fbpx

“داعش” في البادية السورية: مدافن أسلحة وإتاوات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

منذ انهياره وبدء عمله على شكل خلايا في البادية، عاد التنظيم لاستغلال شبكات الفساد داخل المؤسسة العسكرية للنظام والميليشيات المتنفذة في ريف حماة وحمص لشراء الأسلحة والمعدات..

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، أعلن النظام السوري وحليفتاه روسيا وإيران، القضاء على تنظيم “داعش” في المناطق الواقعة غرب نهر الفرات، وذلك بعد السيطرة على مدينة البوكمال آخر معاقل التنظيم في أقصى شرق سوريا.

الفرحة بالقضاء على التنظيم لم تدم طويلاً، فما هي إلا أشهر قليلة حتى عاود التنظيم ترتيب صفوفه وتجميع بقايا مقاتليه، واتَخذ من البادية السورية مقراً جديداً له ومنطلقاً لعملياته العسكرية، التي باتت ثقباً أسود يبتلع عناصر قوات النظام والميليشيات الموالية لها.

هذا الموضوع يشرح كيف شرع التنظيم بلملمة نفسه وتأمين المال والمقاتلين بشتى الوسائل.

إقرأوا أيضاً:

نشاط مستجد

تنظيم “داعش” زاد من نشاطه خلال عام 2020 ومطلع العام الحالي، على صعيد العمليات العسكرية والخسائر التي يُكبدها للقوى التي يقاتلها، فبحسب إحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن التنظيم تمكن من قتل 1308 عناصر من قوات النظام وحلفائه بينهم اثنان من القوات الروسية و145 من الميليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية، في الفترة الممتدة بين آذار/ مارس 2019 وشباط/ فبراير 2021.

قدرة التنظيم على البقاء في البادية وسط سوريا، جاءت نتيجة سياسات عمل عليها في مراحل مختلفة، منها ما سبق مرحلة انهياره عام 2017، وأخرى خلال فترة وجوده في السنوات الماضية على شكل خلايا، هذه السياسات تتعلق بقضايا التسليح وتأمين الأموال والآليات ومثلها ما يتعلق بحاجة عناصره من طعام ودواء ولباس وغيرها.

يقوم التنظيم بالسماح لبعض الشبكات التي تهتم بالبحث عن الآثار والآتية من مناطق السخنة وحمص وريف حماة، بالتنقيب في بعض المواقع الأثرية في البادية، مقابل حصول التنظيم على نسبة مالية

مصادر التسليح

يعتمد تنظيم “داعش” على ثلاثة مصادر رئيسية لدعم قواته في البادية باحتياجاتها العسكرية من سلاح وذخائر، أول تلك المصادر مدافن الأسلحة التي تركها في فترة سيطرته على شمال سوريا وشرقها بين عامي 2015 و2016، المصدر الثاني “الغنائم” التي يكسبها عقب هجماته على قوات النظام وحلفائها، المصدر الثالث عمليات شراء السلاح من الأسواق السود، والتي تتم عبر وسطاء متعاونين مع خلايا التنظيم.

مدافن أسلحة

خلال ذروة تمدد “داعش” في شمال سوريا وشرقها عام 2016، تمكن التنظيم من السيطرة على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر خلال هجماته على قوات النظام، أبرزها مستودعات عياش غرب محافظة ديرالزور، التي تعتبر أكبر مستودعات السلاح الاستراتيجية في شرق سوريا، إضافة إلى مستودعات الأسلحة في مدينة تدمر، شرق محافظة حمص.

كميات الأسلحة التي توفرت لدى التنظيم والتي كانت تزيد عن حاجته نتيجة ركود جبهات قتاله مع الأطراف المعادية له في تلك الفترة، دفعته لإيجاد أماكن آمنة لتخزينها خوفاً من تعرضها لعمليات قصف جوي روسي أو من طائرات التحالف التي كانت ترصد تحركاته، ما دفعه إلى إيجاد مخابئ لها تحت الأرض في مناطق البادية السورية.

اختيار التنظيم المدافن في البادية، كان بسبب بعدها عن الأنظار، بخاصة أن مناطق وجوده في الحواضر المدنية ومقراته كانت مرصودة من متعاونين مع النظام والتحالف الدولي، بينما مناطق البادية غير المأهولة بالسكان لا تتوافر فيها مقومات العمل الاستخباراتي المناهض للتنظيم، لغياب السكان الذين يمكن اختراقهم وتجنيدهم كعملاء للقوى المعادية لــ”داعش”.

“داعش” أوكل لمجموعاته التي تعرف بـ”قاطع البادية”، والتي كانت مسؤولة عن إدارة مناطق البادية السورية في تلك الفترة، مهمة إنشاء تلك المدافن السرية والإشراف عليها وحمايتها، وهذه المدافن تركزت في المناطق الجبلية في سلسلة جبل البشري وبادية حمص الشرقية بخاصة المناطق المحيطة بمدينتي تدمر والسخنة. 

مع إعلان النظام السوري انطلاق معركة طرد “داعش” من شرق سوريا، حافظ التنظيم على الكثير من مدافن سلاحه في البادية، لتكون عاملاً مساعداً في عودته، بخاصة أنه كان مدركاً أن المعركة ستنتهي بطرده من مناطق سيطرته، بسبب الهجوم المتزامن غرب الفرات مع هجوم قوات “قسد” والتحالف الدولي على شرقه.

التنظيم يستفيد الآن من تلك الأسلحة والتي كانت عاملاً في تعزيز نفوذه في البادية، بخاصة أن مقاتلي “قاطع البادية” يشكلون نواة التنظيم الحالية في تلك المناطق، إضافة إلى عناصر التنظيم الذين انضموا إليهم في أيلول/ سبتمبر 2017، من أفراد التنظيم المنسحبين من محيط العاصمة دمشق، بموجب اتفاق الإخلاء الذي عقده التنظيم مع روسيا و”حزب الله”.

خلال السنوات الأخيرة ألقت قوات النظام القبض على عشرات الضباط من بينهم ضباط في الفرقة الرابعة “حرس جمهوري” والكثير من قادة الميليشيات مثل “ميليشيات الدفاع الوطني”، بتهمة سرقة الأسلحة وبيعها لتنظيم “داعش”

“الغنائم”

تعتبر الأسلحة التي يُسيطر عليها التنظيم خلال هجماته وكمائنه ضد قوات النظام، مصدر رئيسي في دعم قوات التنظيم المتواجدة في البادية، والتي ترفد مستودعاته بكميات لا بأس بها من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والذخائر.

اعتماد التنظيم على المكتسبات العسكرية واضح من خلال نوعية الهجمات التي ينفذها، فهو يتجنب خوض عمليات عسكرية ضد النقاط القوية لقوات النظام، لكون تلك الهجمات مكلفة عسكرياً وبشرياً بالنسبة إليه واحتمال فشلها كبير، بينما يركز هجماته على الأهداف الضعيفة والتي تتحرك غالباً على طرق الإمداد العابرة للبادية.

التنظيم تمكن خلال عام 2020 ومطلع العام الحالي من تنفيذ عشرات الهجمات العسكرية في ريف حماة الشرقي وريف الرقة الجنوبي وباديتي دير الزور وحمص، وتمكن خلال تلك الهجمات من السيطرة على الكثير من الأسلحة والذخائر.

عمليات الشراء

يعتمد “داعش” على عمليات الشراء للحصول على بعض الأسلحة والمواد التي لا توجد في مستودعاته السرية ولا يمكنه تأمينها من خلال هجماته العسكرية، وأهم تلك الأسلحة والمواد التي يركز التنظيم على شرائها، المواد المتفجرة والصواريخ المضادة للمدرعات من نوعية كونكورس الروسية والسهم الأحمر الصيني وغيرها.وشراء التنظيم الأسلحة والمواد المتفجرة يأتي عبر وسطاء يعمل معهم من ثلاث قنوات، الأولى عبر صفقات يعقدها مع شبكات من ضباط النظام الفاسدين وقادة الميليشيات الموالية له، والتي تقوم ببيع الأسلحة من مستودعات النظام إلى التنظيم.

عمليات شراء التنظيم الأسلحة عبر شبكات الفساد داخل المؤسسة العسكرية للنظام ليست جديدة، فخلال السنوات الأخيرة ألقت قوات النظام القبض على عشرات الضباط من بينهم ضباط في الفرقة الرابعة “حرس جمهوري” والكثير من قادة الميليشيات مثل “ميليشيات الدفاع الوطني”، بتهمة سرقة الأسلحة وبيعها لتنظيم “داعش”، من بينها ما عرف بخلية “بيت ياشوط”، التي تضم ضباطاً رفيعي المستوى، كانوا يتاجرون بالأسلحة مع التنظيم خلال عامي 2015 و2016.

منذ انهياره وبدء عمله على شكل خلايا في البادية، عاد “داعش” لاستغلال شبكات الفساد داخل المؤسسة العسكرية للنظام والميليشيات المتنفذة في ريف حماة وحمص لشراء الأسلحة والمعدات، فعام 2020 ضبطت القوات الروسية في مدينة تدمر، شحنة أسلحة كانت متجهة إلى التنظيم، وأثبتت التحقيقات أن مصدرها ميليشيات “صقور الصحراء” ومباعة لتنظيم مقابل مبلغ 100 ألف دولار، وتضم الشحنة ذخائر خفيفة ومتوسطة وصواريخ مضادة للدروع وألغام مضادة للدبابات والأفراد. 

المصدر الثاني لعمليات شراء الأسلحة فصائل المعارضة التي وقعت اتفاق المصالحة مع روسيا في درعا والقنيطرة جنوب سوريا، ففي السنوات الماضية كشفت تحقيقات أن فصائل من الجبهة الجنوبية وفصيل جيش أسود الشرقية، قاموا ببيع شحنات أسلحة إلى “داعش”.

وفي الفترة الحالية نشطت هذه التجارة، بعد تخلي الكثير من الشباب عن الفصائل العسكرية التي يعملون بها، ما دفع قادة تلك الفصائل لبيع تلك الأسلحة ومغادرة مناطق درعا والقنيطرة والتوجه إلى الأردن وتركيا، ومعظم تلك الأسلحة يشتريها التنظيم، بسبب قدراته المالية وحاجته لها.

أما المصدر الثالث فهو، عمليات الشراء من الأسواق السود، وهنا الأمر يكون بهدف شراء مواد مثل الأسمدة والكابلات الكهربائية التي تدخل في صناعة المتفجرات، إذ يستغل التنظيم كون المناطق المحيطة بالبادية في درعا والسويداء وريف حماة مناطق زراعية وتتوافر فيها تلك المواد، وتعتبر من أهم احتياجات التنظيم كونه يعتمد في معظم عملياته على تلغيم الطرق والتفجيرات، ما يجعلها من أكثر المواد التي يسعى التنظيم إلى امتلاكها.

إقرأوا أيضاً:

الموارد المالية 

على رغم مضي سنوات على فقدان التنظيم موارده المالية التي كان يعتمد عليها أثناء سيطرته على شمال سوريا وشرقها، من النفط والمحاصيل الزراعية وتجارة الآثار وفرض الإتاوات على المدنيين، إلا أن التنظيم لا يزال يملك المال الكافي لتزويد عناصره في البادية باحتياجاتهم، كما تمكن من إيجاد موارد تدر عليه أموال إضافية في أماكن انتشاره الحالية.

وتعتبر الأموال وكميات الذهب الكبيرة التي نقلها التنظيم من مناطق شرق الفرات إلى خلاياه في البادية خلال عملية “الوصل” في حزيران/ يونيو 2017، من أهم المرتكزات المالية لخلايا التنظيم في البادية، حيث تمكن التنظيم من نقل معظم الأموال وكميات الذهب والقطع الأثرية التي كانت في حوزته ونقلها من جميع مناطق سيطرته التي خسرها في ريف حلب والرقة وأجزاء من دير الزور، وكان يجمعها في مناطق هجين والباغوز قبل سقوطها.

عمليات نقل الأموال كانت من خلال هجوم نفذه التنظيم، تمكن خلاله من السيطرة على منطقة الصالحية وحسرات في ريف مدينة البوكمال الغربي، ثم قام بعملية النقل عبر نهر الفرات من طريق زوارق، قبل أن ينسحب التنظيم باتجاه البادية وتعاود قوات النظام السيطرة على تلك المناطق، وهذه العملية يُعتقد أنها أسفرت عن نقل زعيم “داعش” السابق، أبو بكر البغدادي الذي كان في الباغوز.

الأموال التي نقلت لا يزال التنظيم يحتفظ بجزء منها، ويستخدمها في بناء قدراته العسكرية من خلال شراء الأسلحة والآليات، كما يوفر من خلالها المواد الطبية والمعدات لعلاج جرحاه وتأمين حاجة مقاتليه من طعام وشراب.

كما عمد التنظيم خلال الفترة الماضية إلى إيجاد مصادر دعم مالي جديدة، إذ بدأ فرض إتاوات مالية على شبكات تهريب البشر التي تمر عبر مناطق نفوذه مقابل عدم اعتراضها، ضرائب التنظيم على شبكات التهريب ازدادت في العامين الأخيرين، نتيجة تهافت أبناء محافظات دمشق والسويداء ودرعا والقنيطرة، على مغادرة تلك المناطق هرباً من التضييق الأمني والظروف الاقتصادية السيئة التي تعيشها سوريا، وبحثاً عن فرصة للوصول إلى مناطق الشمال السوري وتركيا ومنها إلى أوروبا.

يعتمد “داعش” على ثلاثة مصادر رئيسية لدعم قواته في البادية : أول تلك المصادر مدافن الأسلحة التي تركها في فترة سيطرته على شمال سوريا وشرقها بين عامي 2015 و2016، المصدر الثاني “الغنائم” التي يكسبها عقب هجماته على قوات النظام وحلفائها، المصدر الثالث عمليات شراء السلاح من الأسواق السود

فالتنظيم يفرض مبالغ مالية على كل شخص عابر من مناطق سيطرته، هذه المبالغ يتم تحصيلها من المشرفين على شبكات التهريب، وتبلغ قيمة الضريبة المفروضة على العابر الواحد 100 دولار أميركي، وهذه الضرائب تتم جبايتها إما مادياً أو تقوم شبكات التهريب بتأمين أسلحة وذخائر بقيمة الأموال التي يملكها التنظيم في حساب تلك الشبكات جراء عمليات العبور.

عمليات الإتاوة لا تقتصر على عمليات تهريب البشر، بل يفرض التنظيم ضرائب على مهربي التبغ، لقاء عبور شحناتهم من العراق عبر البادية إلى محافظات غرب سوريا، وتعتبر الضرائب المفروضة على عمليات تهريب البشر والتبغ، المصدر المالي الثاني لتمويل التنظيم في البادية، والذي يحقق له عائدات مالية.

كما يقوم التنظيم أخيراً بالسماح لبعض الشبكات التي تهتم بالبحث عن الآثار والآتية من مناطق السخنة وحمص وريف حماة، بالتنقيب في بعض المواقع الأثرية في البادية، مقابل حصول التنظيم على نسبة مالية من ثمن الآثار التي يتم جمعها وبيعها من قبل تلك الشبكات، وفي بعض الأحيان يقوم التنظيم بعمليات التنقيب ويعطي الشبكات مهمة تصريف اللقى الأثرية مقابل منحهم أموالاً جراء قيامهم بعمليات تصريفها.

البدو مصدر الغذاء والدواء

ينتشر في مناطق بادية السويداء الشمالية الشرقية ومناطق تدمر والسخنة وبادية حماة الشرقية، العديد من أبناء قبائل البدو، حيث يبحث هؤلاء عن المرعى لقطعان الإبل والأغنام التي يملكونها، ووجود التنظيم في مناطق الرعي في البادية، فرض على هؤلاء الاحتفاظ بعلاقة جيدة مع خلايا التنظيم التي تجوب تلك المناطق.

التنظيم استغل محاباة البدو الذين يسكنون مناطق البادية له، حيث اعتمد عليهم في تأمين جميع مستلزمات مقاتليه من طعام وشراب وماء وأدوية، لقدرتهم على التحرك بسهولة بين البادية ومناطق سيطرة النظام في المدن القريبة، وكونهم لا يثيرون الشكوك في حال نقلهم الطعام والشراب والأدوية بكميات كبيرة، بسبب وجودهم في مناطق بعيدة وهم بحاجة لتلك الأشياء لتجنب عمليات السفر الدائم طلباً لها.

العلاقة بين الطرفين باتت علاقة تجارة ومساومة، فالتنظيم يشتري كميات الطعام والدواء والشراب بأسعار مضاعفة، تؤمن للبدو أرباحاً مالية، ما دفع كثراً منهم إلى امتهان هذا التجارة مع التنظيم، كما يعطي التنظيم للبدو المتعاملين معه حق الحماية ورعي قطعانهم طيلة فترة وجودهم.

كما يستخدم التنظيم البدو المنتشرين في مناطق وجوده، لتأمين الآليات التي تستخدم لنقل مقاتليه، عبر شرائها من قبل هؤلاء الأشخاص من مناطق النظام في حمص وحماة ثم نقلها إلى أماكن التنظيم، مقابل حصولهم على أموال منه، إضافة إلى تأمينهم المحروقات وقطع غيار السيارات وما شابه.

ومن المصادر التي يعتمد عليها التنظيم في تأمين غذائه أيضاً، سرقة قطعان الأغنام من سكان الأرياف والتي تخرج للرعي في أطراف البادية المجاورة لوادي الفرات، فخلال العام الماضي وحده، سرق التنظيم قرابة 2500 رأس من الأغنام من ريف محافظة دير الزور وحده بعدما قتل رعاتها.

إقرأوا أيضاً: