fbpx

“هدية لناكري الهولوكوست”: محاكمة تشهير بولندية تصدم المؤرخين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

منذ ثلاث سنوات، أُقر تشريع يحظر مناقشة المسؤولية البولندية في الهولوكوست، ما جعل حملة “حزب العدالة والقانون” للترويج “للبطولة البولندية” في ظل الاحتلال النازي والتخلص مما يُطلق عليه “وصمة العار”…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كسب القوميون البولنديون أحدث معاركهم في الدفاع عن سمعة بلادهم خلال حقبة الحرب العالمية الثانية، إذ ألزمت محكمة مقاطعة وارسو يوم الثلاثاء، 9 شباط/ فبراير، اثنين من كبار المؤرخين بالاعتذار إلى سيدة بسبب تشويه سمعة أحد أقربائها في كتابهما عن الهولوكوست. ستكون لهذا الحكم التاريخي تداعيات خطيرة على الحرية الأكاديمية ومستقبل بحوث الهولوكوست، مع إدانات واسعة من المؤرخين من جميع أنحاء العالم لهذا الحكم.

يقول عالم الاجتماع البولندي جان تي غروس، مؤلف كتاب “الجيران” Neighbours، الذي مثّل نقطة تحول في النقاش العام البولندي حول الهولوكوست منذ أكثر من 20 عاماً: “لا يصح أن تفصل المحاكم في تلك المسائل، بل يجب أن تخضع تلك الأمور للمناقشة بين العلماء والباحثين أو القرّاء المهتمين بتبادل الآراء. إنها فضيحة وجزء من المجهود الكبير الذي يُبذل من أجل إعاقة أي تحقيقات تتناول تواطؤ السكان المحليين في اضطهاد اليهود خلال تلك الحقبة”.

في العمل التاريخي “ليلة بلا نهائية In Night Without End، المُؤلف من 1700 صفحة، ركّز الباحثان جان غرابوسكي وباربرا إنجيلكينغ على مصير اليهود في بولندا بعد احتلال النازيين لها وشروعهم في تصفية الأحياء اليهودية عام 1942. ويتضمن الكتاب فقرة موجزة تسرد رواية إحدى الناجيات، إسترا سيميتيكا، اتهمت فيها إدوارد مالينوسكي، عمدة قرية مالينو الواقعة شمال شرقي بولندا، بالتعاون مع النازيين والإبلاغ عن مجموعة من اليهود المختبئين.

“لدي شكوك حقيقية حول هذا الحكم، إنه خطير على حرية الرأي والتعبير والبحث الأكاديمي”

ورفعت ابنة شقيقة مالينوسكي، فيلومينا ليشيشيسكا (81 سنة)، دعوى قضائية ضد المؤرخين. وموّلت الرابطة البولندية لمناهضة التشويه تلك القضية، وذكرت الرابطة في بيان مطول أن المؤرخين “لم يضرّا بسمعة إدوارد مالينوسكي وحسب، وإنما بسمعة بولنديين آخرين، بل وبولندا نفسها”، واتهمت الرابطة المؤرخين “بالاستهتار في التعامل مع المصادر التاريخية”. وتخدم الرابطة الأجندة السياسية لـ”حزب العدالة والقانون” الحاكم في بولندا، الذي يهدف إلى تحسين صورة بولندا خلال حقبة الحرب العالمية الثانية. وفي إطار مهمة “بدء ودعم الإجراءات الهادفة لتصحيح المعلومات الخاطئة عن التاريخ البولندي”، رفعت الرابطة دعاوى قضائية ضد من اتهمتهم بتشويه بولندا، وضمّت القائمة عدداً من المحطّات الإعلامية الدولية.

منذ ثلاث سنوات، أُقر تشريع يحظر مناقشة المسؤولية البولندية في الهولوكوست، ما جعل حملة “حزب العدالة والقانون” للترويج “للبطولة البولندية” في ظل الاحتلال النازي والتخلص مما يُطلق عليه “وصمة العار”، تتعرض لانتقادات واحتجاجات عالمية واسعة. غير أن ليشيشيسكا وداعميها سلكوا مساراً قانونياً مختلفاً في قضيتهم ضد إنجيلكينغ وغرابوسكي، زاعمين أن المؤرخين انتهكوا حقوقها الشخصية. وأقرّت المحكمة بانتهاك حق المدّعية في “احترام ذكرى أحد أقربائه”، بينما رفضت الادعاءات الأخرى ولم تحكم بأي تعويضات، وذكرت المحكمة أن الحكم لا يهدف إلى تقويض البحث الأكاديمي أو إعاقته. ويستأنف المؤرخان ضد الحكم.

وقال محامي الدفاع، ميشال جابلونسكي: “لدي شكوك حقيقية حول هذا الحكم، إنه خطير على حرية الرأي والتعبير والبحث الأكاديمي. من غير المسبوق أن تقرر المحكمة ما هي المصادر التاريخية الموثوقة بدلاً من المؤرخين. يتطلب هذا الحكم التحقق من شهادات الناجين قبل نشرها في أي مكان، وأن يتأكد الباحثون من دقة تلك الشهادات بشكل قاطع قبل نشر أي استنتاجات، ولا سيما إن كانت تتعلق بسوء تصرف شخص ما. من وجهة نظر المحكمة، فإن وجود مصادر أخرى تتعارض مع شهادة الناجي تمثّل سبباً كافياً لمنع الباحثين من نشر بحوثهم إذا كانت تتعارض مع الحقوق الشخصية لشخص ما. هذا المعيار يجعل البحث التاريخي مهنة بالغة الخطورة، بل مستحيلة في واقع الأمر، وذلك لعدم إمكان التحقق من شهادات الناجين في معظم الحالات”.

وسارعت مؤسسات دولية وأكاديميون من مختلف أنحاء العالم إلى إدانة الحكم. إذ أعربت مؤسسة “ياد فاشيم” الإسرائيلية المعنية بتخليد ذكرى ضحايا الهولوكوست “انزعاجها الشديد من تداعيات هذا الحكم”. وقال ساشا فوشرت، مدير قسم أدب الهولوكوست في جامعة غيسن، ألمانيا: “في الكثير من وقائع الهولوكوست، لا نملك سوى شهادات الناجين. لا شك في ضرورة التحقق من تلك الروايات ومناقشتها في الأوساط الأكاديمية قدر الإمكان، ولكن هذا الحكم وتداعياته تهدد أسس البحوث المستندة إلى شهادات الناجين، بل وتشكل هدية أيضاً لناكري الهولوكوست”.

قبل الحرب العالمية الثانية، كان المجتمع اليهودي في بولندا هو الأكبر في أوروبا، بتعداد وصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، لم ينجُ منهم سوى 10 في المئة فقط. ولكن في المقابل، أنقذ البولنديون عدداً من اليهود أكثر من أي دولة أخرى إبان الحرب، وتكرمهم مؤسسة “ياد فاشيم” بوصفهم “الصالحين بين الأمم”. بيد أن الكتاب التاريخي “ليلة بلا نهائية”In Night Without End، يقدم أدلّة على مشاركة البولنديين في قتل المواطنين اليهود على نطاق أوسع مما كان يُعتقد سابقاً، بتقديرات وصلت إلى مقتل اثنين من كل ثلاثة يهود حاولوا الاختباء بين بولنديين غير يهود. يتضمن التاريخ البولندي خلال حقبة الحرب العالمية الثانية أعمالاً همجية إلى جانب الأعمال البطولية، الأمر الذي تختلف وتتنازع عليه القوى الحاكمة بشدة.

إقرأوا أيضاً:

كانت إسترا سيميتيكا من بين القلّة الناجين، وشهادتها الواردة في كتاب “ليلة بلا نهاية” Night Without End، هي التي على المؤرخين، إنجيلكينغ وغرابوسكي، الاعتذار عنها في الوقت الراهن. وتلقي قصتها الضوء على الأحداث السوداوية لتدمير المجتمع اليهودي في بولندا. ونشرت إنجيلكينغ سرداً تفصيلياً لقصتها، بالاعتماد على مصادر متعددة، على الموقع الإلكتروني للمركز البولندي لبحوث الهولوكوست، حيث تشغل منصب مديرة المركز.

هربت سيميتيكا من حي دروشيتشين اليهودي شمال شرقي بولندا بعد اجتياح النازيين له وتدميره وترحيل معظم سكانه إلى معسكر الإبادة “تريبلينكا”. اختبأت سيميتيكا في إحدى الغابات مع شقيقها الأصغر الذي لم يكن قد بلغ عامه الثاني بعد، إلى جانب شقيقتها الكبرى وطفليها، لكنهم أُسروا وقُتلوا جميعاً في الوقت الذي كانت تبحث فيه سيميتيكا عن طعام لها ولهم. ثم وصلت سيميتيكا إلى قرية مالينو، وتوجهت إلى عمدة القرية، إدوارد مالينوسكي، طلباً للمساعدة. وساعدها مالينوسكي على الهروب من بولندا إلى مقاطعة بروسيا في ألمانيا بين صفوف العمالة القسرية.

وبعد الحرب، خضع مالينوسكي للمحاكمة بتهمة التعاون مع النازيين وخيانة مجموعة من اليهود المختبئين. وقدّمت سيميتيكا إفادتها دفاعاً عن مالينوسكي، وقالت إنه أنقذ حياتها وساعد عدداً من اليهود الآخرين، وبُرّئت ساحته. إلا أنها في مقابلة مع مؤسسة Shoah، المعنية بإجراء مقابلات سمعية وبصرية مع الناجين وشهود الهولوكوست، وتحت اسمها الجديد، ماريا ويلتغرين، اتهمت مالينوسكي بالتواطؤ مع النازيين وسرقتها. ووجدت إنجيلكينك أن تلك الرواية الأخيرة أكثر صدقاً في إعادة بناء القصة، وأدرجتها في كتاب “ليلة بلا نهاية”.

إنها قصة معقدة جداً، بالنظر إلى شهادتي سيميتيكا المتضاربتين. ولكن إنجيلكينك أوضحت أن الفقرة المعنية في كتابها تسرد رواية الناجية، وأنها مجرد مسألة نقل وتسجيل. وفي المقابل، صرّح القاضي أن المؤرخين كان حريّ بهما الحد من ثقتهما في رواية سيميتيكا بسبب تلك التناقضات.

وقبيل محاكمة مالينوسكي، تعرّض الشهود للترهيب والضرب على يد عصابة مناهضة للشيوعية، ما أدّى إلى تغيير بعضهم شهاداته. قد يفسّر ذلك سبب تضارب روايتي سيميتيكا. أو ربما أيضاً، كما تقترح إنجيلكينك، كانت تشعر بالامتنان تجاه مالينوسكي في وقت المحاكمة لإنقاذه حياتها.

قبل الحرب العالمية الثانية، كان المجتمع اليهودي في بولندا هو الأكبر في أوروبا، بتعداد وصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، لم ينجُ منهم سوى 10 في المئة فقط.

هناك مخاوف من أن تصبح المحاكم ساحات اختبار وتقييم للعلوم والبحوث، وليس المجتمعات الأكاديمية، وأن التهديدات ضد الأكاديميين والصحافيين في بولندا أصبحت معتادة ومتكررة. في وقت سابق من هذا الشهر، استجوبت الشرطة الصحافية كاترزينا ماركوز لأنها كتبت: “كانت كراهية اليهود منتشرة بين البولنديين، ومشاركة البولنديين في الهولوكوست حقيقة تاريخية”.

ويعتقد ميكولاج غرينبرغ، الكاتب الذي وثّق الروايات البولندية- اليهودية في كتبه، أن أجندة الدولة للترويج للبطولات البولندية تتعارض مع الحقائق التاريخية. ويقول: “الهدف هو أن نشعر بالرضا عن أنفسنا وبأننا شعب مُختار، وأننا الأمة الوحيدة التي لا يوجد بها إلا النبلاء. هذا تفكير مراهق ومن الأخبار السيئة أننا لن نكون بلداً ناضجاً. لذا سوف نبقى هكذا لسنوات”.

تعد قصة سيميتيكا مجرد ملاحظة جانبية في كتاب “ليلة بلا نهاية”، الذي يركز أساساً على مصير اليهود في بولندا، بينما تمكنت سيميتيكا في الهروب إلى ألمانيا. ولكن بالنسبة إلى القوميين، ستكون هذه القضية سلاحاً يلوحون به في وجه كل من يجرؤ على التفتيش عن الحقائق. وفي الترجمة الإنكليزية المنتظرة لكتاب “ليلة بلا نهاية”، يأمل إنجيلكينك وغرابوسكي بأن ينجح عملهما في إفساح المجال أمام مناقشة الماضي البولندي “بعيداً من العواطف ومشاعر الاستياء والأساطير، وإنما على أساس المعرفة التاريخية السليمة”. وسيكون استئنافهما هذه القضية

اختبارهما الأول في سبيل تلك الغاية.هذا المقال مترجم عن theguardian.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.