تمكنوا من خلالها من اكتساح مساحات جديدة كانت الشرعية والقوات الموالية لها تسيطر عليها، ما أدى إلى اختلال خطير في التوازن العسكري، فأصبح الحوثيون القوة الأولى المسيطرة على الأرض.

لا يبدو أن الملف النووي الإيراني يمكن أن يتحول إلى ورقة ضغط قوية من أجل تخفيف التدخل الإيراني في اليمن، أو دفع إيران للضغط على الحوثيين للقبول بالتسوية السياسية.

كما أنه ليس واضحاً إذا كانت الديبلوماسية الأميركية الجديدة فعالة أم أنها مجرد سياسات رمزية لتلميع صورة بايدن الذي يأتي إلى السلطة في وضع مريح بعد سلفه الذي اعتبره كثر من الأميركيين أسوأ رئيس في تاريخها! إضافة إلى تبييض صفحة الولايات المتحدة الأميركية، بعد مغامرات دبيلوماسية كثيرة أساءت لها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.

لقد نجحت الديبلوماسية الأميركية الجديدة في الجانب السهل وهو الضغط على السعودية من أجل التخفيف من تدخلها في اليمن، لكن هل هذا النجاح فعلي أم شكلي، بخاصة أن الطلعات الجوية التي كانت تقوم بها السعودية أصبحت نادرة أو شبه مجمدة؟ كما أن معظم المساعدات العسكرية قد تم تجميدها عام 2018 بعد انكشاف انتهاكات التحالف قواعد الاشتباك وقصف المدنيين. كما أن الأسلحة التي تم تجميد بيعها هي للاستخدام العسكري الروتيني وليست بالضرورة للحرب في اليمن. والديبلوماسية الجديدة ستنجح في الضغط على الحكومة الشرعية لتخفيف العمليات العسكرية، لكنه نجاح شكلي أيضاً بسبب تفكك جبهات الشرعية وغياب القيادة الموحدة وانتشار الفساد في صفوف الجيش الوطني.

لا يبدو أن الملف النووي الإيراني يمكن أن يتحول إلى ورقة ضغط قوية من أجل تخفيف التدخل الإيراني في اليمن، أو دفع إيران للضغط على الحوثيين للقبول بالتسوية السياسية. إن الجانب الأصعب الذي يجب أن تنجح فيه الديبلوماسية الأميركية الجديدة لكي تصبح لها جدوى، هو إقناع الإيرانيين بالتوقف عن التدخل في اليمن وإقناع الحوثيين بإيقاف عملياتهم العسكرية، بخاصة بعدما أصبحوا الطرف الأقوى، وباتوا يطرحون أنفسهم بصفتهم القوة الشرعية والوحيدة التي تمثل اليمنيين.

وليس واضحاً ما إذا كان المسعى الجديد للتوصل إلى اتفاق إيراني- سعودي حول اليمن، سيساهم في إعادة يمننة الصراع وتقريب التسوية السياسية أم سيؤدي إلى “دولنة” الصراع بأساليب جديدة تحول الملف اليمني إلى ورقة تفاوضية للقوى الإقليمية المسيطرة في المنطقة.

إقرأوا أيضاً: